شناسه مطلب صحیفه
عنوان:   
تاریخ:   
مکان:   
طهران، جماران‏
موضوع:   
الإمتحانات الإلهية في حياة الإنسان وبيان الأعظم منها
حضار:   
عائلات شهداء دزفول جمعٌ من أهالي خرم آباد، بل دختر، كوهدشت لرستان، برفقة عدد من علماء الدين تلك المناطق، بالإضافة إلى نائب أهالي (هَلاوي) في مجلس الشورى الإسلامي وأطفال موسوية طهران‏
شناسه ارجاع:   
جلد ۱۳ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۵۷ تا صفحه ۳۶۲

بسم الله الرحمن الرحيم‏

ملازمة الامتحان لوجود الانسان‏

في بعض الأحيان يحار المرء فيما يقول لدى رؤيته هذه المناطر المؤثرة، فأمامي الآن أرى صوراً للشهداء، وتلك اللافتة هناك تخبر عن مجيى‏ء عائلات شهداء دزفول وجمع من عشائر وأهالي خرم آباد الأعزاء، وعلى هذا الجانب تجمع لأطفال موسوية طهران. فما الذي يجب قوله عند رؤية هذه المناظر؟ إن الإنسان مهما كان، من أشرف الأنبياء والأولياء إلى أي شخص عادي، مخلوقٌ ليمتحن في هذه الدنيا، وهذا الإمتحان ملازمٌ لوجوده ولا يوجد إنسان على هذه الأرض مستثنى من ذلك. تارةً يكون هذا الإمتحان بالخوف، والجوع ونقص في الأموال والأنفس والنقص في الثمرات وأمثال ذلك، وهذا ما نشهد تحققه الآن في الكثير من المناطق التي دمرتها الحرب؛ في دزفول وأهواز وسوسنكرد وغيرها من المناطق التي تعرضت لهجوم الكفار المعتدين، وما هذا أيها الأعزاء من أبناء تلك المناطق إلا إمتحان إلهي يريد الله أن يختبركم ويختبرنا به. فأحياناً يختبر الإنسان بالخوف وعدم الأمن وأحياناً أخرى بالأمن والاستقرار، تارة يمتحنه بالنقص في الثمرات والأنفس فيقتر عليه رزقه و يحرمه من أولاده أو إخوته أو أطفاله أو زوجته، وتارة يختبره ويمتحنه بالعيش الرغيد وكثرة الأموال والأولاد والعشيرة. فالإنسان في حال إمتحان دائم إمّا بالخير أو بالشر، ولن يتخلّى عنه الإمتحان لمجرد إدعائه الإيمان. حتى كبار الأنبياء تعرضوا للإمتحان، فقد امتُحن سيدنا إبراهيم الخليل (ع) بتلك المسألة المحيّرة وهي أمره بذبح ابنه إسماعيل «1». وامتحن سيد الشهداء (ع) في كربلاء، وجميع البشر سيُمتحنون أيضاً. وإن الإمتحان بالعيش الرغيد والثروة والمال والجاه والرئاسة وأمثال ذلك أشد وأعظم من الإمتحان بالفقر والفاقة والنقص في الأموال والأنفس. فكم من الأشخاص الذين ادّعوا الإيمان، ولكن عندما امتحنوا تبيّن أنه كان مجرّد إدّعاء. وكم من الذين يدّعون بأنهم أنصارٌ للضعفاء والمظلومين ولكن عندما يتعرضون للإمتحان في ذلك، يسقطون فيه. وكم من الذين يدعون أنهم في حال نشوبرب فسيكونون السّبّاقين في الذهاب إلى الجبهات والجهاد، ولكن عندما يمتحنون بذلك، تجدهم يلتمسون الأعذار للفرار منها. لقد كنتم أيها الدزفوليون والأهوازيون والسوسنكرديون، في حال إمتحان وقد خرجتم منه ناجحين.

