شناسه مطلب صحیفه
عنوان:   
تاریخ:   
مکان:   
طهران، جماران‏
موضوع:   
مواعظ ونصائح اخلاقية - عرفانية
مخاطب:   
السيد احمد الخميني‏
شناسه ارجاع:   
جلد ۱۶ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۵۸ تا صفحه ۱۷۲

بسم الله الرحمن الرحيم‏
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين، اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله، وان علياً امير المؤمنين واولاده المعصومين صلوات الله عليهم خلفاؤه، وان ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله حق، وان القبر والنشور والجنة والنار حق، وان الله يبعث من في القبور.
وصية من اب عجوز امضى عمرا في البطالة ولم يتزود للحياة الابدية ولم يخط خطوة خالصة لله المنان ولم يتحرر من الاهواء النفسية والوساوس الشيطانية، ولكنه ليس يائسا من فضل الله الكريم وكرمه فهو آمل لعفوه وعطفه وهذا هو زاده الوحيد في طريقه، إلى ابن يتمتع بنعمة الشباب ويمتلك الفرصة لتهذيب النفس وخدمة خلق الله ومن المؤمل ان يكون الله راضيا عنه مثلما رضي والده العجوز عنه وان يتفضل عليه بان يوفقه لخدمة المحرومين الذين هم الصالحون من الامة والذين اوصي بهم الاسلام.
بنيّ، احمد الخميني- رزقك الله هدايته- سواء كان العالم ازليا وابديا ام لا، وسواء كانت سلسلة الموجودات غير متناهية ام لا، فانها كلها فقيرة لان الوجود ليس ذاتيا لها. وانت اذا نظرت بالاحاطة العقلية إلى جميع السلاسل غير المتناهية فانك ستسمع صوت الفقر والاحتياج الذاتي في وجودها وكمالها بالوجود الذي هو موجود بالذات والكمالات، ذاتية له، واذا خاطبت بالمخاطبة العقلية السلاسل الفقيرة بالذات قائلا: ايتها الموجودات الفقيرة، من الذي يستطيع سد احتياجاتك؟» فانها جميعها ستصرخ بلسان الفطرة: نحن محتاجون إلى موجود ليس فقيرا مثلنا في الوجود وكمال الوجود؛ على ان هذه الفطرة نفسها ليست منها هي نفسها» فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله « «1»، ان فطرة التوحيد من الله والمخلوقات الفقيرة بالذات لاتتبدل إلى الغني بالذات وهذا التبديل غير ممكن. ولانها فقيرة ومحتاجة فان احدا لايستطيع رفع فقرها سوى الغني بالذات. وهذا الفقر الذي هو لازم ذاتي لها هو دائم، سواء كانت هذه السلسله ابدية ام لا، ولا يمكن لاحد ان يفعل شيئا سواه وكل شخص لايمتلك‏ الكمال والجمال اللذين له.» وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى « «2» وذلك يصدق في كل شي‏ء وكل فعل وكل قول وعمل ومن يدرك هذه الحقيقة ويتذوقها، فان قلبه سوف لايتعلق باحد غيره ولايطلب حاجة من غيره.
حاول ان تفكر في هذه البارقة الالهية في الخلوات، ولقن طفل قلبك بها وكررها حتى تتجسد على اللسان وتتمظهر في ملك وجودك وملكوته، واتصل بالغني المطلق كي تستغني عن اي احد سواه، واطلب منه توفيق الوصول كي يقطعك عن جميع الناس وعن ذاتية ذاتك ويمنحك التشرف بالحضور والاذن بالدخول.
ابني العزيز، انه- جل وعلا- الاول والآخر والظاهر والباطن» هو الاول والآخر والظاهر والباطن « «3» أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المُظهِر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك، عميت عين لاتراك عليها رقيباً «4».
غايب نبوده اي كه تمنا كنم ترا بنهان نئي ز ديده كه بيدا كنم ترا
يعني: لم تكن غائبا كي اتمناك لست مخفيا عن نظري كي ابحث عنك‏
هو الظاهر وكل ظهور هو ظهوره ونحن انفسنا الحجاب. إن انانيتنا وإنيّتنا هما اللتان تحجباننا،» انت نفسك حجاب لنفسك، فعد إلى رشدك ياحافظ « «5» فلنلجأ اليه ولنطلب منه تبارك وتعالى- بتضرع وابتهال ان يخلصنا من الحجب: (الهي هب لي كمال الانقطاع اليك، وانر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك حتى تخرق ابصارُ القلوب حجبَ النور فتصل إلى معدن العظمة، وتصير ارواحنا معلقة بعز قدسك، الهي واجعلني ممن ناديته فاجابك ولاحظته فصعق لجلالك) «6».
بني! نحن مازلنا في قيد الحجب الظلمانية وتمتد من بعدها حجب النور، ونحن المحجوبين لم نستطع حتى الان ان نجتاز حجابا واحدا.
