شناسه مطلب صحیفه
عنوان:   
تاریخ:   
مکان:   
قم‏
موضوع:   
الموحّدون في مواجهة المتجبِّرين - دور العلماء في الحركات المعاصرة
حضار:   
حرس قم من رُكّاب الدرّاجات النارية- وموظفو شركة النفط بمدينة آبادان‏
شناسه ارجاع:   
جلد ۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۳۰ تا صفحه ۲۳۵

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الإسلام مدرسة الحركة

الإسلام مدرسة الحركة، والقرآن كتابها، الحركة من الشهادة إلى الغيب، مِن المادّية إلى المعنويّة، الحركة في سبيل العدالة، الحركة لإقامة حكومة العدل. وما يؤسف عليه هو أنّ أولئك الذين كانوا يريدون الغارة على الشرق وأسر الشعوب الإسلامية بثوا من الدّعاية حتى وثق بهم أولئك الشرقيون الغافلون عن الإسلام والمدارس التوحيدية. بثّ أولئك أن الدين أفيون الشعوب، أي أنّ الدين جاء لِيُنيمَ الشعوب، وهذا عكسٌ لحقيقة المدارس التوحيدية، هذا كلام رجال الدين الذين كانوا في البلاط، هذا كلام علماء البلاط، وهم في خدمة الأثرياء. كانت هذه الدعاية سارية عَدَدَاً من السنين، وتعاظمت في العقود الأخيرة في عهد هذا الأب وابنه. وهذا ما جرى خلاف الواقع تماما.

رسالة الأنبياء إيقاظ الناس‏

إذا نظرتم في أحوال الأنبياء وتاريخهم، وتأملتم تاريخ الإسلام وصدره القريبين مِنّا ترون خلاف هذا التبليغ الذاهب إلى أنّ الدين أفيون الشعوب، أي: أنّ الدين جاء لينيم الناس إذ يُغرِقهم في السكوت كحشّاش يغرق في النعاس، هكذا يفعل بهم ليستولي عليهم الرأسماليون، وهذا تضليل، فتاريخ الأنبياء إذا لاحظتم جليٌّ أنهم جاؤوا ليوقظوا الناس، ويفطّنوا الغافلين منهم، ويبعثوا مَنْ غَطّوا في سباتٍ عميق. فتاريخ موسى- عليه السلام- مفصّل في القرآن وفي الكتب السماوية الأخرى أيضا، وتجدونه فيه إنساناً راعيا، كان راعياً لشعيب النبي، وقد عبّأ الناس بعصاه على فرعون الذي كان القوّة الكبرى في زمانه، ولم يُنِمْهُم لِيستعبدَهم فرعون. لقد أيقظ الناس، لئلا يسترِقّهم فرعون، وهذا عكس ما بَثوا وصدّقه شبّاننا.

مجابهة الإسلام للمتجبِّرين‏

الإسلام قريب منّا، وتاريخ رسوله بين أيدينا، فانظروا، أترون الإسلام جاء ليخدِّر الناس ويُنيمَهُم، أو أنّ القرآن كتاب تسلّح واستعداد للقتال ومنازلة المشركين الذين كانوا مقتدرين ونصُّه: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) «1» فالمشركون كانوا هم القوى الكبرى، ومشركو قريش كانت القدرة كلها بأيديهم. هل عبّأ الرسول المشركين ليقوّيهم؟ هل عَمِل ليُنيم الناس حتّى يهيمن عليهم المشركون أو عبّأ هؤلاء المكشوفي الرؤوس الحُفاة على قريش وقاتلهم بهم وحاربهم حتى مرَّغ أنوف المشركين، وأوجد العدالة الإجتماعية على عكس ما أملاه الغربيّون على الشرقيين. ونأسف على تصديق كثير منّا لهذا وهو تضليل واسع.
في عهد رضا خان- وأكثركم أو لا أحد منكم يذكر- كان أوّل أهدافه بعد الاقتدار هو القضاء على الروحانيين، كان أوّل هدف له هذا، فهدموا المدارس الدينية، وخلعوا لباس علماء الدين، وأخذوا جماعة من محترميهم في الشوارع في المحلّات التي كانت لهم، واقتادوهم إلى مراكز الشرطة، ولم يقولوا لهم: بدّلوا لباسكم، بل مزّقوا عباءاتهم وأقبيتهم من وسطها ورموها بعيداً عنهم، لتكون مثلًا حلَّة غربية، هكذا عاملوهم، وكان هذا أمراً ملكيا.
هل خدَّر الإسلام الناس أو أن تاريخه يبيّن أنّ رسوله كان في مكة يستخفي من فتك المشركين، ويدعو للإيمان بالله سِرّا، وعندما عجز، وصمّم أولئك على قتله هاجر إلى المدينة، وكان الذين آمنوا به وآزروه الطبقة الدُّنيا، وهم هؤلاء الفقراء أصحاب الصُّفّة المعروفون، وهم عدّة كانوا يأتون المسجد، وينامون على هذه الصُّفةِ وهي شبه دَكَّةٍ لهم اتخذوها مأوى، لأنّهم بلا منزل. وفي المعارك التي دارت لم يكن لهم شي‏ء من وسائل القتال ما عدا تمرة كان بعضهم يَرُدُّها عن فيه، ويُعْطيها القريب منه، وتدور بينهم من يد ليد، هكذا يقولون، وهكذا كان وضعهم. هؤلاء عبّأهم الرسول على الرأسماليين، على المقتدرين، على مشركي قريش الذين كانوا يقمعون الناس. ودعاية الغرب على عكس هذا، فهم يفترون أن الرسول جاء ليخدِّر الناس ليسترِقّهم الأقوياء في حين أن تاريخ الرسول مشرق بأنّه جاء ليعبّئ المستضعفين والمحرومين ليجابهوا المستبدّين ويقفوهم عند حدِّهم، ويقيموا العدالة الإجتماعية.