النجاح في الإمتحان وبشرى للصابرين‏

إن هذه الصور التي تحملونها والتي تبعث على الأسف والتأثر، هي وثيقة إمتحانكم ووثيقة إفتخاركم، وإن الله تعالى قال في محكم كتابه: «وبشّر الصابرين» «2». الصابرون عند المصائب والصابرون على الفاقة ونقص المال والصابرون على فقد الأولاد والأحبة، «لذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون». وإن أولادنا وشبابنا من الله وفي سبيله استشهدوا وإليه رجعوا. فالإنسان إذا ما أدرك حقيقة أن كل ما لديه هو من عند الله ومن عطايا ومنن الله عليه؛ الأولاد، الأموال حتى نعمة الحياة إن الإنسان إذا ما أدرك هذا المعنى وآمن به قلبه واطمأن به فسيدرك أن كل ما لديه هو أمانة الله عنده، وأن ما يفقده ليس إلا أمانة ردت إلى صاحبها. فالأولاد أمانة الله عندنا، والأموال والأرزاق أمانة الله عندنا، والزوجة والولد أمانة الله عندنا وقد رُدّت الأمانة إلى صاحبها، وجميعنا لله وجميعنا إليه راجعون فنحن لو أدّينا إمتحاننا كما يجب، واقتدينا في ذلك بالأنبياء والأولياء والصالحين، فسنكون من أولئك المبشرين الذين وعدهم الله بالصلاة عليهم وبالرحمة والمغفرة والهداية «3». إن إمتحانكم هذا أسهل من تلك الإمتحانات التي يختبر بها الله رجال الدولة والحكومة. فكم في هذه الدنيا من حاكم ورئيس للجمهورية كان يدّعي قبل تسلمه الحكم والرئاسة احترامه لحقوق الإنسان، ونضاله من أجل الحرية ومن أجل رفاه المحرومين‏ والدفاع عن المظلومين، ولكن ما إن إمتحنه الله وسلّمه الحكم والرئاسة، حتى نكص على عقبيه، وظهر زيف إدعائه، وبدل أن يدافع عن حقوق الإنسان، يدوس على هذه الحقوق، وبدل الانتصار للضعفاء والمساكين يسعى إلى دمارهم وهلاكهم. وهنا أيضاً مقابل تبشير الصابرين بالرحمة والمغفرة والخلود، يبشر هؤلاء المجرمين بالعذاب والخزي والعار الأبدي.

