شناسه ارجاع:
جلد ۱ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۰ تا صفحه ۳۲
صحيفة امام ج (1)
تنويه
سهولة العثور على الموضوعات المطلوبة، يراجع الجزء 22 من صحيفة الإمام، الذي يضم فهارس الموضوعات والأعلام والحوادث التاريخية والآيات والأحاديث والأشعار، وفهارس موضوعية مفصلة لما ورد في الأجزاء الأحد والعشرين من الصحيفة.
ديباجة
بقلم قائد الثورة الاسلامية الموقّربسم الله الرحمن الرحيم
الآن إذ تعد للنشر ثانية المجموعة القيمة من الاحاديث الهادية والمرشدة لمعلمنا ومرشدنا وامامنا الكبير، من المناسب أن تسجل كلمة- وإن كانت موجزة ومتواضعة- حول هذه الشخصية الفريدة المجددة حياة الاسلام حقاً في هذا العصر.
في كل نقطة من العالم، متى ما خطا إنسان بوحي من العلم والعقل والفكر السامي، اوالزهد والتقوى والايمان الراسخ، اوالشهامة والشجاعة والهمة العالية، او الفطنة والحنكة والوعي السياسي، في طريق عمل عظيم، وتابع هدفه المقدس بصبر وثبات؛ لا شك في أنه سيقود بلده وشعبه واحياناً الانسانية الى تحقيق مفاخر عظيمة وتقدم خالد، فكل الذين وجدوا موقعاً لهم بين مشاهير التاريخ، كانوا قد اتسموا ببعض هذه السمات.
بيد أن المعلم الفذّ في عصرنا الحاضر، ألا وهوالامام روح الله الخميني، كانت تتجلي فيه كل هذه السمات مجتمعة، بمستوى بعيد المنال قليل النظير في اغلب الاحيان، إذ كان عالماً ورعاً، وعاقلًا متقياً، وحكيماً مدبراً، ومؤمناً مجدداً، وعارفاً شجاعاً وواعياً، وحاكماً عادلًا، ومجاهداً مضحياً.
كان سماحته فقيهاً واصولياً وفيلسوفاً وعارفاً، ومعلم اخلاق، وأديباً وشاعراً، وقد تربع سنوات طوالًا على ارفع مقاعد التدريس، واستحوذ على اهتمام أبرز وأشهر المجامع العلمية في الحوزة.
فقد امتزجت خصوصياته الذاتية البارزة مع ما نهله من المعارف القرآنية وزين به قلبه وروحه، فصنعت منه شخصية عظيمة وجذابة ومؤثرة بنحو تبدو إزاءه كلّ شخصية من الشخصيات البارزة في القرن الأخير الذي يعد قرن الرجال العظام والمصلحين الدينيين وكبار السياسيين والاجتماعيين، هامشية وقليلة الجذابية وأحادية الجانب.
فالعمل الذي كرّس له همّته، واستطاع انجازه بايمانه وتوكله ودرايته وصبره، كان عظيماً ومدهشاً ويبعث على الاعجاب بالدرجة ذاتها أيضاً.
إذ كانت شخصيته الفذة والساطعة، محط الانظار وفريدة في مختلف مراحل حياته السياسية، سواء يوم دعا بوحي من موقعه، وهو مرجع ديني في مدينة قم، الى مقارعة النظام البهلوي
العميل الفاسد وحماته المستعمرين الأمريكيين، ووضَعَ ظلم واستبداد الشاه واعوانه وكنزهم للاموال ومحاربة الدين، في مهب اعصاره الغاضب.
وكذلك حينما استطاع، بعد نضال مرير زاخر بالمحن على مدى خمسة عشر عاماً، وبفضل الجهاد العظيم للشعب الايراني، تأسيس النظام الاسلامي واجتثاث جذور النظام الخائن والفاسد والوضيع.
وفي كل ذلك تجلى صرح الايمان والشجاعة والتضحية ذاته في وجوده القيم جنباً الى جنب مع عمق الحكمة والدراية والعقلانية.
لقد كان يعرف ايران جيداً: فمن جهة كان يدرك موقعها الجغرافي الحساس والمصيري، ويعي جغرافيتها السياسية ومواردها الطبيعية والانسانية، ويحيط بتطلعاتها واهدافها وآمالها الكبيرة، ومن جهة اخرى كان محيطاً بتاريخها على مدى المئة والخمسين عاماً الاخيرة الزاخر بالمحن، وابعاد هيمنة الاجانب ونهبهم لثرواتها، وخيانة وفساد واستبداد الأسرة البهلوية وآلاف الأسر المرتبطة بها، وما فُرض عليها من فقر وتخلف علمي وصناعي واخلاقي و .. وأهم من ذلك كلّه إدراكه لروحية شعبها العظيم والاصيل والرشيد والمؤمن.
كما أنه كان على اطلاع بأوضاع العالم والشعوب المستعمرة والدول المستكبرة والجيل الشاب التائه الحيران والمتعطش للحقيقة، ولا سيما الاوضاع المؤسفة للدول والامة الاسلامية. وكان يتألم لكل ذلك. وكانت القضية الفلسطينية ومعاناتها المؤلمة تعتصر قلبه الكبير.
إن شعور سماحته بالواجب الديني هو الذي دفعه للنزول الى ساحة النضال الكبير والتأريخي، التي لم يطأها مطلقاً غير رجالات التأريخ الاستثنائيين، ولم يخرج منها منتصراً سوى عدة معدودة.
كان سماحته يفكّر بانقاذ ايران من قبضة النظام الفاسد الذي فرض عليها التخلف والانحطاط والفقر الاقتصادي والاخلاقي والعلمي، وقد رأى في العودة الى الاسلام واقامة نظام الاسلام السياسي وحكومة القيم الإلهية، السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.
وبشقه لهذا الطريق، وضع النموذج الحي بين يدي الامة الاسلامية وأسّس نهجاً جديداً في العالم الاسلامي كان من اولى معطياته المباركة احياء الهوية الاسلامية في اوساط المسلمين.
بدأ نضاله منذ الخطوة الاولي باسم الله وبمساعدة شرائح المجتمع الواسعة .. تحدث اليهم ودعاهم لمناصرته بايمانهم وعقولهم وهممهم، لم يتوجه الى الاحزاب والتنظيمات صاحبة الادعاءات قط، بل كان ينظر الى دوافعها وأهدافها نظرة شك وريبة في الغالب، واشاح بوجهه عن سجالاتها ومساوماتها السياسية. تحدث الى الجماهير بصدق واخلاص دائماً، ووضع- شأنه شأن المعلم البصير والمرشد الخبير- عقله وحكمته ومعرفته تحت تصرف الاتباع في مسيرة النضال الشاقة.
ولما انتصر نضال الشعب الايراني وسط حيرة العالم ودهشته، وقَبلَ الشعب الايراني بأسره قيادته وزعامته من الاعماق، أوجد بفكره وسلوكه أعظم تحول في التاريخ السياسي لهذا البلد، أي استبدل الملكية التي كانت تجسيداً لحكومة الظالمين والناهبين الدوليين المستبدة، ب- (الامامة) التي تمثل مركز الحكومة الالهية والشعبية لعباد الله، وزيّن اقتداره وصلابته بالعدل، ونوّر امتيازه
وتفرّده بالعبودية والتواضع، وعالج تمكّنه وقوته بالزهد والتقوى، فَلَمْ يتخلّ لحظة عن طريق الله وعبودية الله. ولأنه حمل على عاتقه عبء الامانة الجسيم، ضاعف من مراقبة روحه.
إن كلامه النابع من القلب، وقلبه الذاكر الخاشع، وسلوكه المستلهم من الدين، أفاض بنبع متدفق من المعرفة والحكمة والتدبير الالهي، على فكر وعقل الشعب الايراني الذي كان يعشق اخلاصه ومعنويته. فكان الزاد والمعين لرجال الدولة والمسؤولين وأبناء الشعب في مواجهة الكم الهائل من الدسائس والعداوات، وايجاد الحلول لجبل من المشكلات المفروضة.
والسنوات العشر الاخيرة من حياة الامام الكبير المباركة، تمثل بحق مرحلة تأسيس نظام الاسلام السياسي، واحياء الهوية الاسلامية لدى مسلمي العالم، واهتزاز راية الاسلام في بلدنا، مرحلة استقلال ايران وحريتها، وعزة الشعب الايراني ومفاخره الوطنية ونهضته غير المسبوقة نحو الرقي والتكامل، مرحلة عزة ايران على الصعيد العالمي، وتأثيرها في القضايا الدولية، مرحلة انطلاقة نهج جديد في تاريخ بلدنا، وبمواصلة ذلك ستحقق ايران الاسلامية تقدمها المادي والمعنوي.
لقد رسم الامام الحكيم المحُن- ك، معالم هذا الطريق، ولفت اليها الانظار بوضوح في العشرات من المناسبات بمئات التوجيهات والارشادات الفاعلة الموجهة لمسؤولي البلد وأبناء الشعب الايراني بأسره.
وهذه المعالم والتوجيهات تحمل اليوم القدر نفسه من القيمة والمتانة والفاعلية، والحكومة والشعب الايراني بأمسّ الحاجة اليها لمواصلة مسيرته المليئة بالمطبات، صوب الفلاح والتقدم المادي والمعنوي.
تصدر هذه المجموعة من المواعظ والحكم، التي تُلقي في الوقت نفسه الضوء على تاريخ الثورة الاسلامية والسنوات العشر التي اعقبت انتصار الثورة والأحوال التي مّرت بها البلاد آنذاك خاصة، تصدر بمناسبة الذكرى المئوية لولادة رجل التاريخ الأوحد، وفي عام يفخر بحمل اسمه، ونأمل أن تحظى باهتمام الجميع واستفادتهم.
كل التحيات لروحه السامي، وشوق الى حضرة بقية الله- ارواحنا فداه- وسلام عليه.
السيد علي الخامنئي
مقدمة الناشر
مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (رض)باسمه تعالى
الامام الخميني والثورة الاسلامية وعالمنا المعاصر
كتاب تاريخ البشرية الضخم، بكل مفاخره وانتكاساته؛ ليس اكثر من بداية فصل لايمكن انكاره عنوانه: (صانعوالتاريخ العظام).
فاذا تأملنا بروز الافكار السامية ونشوء المذاهب الفلسفية والسياسية وتكاملها، ومعنى علم التاريخ وفلسفة التاريخ والاسس التي يستندان اليهما، لا يسعنا مهما كانت النظرية التي نؤمن بها، تجاهل الدور الفريد للشخصيات التي تركت افكارها وسلوكها تأثيراً عميقاً في دائرة المجتمع والسياسة وفي ميدان الثقافة والعلوم والعلاقات الانسانية، تجاوز عصرها وجيلها.
هل ينبغي اعتبار ظهور امثال هذه الشخصيات مجرد نتاج طبيعي لاحتياجات المجتمع ومتطلبات العصر، ومن ثم النظر اليها على أنها معالم ورموز تمثل افكارها وسيرتها انعكاساً للتطلعات والرغبات والاحتياجات الطبيعية لعصر وجيل معينين؟
أو أن السمات التكاملية الفريدة، والنبوغ الذاتي والنظرة المستقبلية، والقدرة على الابتكار والابداع، هي التي أهلّتها لأن تحتل موقعها بين المشاهير والمبدعين؟
أو أن كلا العاملين تشاركا في ذلك؟
ام أن الدور الخلاق لامثال هذه الشخصيات، ومن منطلق رؤية فلسفية اوعرفانية ميتافيزيقية، كان قد تم التخطيط له من قبل لدى خلق آدم وهبوطه الى ارض الطبيعة، وسعي الانسان والمجتمع الانساني للتحرر والتكامل والعروج والمعاد؟
مهما يكن، فإن تباين وجهات النظر اعلاه لا يغير من هذه الحقيقة وهي ثمة رجال معدودين عظام انتفضوا بثبات في المقاطع الحرجة من تاريخ حياة الانسان، وتركت افكارهم وسيرتهم تحولًا جذرياً في الرؤى والافكار وفي نشوء الفلسفات والمذاهب والنظم المختلفة بنحوانعكس على جانب كبير من ابعاد الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية لملايين البشر.
وبطبيعة الحال إن مثل هذه الحقيقة لا تتعارض بأي نحومن الانحاء مع الدور غير القابل للانكار الذي يمكن أن يلعبه كل فرد من افراد المجتمع الانساني أو المؤسسات المنبثقة عنه، في التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها هذا المجتمع.
حقاً، إن أياً من المذاهب الفلسفية والسياسيّة والاجتماعية والادبية المرموقة، وأيّا من الحضارات والنهضات الفاعلة والمؤثرة التي عرفناها منذ بزوغ التاريخ البشري وحتى عصرنا
الحاضر؛ ألم تدنْ في اصولها وقيمها الى الوجوه البارزة والشهيرة في عالم الفكر والسياسة والثقافة والأدب والثورة؟
وهكذا يعد فصل معرفة القادة والمؤسسين من أهم فصول معرفة المدارس الفلسفية والمذاهب السياسة والأدبية، والتعرّف على الأديان والمذاهب والثقافات والحضارات والثورات والنهضات.
وبناء على ذلك، فان نجاح أي تفسير علمي وتحليل موضوعي لظاهرة الثورة الاسلامية وتقويم تأثيرها وفاعليتها في المجتمع الايراني وعلى الساحة الدولية، منوط اولًا بمعرفة المبادئ الفكرية وابعاد شخصية وسيرة الرجل الذي قاد هذه الثورة منذ انطلاقتها الاولى في الخامس عشر من خرداد- الخامس من حزيران 1963- وحتى الثاني والعشرين من بهمن- 11 شباط 1979-، وكذلك الأحد عشر عاماً التي تلت ذلك بدءاً بالمراحل الاولى لتشكيل الحكومة وانتهاءً بترسيخ وتثبيت اركان نظام الجمهورية الاسلامية.
والملاحظة المهمة هي أن الثورة الاسلامية وقيادة الامام الخميني، اقترن ظهورهما مع ذروة الحرب الباردة بين القوتين العظميين التي انتهت بانهيار احد القطبين السياسيين البارزين، وجاءتا على اعتاب تحولات عميقة شهدتها الجغرافية السياسية للعالم، ولا يخفى أن مثل هذا يضفي اهمية مضاعفة على تحليل خصوصيات افكار وسيرة الرجل الذي نجح في ظل ذلك في ارساء أسس مشروع جديد وتأسيس نظام ديني مستقل تماماً وبعيداً عن النفوذ الذي تفرضه متطلبات نظم المعسكرات التابعة للشرق والغرب- الرأسمالية والاشتراكية- التي كانت تبدو امراً حتمياً.
وفي الذكري المئوية لولادة الامام الخميني، وبمرور عشرة اعوام على رحيله، بات موقع الثورة التي فجرها والنظام الذي أرسى دعائمه على درجة من الثبات والاستقرار لم نعد بحاجة للبرهنة على حقيقة أن الثورة الاسلامية لم تكن مجرد تحرك طارئ لاسقاط نظام سياسي في نقطة ما من العالم.
فقد بات الحديث اليوم في الادبيات السياسية للعالم، وبنحو اكثر عينية في الملتقيات العلمية للمفكرين والسياسيين، حتى على مستوى المباحثات واللقاءات الرسمية بين كبار الساسة في العالم، يتركز على المعضلات التي أوجدتها الثورة الاسلامية على صعيد الموازنات والمقولات السياسية والثقافية.