نظرة لتاريخ نهضة العلماء في القرن الأخير

ويقولون في علماء الدين: هؤلاء وعّاظ السلاطين أعدَّهم الحاكمون ليخدّروا الناس لهم كي يسترقّوهم. أنا نفسي كنت في حافلة بطهران مع رجلين في عهد رضا شاه، جئنا من شمال المدينة إلى الجنوب، وفي الحافلة عدَّةُ نفر، وبدأ اثنان منهم حديثا، فقال أحدهما: أنا لم أرَ هذه المظاهر منذ سنوات. وأشار إلينا، وكنّا ثلاثة معمّمين، ثمّ قال: هؤلاء صنعهم الإنجليز في النجف وقم ليستغفلوا الناس ويسكتوهم لمصلحة أولئك. كان هذا إنساناً جاهلًا طبعاً، لا مُغترضاً، نفثوا في رُوعِه، فصدَّقهم، وكثير من شبّاننا صدّق ما سمع في حين أن تاريخنا في السنوات الأخيرة هذه المئة سنة الأخيرة إذا لاحظناه فيها وجدناه مثل سابقه، ونحن حين نلاحظ المئة سنة الأخيرة نجد كل حركة حدثت فيها كانت على يد علماء الدين على السلاطين، فحركة التبغ كانت على سلطان ذلك الزمان «2». والحركة الدستورية كانت على النظام مع قبولها إيّاه كانوا يريدون إيجاد العداالة. وفي زماننا ثار عدد من علماء الدين على رضا خان مرَّات: مرَّة في خراسان، ومرّة في أذربيجان ومرّة في إصفهان، ودعوا جميع أنحاء إيران إلى قم، وكنّا قد شاهدنا هؤلاء وكلهم كانوا ثائرين على رضا خان، وكان مقتدراً، وغلب هؤلاء. فقبض على علماء أذربيجان وأخذهم على ما أظنّ إلى سنقر. عالمان من كبار العلماء هما المرحوم آميرزا صادق آقا «3» والمرحوم أنكجي «4» أخذوهما في سنقر أو نحوها من أطراف كردستان، وبقيا هناك منفيين مدّة، وبعدما أطلقوا سراحهما جاء المرحوم آميرزا صادق آقا إلى قم، وبقي فيها، ولم يذهب إلى أذربيجان. حتى توفّي. وعندما ثار علماء مشهد أخذوهم جميعاً وجاؤوا بهم إلى طهران، وحبسوهم فيها. وكانوا يأخذون كبارهم إلى المراكز أو المحاكم في الشوارع حُفاةً مكشوفي الرؤوس لاستنطاقهم. وعلماء إصفهان إذ جاؤا إلى هنا كسروا إضرابهم بالضغط والحيلة، بل عُلِمَ حينها- كما قالوا- أنّهم سَمّموا المرحوم الحاج أقا نور الله «5» الذي هو كبيرهم. فالقيام على هؤلاء بَدَأهُ علماء الدين. والناس طبعاً ساعدوا إلى حدّ ما.