بني! حاول ان لاتنكر المقامات الروحانية والعرفانية إن لم تكن من اهل المقامات المعنوية فان من اكبر الحيل الشيطانية والنفس الامارة التي تمنع الانسان من جميع المدارج الانسانية والمقامات الروحانية، دفعه إلى الانكار واحيانا الاستهزاء بالسلوك إلى الله حيث يؤدي ذلك إلى خصومته والتضاد معه والى ان يموت في المهد كل الذي ظهر من اجله جميع الانبياء العظام‏ صلوات الله عليهم- والاولياء الكرام- سلام الله عليهم- والكتب السماوية خاصة القرآن الكريم الكتاب الخالد لبناء الانسان.
لقد حرف القرآن كتاب معرفة الله وطريق السلوك اليه، وعزل على يد الاصدقاء الجاهلين عن طريقهم هم انفسهم وتسربت اليه الاراء المنحرفة والتفسيرات بالرأي التي نهى عنها ائمة الاسلام- عليهم السلام- كل ذلك النهي، فتصرف فيه كل شخص حسب اهوائه النفسية. لقد نزل هذا الكتاب العزيز في بيئة وعصر هو اكثر العصور ظلمة والاناس الذين كانوا يعيشون فيه اكثر الناس تخلفاً ونزل على قلب شخص وعلى يد شخص كان يواصل حياته في تلك البيئة، وفيه حقائق ومعارف لم يكن لها سابق عهد في العالم آنذاك، فما بالك ببيئة نزوله وهذه هي اسمى واكبر معاجزه. تلك المسائل العرفانية الكبيرة التي لم يكن لها سابق عهد في اليونان وفلاسفتها وعجزت كتب ارسطو وافلاطون اللذين كانا اكبر فلاسفة تلك العصور عن الوصول اليها، وحتى فلاسفة الاسلام الذين نشأوا في مهد القرآن الكريم واستندوا اليه على مستوى واسع، فانهم اولوا الايات التي ذكرت صراحة حياة جميع الكائنات في العالم، كما ان جميع عرفاء الاسلام الكبار الذين ذكروها اخذوا من الاسلام ومن القرآن الكريم، فالمسائل العرفانية لاتوجد في كتاب آخر على النحو الذي في القرآن الكريم.
وكل ذلك هو معجزة الرسول الاكرم الذي يعرف مبدا الوحي بشكل بحيث يخبره باسرار الوجود ويرى هو نفسه من خلال العروج إلى ذروة الكمال الانساني الحقائق واضحة ودون اي حجاب وفي نفس الوقت فان له الحضور في جميع ابعاد الانسانية ومراحل الوجود، والمظهر الاعلى للآية» هو الاول والاخر والظاهر والباطن « «7»، ويريد ان يصل جميع الناس اليها ويبدو انه يتالم لانه لم يصلوا اليها، ولعل الايتين» طه. ماانزلنا عليك القران لتشقى « «8» اشارة لطيفة اليها ولعل (ما اوذي نبي مثل ما اوذيت) «9» يرتبط ايضا بهذا المعنى.
ان اولئك الذين وصلوا إلى هذا المقام او ما يشبهه لايختارون الاعتزال والانزواء عن الخلق، بل انهم موظفون بتعريف الضالين الى هذه المظاهر ومصالحتهم معها، رغم انهم لم يوفقوا في ذلك كثيرا. واما اولئك الذين ذهلوا عن انفسهم من خلال الوصول إلى بعض المقامات وتناول جرعة منها وبقوا في حالة الصعق، فانهم لم يصلوا إلى الكمال المطلوب رغم انهم حصلوا على كمالات كبيرة. وموسى الكليم- صلوات [الله‏] وسلامه عليه- الذي صعق لتجلي الحق افاق بالعناية الخاصة وامر بالخدمة، ورسول الله الخاتم امر بالهداية من خلال الوصول إلى مرتبة الانسانية العالية وما لا يخطر على بال احد، بمظهرية الاسم الجامع الاعظم وبخطاب ياايها المدثر. قم فانذر «10».
ابني العزيز! على الرغم من انني انا نفسي لست بشي‏ء واكثر الاشياء افتقارا للقيمة فان هدفي مما اشرت اليه ان لا تنكر المقامات المعنوية والمعارف الالهية وان تكون من الاشخاص المحبين للصالحين والعارفين حتى وان لم تكن منهم وان لاترحل من هذا العالم معاديا لمحبي الله تعالى.
بني! تعرّف على القرآن هذا الكتاب المعرفي العظيم؛ وان كان ذلك بقراءته، وافتح منه طريقا إلى المحبوب ولا تصور ان القراءة لا اثر لها دون المعرفة فهذا من وسوسة الشيطان. فهذا الكتاب من جانب المحبوب لك ولكل انسان، ورسالة المحبوب محبوبة حتى وان لم يعرف العاشق والمحب مفادها وبهذا الدافع ياتيك حب المحبوب الذي هو كمال المطلوب وربما ياخذ بيدك. ونحن لا نستطيع ان نوفي حق شكر كون القرآن كتابنا وان سجدنا طيلة عمرنا.