ذلك أن بروز الاحزاب الاسلامية واتساع دائرة نشاطاتها في معظم الدول الاسلامية، والتحولات والمستجدات التي ظهرت أوفي طريقها الى الظهور، هي وليدة الحضور الفاعل القوي للمجموعات والتنظيمات الدينية من الكثير في البلدان الاسلامية، وقد قلبت موازين القوى التقليدية، وبات موقع المسلمين والحضارة الاسلامية المقبلة في المعادلات السياسية والثقافية الدولية، وبحوث نظير صدام أو حوار الحضارات، العلمانية أو الايمان الديني في نظام الحكم، باتت حديث الساعة في المحافل الثقافية والسياسية.
ولا يخفى أن تسليط الاضواء على النتائج العملية لهذه الحوارات والتحديات والتوجهات، يتصدر اخبار وسائل الاعلام العالمية وتحليلاتها ثقة منها أن هذا النهج سيتواصل، وتتسع دائرته اتساعاً عظيماً، نظراً لعمق نفوذ نداءات الثورة الاسلاميه ومكتسباتها على صعيد المجتمعات الاسلامية ودول العالم.
وفي ايران نجحت الثورة الاسلامية، مستلهمة اساليب النضال من الثقافة الاسلامية للشعب الايراني التي تتباين تماماً عما اعتادته الثورة والحركات السياسية الرائجة، في اسقاط نظام ديكتاتوري مستبد يحظي بدعم الغرب بقوة، بل وُجد أساساً للقيام بدور الشرطي المدافع عن المصالح الاميركية والاوروبية، وتحقيق تطلعات (الناتو) في الخليج الفارسي والمنطقة المحاذية للاتحاد السوفيتي السابق .. وأهم من كل ذلك أنها نجحت في اجتثاث جذور نظام الملكية الفاسد، وارساء دعائم نظام جمهوري يمتاز بمبادئه واصوله وهيكليته الدينية والاسلامية.
لقد سمت الثورة الاسلامية بمنزلة ايران ومكانتها السياسية، التي كانت في يوم ليس ببعيد بمستوى ولاية شبه مستعمرة تقع تحت الهيمنة الاميركية على مختلف الاصعدة، لتحتل موقعها كقوة ثقافية وسياسية مقتدرة، إذ باتت مواقفها وسياساتها وعلاقاتها الآن حديث الساعة في المحافل الدولية واوساط الساسة ورجال الحكم في مختلف انحاء العالم.
فالجمهورية الاسلامية اليوم تحظي بمكانة مرموقة في الموازنات السياسية على الصعيد الدولي بدرجة تدفع اميركا والقوى الكبرى في العالم الى اتخاذ موقف رسمي حيال ادنى موقف أوحدث ايراني داخلي.
وتفيد الاخبار التي تبثها وسائل الاعلام العالمية المرموقة يومياً بأن جانباً عظيماً من جهود واجتماعات البيت الابيض والدول الاوروبية والآسيوية يكرس للبحث في كيفية العلاقة مع ايران وسبل مواجهة تداعيات الثورة الاسلامية على الساحة الدولية.
وبعيداً عن الموقع الذي تحتله ايران اليوم على صعيد الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، والذي هو- بطبيعة الحال- وليد الثورة الاسلامية والنظام المنبثق عنها دون أدنى شك، كانت للثورة الاسلامية انعكاساتها الباهرة فيما وراء الحدود الايرانية بنحولايمكن انكاره، وأن آثارها وتداعياتها في تنام مستمر: فمفردة (العالم الاسلامي) كانت الى وقت قريب تطلق على الشعوب المشتتة التي كانت معتقداتها الدينية لا تتجاوز الاهتمامات الفردية، بل حتى هذا كان في طريقه الى التدني والزوال، فالغالبية من المسلمين كانوا قد انبهروا، وفي مختلف ميادين الحياة الاجتماعية بدءً بالثقافة والسياسة والنظم القانونية والحقوقية، وانتهاء بعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم الاجتماعية ونظمهم التعليمية، قد انبهروا واستسلموا للثقافات الغربية والشرقية المستوردة بنحوتضاءل بشدة الشعور بالهوية المستقلة والاسلامية إزاء نفوذ الافكار والتوجهات السياسية غير الدينية، واتسم تدني الانتماء الذاتي والاضمحلال الثقافي بوتيرة متسارعة.
لقد تسارعت وتيرة الهجوم والانحلال والاضمحلال بنحولم تتمكن حتى اقوى الحركات القومية من الثبات والاستمرار سوى أيام معدودة، نظراً لافتقارها للقاعدة الفكرية والعقيدية المناسبة التي تؤهلها للاستحواذ على دعم متواصل من الجماهير المسلمة والشعوب الاسلامية، ومن ثم ايجاد تحول في العلاقات وارساء بُنى ثقافية وسياسية جديدة ومطمئنة تنسجم مع الثقافة الدينية. ولعلّ خير نموذج على هذه المساعي غير الموفقة الفشل والاحباط اللذان منيت بهما الحركات القومية في العالم العربي وتركيا، وكذلك هزيمة القوميين المبكرة في ايران.
فالقومية الشاهنشاهية واهتمام الشاه المفرط والمثير للسخرية بالتاريخ الايراني القديم، ليس فقط لم ينظر اليه على أنه مشروع للتحصن والمقاومة مقابل نفوذ الثقافة الغربية، بل تم
التخطيط له اساساً للاسراع في الانفصام والابتعاد عن الثقافة الدينية في المجتمع الايراني لصالح الغرب.
اما في الدول الاسلامية الاخرى فقد كانت ثمة اوضاع مشابهة سائدة ايضاً. حيث كانت أنشطة الشخصيات السياسية المعارضة والاحزاب والفصائل الثورية والاصلاحيّة في العالم الاسلامي، تنحصر في اتباع المذاهب الاشتراكية والشخصيات غير الدينية، والرموز المتغربة او المستشرقة عموماً. ولم يكن بمقدور الاصوات المعدودة للمفكرين والتيارات السياسية الاسلامية، أن تحقق شيئاً في ظل الصخب الذي تمارسه انواع التحركات والتوجهات الشرقية والغربية.
بيد أن الأحوال السياسية، وتوجهات الاحزاب والتيارات السياسية الناشطة بدأت تشهد تحولًا جذرياً في معظم الدول الاسلامية، إذ تحولت صحوة المسلمين والعودة الى الثقافة الدينية في المجتمعات الاسلامية الى امواج من المد الاسلامي الذي طوى مراحله الاولية وأخذ يتجلى في صورة تشكيل الاحزاب وتأسيس التنظيمات السياسية والثقافية والاجتماعية القوية في الكثير من البلاد الاسلامية.
ولم تقتصر هذه الظاهرة الحديثة العهد على ايران ولبنان وفلسطين، بل انفقت الدول الاوروبية وأميركا مبالغ طائلة للحيلولة دون انتصار الاسلاميين في القارة الافريقية، وتعد الجزائر ومصر والسودان نماذج بارزة لذلك.
فالانتصار الساحق الذي حقّقه الاسلاميون في انتخابات الجزائر هو الذي دفع العالم الغربي، في تناقض صارخ، الى تجاهل شعار الديمقراطية وحقوق الانسان، والوقوف الى جانب الحكم العسكري في مطارداته الدموية الواسعة للاسلاميين.
وفي السودان أمسك الاسلاميون بزمام السلطة، وفي تركيا تنامت الفعاليات الاسلامية برغم المساعي الواسعة للعلمانيين على مدى عدة عقود متوالية خلافاً لما تروج له وسائل الاعلام والسياسات الرسمية، إذ وجدت الاحزاب الاسلامية لها موقعاً مصيرياً في هذه البلدان.
وخلافاً للاعلام الواسع النطاق الذي يشن على نداءات العزة والاستقلال والتوجه الاسلامي، بوصفها شعارات عالمية للثورة الاسلامية، لم تقتصرمناصرة هذه الاهداف على الشيعة وحدهم، فأميركا والغرب يواجهان اليوم، في أكثر قواعدهم التقليدية اطمئناناً، في شبه الجزيرة العربية وفي كل بلد من البلدان العربية والاسلامية، يواجهان معضلات وازمات من تنامي الجماعات الاسلامية ووقوفها بوجه الغرب.
وتؤكد التحولات التي تشهدها الدول الاسلامية في شرق آسيا، انتصار الاسلاميين واتساع نفوذهم. ولم يتمكن الاستعمال المضلل لمفردة (الأصولية) من الفت في العزم المتنامي للمد الاسلامي.
ففي لبنان، التي كانت نشاطات الشيعة والجماعات الدينية والاسلامية الى ما قبل انتصار الثورة الاسلامية، تقتصر فيها على المحافظة على عدد من المؤسسات التعليمية والخيرية للتعبير عن وجودها، وكانت مجاهدتهم ومقاومتهم المظلومة تفقد بريقها في ظل الصخب والضجيج الذي تمارسه الاحزاب اليسارية واليمينية، باتت القوى الاسلامية اليوم لها الكلمة الفصل في السياسة الداخلية لهذا البلد وفي مواجهة الكيان الغاصب للقدس. وليس هذا فحسب، بل إن مواقف حزب الله
اللبناني اكتسبت ابعاداً دولية بوصفه اكثر القوى السياسية والدينية اقتداراً في هذا البلد، وقاد ثبات ابنائه ومضاؤهم الى هزيمة المشاريع الامريكية والصهيونية في المنطقة واحباطها.
كما تأثرت المقاومة الاسلامية داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي القدس والضفة الغربية، بالثورة الاسلامية، حيث استطاعت بالاعتماد على قوة الايمان وبأيد خالية، أن تسوق سياسات واشنطن ومسيرة الاستسلام الى طريق مسدود، برغم كل الدعم المالى الضخم الذي رصده الغرب لها، وبرغم استسلام بعض القادة العرب وعدد من المنظمات الفلسطينية.
ان اتساع دائرة الصحوة الاسلامية لم يقتصر على الدول الاسلامية، بل بات المسلمون يشكلون في معظم الدول الاوروبية حتى في الولايات المتحدة، احدى اكبر الاقليات الدينية واكثرها نشاطاً سياسياً، واتضحت معالم الهوية الجديدة للتوجّهات الاسلامية في هذه الدول بمظاهر الرفض والاستنكار لمؤلف كتاب الآيات الشيطانية ومن يقف وراءه.
وبالالتفات الى التحولات التي شهدناها وسنشهدها في المستقبل القريب، يمكن القول: إن التأثير الذي تركته امواج الصحوة الاسلامية في لفت انظار الشعوب والمجتمعات الى دور الدين وفاعليته في قيادة المجتمع وادارة نظام الحكم، لم يقتصر على اوساط المسلمين وحدهم، بل إن مقولة احياء الفكر الديني واعادة قراءة القيم واهداف الاديان التوحيدية ودور الدين ومكانته في النظام الجديد ومستقبل العالم، وبالالتفات الى هزيمة الماركسية واندحار المعسكر الاشتراكي وبروز الأزمات الاجتماعية والاخلاقية داخل الانظمة الرأسمالية، اخذت تستحوذ بصورة جادة على اهتمامات وتوجهات المفكرين والمصلحين. ويعد اهتمام المجتمع والدول ورجال السياسة والمنظمات الدولية بأبحاث ومقولات من قبيل الحوار بين اتباع الاديان والمذاهب وحوار الحضارات، والتوجهات الجديدة في بحوث التراث والمعاصرة والحداثة وماوراء الحداثه، من أبرز المؤشرات الى انطلاقة مثل هذا التحول.
فلم يعد خافياً على احد من المراقبين السياسيين الدور الذي اطلعت به الثورة الاسلامية في ايران وتداعياتها ومعطياتها على صعيد المنطقة والعالم، في التحولات السياسية والثقافية التي شهدها العقدان الماضيان.
وثمة حقيقة أخرى تقف بموازاة ذلك، تحظى باعتراف وتأكيد المراقبين والمتابعين للقضايا الثقافية والسياسية في العالم، ألا وهي أن الثورة الاسلامية ارتبطت في جذورها واستمرارها بتحول لا يمكن انكاره، بأفكار وقيادة رجل أخذ على عاتقه التخطيط للثورة سواء على صعيد الاسس الفكرية والتنظير، أو في ميدان العمل واساليب مواصلة الثورة وتقدمها. وفي هذا الصدد تعبر المقولة الشهيرة لخليفة الامام أية الله السيد علي الخامنئي بصدق عن هذه الحقيقة، وهي: (الثورة الاسلامية بمعزل عن الامام الخميني، غير قابلة للدرك في اية نقطة من العالم).
وبطبيعة الحال، وكما هوواضح، لا يتسنى تقويم انتصار الثورة الاسلامية ونجاحات الامام الخميني بمعزل عن الارضية والخلفية والاحداث التي عاشها العالم الاسلامي بما فيه ايران، ولا سيما في العقود الاخيرة، من دون الاخذ بنظر الاعتبار دور المصلحين والمفكرين والتيارات الدينية التي مهدت بنضالاتها وجهادها الفكري والثقافي، الارضية لقبول نداءات الثورة الاسلامية والتفاعل معها داخل ايران وفي العالم.
ومهما يكن فانّ استقرار نظام الجمهورية الاسلامية في ايران يمثل اولى النتائج العينية والعملية للثورة الاسلامية واهداف وتطلعات الامام الخميني. وهذا يعني ان التعرف على حياة ونضال وافكار واهداف وتراث الامام الخميني، هو في الحقيقة الخطوة الاولى للإحاطة بماهية الثورة الاسلامية وقيادتها ومعرفة العامل الاساس الذي يقف وراء الكثير من التحولات الجارية والقادمة في الميدان الثقافي والسياسي العالمي في عصرنا الحاضر والقادم. ولعّل هذا ما يدعونا لأن نعتبر الامام الخميني مهندس الحضارة الجديدة الإسلامية التي هي في طور الانشاء والظهور.
صحيفة الامام
بالالتفات الى مكانة الثورة الاسلامية وقيادة الامام الخميني في عالمنا المعاصر، التي أشرنا الى جانب من ابعادها اعلاه، يمثل الاطلاع على التراث السياسي والاجتماعي الشفوي والمكتوب للامام الخميني، بما في ذلك الشخصي والأسري الذي يتم عرضه الآن في مجموعة كاملة عنوانها (صحيفة الامام)، يمثل احد السبل للاحاطة بالخصوصيات الروحية لقائد الثورة الاسلامية الكبير ومعرفة ابعاد شخصيته وعلاقاته الشخصية والاجتماعية، ذلك لأن كل أثر من الآثار التي ضمّتها (صحيفة الامام) يشير الى بعد من الابعاد الظاهرة والخفية التي اتسمت بها روح الامام الخميني (رض).
الرسائل الأسرية
توضّح بعض الآثار المدرجة في (صحيفة الامام) أن الامام الخميني وبعيداً عن عالم النضال والسياسة والقيادة الصاخب، كان يتحلّى بروح لطيفة وعرفانية، وفي الوقت ذاته كان مدركا لواجباته الاجتماعية وعلاقاته الانسانية، إذ تشير هذه الآثار الى أن الامام لم يكن قدوة وأسوة جديرة بالاتباع في وادي العلم والاجتهاد والجهاد والسياسة والامامة فحسب، بل إن روحه الرقيقة وشخصيته المتمسكة بالتكليف كانت تدعوه دائماً لعدم التخلي عن اداء الواجب في الميادين غير السياسية. فقد كان سماحته زوجاً نموذجياً في مجال اداء الحقوق الزوجية والحب والوفاء للزوجة. فمنذ أن هداه التحقيق والتقدير الالهي الى بيت آية الله ثقفي لاختيار شريكة افراح واتراح حياته، حتى اللحظات الاخيرة من عمره الشريف، بقي وفياً لاختياره الاول والاخير هذا.