قلق الاستعمار من قوتين إلهيتين‏

لكن في المقابل قالوا للناس: العلماء أصلهم رجال البلاط، فهؤلاء يعملون للبلاط، يريدون أن يحفظوا الملكية، ويَسْتَبْقوا البلاط، في حين أنّهم خلاف ذلك، وكان المتسلّطون يُبلّغون عكس الحقيقة تماماً، لماذا؟ لأنهم رأوا قوتين إذا بقيتا لن يستطيع أسيادهم نهب ثروات إيران، فهم خبراؤهم أنّ هاتين القوتين إذا بقيتا في بلدان الشرق يجب عليهم أن ينفضوا أيديهم منه: إحداهما الإسلام الذي إذا بقي في الشرق وحكم، فلن يَدَع أولئك يأخذون كل ما لدينا من طاقة إنسانية وغير إنسانية، ويمضوا بها. والقوّة الأخرى هي قوة علماء الدين التي إذا بقيت والناس معها، فلن يَدَعوهم ينالون من خيراتهم شيئا. إذن يجب القضاء على هاتين القوتين: الإسلام ورجال الدين. فيحطم الإسلام بدعوى أنّ الدين إفيون الشعوب حتى إنّ الكتاب الخبثاء ردّدوا هذا القول بيننا، وهو شائع حتى اليوم، أجل هو موجود اليوم في الوقت الذي‏ يرون فيه بأمّ أعينهم أنّ علماء الدين هم الذين يعبّئون الناس ويثيرونهم على هذا النظام. لا يستطيعون أن يروا هذا، يريدون أن يهزموا هذه القدرة. أي أنّ هؤلاء عملاء أولئك الذين يريدون هزيمة هذه القدرة. لقد درس هؤلاء، ورأوا أنّه إذا بقيت هذه القدرة محفوظة والناس جميعهم معها، فإنهم يستجيبون لها عندما يعلو صوتها في أيّ وقت. فلابد من حَطْمها بين الناس. في عهد رضا خان عملوا بنحو لا تحمل سيارات الأجرة فيه شيخاً. قال أحد أصدقائي من علماء ذلك الوقت- رحمه الله- عندما أردت أن أجي‏ء من العراق إلى قم ذهبت أستأجر سيّارة، فقال السائق: قرّرنا ألّا نحمل فئتين: العاهرات والشيوخ. هكذا كان التبليغ في عهد رضا خان، لا أنّ هذا السائق نفسه كان يريد هكذا، وإنّما لقَّنوه هذا، وعلى هذه الصورة كان التبليغ، عملاؤهم منتشرون في كل مكان ينفثون سوءهم عليهم، لماذا؟ لأنّ هؤلاء إذا كان لهم أدنى وعي، وكانوا بين الناس على ما يجب أن يكونوا عليه لا يدعون طائفة أو دولة تأتي، وتبتلع طرفاً من بلادهم، وكان ذاك الرُّجيل «6» يقول: (لو لم أكن، لتجزّأت إيران، وصارت ايرانستان) وذا هو غير موجود، وإيران هي إيران، لا جُزئت ولا أصبحت إيرانستان ويد أولئك أيضاً كُفّتْ عنها.

الدعاية الواسعة ضد الإسلام وعلماء الدين‏

انتبهوا أيها الإخوان أنّ الشياطين ما زالوا موجودين، وما زال أولئك الذين يريدون فرض قضيتين يقولون: لا للإسلام، فالوقت ليس له، أولئك الملعونون أيضاً يقولون وهم من عملاء الآخرين ذلك القول، ويصدعون به: (الإسلام ل- 1400 سنة قبلُ) وهذا الإسلام الذي بلغ تحرُّكه إزالة هذا النظام الذي محاه بهتافه يريدون حَطْمَه. هؤلاء خدمُ أولئك وهم خونة إمّا عن علم وعمد، وإمّا عن جهل وعدم فهم. هؤلاء يريدون حطم القدرة الثانية.
إذ لمس الأجانب الآن أنّ الإسلام يستطيع أن يفعل مثل هذا، لمسوا أنّ علماء الدين يستطيعون أن ينهضوا بمثل هذا العمل، ولذا يبلّغون أكثر من تبليغهم في ذاك العهد، عملاؤهم ينشطون أكثر من نشاطهم في ذاك الزمان، فأولئك الذين أتوا من الخارج منهمكون في المؤامرة، وسيزيدون دعايتهم السيئة أكثر مما مضى، ولهذا تقرأون تلك القضايا في قسم من مقالاتهم، إلّا أنّهم لا يستطيعون التصريح، إنّما يقولونه تلْميحاً ويُلقونه إيماءً، لأنّهم لا يتمكّنون من أن يقولوه واضحاً جليّاً، يقولون هذه القضايا مبطّنةً، وهذه أمور كانت منذ بداية عهد رضا خان، أكثرها كان إلّا أنّ تبليغ هاتين القضيتين كانتا أي: التشهير بالإسلام، والتشهير بعلماء الدين، أعني التشهير بالإسلام وخُدَّامه. كان هذا التبليغ منذ عهد رضا شاه، فقد صدَّق هذا التشهير كثير من الناس في عهده بكثرة التشهير والضغط الذي أنزلوه بهم والإيذاء الذي مارسوه عليهم في ذلك الوقت. وفي هذا الزمان عدد غفير من شبّاننا ضُحِكَ منهم وخُدِعوا، فأعرضوا عن الإسلام وعن علماء الإسلام.