بني! ان الادعية والمناجاة التي وصلتنا عن الائمة- عليهم السلام- هي اكبر ارشادات التعرف عليه- جل وعلا- واسمى طريق يمهد للعبودية والعلاقة بين الحق والخلق والمشتملة على المعارف الالهية ووسيلة الانس به ومعطى بيت الوحي ونموذج لاصحاب القلوب وارباب السلوك. ولاتجعلنك وساوسك ان تغفل عن التمسك بها وعن الانس بها ان استطعت. ونحن لانستطيع ان نؤدي شكر هؤلاء الصالحين والواصلين إلى الحق، ائمتنا ومرشدينا وإن تفرغنا للدعاء.
من وصاياي انا المشرف على الموت، وانا الذي الفظ انفاسي الاخيرة لك يا من تتمتع بنعمة الشباب، ان تختار معاشريك واصدقاءك من الاشخاص الصالحين والملتزمين والملتفتين إلى القيم المعنوية والذين لايميلون إلى حب الدنيا وزخارفها ولايتجاوزون من المال والمنال حدود كفايتهم والحد المتعارف عليه ولاتكون مجالسهم ومحافلهم ملوثة بالذنوب ويتحلّون بالاخلاق الكريمة فتاثير المعاشرة لايمكن اجتنابه صلاحا او فسادا، واسع لان تتجنب المجالس التي تجعل الانسان يغفل عن ذكر الله لان التعود على هذه المجالس من الممكن ان يسلب التوفيق من الانسان، وهذه مصيبة بحد ذاتها لايمكن تلافيها.
اعلم ان في الانسان- ان لم اقل في كل موجود- حب الكمال المطلق حسب الفطرة، ومن المستحيل ان ينفصل هذا الحب عنه ومن المحال ان يكون الكمال المطلق اثنين ومكررا، والكمال المطلق هو الحق- جل وعلا-، فالجميع يريده وقلوب الجميع متعلقة به حتى وان لم يعلموا ذلك وكانوا في حجب الظلمة والنور وظنوا بهذه الحجب انهم يريدون اشياء اخرى وهم لايقنعون باي كمال او قدرة او مكانة او جمال يصلون اليه ولا يجدون ضالتهم فيه.
ان الاقوياء واصحاب القوى الكبرى يبحثون عن قوة اكبر مهما كانت القوة التي يصلون اليها، وطلاب العلم ومهما بلغوا من مراتب العلم فانهم يطلبون ما فوقه فلا يجدون فيه ضالتهم، هذه الضالة التي هم انفسهم عنها غافلون.
ولو منح طلاب السلطة القدرة وعلى السيطرة والتصرف في جميع العالم المادي، من الارض والمنظومات الشمسية والمجرات وكل ما فوقها، وقيل لهم:» هناك فوق ذلك قوة اخرى وهناك وراءها عالم او عوالم اخرى، فهل تريدون الوصول اليها؟ «فان من المحال ان لايتمنوها، بل انهم يقولون بلسان الفطرة:» ليتنا نستطيع ان نحصل عليها هي ايضا! «. وهكذا هو طالب العلوم، بل انه اذا شك في ان هناك درجة اخرى- فوق ماوصل اليه- فان فطرته الباحثة عن المطلق ستقول:«ليتني استطعت انا ايضا ان ان امتلك قدرة التصرف فيها، او شملتها سعة علمي هي ايضا! ».
ان مايطمئن الجميع ويطفئ النار الملتهبة للنفس المتمردة والتوسعية هو الوصول اليه، ولان الذكر الحقيقي له- جل وعلا- هو التجلي له، فان الاستغراق فيه يسبب الاطمئنان الا بذكر الله تطمئن القلوب «11» وكانه يقول: انتبهوا انتبهوا! استغرق في ذكره كي يحلق قلبك من هذا الصوب إلى ذلك الصوب ومن هذا الغصن إلى ذلك الغصن ويحصل على الطمأنينة.
فاسمع بني العزيز طمأن الله قلبك بذكره، نصيحة ابيك المتحير ووصيته ولا تدق هذا الباب او ذاك من اجل الوصول إلى المنصب والشهرة وما هو من الشهوات النفسية، فانك مهما بلغته ستتاثر لانك لم تبلغ مافوقه فتتحسر على الدرجة الا على فتزداد همومك الروحية؛ فان قلت: لماذا انت نفسك لاتعمل بهذه النصيحة؟ قلتُ: انظر إلى ماقال لا إلى من قال «12». هذا القول صحيح، حتى وان صدر من مجنون او مفتون، فبعد ان يقوا الله في القرآن الكريم ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها «13» يقول: لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور «14» فالانسان في هذا العالم يتعرض للتحولات والتغييرات، فقد تنزل عليه مصائب وقد تقبل عليه الدنيا ويصل إلى المنصب والجاه والمال والمنال والقدرة والنعمة وكلاهما فانيان، فلاتحزنك تلك النواقص والمصائب فان عنان‏ الصبر سوف ينفلت من يديك، فقد يحدث وان تكون المصيبة والنقصان خيرا وصلاحا لك: عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم «15» ولا تخسر نفسك في اقبال الدنيا عليك والوصول إلى ما تقتضيه الشهوات ولا تتكبر ولا تتفاخر على عباد الله فما اكثر ما يكون شرا لك ما تعتبره خيرا.