ففيما عدا رحلته لأداء فريضة الحج الواجبة في شبابه، والسنة التي نفي فيها الى تركيا، وعدد من الزيارات التي قامت بها الزوجة الى ايران للقاء الابناء والاقارب خلال اقامته في النجف الاشرف، قلما فارق سماحته زوجته خلال الستين عاماً من حياتهما المشتركة. وتتحدث الرسائل والمكاتبات المتوافرة عن ابعاد العلاقة الحميمة والوفية العميقة المفعمة بالمحبة والاحترم المتبادل.
كما كشفت رسائل الامام الخميني المرسلة الى الابناء والمنتسبين اليه، بعداً آخر من الأبعاد الروحية العظيمة التي كان يتحلي بها، إذ لم ينسه الجلوس على كرسي المرجعية والزعامة الدينية وتصديه لقيادة الثورة، أداء واجباته الدينية والاخلاقية لابنائه والمنتسبين اليه، بدءاً من تفقدهم وانتهاء بمتابعة مشكلاتهم وتوجيه النصح والارشاد لهم بما يُقوّم حياتهم من الاهتمام بالدراسة وتهذيب النفس الى غير ذلك من الامور الاخرى التي تتجلي في الرسائل الأسرية التي كتبها سماحته.
كل ذلك يشير الى دقة نظر الامام وحرص سماحته على مراعاة العادات والتقاليد والخلق الاسلامي في علاقته مع افراد اسرته والمنتسبين اليه.
كذلك تمكننا هذه الرسائل والخطابات، أن نعرف نهج الامام التربوي وايمانه بحرية العمل بالنسبة للابناء، المقرون بطبيعة الحال بالتوجيهات والارشادات الحميمة. وفي هذا الصدد تعد رسائل الامام الخميني ومكاتباته الاخلاقية الموجهة الى ولده حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، معبرة للغاية وزاخرة بالملاحظات السياسية والاجتماعية والاخلاقية، نظراً للدور الخاص والفريد الذي كان يطّلع به هذا الابن البار والمضحي والامين مع الأب، خلال الثورة الاسلامية.
الاجازات الشرعية
الوكالات التي أعطاها الامام الخميني أشخاصاً كثيرين في الامور الشرعية والحسبية- سواء الوكالات العامة اوتلك التي جاءت استجابة لطلب في توكيل خاص ومحدود-، تمثل جانباً آخر من الموضوعات المدرجة في (صحيفة الامام).
وبناءً على اصول الفقه الشيعي، لا يجوز التصرف بالحقوق الشرعية والامور الحسبية في زمن الغيبة دون إذن الفقيه الجامع للشرائط. وفي ضوء ذلك كان اصدار الوكالة ومازال بيد مراجع التقليد للافراد الواجدين للشرائط امراً رائجاً، حيث يقوم المؤمنون بتسليم الحقوق الشرعية الى الوكلاء الذين يقومون بارسالها الى مراجعهم.
وتتضمن متون الوكالات الصادرة اشارة الى اختيارات محدودة تمنح صاحب الوكالة حق انفاق الوجوه الشرعية في المواضع الشرعية المطلوبة، علماً أن هذا النوع من الوكالات يمنح الى الاشخاص الذين يثق بهم مرجع التقليد، ويتيقن توفرهم على الشروط اللازمة واحراز مراتب تدينهم والتزامهم، اوأن يقوم اثنان من الافاضل العدول بتأييد أهليتهم في أقل تقدير.
ان هذا الاسلوب المطمئن، المتبع في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها هو الذي حفظ الفقه والفقاهة وصان الحوزات العلمية طوال التاريخ عن التبعية والإذعان لضغوط الحكومات غير الصالحة، ومهّد لارتباط علماء الدين والحوزات العلمية المباشر للناس بمختلف شرائحهم، وفي الوقت ذاته عمل على توعية المؤمنين وممارسة اشرافهم على سلوك هؤلاء وتصرفاتهم بما يضيق الخناق على امكانية اختراق العناصر غير المؤهلة لتربع كرسي الزعامة الدينية الى اقصي حد ممكن.
ومن مجموع الوكالات التي اصدرها الامام الخميني، ولا سيما الرسائل التي خاطب بها سماحته وكلاءه الشرعيين، ندرك مدى دقة الامام وحزمه. وفيما عدا حالات معدودة تمثلت في الشخصيات المعروفة من العلماء المرموقين والمتقين، او الاشخاص الذين كانوا على ارتباط مباشر بسماحته او أنه كان يعرفهم عن قرب، لم يمنح سماحته وكالته احداً من دون توثيق مكتوب من قبل أفاضل عدول.
هذا وتضمن الجزء الاول من (صحيفة الامام) فهرساً للوكالات التي اصدرها الامام الخميني خلال اقامته في مدينة النجف الاشرف، وكان الامام قد نظم النسخة الاصلية لهذا الفهرس بخط يده، وهوما يشير الى دقة نظر الامام ونظمه في هذا النوع من الموضوعات.
وتنبغي الاشارة هنا الى أن الوكالات الشرعية تكون نافذة طالما كان الحاصل عليها متصفاً بالتدين، وتتوفر فيه الصفات اللازمة للوكالة الشرعية في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها، وفيما عدا ذلك تصبح ملغاة تلقائياً.
يذكر أن الوكالات التي ادرجت في هذه المجموعة تمثل الوكالات التي تم العثور عليها حتى الآن وتأكد صحتها، وإلّا فان عدد الوكالات التي اصدرها الامام الخميني اكثر من هذا بكثير. ولهذا ندعوكل من توجد بحوزته وكالة أو أي أثر من آثار الامام الخميني اطلاع المؤسسة عليه، كي يتسنى إدراجه في الطبعات القادمة.
هذا ويحتفظ أرشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني بنماذج من التزكيات المكتوبة لأفاضل ادّت تزكيتهم الى اصدار وكالات، لم تدرج في هذه المجموعة مراعاة للاختصار، ونظراً لاقتصارها على آثار الامام.
البرقيات والرسائل السياسية والاجتماعية
البرقيات والرسائل التي بعث بها الامام الخميني الى كثير من علماء دين وشخصيات سياسية وثقافية ووكلاء شرعيين، بدءاً من المسؤولين ورجال الحكومة داخل ايران وخارجها، وانتهاء بالاحزاب والجمعيات والناس عامة، وتناولت موضوعات مختلفة، شكّلت جانباً آخر من محتويات (صحيفة الامام).
وتنوع المخاطبين والأرضية التاريخية التي انطلقت منها كل رسالة من هذه الرسائل، ولا سيما تنوع الموضوعات وتفاصيلها، سبب لرؤية رسائل الامام جانباً مهماً من تراثه القيم الذي يلقي الضوء على زوايا من نهضته وآرائه ومواقفه ازاء القضايا والاحداث المختلفة.
وبين هذه الرسائل وثائق فريدة أضحت مصدر انعطاف كبير في مسيرة النهضة والثورة الاسلامية، كبرقيات الامام ورسائله التي بعث بها الى الشاه، واسدالله علم، وامير عباس هويدا.
وكذلك رسائل سماحته الى مراجع التقليد والعلماء والحوزات العلمية والجماعات والجمعيات السياسية والدينية داخل البلد وخارجه، والى زعماء الدول الاجنبية.
ولحسن الحظ، وبفضل همّة نجل الامام- رحمة الله عليهما-، تم جمع النسخ الاصلية للكثير من رسائل الامام الخميني وبرقياته، سواء تلك التي صدرت خلال مرحلة ذروة تصاعد الثورة الاسلامية عام 1978 حتى الايام الاخيرة من رحيل الامام، وهي الآن بحوزة المؤسسة. كما تم الحصول على تعداد كبير من مكاتبات الامام الخميني خلال سنوات ما قبل انتصار الثورة الاسلامية بفضل جهود المؤسسة وتعاون ومساعدة مريدي الامام، وادرجت بالكامل دون ادنى تدخل اوتصرف في (صحيفة الامام) جنباً الى جنب مع بقية آثار سماحته.
ولا يخفى أن ثمة رسائل ومكاتبات كثيرة صدرت عن الامام الخميني خلال انتفاضة اعوام 61- 1963 وما سبقها وما لحقها، إلا أنه لم يتم العثور عليها لاسباب عديدة منها الاختناق الذي كانت
تعانيه البلاد في اثناء حكم الشاه، وحساسية (السافاك) من آثار الامام. غير أن المؤسسة لم تقطع الأمل من امكان العثور على المتبقي من رسائل ومكاتبات الامام الخميني، وسيتم ضمّه الى هذه المجموعة في طبعاتها القادمة بعد تأكد صحته وسنديته.
الاحكام والفرامين
ترك سماحة الامام الخميني (رض) وهو مرجع تقليد لعدد كبير من الشيعة، وقائداً كبير للثورة والجمهورية الاسلامية الايرانية، احكاماً وأوامر متعددة في مسائل تم ادراجها بالنص في هذه المجموعة.
ان قرارات من قبيل تشكيل مجلس قيادة الثورة، والحكومة المؤقتة واحكام تعيين اعضائها، والمصادقة على الدستور، واحكام تفويض رؤوساء الجمهورية الاسلامية، والقرارات المتعلقة بتشكيل مؤسسات الثورة وقرارات عزل وتعيين مسؤولي السلطة القضائية والقادة العسكريين وقادة قوى الامن الداخلي وممثلي سماحته في المؤسسات والدوائر الحكومية، والقرارات العسكرية التي اصدرها الامام وهو قائد عام للقوات المسلحة، وتوجيهات سماحته وقراراته الحكومية التي اجاب بها عن استفسارات المسؤولين من موقع قيادة الثورة. كل ذلك أدرج في (صحيفة الامام).
ولا يخفى أن الاطلاع على هذا الجانب من آثار الامام الخميني- ولا سيما اذا ما اخذ بنظر الاعتبار المسار التاريخي لصدور هذه الاحكام- جنباً الى جنب مع نداءاته واحاديثه، يعطي فكرة عن جانب من طبيعة قيادته الدينية الفذة التي اتسمت بالحزم والقدرة وفي الوقت ذاته بالتواضع والشعبية. ونظراً الى أن بعض احكام وآراء الامام الخميني كتبت على هامش مطالب واستفسارات المسؤولين، تم درج الجانب او القسم الاصلى من الاستفسار مقروناً بنص ردّ الامام لتتسنى الإحاطة بأصلها.
النداءات
من اهم آثار الامام الخميني المكتوبة التي ادرجت في (صحيفة الامام)، ونشرت في سياقها التاريخي، النداءات الدينية والسياسية التي اصدرها سماحته. إذ إن اصدار ونشر هذه النداءات يمثل في الحقيقة احد اكثر محاور ارتباط الامام الخميني المباشر باتباعه وبالجماهير أصالة. فمن خلال هذه النداءات انطلقت امواج رفض النظام الشاهنشاهي خلال احداث مجالس الاقاليم والمدن، وانتفاضة الخامس من حزيران- 15 خرداد- عام 1963.
ففي مختلف مراحل نضال الشعب الايراني، كانت نداءات وخطابات الامام الخميني هي التي تحدد مسار الانتفاضة والمباني الفكرية والسياسية للثورة، وأولوياتها وشعاراتها واهدافها في كل مرحلة من مراحلها الصعبة. فلما بلغت الانتفاضة الاسلامية للشعب الايراني ذروتها عامي 77- 1978، كان كل منشور يصدر عن الامام الخميني سواء من النجف أو باريس ينتشر بسرعة فائقة في مختلف انحاء البلاد، منشوراً وطنياً عاماً يحدد مسيرة النضال وجهة الثورة وتوجهها، ويعمل على توحيد القوى الثورية والجماهير وانسجامهما وتمحورهما حول الاهداف والشعارات المعلنة.
فالامام الخميني لم يؤكد في نداءاته تأجيج الروح الحماسية وتشجيع الناس على الاستقامة والثبات في طريق الثورة فحسب، بل كان يحرص بأسلوبه السلس والمستدل، على رفع مستوى الوعي الديني والسياسي للجماهير للأحداث الجارية، وتعزيز قدراتهم على التمييز بين انصار الثورة واعدائها داخل ايران وخارجها. وعبر هذا الطريق كان يدفع الجماهير للنزول بوعي الى ساحة النضال ودعم اهداف الثورة.
والتنبؤ الواعي لأبعاد الطروحات التي كان النظام الشاهنشاهي وأعوانه الغربيون يخططون لها لسحق الانتفاضة في كل مرحلة من مراحلها، ومحاولة احباط وتفويت اهدافها، والتحذير من الشعارات والمواقف المنحرفة في مسيرة النضال والتأكيد الكبير لضرورة اتحاد الجماهير حول الشعارات الدينية المشتركة، كل من جملة الموضوعات التي كانت تحتل موضعاً بارزاً في منشورات ونداءات الامام.
ويتمثل القاسم المشترك لكافة نداءات الامام الخميني- قبل انتصار الثورة وبعده- في كسب دعم الجماهير لاهداف الثورة من منطلق الواجب الديني والالهي، وتأكيد الدور المبتكر للجماهير ذاتها باعتبارها المفجِّ- رة للثورة واصحابها الاصليين سيما الشباب.
وبوسعنا القول بأن ترسيخ ايمان الجماهير وتعزيز معتقداتهم الدينية، التي هي المحرك الاساسي لهم في الفعاليات النضالية والسياسية، والالتفات الى (الواجب الديني)، شكلت ابرز معالم النهج الذي اختطه الامام الخميني اساساً لنهضته، ومث- لت السمة البارزة التي ميّزت الثورة الاسلامية من غيرها من الحركات السياسية التي شهدها التاريخ الايراني المعاصر.
ان احياء التوحيد والاعتقاد الديني في ساحة المفاهيم الاجتماعية، ونفخ الروح في المفاهيم القرآنية الكريمة كالامامة والولاية والجهاد والشهادة واصالة مبدأ حاكمية الله وتعاليمه، وارجحية المعاييرالدينية ورفض حاكمية الطاغوت، والارتباط المصيري بين الدين والسياسة، كل هذه مفاهيم وموضوعات استطاع الامام الخميني بالعودة للمصادرالدينية الاصيلة التي تحظى بقبول المجتمع الايراني، وبالاستلهام من الدين والعقل ونهج أئمة الدين الاطهار، وبالمزاوجة الحكيمة بين الدين والعقل بنظرة واقعية للاحتياجات ومتطلبات العصرالجديد وتفعيل عنصري الزمان والمكان في الاجتهاد، استطاع أن ينفخ الروح المنبعث من الثقافة الدينية مرشداً ومحركاً لفكر أتباعه وعملهم في صلب معتقداتهم وفعالياتهم السياسية والاجتماعية.
وقد تسنّى ذلك بإصدار الامام الخميني للنداءات المتتابعة وإلقائه الخطابات المتعددة. ومن هنا كانت هذه النداءات والخطابات من اكثر المتون قيمة لمعرفة مواقف الامام ونهجه واساليبه في دفع مسيرة الثورة للامام، وقد تم ادراجها في هذا الأثر القيم (صحيفة الامام) في ضوء سياقها التاريخي ..