ضرورة الإمتحان، وعدم كفاية مجرد الإدعاء

لابد من أن نُمتحن، ومجرد الإدعاء بأني مؤمن، ومن دعاة الحرية والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأني لو أصبحت رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء، أو رئيساً للقبيلة أو العشيرة، فإني سأعامل الناس معاملة حسنة، وسأعمل من أجل تحقيق رفاههم وسعادتهم وحريتهم وحل مشاكلهم. كل هذا مجرد إدّعاء لا يعتمد عليه. بل عندما يتسلم هذا الشخص ذلك المنصب، ويصل إليه، عندها علينا أن نطالع حاله وندرس أوضاعه وأفعاله؛ أهو مثل كارتر، أم مثل علي بن أبي طالب (ع)؟ أيعامل المستضعفين والمقهورين كما كان يعاملهم علي بن أبي طالب (ع) أم يعاملهم كما كان يعاملهم كارتر أو ستالين «4». فإن هؤلاء كان لهم إدعاءاتهم أيضاً، فستالين كان يدّعي العمل من أجل الناس، ومن أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة، ولكن عندما تسلّم السلطة راح يبيدهم ويفنيهم فوجاً فوجاً، وكارتر أيضاً كان له إدعاءاته هو الآخر، إنه محبٌ للبشر ويريد لهم الحرية والرفاه والعدالة، ولكن عندما اعتلى سدة الحكم، شاهدنا كيف عامل البشر كما كان يدّعي. وصدام هو الآخر، كان له مزاعمه، فقد كان يدّعي بأنه سيف العروبة المسلول، والمدافع الوحيد عن العروبة والأمة العربية، ولكن عندما وضع في الإمتحان، فعل بعرب خوزستان من القتل والتدمير ما لم يفعله المغول بإيران. فلا يكفي مجرد الإدّعاء، بل لابد من أن يوضع المرء على المحك ويمتحن حتى يُعلم جوهره. ففي ذلك الوقت الذي كان فيه السيد رئيس الوزراء «5» في السجن وتحت التعذيب، لابد وأنه كان يلعن في قلبه تلك الحكومة لظالمة، ويجول في خاطره أنه لو استلمت الحكم والرئاسة لأصلحت كل شي‏ء، هذا ما كان في ذهنه أمّا الآن فهو في ميدان الإمتحان، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع المسؤولين الآخرين في الدولة، رئيس‏ الجمهورية، رئيس الوزراء، رئيس المجلس، رؤساء المحاكم، المحافظون، قادة الجيش ...، جميعهم الآن في معرض الإمتحان وهذا الإمتحان أعظم من إمتحان النقص بالأولاد والأنفس.
إن إمتحان الناس بالرئاسة والمناصب على إختلاف مستوياتها أصعب من إمتحانهم بنقص الأولاد والأنفس. وإن الإنسان ليجد صعوبة أكبر في اجتياز هذا الامتحان بسلام، دون أن تلحقه تبعات على أعماله، أو أن يلقى الله بصحيفة خالية من الذنوب. فعلى الرؤوساء والمسؤولين ورجال الدولة أينما كانوا وفي أي بلد، أن يعلموا أن الوصول إلى هذه المناصب إنما هو إمتحان إلهي وأي إمتحان، فلينظروا إلى حالهم قبل تسلّمهم لهذه المناصب وبعدها، لينظروا كم طرأ على حالهم من التغيير. فقبل وصولهم إلى هذه المناصب كانوا يكثرون من الإعتراض والإشكال على المسؤولين السابقين مثل رؤساء الجمهورية أو رؤساء الوزراء أو أعضاء المجالس أو المحافظين أو رؤساء المحاكم ... وينتقدون أعمالهم، أما الآن وقد تسلّموا هم أنفسهم هذه المناصب والمسؤوليات فهل سيعملون على نفس الطريقة التي عمل بها من سبقهم فينالهم إنتقاد الأجيال القادمة لهم أم كلا؟ يريدون أن يقتدوا بعلي بن أبي طالب (ع) ويعملون على نحو يبقى الناس معه يذكرونهم ويتحدثون عنهم، حتى بعد ألف وأربع مئة سنة من حكمهم؟ فعلي (ع) بعد تسلّمه الحكم والرئاسة- حسب اصطلاحكم أنتم- كانت إيران والعراق ومصر وسائر المناطق الاخرى تحت سلطته وكان يعامل الناس على نحو لا يقدر عليه أي شخص. في إحدى المرات صعد المنبر ليخطب في الناس خطبة الجمعة، كان بين الفينة والأخرى يحرك ثوبه، لأنه كان قد غسله ولا يزال مبلّلًا، ولم يكن عنده ثوب غيره ليلبسه «6».
لنستيقظ جميعاً! ليستيقظ رجال الحكومة! ليستيقظ المحافظون! ليستيقظ رؤساء المحاكم! إننا ندّعي التشيع، إنه مجرد إدّعاء أننا شيعة وأتباع لنهج وخط آل البيت (ع)، إنما الإمتحان الذي سيكشف عن حقيقية أمرنا، هل نحن شيعة حقيقيون، قولًا وفعلًا وسلوكاً أم نحن شيعة مزيّفون ندعي التشيع فحسب؟ الإمتحان سيكشف لو كنا سنعامل الناس وجميع البشر كما كان يعاملهم علي (ع) أم على خلاف ذلك. علي (ع) الذي غضب على أشخاص لسلبهم نساءً ذميات (يهوديات ونصارى) قلائدهن وحجالهن، وقال آسفاً: «فلو أن‏ إمرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً» «7» ثم ندّعي نحن بأننا شيعة. فليصبح رجال ومسؤولو الدولة! ليضعوا المخاصمات جانباً! وليروا هذه المناظر وليتأملوا جيداً صورة هؤلاء الشبان الذين قدموا دماءهم في سبيل الإسلام، تلك الدماء التي لولاها ما وصلتم إلى هذه المناصب. كفوا عن الخصومة، إنكم في محضر الله وجمعينا في محضر الله، وكلنا سنموت وكلنا سنحاسب على أعمالنا. لتستيقظ الأمة! لتستيقظ الحكومة! لنستيقظ جميعاً! فجميعكم في محضر الله وجميعكم محاسبون غداً. كفوا عن المخاصمة لأجل المناصب. لا تجعلوا دماء الشهداء سلماً ترتقونه لتصلوا إلى رغباتكم وأطماعكم. نحن إذ نكيل لصدام أنواع اللعن والاستحقار، حذار أن نكون مثله ولا ندري، فلنتأمل في حال أنفسنا ملياً، ولنختبرها جيداً في خلواتنا ولنسأل أنفسنا، أننا إذا تسلمنا منصباً ما فهل سنعمل مثل صدام؟ أم سنقتدي في جميع تصرفاتنا بوصي رسول الإسلام؟