بني! ان حب الدنيا الصادر من حب النفس هو المذموم وهو راس مال جميع التعاسات واساسها والهلاكات وراس كل الخطايا. وعالم الملك ليس مذموما بل هو مظهر الحق ومقام ربوبيته ومهبط ملائكة الله ومسجد الانبياء والاولياء (عليهم السلام) ومدرستهم ومعبد الصالحين وموضع تجلي الحق على قلوب عشاق المحبوب الحقيقي، واذا كان حبه صادرا عن حب الله وكان باعتباره مظهرا له- جل وعلا- فانه مطلوب ومؤد إلى الكمال. وان كان ناجما عن حب النفس فانه سيكون رأس كل الخطايا. وعلى هذا فان الدنيا المذمومة هي في نفسك انت، فالعلائق والمتعلقات القلبية بغير صاحب القلب تؤدي إلى الهاوية. ان جميع الاعتراضات على الله والابتلاء بالمعاصي والجرائم والخيانات ناجمة عن حب الذات، فان حب الدنيا وزخارفها وحب المقام والجاه والمال والمنال كل ذلك صادر منه، وفي نفس الوقت فان اي قلب لايمكنه ان يتعلق بحسب الفطرة بغير صاحب القلب ولكن هذه الحجب الظلمانية والنورانية هي التي تجعلنا نغفل نحن والجميع عن صاحب القلب فنظن خطأ ان غير صاحب القلب هو صاحب القلب، ظلمات فوق ظلمات. اننا نحن وامثالنا لم نصل إلى الحجب النورانية ولازلنا في اسر الحجب الظلمانية. ومن قال: هب لي كمال الانقطاع اليك وانر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة، فانه قد اجتاز الحجب الظلمانية والشيطان الذي عارض امر الله ولم يخضع لآدم، كان يرسف في قيود حجاب الكبر الظلماني وخلقتني من نار وانا خير منه «16» فطرد من ساحة الربوبية ونحن ايضا في حجاب ذاتنا ومغرورون وانانيون، نحن شيطانيون ومطرودون من محضر الرحمن، وما اصعب تحطيم هذا الصنم الكبير الذي هو أم الاصنام!
وما لم نخضع له ونطع امره، فاننا لانخضع لله ولانطيع امره- جل وعلا- ومالم يحطم هذا الصنم فان الحجب الظلمانية لايمكن ان تتمزق وتزول. يجب ان نعلم اولا ما هو الحجاب فاننا ان لم نعرفه فسوف لانستطيع ان نعمل على رفعه- او اضعافه على الاقل-. و ان لانزيد على الاقل من قوته وفاعليته يوما بعد آخر. وقد جاء في حديث:» كان بعض اصحاب النبي (ص) عنده، فسمعوا صوتاً، وسألوا: ما هذا الصوت؟ فقال (ص): انه صوت هجر سقط من‏ حافة جهنم منذ سبعين سنة، ووصل الآن الى قعر جهنم، عندئذ التفتوا الى ان كافراً يبلغ 70 عاماً مات « «17».
واذا كان الحديث صادرا فلعل ان يكون ذلك البعض من اهل الحال او بلغ مسامعهم بتصرف رسول الله- صلى الله عليه وآله- لتنبيه الغافلين والجاهلين، واذا لم يكن الحديث- الذي لااتذكر الفاظه- صادرا ولكن المهم اننا نسير نحو جهنم عمرا كاملا ونؤدي الصلاة عمرا كاملا- الصلاة التي هي اكبر تذكرة لله- مولين ظهورنا للحق وبيته- جل وعلا- ومستقبلين انفسنا وبيت النفس واي شي‏ء اكثر ايلاما من ان تؤدي بنا الصلاة التي يجب ان تكون معراجا لنا والتي يجب ان تنقلنا اليه والى جنة لقائه، إلى انفسنا والى المنفى الجهنمي.
بني! ان الهدف من هذه الاشارات ليس ان يجد امثالي وامثالك طريقا إلى معرفة الله وعبادته كما هو حقه، رغم انه قد نقل عن اعرف الموجودات بالحق تعالى وحق عبادته وعبوديته قوله: ماعرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك «18» بل لكي نفهم عجزنا وندرك تفاهتنا ونحث التراب على انانيتنا وانيتنا بل لكي نحد من تمرد هذا الغول، علنا ان نوفق إلى ان نمسك بزمامه ونكبح جموحه، حتى نتخلص من الخطر الكبير الذي يحرق ذكره في الارواح.