الثورة بقيادة رجال الدين‏

وإذ فهموا الآن أنّ الإسلام هو الذي هدم هذا السدَّ العظيم، وأنَّ قدرة علماء الدين هي التي عبّأت الناس في كل مكان، أينما ذهبتم رأيتم تلك المدينة هو الذي عبّأ الناس، ووحَّدهم وجمعهم في رحاب المنبر والمحراب، وهاجهم حتى تحطّم السدّ. والآن أيضاً تتوسّل طائفة أفراد بنغمات مختلفة من خلف الستر ومن أمامه أن يطرحوا هذه المسائل، أي ذاك الأمر الذي كان ينبعث من حناجر أفراد في زمان رضا خان، والآن تنبعث تلكما القضيتان من حلقوم طائفة أنّ (الإسلام قديم، ولا يناسبُ بعد، ويجب أن يذهب العلماء لشأنهم، أين يجب أن يذهبوا؟ هل يُراد أن تقوم دكتاتورية علماء الدين)؟ لا أدري أين هذه الدكتاتورية لعلماء الدين؟ أي شيخ ديكتاتور هذا الذي يقولون؟

التحزّب والفئوية

على كل حال استيقظوا أيها الإخوان، لنجتنب الشباك التي كانت في ذلك الوقت، وأوقعتنا في ظلمة الشقاء، وأسقطت الإسلام من عين الشعب لا من عين الجميع طبعا، بل من عين الكثير من المثقّفين، وأسقط علماء الدين من عيونهم. هذه الخطة الآن موجودة، هذه الخطة، هذه الأمور وهذه الأقوال موجودة، يقعدون جماعة جماعة يتكتلون، نحن عانينا وعلماء الدين عانَوا لِيؤَلّفوا بين الطبقات المختلفة التي أنجزت هذا العمل، وحطمت هذا السدّ، وظهرت الآن جماعات كثيرة، اقرأوا الصحف، لتجدوا كل يوم جماعة كذا وجماعة كذا وجماعة كذا، قطعة قطعة، ما هم بشي‏ء، إذ يصيرون قطعة قطعة. وعندما ذهبوا جماعة جماعة كان الإسلام يريد وصلهم بعضهم ببعض، وعانى العلماء حتى حققوا هذا الوصل بينهم. والآن يَدَّعي أولئك أننا نريد الشعب، نريد الشعب، أولئك المدّعون بالثقافة كثيرا، فإن كانوا خونة، فمعلوم أنهم يقولون عن فهم، وإلّا، فهم لا يفهمون أنّ هذه الجماعات اتّصل بعضها ببعض وكوّنت هذا السيل العظيم، وحطمت هذا السدّ الكبير. وإذ يسيرون الآن منسجمين يَجِدّ العدوّ في تمزيقهم فرقة فرقة تمضي إحداها جانباً، وتتخذ الأخرى جانباً، وبعدها الثالثة، فيتباعد الجميع بعضهم عن بعض، لينفتح الطريق لأولئك المستغلّين.

الجميع تحت لواء الإسلام‏

انتبهوا، ولا تكونوا فئات فئات، فهذه البلاد تقدّمت بالوحدة، فلا تفرِقوها وتمسّكوا بهذه الآية القرآنية: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) «7» أي لا تأخذوا بداعي الفرقة، وهو حساب هذه الجبهة وتلك النهضة وذاك الحزب وهذا الفريق، كونوا جميعاً معا، وتحابُّوا.
التحزب منشأ العداوة، فهذا يجرّ من هذا الطرف، وذاك من ذاك الطرف. كونوا جميعاً تحت راية واحدة، انضووا معاً تحت علم واحد هو ذاك الذي نصركم، والتزموا هذا من الآن فصاعدا، وستنتصرون إن شاء الله.
أنا آمل ألا يستطيع هؤلاء أن يُوجِدُوا صَدْعاً عميقاً بينكم. وفَّقكم الله جميعاً، وسلِمتُم.

سایت جامع امام خمینی رحمة الله علیه