وتشكيل كل واحد من مراكز ومؤسسات الجمهورية الاسلامية، ومواجهة النظام الحديث العهد المقتدر لمختلف انواع المؤامرات والدسائس التي لجأ اليها اعداء الثورة داخل ايران وخارجها في السنوات التي اعقبت انتصار الثورة، وحث الجماهير على ضرورة المشاركة في الانتخابات والتدخل في تقرير مصيرهم، والتعبئة العامة لابناء الشعب الايراني طوال ثماني سنوات لردّ العدوان والتصدي له، واحياء شعار (انتصار الدم على السيف) أمضى سلاح في ميدان المواجهة غير المتكافئة
مع الاعداء، وجذب مشاركة الجماهير ومساهمتهم في اعادة اعمار البلاد، واصدار النداءات التحررية للثورة الاسلامية الموجهة للشعوب الأخرى، ودعوة العالم الاسلامي لاستعادة مجده وهويته الدينية، ودعوة المسلمين للاتحاد ومقاومة النظام السلطوي العالمي، واعلان سياسة (اللاشرقية واللاغربية) نهجاً جديداً للوقوف بوجه النزعة السلطوية للمعسكرين الرأسمالى والاشتراكي، وفضح جرائم اميركا والكيان الصهيوني، واصدار فتوى ضرورة دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني وتحرير القدس وتعبئة العالم الاسلامي في مواجهة نشر الكتاب غير الاخلاقي (الآيات الشيطانية).
وباختصار شديد: اشاعة الثقة بالنفس لدى الشعب الايراني ومسلمي العالم، وكل ذلك مث- ل ابرز موضوعات نداءات الامام الخميني بعد انتصار الثورة الاسلامية.
كما أن المذبحة الظالمة للحجاج في بيت الله الحرام، والتدخل الاميركي المباشر في الحرب العراقية الايرانية، واسقاط الفرقاطة الأمريكية لطائرة الركاب الايرانية، ولجوء صدام حسين الى استعمال الاسلحة الكيماوية على نطاق واسع والقصف المكثف للمدن الايرانية، وانتهاء الحرب المفروضة وبدء مرحلة اعادة الاعمار والتنمية السياسية، وعزل خليفة القائد، وكذلك احداث عالمية مهمة نظير التحولات الجذرية التي بدأ يشهدها الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، واتساع نطاق سياسات الهيمنة الغربية والأمريكية، كل ذلك من الاحداث البارزة التي شهدتها السنتان الاخيرتان من حياة الامام الخميني، مما أضفى اهمية بالغة على النداءات التي اصدرها الامام الخميني في العامين الأخيرين من حياته (87/ 1988).
ان التكهن بالاوضاع المستقبلية لايران والمنطقة والعالم، والتحذيرات والحلول المقترحة التي تضمنتها نداءات هذه المرحلة، اتسمت بوضوح وشفافية لافتين للنظر. وفي هذا المجال تتجلى نداءات الحج والرسالة التي بعث بها سماحته الى غوربا تشوف، والنداء الموجّه الى مراجع التقليد والحوزات العلمية الذي عُرف بمنشور علماء الدين، ومنشور الاخوة، والنداء الموجه الى مشردي الحرب المفروضة، وبيان الموافقة على قرار وقف اطلاق النار 598، .. الخ.
لقد اقدم الامام الخميني، فضلًا عن اصداره عشرات النداءات، على عملٍ بديع ورائع تجلى في تدوين كافة مبادئه الفكرية وآماله وتطلعاته، ودرج خلاصة آرائه ومواقفه في وصيته الموثقة والتحليلية المسهبة التي تركها تذكاراً قيماً لأجيال القادمة .. ان هذا الأثر الخالد هو في الحقيقة وثيقة قيمة تتحدث بخط الامام ونهجه.
وإذ لم يمر على رحيل الامام سوى احد عشر عاماً، تُرجمت وصيته السياسية الالهية وطُبعت بأكثر من عشرين لغة حيّة ووُزّعت ملايين النسخ منها في مختلف انحاء العالم.
خطب الامام
ان أحد العوامل المؤثرة في قيادة الامام الخميني الموفقة، يكمن في ارتباطه الواسع بعامة الجماهير من مختلف فئات المجتمع، فالارتباط الوثيق بين الاهداف والواقعيات، وخلق علاقة بين ميدان الفكر والعمل. يمثلان الوجه البارز لقيادة الامام الخميني العقلانية الحكيمة، فقلما نجح كبار المفكرين والمنظرين البارزين في تحقيق اهدافهم وتطلعاتهم. ولم يكتف الامام الخميني
بكتابة رسائله العلمية والعملية في عرض وترويج اهدافه وتطلعاته السياسية والدينية. وهو من هذه الناحية حالة نادرة أوفريدة في تاريخ المرجعية الدينية، ففي الوقت الذي كان يحتل فيه مكانة رفيعة في قلوب وايمان اتباعه بصفته احد مراجع الدين الكبار، كان قادراً على طرح المفاهيم الدينية العميقة، ولا سيما الابعاد السياسية والاجتماعية للدين، بلغة بسيطة ومفهومة لمخاطبيه.
وأحاديث الامام الخميني وخطبه المتتابعة في جموع طبقات الشعب بمختلف فئاته وفرت فرصة الارتباط المباشر للجماهير مع أفكاره وآرائه، ولم يعودوا بحاجة الى التفسيرات الرسمية وغير الرسمية للوسطاء التي غالباً ما تكون مقرونة بوجهات نظر شخصية ودوافع سياسية وحزبية.
وعلى الرغم من أن الامام الخميني كان عالماً مرموقاً في ميادين الفلسفة والعرفان والاخلاق والفقه والاصول والتفسير، وكان ايضا منظّ- راً حاذقاً في ميدان السياسة، إذ شكّلت آراؤه السياسية أسس وقواعد النظام السياسي الجديد في ايران وامست اهداف ثورته مدعاة لتحولات مهمة في العالم عامّة والمجتمعات الاسلامية خاصة.
غير أن دائرة نفوذه وتأثيره، خلافاً لكل المفكرين والمنظرين تقريباً، لم تقتصر أو تنحصر بأوساط النخبة، فقد كان يتمتع بالقدرة على ترجمة نظرياته وافكاره عملياً ومتابعتها شخصياً. وفضلًا عن ذلك كان يعبر عن أهدافه بلغة يعيها الجميع في أحاديثه وخطاباته الواسعة التأثير الموجهة الى عامة الجماهير، وتجتذب دعمهم واستعدادهم الى حد التضحية من أجل الاهداف والتطلعات.
إن ثقة الشعب الايراني باخلاص الامام وصدقه في القول والفعل هي حصيلة تعامل وارتباط طويل الامد بين الامام الخميني واتباعه، والجذب الذي تتمتع به شخصية الامام واطلالته الوديعة التي تبعث على الهدوء والاطمئنان في الوقت الذي تتسم بالحسم والحزم والقاطعية، ونظراته الثاقبة والمفعمة بالرأفة وكلامه العذب السلس، اضافة الى الأبعاد المعنوية والدينية والعلمية التي تمتاز بها شخصية سماحته. كل ذلك كان من جملة العوامل التي جعلت من احاديث سماحته وخطبه عميقة التأثير في مستمعيه ومخاطبيه.
ومما لاشك فيه ان هذه العلاقة العاطفية المباشرة العميقة التي كانت تربط الجماهير بالامام، والقدرات الفائقة التي كان يتمتع بها في نقل افكاره وتصوراته بنحو سريع ومؤثر الى الجماهير، أدّت عملًا كبيراً في نجاح قيادته.
وتحليل مضامين احاديث وخطابات الامام الخميني وتعرّف طبيعة مستمعيه ومخاطبيه، ومطابقة وقائع تاريخ الثورة الاسلامية مع سياق احاديث وبيانات الامام، ودراسة منحنى تراكم اللقاءات والخطابات وتنوع الشرائح والفئات التي كانت تلتقي سماحته، يساعد الباحثين ويعينهم في تحليل وقائع وحقائق الثورة الاسلامية ويقودهم الى اكتشاف عناصر كفاية قيادة الامام الخميني وشعبيته.
ولهذا السبب حرصنا، لدى تنظيم احاديث وخطابات الامام الخميني ودرجها في (صحيفة الامام)، على ابعاد كلّ نوع من التنقيح الأدبي اوالموضوعي والامتناع عن كلّ تدخل أو تصرف، مع
أنَّ تعديل الخطابات امر شائع ومتداول، ونظراً لأن خطابات الامام الخميني جاءت بما ينسجم مع الاحداث ومتطلبات الأحوال التي عاشها المجتمع في كل مرحلة من المراحل المختلفة للثورة، فمن الطبيعي أن الوعي الدقيق لمضمون الخطاب ونوايا الامام رهن استيعاب الظروف السياسية والاجتماعية لكل مرحلة.
وقد سبق لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وبدافع تبيين وتوضيح مثل هذه الظروف، أن قامت باصدار مجموعة من ثلاثة اجزاء حملت عنوان: (الكوثر، احاديث وخطابات الامام الخميني مرفقة بشروح لوقائع الثورة الاسلامية)، ضمت احاديث الامام منذ انطلاقة نهضته حتى كانون الثاني 1978. وتفكر المؤسسة ضمن مشاريعها المستقبلية في استكمال هذا الأثر القيّم الذي يعبّر في الحقيقة عن تاريخ الثورة الاسلامية بالتفصيل.
اللقاءات والحوارات
في عصر الاتصالات تمثل اللقاءات والحوارات التي تجريها وسائل الاعلام مع القادة السياسيين والفكريين، وتبيين المواقف وايضاح وجهات النظر، وازالة الغموض والشبهات بالاجابة عن اسئلة المراسلين، تمثل احد السبل المؤثرة في تحقيق التواصل والارتباط مع الرأي العام والتحكم به.
وانطلاقاً من ادراكه لأهمية هذا الأمر، رحّب الامام الخميني الالتقاء بأصحاب الجرائد ومندوبي وكالات الانباء دون شرط كلما سنحت الفرصة. وقد بلغت لقاءات الامام الخميني الذروة خلال إقامة سماحته في باريس. وتمثل الحوارات التي اجراها مندوبووكالات الانباء العالمية ومحطات التلفزة في مختلف البلدان، ومراسلوالصحف والمطبوعات الايرانية والاجنبية، مع سماحة الامام الخميني، تمثل جانباً آخر من مجموعة الآثار السياسية والاجتماعية القيمة لسماحته، وقد تم ادراجها بالكامل في هذا الأثرالخالد.
ان حنكة الامام المتمثلة في إدراكه السريع لاهداف المحاورين، ومهارة سماحته وحصافته في عرض الاجابات، ودقة وصدق وشفافية المواقف بنحولم يبق أية امكانية للغموض وسوء الفهم وافتعال الضجة، كل ذلك يمكن ان نعثر عليه بسهولة في اللقاءات والحوارات التي اجريت مع الامام الخميني.
ونظراً لطبيعة الارتباطات الواسعة التي توفرها وسيلة الاعلام على الشخصيات الوطنية والعالمية، حيث تضعها بصورة مستمرة في معرض انظار الرأي العام العالمي في مدة قصيرة، فغالباً ما يتم ابعادهم بسرعة عن بؤرة اهتمام الرأي العام نتيجة لتكرار اسمائهم وتصريحاتهم ومقولاتهم، بيد أن مثل هذا الأمر لم يحصل بالنسبة للقاءات الامام الخميني، بل على العكس، فاللقاءات المكثفة المتواصلة التي اجريت مع سماحته خلال إقامته بباريس، وكانت تصل احياناً الى ثمانية لقاءات في اليوم، ساعدت على مضاعفة شعبية الامام الخميني وارتباطه مع مخاطبيه في مختلف دول العالم.
فعبر هذه اللقاءات والحوارات عرض الامام الخميني للعالم، وقبل انتصار الثورة الاسلامية، آراءه السياسية والدينية بالنسبة لماهية واركان الحكومة التي كان يتطلع لتشكيلها وسبل تعاطي
النظام الايراني القادم مع القضايا الدولية وطبيعة العلاقة المرجوة مع الدول الاخرى، ومبادئ السياسة الخارجية الايرانية التي يؤمن بها نظام الجمهورية الاسلامية المزمع اقامته.
ففي هذه اللقاءات أثار الامام الخميني، باسلوبه المؤثر، الشبهات الجادة على مشروعية النظام الشاهنشاهي في ايران ومشروعية الدعم الذي يوجهه له العالم الغربي وحماة الشاه .. وبوحي من المساعي التي بذلها الامام الخميني في فضح هذا النظام، ورغم كل الجهود التي بذلها زعماء اميركا والدول الغربية للحيلولة دون سقوط الشاه وانهيار النظام الملكي في ايران، اخذت تتجلى بسرعة مشاعر التضامن مع الشعب الايراني لدى الرأي العام العالمي، ونتيجة لذلك راح البيت الابيض والعواصم الاوروبية يواجهون ضغوطا شديدة للكف عن مواصلة دعمهم ومساندتهم للشاه.
ونتيجة لهذه اللقاءات ايضاً، أخذ يطرح لأول مرة الدين والفكر الاسلامي السياسي، على أنه ايديولوجية للنضال والثورة، ونهجاً عملياً لادارة المجتمع، على لسان علماء يحظون بشعبية واسعة، في عشرات المحطات التلفزيونية والاذاعية في الصحافة العالمية الواسعة الانتشار.
وقد مثلت هذه الظاهرة بداية قوية لبروز الفكر الديني في المقولات المتداولة في حياتنا اليومية، وظهور التنظيمات الاسلامية والدينية الحديثة في ساحة الصراع الفكري والسياسي المعاصر. علماً أن الاعلام الواسع والمخرب المعادي للثورة الاسلامية، قد عجز عن الوقوف بوجه انتشار أفكار الامام الخميني وتأثيرها في اوساط مخاطبيه ومريديه الذين يصعب احصائهم.
ولهذا تحظي لقاءات وحوارات الامام الخميني بالاهمية بالنسبة للباحثين في شؤون الثورة الاسلامية، سواء من حيث طريقة تعاطي سماحته مع اسئلة محاوريه خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تنوع اهداف المحاورين، إذ كان البعض يتوخى اضعاف موقعية الثورة وتخريب شخصية قائدها، اومن حيث طبيعة اجابات الامام التي كانت تكشف عن آرائه وتصوراته لأبرز واهم قضايا النهضة واهدافها الداخلية والخارجية. وأهم من ذلك، أن نفس هذه الآراء والتصورات أضحت منشأ لظهور تيار حديث في الجغرافية الثقافية والسياسية للعالم الاسلامي وايران بالتحديد.
الأمر الآخر الذي نكتشفه لدى دراستنا لقاءات الامام الخميني هو استحكام وثبات آراء سماحته واتقان مباني فكره السياسي، إذ يتجلي بوضوح انسجام افكاره وترابطها ووحدتها وثبات مواقفه ورسوخها، في حين نرى في الغالب التعارض والتناقض في الاقوال والافعال وتذبذب المواقف تمثل السمة البارزة لدى الذين يقفون باستمرار في معرض تساؤلات واحكام الرأي العام.