واحذر من الخطر الذي يحل في اللحظات الاخيرة من الانفصال عن هذا العالم والرحيل إلى المستقر الابدي، وهو ان الانسان المبتلى بحب النفس وحب الدنيا- بابعادها المختلفة- على اثر ذلك من الممكن ان يكتشف ويدرك في حال الاحتضار ان مأمور الله سيفصله عن محبوبه ومعشوقه، ليرحل وقد عاداه الله- جل وعلا- وغضب عليه وتنفر منه وهذه هي عاقبة حب النفس والدنيا وقد وردت الاشارة اليها في الروايات. نقل شخص متعبد وموثوق به انه» وقف عند سرير شخص كان يحتضر فقال المحتضر: ان الظلم الذي يمارسه الله علي لم يفعله احد آخر، انه يريد ان يفصلني عن اطفالي هؤلاء الذين ربيتهم بدم قلبي. فقمت وغادرت ثم مات «طبعا من الممكن ان تختلف روايتي بعض الاختلاف عما قاله ذلك العالم المتعبد، وعلى اي حال فان ماقلته على فرض صحته، مهم إلى درجة بحيث ان الانسان يجب ان يفكر في حل له.
اننا لو فكرنا لساعة في موجودات العالم، التي نحن منها واكتشفنا ان كل موجود ليس له من نفسه شي‏ء وان كل ما وصل اليه، هو الطاف الهية ومواهب مستعارة، وان الالطاف التي تفضل بها علينا الله المنان سواء قبل مجيئنا إلى الدنيا او في حال الحياة من الطفولة وحتى نهاية العمر وسواء بعد الموت بواسطة الهداة الذين أُمروا بهدايتنا، فربما تظهر فينا بارقة من حبه- جل وعلا- الذي حُجبنا عنه وندرك خواءنا وانعدام قيمتنا وينفتح امامنا طريق اليه- جل‏ وعلا- او نتحرر على الاقل من الكفر الجحودي ولا نعتبر انكار المعارف الالهية والتجليات الرحمانية مرتبة لانفسنا ولا نفتخر بذلك كي لا نسجن إلى الابد في بئر ويل الانانية والعجب.
جاء في رواية ان» الله تعالى خاطب احد انبيائه ان يقدم له شخصا يعتبره اسوأ منه، فسحب جثة حمار لبضعة اقدام كي يعرضه ولكنه ندم فجاءه النداء انك لو كنت جئت به لسقطت «. وانا لااعلم هل لهذا النقل اصل ام لا، ولكن النظر إلى التفوق في المقام الذي يتبوأه الاولياء من الممكن ان يؤدي بحد ذاته إلى السقوط ذلك لانه عجب وانانية، حتى وان كان كذلك.
ترى لماذا كان النبي الخاتم (ص) يحزن ويتاثر إلى حد كبير بسبب عدم ايمان المشركين حتى خاطبه الله» لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا « «19» ان السبب ليس الا لانه كان يضمر العشق لجميع عباد الله والعشق لله هو عشق لتجلياته. فقد كان يتألم لحجب العجب الظلمانية وانانيات المنحرفين التي تؤدي إلى تعاستهم وعذاب جهنم الاليم الذي هو نتيجة اعمالهم وكان ينشد السعادة للجميع؛ فقد بعث لسعادة الجميع في حين كان المشركون والمنحرفون اصحاب القلوب العمياء يعادونه رغم انه جاء لانقاذهم.
واهل المعرفة يعلمون ان الشدة على الكفار هي من صفات المؤمنين كما ان قتالهم رحمة ومن الالطاف الخفية للحق، وان عذاب الكفار والاشقياء الذي هو منهم يزداد كما ونوعاً إلى مالانهاية له في كل لحظة تمر عليهم. ولهذا فان قتل اولئك الذين لايمكن اصلاحهم، هو رحمة في حالة الغضب ونعمة في حالة النقمة، وبالاضافة إلى ذلك رحمة بالمجتمع، ذلك لان العضو الذي يجر المجتمع إلى الفساد هو كالعضو في بدن الانسان ان لم يقطع فانه يجره إلى الهلاك.
وهذا هو ما ماطلبه نبي الله نوح- صلوات الله وسلامه عليه-» وقال نوح رب لاتذر على الارض ديّارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا الا فاجرا كفارا « «20» ويقول الله تعالى» وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة « «21». وبهذا الدافع والدافع السابق ايضا، فان جميع الحدود والقصاص والتعزيرات من جانب ارحم الراحمين، هي رحمة للمرتكب ورحمة للمجتمع. فلنتجاوز هذه المرحلة.