أصعب إمتحان إلهي‏

إن أعظم ما يمتحن به الله الإنسان، الحكومة على مجتمع ما، هذا مجرد الحكومة، فكيف إذا كانت الحكومة على مجتمع يقدم دماءً سخية، دماء أبنائه وشبابه الغيارى، في سبيل الإسلام وفي سبيل الدولة الإسلامية، فإن الإمتحان عندها سيكون أكثر صعوبة وإشكالًا. أيها الرؤساء والمسؤولون! إعلموا أنكم في معرض إمتحان، وأن أعمالكم ما ظهر منها وما بطن تحت مراقبة الباري عزّ وجلّ، فالتفتوا إلى حال هذه الأمة التي ما فتئت تساندكم وتؤيدكم، وأولوها كل عناية واهتمام. أيها العاملون في مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة! أيها الحرس! أيها الجيش! ايتها الشرطة! يا جميع القوات المسلحة العسكرية والأمنية! أيها الرؤساء في كل مكان، في المحافظات وفي المدن وفي القرى وحتى العشائر والقبائل، اعلموا أنكم في معرض إمتحان. حذار أن تتخذوا هذه الدماء وسيلة لترتقوا في المناصب. لا قدر الله أن تكونوا ممن يريد للآخرين أن يبذلوا دماءهم، ليحصل على منصب، لا قدر الله أن يكون هكذا حيواناً ساكناً في أعماقكم، وتظنون أنفسكم بشراً. إن الناس جميعاً في معرض الإمتحان «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون» «8». هل يظن الناس أن يتركوا دون إمتحان وتمحيص، لمجرد إدّعائهم الإيمان أو لمجرد إدعائهم أنهم طلاب للحرية والعدالة والمساواة وخدام للأمة والدولة والشعب؟ أم أنهم سيمتحنون ويسلّمون المناصب‏ ومواقع المسؤولية، ليعرف الصادقون من الكاذبين؟ إنكم ستمتحنون، وإنكم الآن في معرض الإمتحان، وكل البشر دون استثناء في معرض الإمتحان، حتى الأنبياء والأولياء، ومجرد الإدعاء والكلام لن يعفي أحداً من الإمتحان. فقد قال تعالى: «ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين» «9». فليعلم جميع أبناء هذه الأمة من مسؤولين وفلاحين، وعمال وتجار وعسكريين وجميع فئات الشعب الأخرى، حتى الفئات الفاسدة، أنهم في محضر الله وفي معرض الإمتحان، فمن السهل أن يدعي الإنسان بأنه الشي‏ء الفلاني، وأنه سيفعل كذا ويقدم الخدمة الكذائية ...، لكنه سيمتحن في نفس ما إدّعاه. فذلك الذي يدعي احترام حقوق الإنسان وأنه محب للبشرية سيمتحن في ذلك، وذلك الذي يدعي الدفاع عن المظلومين والمحرومين سيمتحن في ذلك، فإن تساوت حاله قبل استلامه المنصب مع حاله بعده، وبقي خطه نفس الخط ونهجه نفس النهج وروحه نفس الروح، ولم يؤثر عليه المنصب سلباً، كان من أتباع علي بن أبي طالب (ع) الحقيقيين، وقد خرج من الإمتحان مرفوع الرأس. إني لأشعر بالخجل عندما أراكم وقد تحملتم عناء السفر والمجي‏ء إلى هنا من تلك المناطق البعيدة، من خوزستان، وخرم آباد ومن جنوب وغرب البلاد. وقد استشهد أبناؤكم، وهُدمت مدنكم ودياركم، ثم تأتون إلى هنا وإذا الأوضاع شي‏ء آخر. أنتم تبذلون الدماء، والآخرون يتصارعون على المناصب.

العالم كلّه في محضر الله‏

إن جميع العاملين في حقل الإعلام، الصحف والمجلات، الإذاعة والتفلزيون، الذين يكتبون ويتحدثون للناس، إنهم جميعاً موضوع امتحان الله. عندما تمسكون الأقلام لتكتبوا، اعلموا أنكم في محضر الله، وعندما تريدون التحدث إلى الناس اعلموا أن لسانكم وقلبكم وعينكم وأذنكم وجميع جوارحكم في محضر الله. العالم كلّه في محضر الله، فلا تعصوا الله في محضره. لا تتنازعوا على المناصب والأمور المادية الدنيوية الفانية في محضره، اعملوا لله وتقدّموا إلى الأمام من أجل الله فإن أمتنا لو جعلت رضا الله ورضا رسوله الأكرم (ص) هدفاً في مسير تقدمها، ستصل إلى كل أهدافها. أخرجنا الله وإياكم من هذا الإمتحان العظيم مرفوعي الرأس. اللهم أعز جميع أبناء شعبنا وأمتنا، اللّهم أدم هذه الثورة حتى ظهور الحجة (عج)، اللهم اهدي أعداءنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

سایت جامع امام خمینی رحمة الله علیه