كما أن حوارات الامام مع زعماء الدول ومبعوثيهم، تتضمن الكثير من المواعظ والعبر، نظير حوار الامام مع مبعوثي قصر الاليزيه خلال اقامته بباريس، وحوار سماحته مع الوسطاء المبعوثين من الحكومة الأمريكية، وتصريحات سماحته لدى لقاء سفير الاتحاد السوفيتي لأول مرة، وحوار سماحته مع ياسر عرفات والقادة الفلسطينين، ولقائه ادوارد شيفر نادزه المبعوث الخاص للرئيس غورباتشوف الذي كان يحمل جواب رسالة الامام الشهيرة، اضافة الى لقاءات سماحته مع زعماء الدول الاسلامية وبقية الشخصيات السياسية الاجنبية، وما تخلل هذه اللقاءات من تصريحات والمراسم اليسيرة للغاية التي ربما لا تصدق إن ثقة الامام بنفسه وقدرته الفائقة على ادارة الحوار والبحث، دروس مليئة بالعبر بالنسبة لزعماء ومسؤولي العالم الثالث خاصة المسؤولين في الجمهورية الاسلامية، من جهات عديدة. ومما لاشك فيه أن نهج الامام هذا واسلوبه، قد ضاعف
مئات المرات من شعور الشعب الايراني بهويته وثقته بنفسه في ميادين المواجهة مع اعداء الثورة الاقوياء، وفي ساحة الدفاع عن الوطن الاسلامي.
(صحيفة النور) و (صحيفة الامام)
صدر حتى الآن الكثير من الكتب والمؤلفات التي تضمنت احاديث ونداءات الامام الخميني بعناوين مختلفة واساليب متنوعة ولغات متعددة كاملة أو ملخصة، وبشكل موضوعي أو تاريخي، وعمل على اصدارها انصار الامام والعديد من المؤسسات الثقافية داخل ايران وخارجها.
ولا يخفى أن طباعة آثار الامام ونشرها، ولا سيما آثاره السياسية والاجتماعية، تعد من اكثر المؤلفات الصادرة باللغة الفارسية كمّ- اً وانتشاراً .. وثمة عدد من الكتب البارزة من المؤلفات العامة لسماحة الامام صدر قبل تشكيل (مؤسسة تنظيم تراث الامام الخميني ونشره).
ورغم كل النواقص والاشكالات التي اتسمت بها مجموعة (صحيفة النور) التي أثيرت عليها انتقادات عديدة، فإنها احد اكثر المراجع شمولية للباحثين والراغبين في الاطلاع على تراث الامام الخميني، منذ صدور الجزء الاول منها حتى هذه اللحظة.
والجهود والمساعي القيمة للعاملين على تنظيم وتدوين (صحيفة النور)، في كل من وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ومؤسسة الوثائق الثقافية للثورة الاسلامية، وكافة الاعزة الذين بذلوا كل ما في وسعهم في مختلف مراحل تدوين وطبع ونشر هذا الأثر الخالد، تحظى بالاحترام والتقدير من قبل كافة الذين استندوا الى هذه المجموعة في بحوثهم ومراجعاتهم ومحاضراتهم ومؤتمراتهم.
ولعلّ من أبرز سمات (صحيفة النور)، المقدمة المسهبة لسماحة آية الله الخامنئي، وتنظيم موضوعاتها بناءً على سياقها التاريخي، والفهارس المبتكرة، والاخراج الفني، والشمولية النسبية.
اما النواقص التي اتسمت بها (صحيفة النور) والاشكالات التي تؤخذ عليها، فتعود الى عوامل عديدة منها:
ان جانباً مهماً من تراث الامام الخميني لم يدرج في (صحيفة النور) لعدم حصوله لدى معديها. ففي الكثير من الاحيان تمت الاستفادة من النصوص المنشورة في الصحف لتعذّر أصولها الخطية للنداءات والرسائل واشرطة الخطب واللقاءات. ولعدم توافر الاصول بالالتفات الى الاشكالات العديدة التي تتصف بها عادة النصوص الصحفية، فقد انعكس ذلك على (صحيفة النور) ايضاً، فعلى سبيل المثال أن الاخطاء التي وردت في تحديد تاريخ بعض احاديث الامام، تعود في الاصل الى النصوص المتعددة والمختلفة احياناً التي نشرت في الصحف.
ولأن اجزاء المجموعة كانت تصدر بالتدريج تباعاً، فان فهارس الموضوعات كانت تدرج في خاتمة كل جزء منفصلة. واذا ما أُريد الاطلاع على موضوع ما كان ينبغي الرجوع الى كل جزء من اجزاء المجموعة الاثنين والعشرين كي يتسنى العثور عليه. بيد أن مثل هذه الاشكال تم تلافيه مع صدور كتاب (مفتاح صحيفة النور) الذي اصدرته مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني عام 1993. وتم تلافي العديد من الاشكالات من قبل مؤسسة وثائق الثورة الاسلامية لدى تجديد طباعة (صحيفة النور) واخراجها في حلة جديدة.
وبدافع عرض مجموعة كاملة لآثار الامام الخميني، خالية من النواقص والإشكالات التي اتسمت بها (صحيفة النور)، أقدمت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني على اصدار هذه المجموعة الكاملة التي حملت عنوان (صحيفة الامام). فعلى مدى سنوات عديدة عملت الاقسام المختلفة في هذه المؤسسة على مطابقة المتون المنشورة في (صحيفة النور) والمطبوعات الاخرى ومقابلتها مع اشرطة الكاسيت والنصوص الخطية والنسخ الاصلية لآثار الامام الخميني التي تحتفظ بها المؤسسة، ومن ثم استخراج النص النهائي بدقة متناهية.
وفي هذا الصدد تمت مراجعة كافة الاختلافات التاريخية والاشكالات الاخرى التي اتسمت بها (صحيفة النور) وبقية المصادر، بالنسبة لكل أثر من آثار الامام، وتدوين المعلومات الصحيحة والنهائيّة في بداية كل اثر في اطار هويته.
وفضلًا عن ذلك، امتازت (صحيفة الامام) على (صحيفة النور) وغيرها من مؤلفات الامام الخميني المنشورة، بضمها لأكثر من ألفي وثيقة وسند من آثار الامام الخميني التي لم تنشر من قبل، ووضعها في متناول يد القراء لأول مرة.
كما امتازت (صحيفة الامام) بالتنظيم الدقيق للفهارس (فهرس الاعلام والموضوعات والمصطلحات والآيات والاحاديث ... الخ)، وعرضها في مجلد مستقل (الجزء 22)، يوفر سهولة العثور على عناوين الموضوعات المطلوبة في الاجزاء الاحد والعشرين من (صحيفة الامام).
الآثار التي لم تدرج في (صحيفة الامام)
ثمة آثار محدودة من تراث الامام الخميني لم تدرج في (صحيفة الامام) لاسباب عديدة منها:
اولًا: أنّ الامام الخميني أحد كبار الزعماء الدينيين والسياسيين في عالمنا المعاصر، وكانت حياته المباركه غنية وحافلة امتدت قرناً من الزمن تقريباً. ومن الطبيعي في مثل هذه المدّة الطويلة أن تكون لديه اتصالات ومكاتبات كثيرة، وصدرت عنه آراء ومواقف وآثار عديدة حيال قضايا مختلفة ومتنوعة. ومما لاشك فيه أن جانباً من ذلك لم يتم ضبطه وتدوينه. وبالالتفات الى الشواهد، ثمة العديد من النسخ الفريدة من آثار سماحته ما زالت غائبة لدى الاشخاص أو بين أثناء الكتب والمكتبات الخاصة العائدة للذين كانوا على اتصال مع الامام. ورغم كل الجهود التي بذلتها المؤسسة لم يتسنّ العثور على هذه النسخ بعد.
إن كلًا من فهرس رسائل الامام الخميني التي كتبت في اوائل النهضة، وفهرس الوكالات الشرعية الصادرة عن سماحته، وبقية الشواهد الاخرى، كلها تدل على أن عدد الرسائل والوكالات والآثار العامة لسماحته اكثر مما تم العثور عليه حتى الآن. علماً أن البحث جارٍ للعثور على كل جديد ليتم ادراجه في الطبعات التالية من (صحيفة الامام).
ومع ذلك، تعد (صحيفة الامام) الأشمل والأكمل وقد ضمت كافة المتون والنصوص الثقافية والسياسية والاجتماعية المنسوبة لسماحة الامام، بما في ذلك النصوص التي وردت في (صحيفة النور) وبقية المصادر، ومئات الآثار التي تنشر لاول مرة في هذه المجموعة.
ثانياً: لم تدرج كتب ومؤلفات الامام الخميني والتي تعد بالعشرات في شتى مجالات المعرفة الاسلامية. في هذه المجموعة، لان مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني قامت بنشرها مستقلة. وعليه فان (صحيفة الامام) لا تضم مؤلفات الامام ورسائله العلمية.
ثالثاً: كذلك لم تدرج قصائد واشعار الامام الخميني في (صحيفة الامام)، لأن القصائد والاشعار التي لدى المؤسسة كان قد تم اصدارها في كتاب حمل عنوان (ديوان اشعار الامام الخميني).
رابعاً: ثمة تعليقات متفرقة- ربما كلمة او عبارة او عدة كلمات- عثر عليها في طيات الكتابات الخطية لسماحة الامام، يصعب درجها تحت اي اطار اوعنوان من الأطر والعناوين المحددة لنشر آثار سماحته. (عناوين من قبيل: الرسالة والبرقية والاحكام والخطب والبيانات واللقاء والوكالة الى غير ذلك). ويبدوأن بعض هذه التعليقات والهوامش يشتمل على اشارات وملاحظات دوّنها الامام للاستفاده منها في نداء اوخطاب. كما أن بعضها الآخر يحتوي على نكات وملاحظات دوّنها الامام لدى مطالعته التقارير والصحف والكتب، او استماعه لوكالات الأنباء المحلية والعالمية، وذلك لمتابعة موضوع ما وملاحقته فيما بعد.
وثمة تعليقات وملاحظات دوّنها الامام استناداً الى برامجه اليومية نظير مواعيد اللقاءات وامثال ذلك .. وهناك أيضاً مسودات بعض الاحكام والنداءات، واصلاح وتعديل متون بعض النداءات، وهي من جملة التعليقات المتفرقة .. وبالالتفات الى نشر المتون النهائية والكاملة لهذا النوع من الآثار، تنتفي الحاجة الى ذكرها.
جدير بالذكر أن امثال هذه النصوص الخطية، والنسخ الاصلية لكافة آثار الامام عامّة يحتفظ بها في ارشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وسوف يتم عرضها لزوار المتحف الخاص بآثار سماحته.
خامساً: فيما عدا موارد خاصة من الرد على الاستفتاءات في المسائل السياسية والاجتماعية المهمة، لم تدرج في (صحيفة الامام) اجابات الامام الخميني عن استفتاءات مقلديه في المسائل الشرعية والاحكام الفقهية، التي تشكل كمّاً هائلًا. فمن يرغب بالاطلاع على فتاوى الامام، بإمكانه الرجوع الى مؤلفاته الفقهية ولاسيما: (تحرير الوسيلة) والرسالة العلمية و (مناسك الحج)، والحاشية على العروة الوثقى، ومجموعة الاستفتاءات.
سادساً: ان مقلدي سماحة الامام الخميني اعطوا الحقوق الشرعية طوال مرجعية الامام في قم وتركيا والنجف وباريس، وبعد عودة سماحته الى ايران، مباشرة او عن طريق وكلائه الشرعيين، وتسلّموا ايصالًا بما سلّموه. وعدد هذا النوع من الايصالات التي تحمل ختم وتوقيع الامام، كبير جداً، وليس هناك أية فائدة عامة تذكر من نشرها في (كتاب يضم الآثار السياسية والاجتماعية لسماحة الامام) ولذلك لم تدرج ايصالات تسلّم الحقوق الشرعية في (صحيفة الامام) فيما عدا بعض الموارد التي ادرجت من باب النموذج.
سابعاً: من البديهي أن آثارا من قبيل المكاتبات والمداولات والمحاضر السرية لاجتماعات رؤساء السلطات الثلاث، والقادة العسكريين، وكبار المسؤولين، مع سماحة الامام الخميني التي تطرقت لشؤون جبهات القتال وقضايا الامن القومي، ومازال طابعها السري قائماً، لم تكن ضمن الآثار القابلة للنشر في (صحيفة الامام).
ثامناً. الاقوال المنقولة والذكريات والخواطر التي يتحدث بها الاشخاص عن سماحة الامام، لم تدرج في صحيفة الامام ايضاً، ذلك أن هذا النوع من احاديث ومواقف الامام الخميني يفتقد الى السند- من قبيل نص خطي او شريط- وانما يبقى في حدود الاقوال المنقولة عن الاشخاص في معرض حديثهم عن ذكرياتهم. بيد أن مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني لم تهمل هذا الجانب من تراث الامام الخميني، حيث قامت، في اطار مخطط مدروس، بجمع وتدوين هذا النوع من الخواطر والذكريات ونشرها.
مستدرك (صحيفة الامام)
ان سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، الرابط الامين والمسؤول عن مكتب الامام، كان يحمل كل يوم الى سماحة الامام عدداً من رسائل واستفسارات مسؤولي النظام والدوائر المختلفة، التي يستطلعون فيها رأي سماحته في قضايا مهمة. وكان السيد احمد يسجل آراء واحكام سماحة الامام في ذيل الرسائل بصورة نقل قول مباشر او بعبارات نظير: قال سماحة الامام: .. ومن ثم ابلاغها الى الجهات المعنية.
بديهي أن هذا النوع من الموارد لا يمكن اعتباره ضمن آثار الامام الخميني المؤكدة الصادرة عن سماحته. بيد أن المؤسسة بصدد تنظيم هذه المكاتبات واعدادها للنشر في القريب العاجل بمثابة مستدرك (صحيفة الامام).
شكر وتقدير
لاشك في أن ثراء (صحيفة الامام) وشمولها، والدقة والامانة التي روعيت في تدوينها، جعل هذه المجموعة واحدة من أشمل المراجع واكثرها ث- قة واعتباراً لتعرف مواقف وتراث مفجر الثورة الاسلامية، الكبير، بالنسبة للجيل الحاضر والأجيال القادمة، واحد المتون الدينية والسياسية الخالدة.
ان اعداد وتدوين هذا الأثر القيم، الذي استهل بمقدمة بليغة لقائد الثورة الاسلامية المعظم سماحة آية الله السيد الخامنئي، واصداره في اثنين وعشرين جزءاً، هوحصيلة جهود تستحق الشكر والتقدير بذلها كافة المسؤولين والزملاء في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني. علماً أن توجيهات ودعم سماحة قائد الثورة المعظم وكبار المسؤولين في الجمهورية الاسلامية، وتضامن ومؤازرة ابناء الشعب الايراني النبيل ومريدي الامام، كانت ولا تزال السند الاول والاخير لهذه المؤسسة.
ولابد لنا هنا أن نذكر قبل الجميع، الدور المصيري لمرسي دعائم هذه المؤسسة والمتولي أمرها سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، ففضلًا عن حكمة هذا العزيز التي تجلت في تشكيل هذه المؤسسة، ودوره المتميز في كل فعالية من فعالياتها الواسعة، خصص سماحته الكثير من وقته وجهده لمتابعة انجاز هذه المجموعة الكاملة ولا سيما فيما يخص مرحلة التأكد من صحة وسندية النصوص التي لم تنشر من قبل.
ومازلت أتذكر كيف أن سماحة نجل الامام كان يصّر على تخصيص جزء من وقته لمتابعة تدوين (صحيفة الامام)، برغم الآلام الشديدة التي كان يشكومنها بسبب مرض عينه، وكان حينها في نقاهة كاملة. وفي هذا المجال تعد التعليقات والحواشي والهوامش التوضيحية التي يحتفظ بها ارشيف المؤسسة الخاصة بخلفيات تدوين (صحيفة الامام) خير شاهد على الجهود القيمة التي بذلها نجل الامام.