بني! ان استطعت فانظر نظرة الرحمة والمحبة إلى جميع الموجودات خاصة الناس من خلال التفكر والايحاء إلى نفسك، اوليس كافة الموجودات هي في معرض رحمة رب العالمين من جهات عديدة لا تحصى، اوليس وجود الحياة وجميع بركاتها وآثارها هو من مظاهر الرحمة والنعم الالهية؟، وقد قيل: كل موجود مرحوم «22» وهل هناك موجود ممكن الوجود من الممكن ان ان يكون له شي‏ء من نفسه وبنفسه؟ وفي هذه الحالة فان الرحمة الرحمانية هي التي تشمل العالم. أَوَ ليست تربية الله الذي هو رب العالمين المظهر لرحمته، وهل الرحمة والتربية تكون شاملة للعالم دون العناية والالطاف؟. وبناء على ذلك فلماذا لا يكون الشخص الذي يتعرض للعناية والالطاف والمحبة الالهية موضع محبتنا؟ وان لم يكن، افلا يكون ذلك نقصا لنا وقصورا في الرؤية؟.
ألا فاني اصبحت عجوزا ولم استطع ان ازيل من نفسي هذه النقيصة وسائر النقائص الاخرى التي لا تحصى، وانت شاب واقرب إلى رحمة الحق وملكوته، فاسع لان تزيل هذه النقيصة من نفسك. وليوفقك الله تبارك انت والجميع ونحن إلى ان نزيل هذا الحجاب وان نجد ماتقتضيه فطرة الله. لقد بينت سابقا خلاصة من هذه المقولة، والآن اشير اليها اشارة عسى ان تساعد على رفع هذا الحجاب.
نحن نعشق الكمال المطلق بمقتضى الفطرة الالهية ونمتلك، شئنا ام ابينا، من هذا العشق، العشق للكمال المطلق الذي هو من اثار الكمال المطلق، ونحن نمتلك ايضا شرط هذه الفطرة وهو الهروب من النقص المطلق الذي شرطه الهروب من مطلق النقص. ولهذا هذا فاننا نعشق الحق تعالى الذي يمثل الكمال المطلق حتى وان لم نعرف ذلك ولم ننتبه اليه، واذا ما عادينا اي شخص واي شي‏ء وهربنا من اي شخص فانة لا الكمال المطلق ولا مطلق الكمال، بل النقص المطلق او مطلق النقص الذي يقف في الطرف المقابل ويناقضه، ونقيض الكمال عدمه. ولاننا في الحجاب فاننا ضالون في التشخيص واذا زال الحجاب فان الذي منه- جل وعلا- محبوب وما هو مبغوض ليس منه، ولهذا فانه ليس موجودا.
واعلم ان هناك مسامحات في التعبيرات بالنسبة إلى المقابلات ورغم ان الموضوع السابق يوافق البرهات المتين ويتوافق مع الرؤية العرفانية والمعرفة ووردت اليه الاشارة في القران الكريم الا ان تصديقه والايمان به صعبان للغاية والمنكرون كثيرون والمؤمنون قليلون للغاية، وحتى اولئك الذين يعتبرون هذه الحقيقة ثابتة عن طريق البرهان لا يؤمنون بها الا قليلا وهم مؤمنون، والايمان بمثل هذه الحقائق لا يحصل الا بالمجاهدة والتفكر والايحاء.
ولعل الادعاء بان بعض الامور البرهانية يمكن ان لاتكون موضع التصديق والايمان، يمكن ان يكون هو نفسه يبدو صعبا او عديم الاساس، ولكن يجب ان نعلم انه امر وجداني ووردت الاشارة اليه في القرآن الكريم مثل الآيات الكريمة من سورة التكاثر. واما الوجدان فانكم تعلمون ان الموتى لاحراك يصدر منهم ولايستطيعون ان يصيبوكم باذى وان آلاف الموتى لا يبلغ نشاطهم مستوى نشاط ذبابة واحدة وانهم سوف يحيون في هذا العالم بعد الموت وقبل يوم النشور، ولكنكم لاتمتلكون القدرة على النوم بهدوء إلى جانب الميت لوحدكم، وليس ذلك الا لان علمكم وقلبكم لم يصدقا، ولم يوجد الايمان به فيكم، ولكن غسّالي الاموت الذين صدقوا من خلال تكرار العمل يختلون بهم بهدوء بال.
والفلاسفة يثبتون بالبراهين العقلية حضور الحق تعالى في كل مكان، ولكن مالم يصل إلى القلب ما اثبته العقل بالبرهان ومالم يؤمن به القلب، فانه لايؤدي ادب الحضور، واولئك الذين اوصلوا إلى القلب حضور الحق تعالى وآمنوا به فانهم يؤدون ادب الحضور حتى وان لم تكن لهم علاقة بالبرهان ويتجنبون ما يتنافى مع حضور المولى. وعلى هذا فان العلوم الرسمية هي حجب بحد ذاتها وان تمثلت في الفلسفة وعلم التوحيد، وكلما زادت اصبح الحجاب اكثر سمكاً.
وكما نعلم ونرى فان لسان دعوة الانبياء عليهم السلام- والاولياء الخلّصين سلام الله عليهم- ليس لسان الفلسفة والبرهان الشائع بل ان الذين هم على صلة بارواح الناس وقلوبهم ويوصلون النتائج إلى قلوب عباد الله ويهدونهم من داخل الروح والقلب. وان شئت فقل ان الفلاسفة واهل البرهان يزيدون من الحجب والانبياء- عليهم السلام- واصحاب القلوب يسعون من اجل رفع الحجاب، ولهذا فان المتخرجين من مدرستهم وتلامذتهم، هم اصحاب البرهان والقيل والقال ولايمتون بصلة إلى القلب والروح.
ان ما قلته لايعني ان لاتتناول الفلسفة والعلوم البرهانية والعقلية وتعرض عن العلوم الاستدلالية، فهذه خيانة للعقل والاستدلال، بل اعني ان الفلسفة والاستدلال طريق للوصول إلى الهدف ولكنهما ليسا هدفا بحد ذاتهما والدنيا مزرعة الآخرة «23» والعلوم الرسمية هي مزرعة الوصول إلى الهدف، كما ان العبادات هي ايضا المعبر إلى الله- جل وعلا-، فالصلاة اسمى العبادات ومعراج المؤمن والجميع منه واليه. وان شئت قل: ان جميع المعروفات هي درجات من سلم الوصول اليه- جل وعلا- وجميع المنكرات هي المانعة من طريق الوصول والعالم كله متحير فيه وفراشة جماله الجميل.
وياليتنا نستيقظ من النوم وندخل في اول منزل وهو اليقظة؛ وياليته جل وعلا- ياخذ بايدينا بعناياته الخفية ويرشدنا اليه والى جماله الجميل؛ وياليت هذا الحصان الجامح المتمثل في النفس يهدأ وينزل من كرسي الانكار؛ وياليتنا نلقي هذا الحمل الثقيل ارضا ونتجه اليه ونحن اخف حملا؛ وياليتنا نحترق في شمع جماله كالفراشة دون ان ننبس ببنت شفة؛ وياليتنا نخطو خطوة بقدم الفطرة ولاندوسها إلى هذا الحد، ان هناك تمنيات كثيرة اذكرها في الشيخوخة وعلى مشارف الموت حيث لاحول لي ولا قوة.
وانت يابني، استغل شبابك وعش بذكره- جل وعلا- وحبه والرجوع إلى فطرة الله واقض عمرك على هذا النحو. وهذا الذكر للمحبوب لايتنافى ابدا مع الانشطة السياسية والاجتماعية في خدمة دينه وعباده، بل انه يعينك في طريقه، ولكن اعلم ان خدع النفس الامارة والشيطانين الداخلي والخارجي كثيرة وما اكثر ما تحول الانسان عن الله باسم الله واسم خدمة خلق الله وتسوقه باتجاه نفسه وآمال نفسه.
ان مراقبة النفس ومحاسبتها في تشخيص طريق ارادة النفس وارادة الله هما من جملة منازل السالكين. فوفقنا الله واياكم فيها. ومااكثر ما يخدعنا الشيطان نحن الشيوخ بشكل ويخدعكم انتم الشباب بشكل آخر.
ان الشيطان يطردنا نحن الشيوخ بسلاح اليأس من الحضور وذكر الحاضر فوسوس لنا بان الوقت قد فاتنا واننا لايمكن ان نصلح وان ايام الشباب التي هي وقت الزراعة والحصاد قد ولت وان القدرة على الاصلاح قد فقدت في سني ضعف الشيخوخة وان جذور الاهواء والمعاصي قد نفذت في جميع اركان الوجود وترسخت وجعلتك لاتليق بمحضره- جل وعلا- وان الاوان قد فات، فالافضل ان تستغل الدنيا اقصى الاستغلال في هذه الايام القليلة من نهاية عمرك.
وقد يتصرف الشيطان معنا نحن الشيوخ كما يتصرف معكم، فيقول لكم انكم شباب وان فصل الشباب هذا هو وقت التمتع والتلذذ، فاشبع شهواتك، وفي اواخر العمر سيكون طريق التوبة وباب الرحمة مفتوحين ان شاء الله والله ارحم الراحمين، وكلما كانت الذنوب اكبر واكثر فان الندم والرجوع إلى الحق في آخر العمر سيكونان اكثر وسيزداد التوجه إلى الله تعالى والاتصال به- جل وعلا-، فما كان اكثر الناس الذين يتمتعوا كثيرا في شبابهم ولكنهم امضوا بقية العمر في سني الشيخوخة في العبادة والذكر والدعاء وزيارة الائمة- عليهم السلام- والتوسل بشفاعتهم ورحلوا عن هذه الدنيا سعداء. وهو يوسوس لنا نحن الشيوخ مثل هذه الوساوس ايضا قائلا لنا ان ليس من المعلوم انكم سوف تموتون بهذه السرعة، وان هناك فرصة، فتب في الايام القليلة المتبقية من العمر، ثم ان باب شفاعة النبي (ص) مفتوح وان المولى امير المؤمنين- عليه السلام- سوف لايسمح بان يعذب محبوه وانك سوف تراه عند الموت وسوف ياخذ بيدك وما الى ذلك من اقاويل كثيرة يلقيها في اذن الانسان.