ومما يؤسف عليه، أن نحرم نعمة وجود مستودع اسرار الامام والوجه الصبوح الودود لدى ابناء الشعب، ورجل المهمات للبحث عن حلول لمعضلات الثورة، أن نحرم وجود نجل الامام في وقت تثمر جهوده وتتحقق امنيته في اصدار المجموعة الكاملة لآثار الامام الخميني- قدّس الله روحه الزكية.
كما ينبغي أن نتقدم بالشكر الجزيل لكافة الباحثين والمفكرين الذين وضعوا تحت تصرف المؤسسة خبراتهم وتجاربهم القيمة، بمشاركتهم في المداولات الاستشارية واللجان المسؤولة عن رسم سياسة المؤسسة من اجل التوصل الى صيغة فضلى لنشر تراث الامام الخميني بما في ذلك (صحيفة الامام) ونخص بالذكر سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي، الذي وف- ر بمشاركته في الاجتماعات التحضيرية (قبل تسلّمه رئاسة الجمهورية)، فرصة الاستفادة من افكاره السامية وارشاداته وتوجيهاته القيمة، وقد أخذ على عاتقه بكل تواضع مسؤوليّة رئاسة المؤتمر الاول الذي عقدته المؤسسة تحت شعار (الامام الخميني واحياء الفكر الديني)، كما أنه كان على الدوام الداعم للمؤسسة والمحفز على برامجها بعد تسلمه رئاسة الجمهورية ايضاً.
وبعد رحيل تذكار الامام، حصلت وقفة في اصدار هذه المجموعة، لم يبخل نجله الفاضل سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن الخميني علينا بآرائه وتوجيهاته السديدة وبنفس العزم والحكمة التي كنا نلمسها عند والده الراحل، فالمشاغل الكثيرة التي فرضها تصديه للمكانة الرفيعة التي كان يحتلها والده حامل قبس الذود عن اسم وذكرى (الخميني الكبير) في اسرة الامام المعززة المكرمة، وانهماكه الجاد في تحصيل المعارف الدينية في الحوزة والعلوم العصرية بأسمى مستوياتها، كل ذلك لم يثنه عن ممارسة اشرافه وتوجيهه السديد لشؤون مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني والآستانة المطهرة لضريح الامام الراحل. فمن خلال تفرّغه واشرافه الدقيق، تسنى لنا استكمال مراحل تدوين واصدار (صحيفة الامام) بصورة متواصلة ودون وقفة.
كذلك يدين اصدار هذه المجموعة لجهود ومساعي رئيس المؤسسة والمشرف على الآستانة المطهرة لمرقد الامام، حجة الاسلام محمد علي الانصاري، الذي أخذ على عاتقه ادارة التشكيلات وتوفير الخلفية القانونية والاعتمادات المالية وكافة احتياجات المؤسسة والآستانة.
وبديهي أن جمع وتدقيق صحة وسلامة آلاف المستندات والوثائق المدرجة في هذه الصحيفة المباركة، ومطابقة النسخ، وتفريغ الاشرطة على الورق ومراجعتها وتنقيحها وطباعتها، وتصحيح الاخطاء المطبعية، وتذيل المصادر والهوامش، وتنظيم الفهارس، وتدوين المعلومات الضرورية وهوية الكتاب، واخيراً طباعة ونشر 22 جزءاً من اجزاء (صحيفة الامام)، ليس بالعمل السهل
اليسير وخارج طاقة شخص اوعدة اشخاص .. إن انجاز كل ذلك مدين للجهود المستمرة والمتواصلة لعشرات الزملاء في الاقسام المختلفة لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وتعاون ومؤازرة حشد كبير من الطاقات خارج المؤسسة.
وفي الختام وبرغم كل الدقة والسعي الحثيث اللذين بذلا في تدوين وتنظيم (صحيفة الامام) في مختلف المراحل، ونظراً للرغبة في تنضيد حروف وطباعة ونشر المجموعة الكاملة في وقت واحد في اطار برنامج عمل مكثف متواصل على مدى شهور عديدة من هذا العام الذي اطلق عليه عام الامام الخميني، لم يخل من النواقص والاخطاء، ولهذا نرجو من الباحثين والقراء الكرام أن لايبخلوا على مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني بآرائهم ومقترحاتهم وتصويباتهم.
كل تمنياتنا أن يسمو الاسلام الحقيقي وتعلو كلمته يوماً بعد آخر، وأن يعم اسم الامام الخميني واهدافه وذكراه الافاق، وان تواصل الجمهورية الاسلامية تقدمها واقتدارها، وترسيخ عزة وسمو الشعب الايراني العظيم. وأن تكونوا معززين مكرمين ومنتصرين في مواصلة طريق الامام الخميني.
حميد الانصاري
نائب رئيس مؤسسة تنظيم
ونشر تراث الامام الخميني (رض)
تنويه
سهولة العثور على الموضوعات المطلوبة، يراجع الجزء 22 من صحيفة الإمام، الذي يضم فهارس الموضوعات والأعلام والحوادث التاريخية والآيات والأحاديث والأشعار، وفهارس موضوعية مفصلة لما ورد في الأجزاء الأحد والعشرين من الصحيفة.
ديباجة
بقلم قائد الثورة الاسلامية الموقّربسم الله الرحمن الرحيم
الآن إذ تعد للنشر ثانية المجموعة القيمة من الاحاديث الهادية والمرشدة لمعلمنا ومرشدنا وامامنا الكبير، من المناسب أن تسجل كلمة- وإن كانت موجزة ومتواضعة- حول هذه الشخصية الفريدة المجددة حياة الاسلام حقاً في هذا العصر.
في كل نقطة من العالم، متى ما خطا إنسان بوحي من العلم والعقل والفكر السامي، اوالزهد والتقوى والايمان الراسخ، اوالشهامة والشجاعة والهمة العالية، او الفطنة والحنكة والوعي السياسي، في طريق عمل عظيم، وتابع هدفه المقدس بصبر وثبات؛ لا شك في أنه سيقود بلده وشعبه واحياناً الانسانية الى تحقيق مفاخر عظيمة وتقدم خالد، فكل الذين وجدوا موقعاً لهم بين مشاهير التاريخ، كانوا قد اتسموا ببعض هذه السمات.
بيد أن المعلم الفذّ في عصرنا الحاضر، ألا وهوالامام روح الله الخميني، كانت تتجلي فيه كل هذه السمات مجتمعة، بمستوى بعيد المنال قليل النظير في اغلب الاحيان، إذ كان عالماً ورعاً، وعاقلًا متقياً، وحكيماً مدبراً، ومؤمناً مجدداً، وعارفاً شجاعاً وواعياً، وحاكماً عادلًا، ومجاهداً مضحياً.
كان سماحته فقيهاً واصولياً وفيلسوفاً وعارفاً، ومعلم اخلاق، وأديباً وشاعراً، وقد تربع سنوات طوالًا على ارفع مقاعد التدريس، واستحوذ على اهتمام أبرز وأشهر المجامع العلمية في الحوزة.
فقد امتزجت خصوصياته الذاتية البارزة مع ما نهله من المعارف القرآنية وزين به قلبه وروحه، فصنعت منه شخصية عظيمة وجذابة ومؤثرة بنحو تبدو إزاءه كلّ شخصية من الشخصيات البارزة في القرن الأخير الذي يعد قرن الرجال العظام والمصلحين الدينيين وكبار السياسيين والاجتماعيين، هامشية وقليلة الجذابية وأحادية الجانب.
فالعمل الذي كرّس له همّته، واستطاع انجازه بايمانه وتوكله ودرايته وصبره، كان عظيماً ومدهشاً ويبعث على الاعجاب بالدرجة ذاتها أيضاً.
إذ كانت شخصيته الفذة والساطعة، محط الانظار وفريدة في مختلف مراحل حياته السياسية، سواء يوم دعا بوحي من موقعه، وهو مرجع ديني في مدينة قم، الى مقارعة النظام البهلوي
العميل الفاسد وحماته المستعمرين الأمريكيين، ووضَعَ ظلم واستبداد الشاه واعوانه وكنزهم للاموال ومحاربة الدين، في مهب اعصاره الغاضب.
وكذلك حينما استطاع، بعد نضال مرير زاخر بالمحن على مدى خمسة عشر عاماً، وبفضل الجهاد العظيم للشعب الايراني، تأسيس النظام الاسلامي واجتثاث جذور النظام الخائن والفاسد والوضيع.
وفي كل ذلك تجلى صرح الايمان والشجاعة والتضحية ذاته في وجوده القيم جنباً الى جنب مع عمق الحكمة والدراية والعقلانية.
لقد كان يعرف ايران جيداً: فمن جهة كان يدرك موقعها الجغرافي الحساس والمصيري، ويعي جغرافيتها السياسية ومواردها الطبيعية والانسانية، ويحيط بتطلعاتها واهدافها وآمالها الكبيرة، ومن جهة اخرى كان محيطاً بتاريخها على مدى المئة والخمسين عاماً الاخيرة الزاخر بالمحن، وابعاد هيمنة الاجانب ونهبهم لثرواتها، وخيانة وفساد واستبداد الأسرة البهلوية وآلاف الأسر المرتبطة بها، وما فُرض عليها من فقر وتخلف علمي وصناعي واخلاقي و .. وأهم من ذلك كلّه إدراكه لروحية شعبها العظيم والاصيل والرشيد والمؤمن.
كما أنه كان على اطلاع بأوضاع العالم والشعوب المستعمرة والدول المستكبرة والجيل الشاب التائه الحيران والمتعطش للحقيقة، ولا سيما الاوضاع المؤسفة للدول والامة الاسلامية. وكان يتألم لكل ذلك. وكانت القضية الفلسطينية ومعاناتها المؤلمة تعتصر قلبه الكبير.
إن شعور سماحته بالواجب الديني هو الذي دفعه للنزول الى ساحة النضال الكبير والتأريخي، التي لم يطأها مطلقاً غير رجالات التأريخ الاستثنائيين، ولم يخرج منها منتصراً سوى عدة معدودة.
كان سماحته يفكّر بانقاذ ايران من قبضة النظام الفاسد الذي فرض عليها التخلف والانحطاط والفقر الاقتصادي والاخلاقي والعلمي، وقد رأى في العودة الى الاسلام واقامة نظام الاسلام السياسي وحكومة القيم الإلهية، السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.
وبشقه لهذا الطريق، وضع النموذج الحي بين يدي الامة الاسلامية وأسّس نهجاً جديداً في العالم الاسلامي كان من اولى معطياته المباركة احياء الهوية الاسلامية في اوساط المسلمين.
بدأ نضاله منذ الخطوة الاولي باسم الله وبمساعدة شرائح المجتمع الواسعة .. تحدث اليهم ودعاهم لمناصرته بايمانهم وعقولهم وهممهم، لم يتوجه الى الاحزاب والتنظيمات صاحبة الادعاءات قط، بل كان ينظر الى دوافعها وأهدافها نظرة شك وريبة في الغالب، واشاح بوجهه عن سجالاتها ومساوماتها السياسية. تحدث الى الجماهير بصدق واخلاص دائماً، ووضع- شأنه شأن المعلم البصير والمرشد الخبير- عقله وحكمته ومعرفته تحت تصرف الاتباع في مسيرة النضال الشاقة.
ولما انتصر نضال الشعب الايراني وسط حيرة العالم ودهشته، وقَبلَ الشعب الايراني بأسره قيادته وزعامته من الاعماق، أوجد بفكره وسلوكه أعظم تحول في التاريخ السياسي لهذا البلد، أي استبدل الملكية التي كانت تجسيداً لحكومة الظالمين والناهبين الدوليين المستبدة، ب- (الامامة) التي تمثل مركز الحكومة الالهية والشعبية لعباد الله، وزيّن اقتداره وصلابته بالعدل، ونوّر امتيازه
وتفرّده بالعبودية والتواضع، وعالج تمكّنه وقوته بالزهد والتقوى، فَلَمْ يتخلّ لحظة عن طريق الله وعبودية الله. ولأنه حمل على عاتقه عبء الامانة الجسيم، ضاعف من مراقبة روحه.
إن كلامه النابع من القلب، وقلبه الذاكر الخاشع، وسلوكه المستلهم من الدين، أفاض بنبع متدفق من المعرفة والحكمة والتدبير الالهي، على فكر وعقل الشعب الايراني الذي كان يعشق اخلاصه ومعنويته. فكان الزاد والمعين لرجال الدولة والمسؤولين وأبناء الشعب في مواجهة الكم الهائل من الدسائس والعداوات، وايجاد الحلول لجبل من المشكلات المفروضة.
والسنوات العشر الاخيرة من حياة الامام الكبير المباركة، تمثل بحق مرحلة تأسيس نظام الاسلام السياسي، واحياء الهوية الاسلامية لدى مسلمي العالم، واهتزاز راية الاسلام في بلدنا، مرحلة استقلال ايران وحريتها، وعزة الشعب الايراني ومفاخره الوطنية ونهضته غير المسبوقة نحو الرقي والتكامل، مرحلة عزة ايران على الصعيد العالمي، وتأثيرها في القضايا الدولية، مرحلة انطلاقة نهج جديد في تاريخ بلدنا، وبمواصلة ذلك ستحقق ايران الاسلامية تقدمها المادي والمعنوي.
لقد رسم الامام الحكيم المحُن- ك، معالم هذا الطريق، ولفت اليها الانظار بوضوح في العشرات من المناسبات بمئات التوجيهات والارشادات الفاعلة الموجهة لمسؤولي البلد وأبناء الشعب الايراني بأسره.
وهذه المعالم والتوجيهات تحمل اليوم القدر نفسه من القيمة والمتانة والفاعلية، والحكومة والشعب الايراني بأمسّ الحاجة اليها لمواصلة مسيرته المليئة بالمطبات، صوب الفلاح والتقدم المادي والمعنوي.
تصدر هذه المجموعة من المواعظ والحكم، التي تُلقي في الوقت نفسه الضوء على تاريخ الثورة الاسلامية والسنوات العشر التي اعقبت انتصار الثورة والأحوال التي مّرت بها البلاد آنذاك خاصة، تصدر بمناسبة الذكرى المئوية لولادة رجل التاريخ الأوحد، وفي عام يفخر بحمل اسمه، ونأمل أن تحظى باهتمام الجميع واستفادتهم.
كل التحيات لروحه السامي، وشوق الى حضرة بقية الله- ارواحنا فداه- وسلام عليه.
السيد علي الخامنئي
مقدمة الناشر
مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (رض)باسمه تعالى
الامام الخميني والثورة الاسلامية وعالمنا المعاصر
كتاب تاريخ البشرية الضخم، بكل مفاخره وانتكاساته؛ ليس اكثر من بداية فصل لايمكن انكاره عنوانه: (صانعوالتاريخ العظام).
فاذا تأملنا بروز الافكار السامية ونشوء المذاهب الفلسفية والسياسية وتكاملها، ومعنى علم التاريخ وفلسفة التاريخ والاسس التي يستندان اليهما، لا يسعنا مهما كانت النظرية التي نؤمن بها، تجاهل الدور الفريد للشخصيات التي تركت افكارها وسلوكها تأثيراً عميقاً في دائرة المجتمع والسياسة وفي ميدان الثقافة والعلوم والعلاقات الانسانية، تجاوز عصرها وجيلها.