بني! انني اتحدث الآن معك انت الشاب. عليك ان تلتفت ان التوبة اسهل على الشباب وان اصلاح النفس وتربية الباطن يتمان بسرعة اكبر. فالاهواء النفسية وطلب الجاه وحب المال والعجب يكون عند الشيوخ اكثر بكثير من الشباب، وروح الشباب لطيفة ومرنة ولايوجد في الشباب حب النفس وحب الدنيا بمقدار ماهو موجود عند الشيوخ. والشاب يستطيع بسهولة نسبية ان يحرر نفسه من شرالنفس الامارة ويميل إلى المعنويات. وفي جلسات الموعظة والاخلاق يتاثر الشباب اكثر من الشيوخ. فليلتفت الشباب ولاينخدعوا بالوساوس النفسية والشيطانية. ان الموت قريب من الشباب والشيوخ بنفس النسبة. فاي شاب يستطيع ان يضمن بلوغه الشيخوخة واي انسان مصون من حوادث الدهر؟ ان الحوادث اليومية اقرب من الشباب.
بني! لاتضيع الفرصة واصلح نفسك في الشباب .. على الشيوخ ايضا ان يعلموا انهم يستطيعون ماداموا في هذا العالم ان يتلافوا الذنوب والمعاصي ولكن الامر سيخرج من ايديهم اذا انتقلوا من هنا. ان التعلق بشفاعة الاولياء- عليهم السلام- والتجرؤ في المعاصي هما من الخدع الشيطانية الكبيرة. انظروا في حالات اولئك الذين علقوا الامال على شفاعتهم، انظروا إلى تاوهاتهم وادعيتهم ولواعجهم وخذوا العبر. وقد جاء في الحديث مامضمونه ان عليكم ان تتوجهوا غدا إلى محضر الله بالعمل ولاتظنوا ان تعلقكم بي ينفعكم في شي‏ء.
وفضلا عن ذلك فان من المحتمل ان تكون الشفاعة من نصيب الذين يكون ارتباطهم المعنوي مع الشفيع حاصلا والذين تكون رابطتهم الالهية معهم بشكل بحيث يكون لديهم الاستعداد لنيل الشفاعة واذا ما لم يحصل هذا الامر في هذا العالم فربما يستحقون الشفاعة بعد التصفيات والتزكيات في عذابات البرزخ، بل جهنم، والله يعلم مقدار امدهم.
وفضلا عن ذلك، فقد وردت في القرآن الكريم آيات حول الشفاعة اذا اخذناها بنظر الاعتبار فان من غير الممكن ان يكون هناك اطمئنان للانسان، كقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده الابإذنه «24» وكقوله ولايشفعون الا لمن ارتضى «25» وامثالها. ففي نفس الوقت الذي تكون فيه الشفاعة ثابتة الا اننا لانعلم لمن ستكون ولاي جماعة وفي اية ظروف وفي اي وقت، وهو امر لايمكنه ان يغري الانسان ويشجعه. نعم ان لنا الامل بالشفاعة ولكن هذا الامل يجب ان يقودنا إلى طاعة الحق تعالى لا الى معصيته.
بني! ابذل جهدك من اجل ان لاترحل عن هذه الدنيا بحق الناس ففي هذه الحالة سيكون امرك صعبا للغاية. ان حق الله تعالى الذي هو ارحم الراحمين اسهل بكثير من حق الناس. واني اعوذ بالله تعالى من ابتلائي انا وانت والمؤمنين في حقوق الناس ولن نكون مدينين للناس المبتلين. وهذا لايعني ان تتسامح في حقوق الله والمعاصي، واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ما يستفاد من بعض الآيات الكريمة فان المصيبة تزداد كثيرا ونجاة اهل المعصية بواسطة الشفاعة تتم من خلال مرور مراحل طويلة.
ان تجسم الاخلاق والاعمال ولوازمها وملازمتها للانسان من مابعد الموت وحتى القيامة الكبرى ومنها حتى التنزيه وقطع العلاقة بواسطة الشدائد والعذابات في البرازخ وجهنم وعدم امكانية الارتباط بالشفيع وشمول الشفاعة كل ذلك يمثل امراً يقصم احتماله ظهر الانسان ويجعل المؤمنين يفكرون جدياً في الاصلاح. وليس هناك اي شخص يمكنه ان يدعي الحتمية بخلاف هذا الامر الا اذا كان شيطان نفسه مسيطرا عليه وتلاعب معه ويغلق طريق الحق امامه إلى درجة بحيث يجعله ينكر النور والظلام. ومثل هؤلاء ذوي القلوب العمياء كثر. فنسأل الله المنان ان يحفظنا من شر انفسنا.
ووصيتي لك بني ان لاتدع الفرصة تفوتك لا سمح الله وان تسعى في اصلاح اخلاقك وعملك حتى وان تحملت الجهد والرياضة

سایت جامع امام خمینی رحمة الله علیه