هل ينبغي اعتبار ظهور امثال هذه الشخصيات مجرد نتاج طبيعي لاحتياجات المجتمع ومتطلبات العصر، ومن ثم النظر اليها على أنها معالم ورموز تمثل افكارها وسيرتها انعكاساً للتطلعات والرغبات والاحتياجات الطبيعية لعصر وجيل معينين؟
أو أن السمات التكاملية الفريدة، والنبوغ الذاتي والنظرة المستقبلية، والقدرة على الابتكار والابداع، هي التي أهلّتها لأن تحتل موقعها بين المشاهير والمبدعين؟
أو أن كلا العاملين تشاركا في ذلك؟
ام أن الدور الخلاق لامثال هذه الشخصيات، ومن منطلق رؤية فلسفية اوعرفانية ميتافيزيقية، كان قد تم التخطيط له من قبل لدى خلق آدم وهبوطه الى ارض الطبيعة، وسعي الانسان والمجتمع الانساني للتحرر والتكامل والعروج والمعاد؟
مهما يكن، فإن تباين وجهات النظر اعلاه لا يغير من هذه الحقيقة وهي ثمة رجال معدودين عظام انتفضوا بثبات في المقاطع الحرجة من تاريخ حياة الانسان، وتركت افكارهم وسيرتهم تحولًا جذرياً في الرؤى والافكار وفي نشوء الفلسفات والمذاهب والنظم المختلفة بنحوانعكس على جانب كبير من ابعاد الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية لملايين البشر.
وبطبيعة الحال إن مثل هذه الحقيقة لا تتعارض بأي نحومن الانحاء مع الدور غير القابل للانكار الذي يمكن أن يلعبه كل فرد من افراد المجتمع الانساني أو المؤسسات المنبثقة عنه، في التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها هذا المجتمع.
حقاً، إن أياً من المذاهب الفلسفية والسياسيّة والاجتماعية والادبية المرموقة، وأيّا من الحضارات والنهضات الفاعلة والمؤثرة التي عرفناها منذ بزوغ التاريخ البشري وحتى عصرنا
الحاضر؛ ألم تدنْ في اصولها وقيمها الى الوجوه البارزة والشهيرة في عالم الفكر والسياسة والثقافة والأدب والثورة؟
وهكذا يعد فصل معرفة القادة والمؤسسين من أهم فصول معرفة المدارس الفلسفية والمذاهب السياسة والأدبية، والتعرّف على الأديان والمذاهب والثقافات والحضارات والثورات والنهضات.
وبناء على ذلك، فان نجاح أي تفسير علمي وتحليل موضوعي لظاهرة الثورة الاسلامية وتقويم تأثيرها وفاعليتها في المجتمع الايراني وعلى الساحة الدولية، منوط اولًا بمعرفة المبادئ الفكرية وابعاد شخصية وسيرة الرجل الذي قاد هذه الثورة منذ انطلاقتها الاولى في الخامس عشر من خرداد- الخامس من حزيران 1963- وحتى الثاني والعشرين من بهمن- 11 شباط 1979-، وكذلك الأحد عشر عاماً التي تلت ذلك بدءاً بالمراحل الاولى لتشكيل الحكومة وانتهاءً بترسيخ وتثبيت اركان نظام الجمهورية الاسلامية.
والملاحظة المهمة هي أن الثورة الاسلامية وقيادة الامام الخميني، اقترن ظهورهما مع ذروة الحرب الباردة بين القوتين العظميين التي انتهت بانهيار احد القطبين السياسيين البارزين، وجاءتا على اعتاب تحولات عميقة شهدتها الجغرافية السياسية للعالم، ولا يخفى أن مثل هذا يضفي اهمية مضاعفة على تحليل خصوصيات افكار وسيرة الرجل الذي نجح في ظل ذلك في ارساء أسس مشروع جديد وتأسيس نظام ديني مستقل تماماً وبعيداً عن النفوذ الذي تفرضه متطلبات نظم المعسكرات التابعة للشرق والغرب- الرأسمالية والاشتراكية- التي كانت تبدو امراً حتمياً.
وفي الذكري المئوية لولادة الامام الخميني، وبمرور عشرة اعوام على رحيله، بات موقع الثورة التي فجرها والنظام الذي أرسى دعائمه على درجة من الثبات والاستقرار لم نعد بحاجة للبرهنة على حقيقة أن الثورة الاسلامية لم تكن مجرد تحرك طارئ لاسقاط نظام سياسي في نقطة ما من العالم.
فقد بات الحديث اليوم في الادبيات السياسية للعالم، وبنحو اكثر عينية في الملتقيات العلمية للمفكرين والسياسيين، حتى على مستوى المباحثات واللقاءات الرسمية بين كبار الساسة في العالم، يتركز على المعضلات التي أوجدتها الثورة الاسلامية على صعيد الموازنات والمقولات السياسية والثقافية.
ذلك أن بروز الاحزاب الاسلامية واتساع دائرة نشاطاتها في معظم الدول الاسلامية، والتحولات والمستجدات التي ظهرت أوفي طريقها الى الظهور، هي وليدة الحضور الفاعل القوي للمجموعات والتنظيمات الدينية من الكثير في البلدان الاسلامية، وقد قلبت موازين القوى التقليدية، وبات موقع المسلمين والحضارة الاسلامية المقبلة في المعادلات السياسية والثقافية الدولية، وبحوث نظير صدام أو حوار الحضارات، العلمانية أو الايمان الديني في نظام الحكم، باتت حديث الساعة في المحافل الثقافية والسياسية.
ولا يخفى أن تسليط الاضواء على النتائج العملية لهذه الحوارات والتحديات والتوجهات، يتصدر اخبار وسائل الاعلام العالمية وتحليلاتها ثقة منها أن هذا النهج سيتواصل، وتتسع دائرته اتساعاً عظيماً، نظراً لعمق نفوذ نداءات الثورة الاسلاميه ومكتسباتها على صعيد المجتمعات الاسلامية ودول العالم.
وفي ايران نجحت الثورة الاسلامية، مستلهمة اساليب النضال من الثقافة الاسلامية للشعب الايراني التي تتباين تماماً عما اعتادته الثورة والحركات السياسية الرائجة، في اسقاط نظام ديكتاتوري مستبد يحظي بدعم الغرب بقوة، بل وُجد أساساً للقيام بدور الشرطي المدافع عن المصالح الاميركية والاوروبية، وتحقيق تطلعات (الناتو) في الخليج الفارسي والمنطقة المحاذية للاتحاد السوفيتي السابق .. وأهم من كل ذلك أنها نجحت في اجتثاث جذور نظام الملكية الفاسد، وارساء دعائم نظام جمهوري يمتاز بمبادئه واصوله وهيكليته الدينية والاسلامية.
لقد سمت الثورة الاسلامية بمنزلة ايران ومكانتها السياسية، التي كانت في يوم ليس ببعيد بمستوى ولاية شبه مستعمرة تقع تحت الهيمنة الاميركية على مختلف الاصعدة، لتحتل موقعها كقوة ثقافية وسياسية مقتدرة، إذ باتت مواقفها وسياساتها وعلاقاتها الآن حديث الساعة في المحافل الدولية واوساط الساسة ورجال الحكم في مختلف انحاء العالم.
فالجمهورية الاسلامية اليوم تحظي بمكانة مرموقة في الموازنات السياسية على الصعيد الدولي بدرجة تدفع اميركا والقوى الكبرى في العالم الى اتخاذ موقف رسمي حيال ادنى موقف أوحدث ايراني داخلي.
وتفيد الاخبار التي تبثها وسائل الاعلام العالمية المرموقة يومياً بأن جانباً عظيماً من جهود واجتماعات البيت الابيض والدول الاوروبية والآسيوية يكرس للبحث في كيفية العلاقة مع ايران وسبل مواجهة تداعيات الثورة الاسلامية على الساحة الدولية.
وبعيداً عن الموقع الذي تحتله ايران اليوم على صعيد الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، والذي هو- بطبيعة الحال- وليد الثورة الاسلامية والنظام المنبثق عنها دون أدنى شك، كانت للثورة الاسلامية انعكاساتها الباهرة فيما وراء الحدود الايرانية بنحولايمكن انكاره، وأن آثارها وتداعياتها في تنام مستمر: فمفردة (العالم الاسلامي) كانت الى وقت قريب تطلق على الشعوب المشتتة التي كانت معتقداتها الدينية لا تتجاوز الاهتمامات الفردية، بل حتى هذا كان في طريقه الى التدني والزوال، فالغالبية من المسلمين كانوا قد انبهروا، وفي مختلف ميادين الحياة الاجتماعية بدءً بالثقافة والسياسة والنظم القانونية والحقوقية، وانتهاء بعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم الاجتماعية ونظمهم التعليمية، قد انبهروا واستسلموا للثقافات الغربية والشرقية المستوردة بنحوتضاءل بشدة الشعور بالهوية المستقلة والاسلامية إزاء نفوذ الافكار والتوجهات السياسية غير الدينية، واتسم تدني الانتماء الذاتي والاضمحلال الثقافي بوتيرة متسارعة.
لقد تسارعت وتيرة الهجوم والانحلال والاضمحلال بنحولم تتمكن حتى اقوى الحركات القومية من الثبات والاستمرار سوى أيام معدودة، نظراً لافتقارها للقاعدة الفكرية والعقيدية المناسبة التي تؤهلها للاستحواذ على دعم متواصل من الجماهير المسلمة والشعوب الاسلامية، ومن ثم ايجاد تحول في العلاقات وارساء بُنى ثقافية وسياسية جديدة ومطمئنة تنسجم مع الثقافة الدينية. ولعلّ خير نموذج على هذه المساعي غير الموفقة الفشل والاحباط اللذان منيت بهما الحركات القومية في العالم العربي وتركيا، وكذلك هزيمة القوميين المبكرة في ايران.
فالقومية الشاهنشاهية واهتمام الشاه المفرط والمثير للسخرية بالتاريخ الايراني القديم، ليس فقط لم ينظر اليه على أنه مشروع للتحصن والمقاومة مقابل نفوذ الثقافة الغربية، بل تم
التخطيط له اساساً للاسراع في الانفصام والابتعاد عن الثقافة الدينية في المجتمع الايراني لصالح الغرب.
اما في الدول الاسلامية الاخرى فقد كانت ثمة اوضاع مشابهة سائدة ايضاً. حيث كانت أنشطة الشخصيات السياسية المعارضة والاحزاب والفصائل الثورية والاصلاحيّة في العالم الاسلامي، تنحصر في اتباع المذاهب الاشتراكية والشخصيات غير الدينية، والرموز المتغربة او المستشرقة عموماً. ولم يكن بمقدور الاصوات المعدودة للمفكرين والتيارات السياسية الاسلامية، أن تحقق شيئاً في ظل الصخب الذي تمارسه انواع التحركات والتوجهات الشرقية والغربية.
بيد أن الأحوال السياسية، وتوجهات الاحزاب والتيارات السياسية الناشطة بدأت تشهد تحولًا جذرياً في معظم الدول الاسلامية، إذ تحولت صحوة المسلمين والعودة الى الثقافة الدينية في المجتمعات الاسلامية الى امواج من المد الاسلامي الذي طوى مراحله الاولية وأخذ يتجلى في صورة تشكيل الاحزاب وتأسيس التنظيمات السياسية والثقافية والاجتماعية القوية في الكثير من البلاد الاسلامية.
ولم تقتصر هذه الظاهرة الحديثة العهد على ايران ولبنان وفلسطين، بل انفقت الدول الاوروبية وأميركا مبالغ طائلة للحيلولة دون انتصار الاسلاميين في القارة الافريقية، وتعد الجزائر ومصر والسودان نماذج بارزة لذلك.
فالانتصار الساحق الذي حقّقه الاسلاميون في انتخابات الجزائر هو الذي دفع العالم الغربي، في تناقض صارخ، الى تجاهل شعار الديمقراطية وحقوق الانسان، والوقوف الى جانب الحكم العسكري في مطارداته الدموية الواسعة للاسلاميين.
وفي السودان أمسك الاسلاميون بزمام السلطة، وفي تركيا تنامت الفعاليات الاسلامية برغم المساعي الواسعة للعلمانيين على مدى عدة عقود متوالية خلافاً لما تروج له وسائل الاعلام والسياسات الرسمية، إذ وجدت الاحزاب الاسلامية لها موقعاً مصيرياً في هذه البلدان.
وخلافاً للاعلام الواسع النطاق الذي يشن على نداءات العزة والاستقلال والتوجه الاسلامي، بوصفها شعارات عالمية للثورة الاسلامية، لم تقتصرمناصرة هذه الاهداف على الشيعة وحدهم، فأميركا والغرب يواجهان اليوم، في أكثر قواعدهم التقليدية اطمئناناً، في شبه الجزيرة العربية وفي كل بلد من البلدان العربية والاسلامية، يواجهان معضلات وازمات من تنامي الجماعات الاسلامية ووقوفها بوجه الغرب.
وتؤكد التحولات التي تشهدها الدول الاسلامية في شرق آسيا، انتصار الاسلاميين واتساع نفوذهم. ولم يتمكن الاستعمال المضلل لمفردة (الأصولية) من الفت في العزم المتنامي للمد الاسلامي.
ففي لبنان، التي كانت نشاطات الشيعة والجماعات الدينية والاسلامية الى ما قبل انتصار الثورة الاسلامية، تقتصر فيها على المحافظة على عدد من المؤسسات التعليمية والخيرية للتعبير عن وجودها، وكانت مجاهدتهم ومقاومتهم المظلومة تفقد بريقها في ظل الصخب والضجيج الذي تمارسه الاحزاب اليسارية واليمينية، باتت القوى الاسلامية اليوم لها الكلمة الفصل في السياسة الداخلية لهذا البلد وفي مواجهة الكيان الغاصب للقدس. وليس هذا فحسب، بل إن مواقف حزب الله
اللبناني اكتسبت ابعاداً دولية بوصفه اكثر القوى السياسية والدينية اقتداراً في هذا البلد، وقاد ثبات ابنائه ومضاؤهم الى هزيمة المشاريع الامريكية والصهيونية في المنطقة واحباطها.
كما تأثرت المقاومة الاسلامية داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي القدس والضفة الغربية، بالثورة الاسلامية، حيث استطاعت بالاعتماد على قوة الايمان وبأيد خالية، أن تسوق سياسات واشنطن ومسيرة الاستسلام الى طريق مسدود، برغم كل الدعم المالى الضخم الذي رصده الغرب لها، وبرغم استسلام بعض القادة العرب وعدد من المنظمات الفلسطينية.
ان اتساع دائرة الصحوة الاسلامية لم يقتصر على الدول الاسلامية، بل بات المسلمون يشكلون في معظم الدول الاوروبية حتى في الولايات المتحدة، احدى اكبر الاقليات الدينية واكثرها نشاطاً سياسياً، واتضحت معالم الهوية الجديدة للتوجّهات الاسلامية في هذه الدول بمظاهر الرفض والاستنكار لمؤلف كتاب الآيات الشيطانية ومن يقف وراءه.
وبالالتفات الى التحولات التي شهدناها وسنشهدها في المستقبل القريب، يمكن القول: إن التأثير الذي تركته امواج الصحوة الاسلامية في لفت انظار الشعوب والمجتمعات الى دور الدين وفاعليته في قيادة المجتمع وادارة نظام الحكم، لم يقتصر على اوساط المسلمين وحدهم، بل إن مقولة احياء الفكر الديني واعادة قراءة القيم واهداف الاديان التوحيدية ودور الدين ومكانته في النظام الجديد ومستقبل العالم، وبالالتفات الى هزيمة الماركسية واندحار المعسكر الاشتراكي وبروز الأزمات الاجتماعية والاخلاقية داخل الانظمة الرأسمالية، اخذت تستحوذ بصورة جادة على اهتمامات وتوجهات المفكرين والمصلحين. ويعد اهتمام المجتمع والدول ورجال السياسة والمنظمات الدولية بأبحاث ومقولات من قبيل الحوار بين اتباع الاديان والمذاهب وحوار الحضارات، والتوجهات الجديدة في بحوث التراث والمعاصرة والحداثة وماوراء الحداثه، من أبرز المؤشرات الى انطلاقة مثل هذا التحول.
فلم يعد خافياً على احد من المراقبين السياسيين الدور الذي اطلعت به الثورة الاسلامية في ايران وتداعياتها ومعطياتها على صعيد المنطقة والعالم، في التحولات السياسية والثقافية التي شهدها العقدان الماضيان.
وثمة حقيقة أخرى تقف بموازاة ذلك، تحظى باعتراف وتأكيد المراقبين والمتابعين للقضايا الثقافية والسياسية في العالم، ألا وهي أن الثورة الاسلامية ارتبطت في جذورها واستمرارها بتحول لا يمكن انكاره، بأفكار وقيادة رجل أخذ على عاتقه التخطيط للثورة سواء على صعيد الاسس الفكرية والتنظير، أو في ميدان العمل واساليب مواصلة الثورة وتقدمها. وفي هذا الصدد تعبر المقولة الشهيرة لخليفة الامام أية الله السيد علي الخامنئي بصدق عن هذه الحقيقة، وهي: (الثورة الاسلامية بمعزل عن الامام الخميني، غير قابلة للدرك في اية نقطة من العالم).
وبطبيعة الحال، وكما هوواضح، لا يتسنى تقويم انتصار الثورة الاسلامية ونجاحات الامام الخميني بمعزل عن الارضية والخلفية والاحداث التي عاشها العالم الاسلامي بما فيه ايران، ولا سيما في العقود الاخيرة، من دون الاخذ بنظر الاعتبار دور المصلحين والمفكرين والتيارات الدينية التي مهدت بنضالاتها وجهادها الفكري والثقافي، الارضية لقبول نداءات الثورة الاسلامية والتفاعل معها داخل ايران وفي العالم.
ومهما يكن فانّ استقرار نظام الجمهورية الاسلامية في ايران يمثل اولى النتائج العينية والعملية للثورة الاسلامية واهداف وتطلعات الامام الخميني. وهذا يعني ان التعرف على حياة ونضال وافكار واهداف وتراث الامام الخميني، هو في الحقيقة الخطوة الاولى للإحاطة بماهية الثورة الاسلامية وقيادتها ومعرفة العامل الاساس الذي يقف وراء الكثير من التحولات الجارية والقادمة في الميدان الثقافي والسياسي العالمي في عصرنا الحاضر والقادم. ولعّل هذا ما يدعونا لأن نعتبر الامام الخميني مهندس الحضارة الجديدة الإسلامية التي هي في طور الانشاء والظهور.
صحيفة الامام
بالالتفات الى مكانة الثورة الاسلامية وقيادة الامام الخميني في عالمنا المعاصر، التي أشرنا الى جانب من ابعادها اعلاه، يمثل الاطلاع على التراث السياسي والاجتماعي الشفوي والمكتوب للامام الخميني، بما في ذلك الشخصي والأسري الذي يتم عرضه الآن في مجموعة كاملة عنوانها (صحيفة الامام)، يمثل احد السبل للاحاطة بالخصوصيات الروحية لقائد الثورة الاسلامية الكبير ومعرفة ابعاد شخصيته وعلاقاته الشخصية والاجتماعية، ذلك لأن كل أثر من الآثار التي ضمّتها (صحيفة الامام) يشير الى بعد من الابعاد الظاهرة والخفية التي اتسمت بها روح الامام الخميني (رض).
الرسائل الأسرية
توضّح بعض الآثار المدرجة في (صحيفة الامام) أن الامام الخميني وبعيداً عن عالم النضال والسياسة والقيادة الصاخب، كان يتحلّى بروح لطيفة وعرفانية، وفي الوقت ذاته كان مدركا لواجباته الاجتماعية وعلاقاته الانسانية، إذ تشير هذه الآثار الى أن الامام لم يكن قدوة وأسوة جديرة بالاتباع في وادي العلم والاجتهاد والجهاد والسياسة والامامة فحسب، بل إن روحه الرقيقة وشخصيته المتمسكة بالتكليف كانت تدعوه دائماً لعدم التخلي عن اداء الواجب في الميادين غير السياسية. فقد كان سماحته زوجاً نموذجياً في مجال اداء الحقوق الزوجية والحب والوفاء للزوجة. فمنذ أن هداه التحقيق والتقدير الالهي الى بيت آية الله ثقفي لاختيار شريكة افراح واتراح حياته، حتى اللحظات الاخيرة من عمره الشريف، بقي وفياً لاختياره الاول والاخير هذا.
ففيما عدا رحلته لأداء فريضة الحج الواجبة في شبابه، والسنة التي نفي فيها الى تركيا، وعدد من الزيارات التي قامت بها الزوجة الى ايران للقاء الابناء والاقارب خلال اقامته في النجف الاشرف، قلما فارق سماحته زوجته خلال الستين عاماً من حياتهما المشتركة. وتتحدث الرسائل والمكاتبات المتوافرة عن ابعاد العلاقة الحميمة والوفية العميقة المفعمة بالمحبة والاحترم المتبادل.
كما كشفت رسائل الامام الخميني المرسلة الى الابناء والمنتسبين اليه، بعداً آخر من الأبعاد الروحية العظيمة التي كان يتحلي بها، إذ لم ينسه الجلوس على كرسي المرجعية والزعامة الدينية وتصديه لقيادة الثورة، أداء واجباته الدينية والاخلاقية لابنائه والمنتسبين اليه، بدءاً من تفقدهم وانتهاء بمتابعة مشكلاتهم وتوجيه النصح والارشاد لهم بما يُقوّم حياتهم من الاهتمام بالدراسة وتهذيب النفس الى غير ذلك من الامور الاخرى التي تتجلي في الرسائل الأسرية التي كتبها سماحته.
كل ذلك يشير الى دقة نظر الامام وحرص سماحته على مراعاة العادات والتقاليد والخلق الاسلامي في علاقته مع افراد اسرته والمنتسبين اليه.
كذلك تمكننا هذه الرسائل والخطابات، أن نعرف نهج الامام التربوي وايمانه بحرية العمل بالنسبة للابناء، المقرون بطبيعة الحال بالتوجيهات والارشادات الحميمة. وفي هذا الصدد تعد رسائل الامام الخميني ومكاتباته الاخلاقية الموجهة الى ولده حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، معبرة للغاية وزاخرة بالملاحظات السياسية والاجتماعية والاخلاقية، نظراً للدور الخاص والفريد الذي كان يطّلع به هذا الابن البار والمضحي والامين مع الأب، خلال الثورة الاسلامية.
الاجازات الشرعية
الوكالات التي أعطاها الامام الخميني أشخاصاً كثيرين في الامور الشرعية والحسبية- سواء الوكالات العامة اوتلك التي جاءت استجابة لطلب في توكيل خاص ومحدود-، تمثل جانباً آخر من الموضوعات المدرجة في (صحيفة الامام).
وبناءً على اصول الفقه الشيعي، لا يجوز التصرف بالحقوق الشرعية والامور الحسبية في زمن الغيبة دون إذن الفقيه الجامع للشرائط. وفي ضوء ذلك كان اصدار الوكالة ومازال بيد مراجع التقليد للافراد الواجدين للشرائط امراً رائجاً، حيث يقوم المؤمنون بتسليم الحقوق الشرعية الى الوكلاء الذين يقومون بارسالها الى مراجعهم.
وتتضمن متون الوكالات الصادرة اشارة الى اختيارات محدودة تمنح صاحب الوكالة حق انفاق الوجوه الشرعية في المواضع الشرعية المطلوبة، علماً أن هذا النوع من الوكالات يمنح الى الاشخاص الذين يثق بهم مرجع التقليد، ويتيقن توفرهم على الشروط اللازمة واحراز مراتب تدينهم والتزامهم، اوأن يقوم اثنان من الافاضل العدول بتأييد أهليتهم في أقل تقدير.
ان هذا الاسلوب المطمئن، المتبع في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها هو الذي حفظ الفقه والفقاهة وصان الحوزات العلمية طوال التاريخ عن التبعية والإذعان لضغوط الحكومات غير الصالحة، ومهّد لارتباط علماء الدين والحوزات العلمية المباشر للناس بمختلف شرائحهم، وفي الوقت ذاته عمل على توعية المؤمنين وممارسة اشرافهم على سلوك هؤلاء وتصرفاتهم بما يضيق الخناق على امكانية اختراق العناصر غير المؤهلة لتربع كرسي الزعامة الدينية الى اقصي حد ممكن.
ومن مجموع الوكالات التي اصدرها الامام الخميني، ولا سيما الرسائل التي خاطب بها سماحته وكلاءه الشرعيين، ندرك مدى دقة الامام وحزمه. وفيما عدا حالات معدودة تمثلت في الشخصيات المعروفة من العلماء المرموقين والمتقين، او الاشخاص الذين كانوا على ارتباط مباشر بسماحته او أنه كان يعرفهم عن قرب، لم يمنح سماحته وكالته احداً من دون توثيق مكتوب من قبل أفاضل عدول.
هذا وتضمن الجزء الاول من (صحيفة الامام) فهرساً للوكالات التي اصدرها الامام الخميني خلال اقامته في مدينة النجف الاشرف، وكان الامام قد نظم النسخة الاصلية لهذا الفهرس بخط يده، وهوما يشير الى دقة نظر الامام ونظمه في هذا النوع من الموضوعات.
وتنبغي الاشارة هنا الى أن الوكالات الشرعية تكون نافذة طالما كان الحاصل عليها متصفاً بالتدين، وتتوفر فيه الصفات اللازمة للوكالة الشرعية في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها، وفيما عدا ذلك تصبح ملغاة تلقائياً.
يذكر أن الوكالات التي ادرجت في هذه المجموعة تمثل الوكالات التي تم العثور عليها حتى الآن وتأكد صحتها، وإلّا فان عدد الوكالات التي اصدرها الامام الخميني اكثر من هذا بكثير. ولهذا ندعوكل من توجد بحوزته وكالة أو أي أثر من آثار الامام الخميني اطلاع المؤسسة عليه، كي يتسنى إدراجه في الطبعات القادمة.
هذا ويحتفظ أرشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني بنماذج من التزكيات المكتوبة لأفاضل ادّت تزكيتهم الى اصدار وكالات، لم تدرج في هذه المجموعة مراعاة للاختصار، ونظراً لاقتصارها على آثار الامام.
البرقيات والرسائل السياسية والاجتماعية
البرقيات والرسائل التي بعث بها الامام الخميني الى كثير من علماء دين وشخصيات سياسية وثقافية ووكلاء شرعيين، بدءاً من المسؤولين ورجال الحكومة داخل ايران وخارجها، وانتهاء بالاحزاب والجمعيات والناس عامة، وتناولت موضوعات مختلفة، شكّلت جانباً آخر من محتويات (صحيفة الامام).
وتنوع المخاطبين والأرضية التاريخية التي انطلقت منها كل رسالة من هذه الرسائل، ولا سيما تنوع الموضوعات وتفاصيلها، سبب لرؤية رسائل الامام جانباً مهماً من تراثه القيم الذي يلقي الضوء على زوايا من نهضته وآرائه ومواقفه ازاء القضايا والاحداث المختلفة.
وبين هذه الرسائل وثائق فريدة أضحت مصدر انعطاف كبير في مسيرة النهضة والثورة الاسلامية، كبرقيات الامام ورسائله التي بعث بها الى الشاه، واسدالله علم، وامير عباس هويدا.
وكذلك رسائل سماحته الى مراجع التقليد والعلماء والحوزات العلمية والجماعات والجمعيات السياسية والدينية داخل البلد وخارجه، والى زعماء الدول الاجنبية.
ولحسن الحظ، وبفضل همّة نجل الامام- رحمة الله عليهما-، تم جمع النسخ الاصلية للكثير من رسائل الامام الخميني وبرقياته، سواء تلك التي صدرت خلال مرحلة ذروة تصاعد الثورة الاسلامية عام 1978 حتى الايام الاخيرة من رحيل الامام، وهي الآن بحوزة المؤسسة. كما تم الحصول على تعداد كبير من مكاتبات الامام الخميني خلال سنوات ما قبل انتصار الثورة الاسلامية بفضل جهود المؤسسة وتعاون ومساعدة مريدي الامام، وادرجت بالكامل دون ادنى تدخل اوتصرف في (صحيفة الامام) جنباً الى جنب مع بقية آثار سماحته.
ولا يخفى أن ثمة رسائل ومكاتبات كثيرة صدرت عن الامام الخميني خلال انتفاضة اعوام 61- 1963 وما سبقها وما لحقها، إلا أنه لم يتم العثور عليها لاسباب عديدة منها الاختناق الذي كانت
تعانيه البلاد في اثناء حكم الشاه، وحساسية (السافاك) من آثار الامام. غير أن المؤسسة لم تقطع الأمل من امكان العثور على المتبقي من رسائل ومكاتبات الامام الخميني، وسيتم ضمّه الى هذه المجموعة في طبعاتها القادمة بعد تأكد صحته وسنديته.
الاحكام والفرامين
ترك سماحة الامام الخميني (رض) وهو مرجع تقليد لعدد كبير من الشيعة، وقائداً كبير للثورة والجمهورية الاسلامية الايرانية، احكاماً وأوامر متعددة في مسائل تم ادراجها بالنص في هذه المجموعة.
ان قرارات من قبيل تشكيل مجلس قيادة الثورة، والحكومة المؤقتة واحكام تعيين اعضائها، والمصادقة على الدستور، واحكام تفويض رؤوساء الجمهورية الاسلامية، والقرارات المتعلقة بتشكيل مؤسسات الثورة وقرارات عزل وتعيين مسؤولي السلطة القضائية والقادة العسكريين وقادة قوى الامن الداخلي وممثلي سماحته في المؤسسات والدوائر الحكومية، والقرارات العسكرية التي اصدرها الامام وهو قائد عام للقوات المسلحة، وتوجيهات سماحته وقراراته الحكومية التي اجاب بها عن استفسارات المسؤولين من موقع قيادة الثورة. كل ذلك أدرج في (صحيفة الامام).
ولا يخفى أن الاطلاع على هذا الجانب من آثار الامام الخميني- ولا سيما اذا ما اخذ بنظر الاعتبار المسار التاريخي لصدور هذه الاحكام- جنباً الى جنب مع نداءاته واحاديثه، يعطي فكرة عن جانب من طبيعة قيادته الدينية الفذة التي اتسمت بالحزم والقدرة وفي الوقت ذاته بالتواضع والشعبية. ونظراً الى أن بعض احكام وآراء الامام الخميني كتبت على هامش مطالب واستفسارات المسؤولين، تم درج الجانب او القسم الاصلى من الاستفسار مقروناً بنص ردّ الامام لتتسنى الإحاطة بأصلها.
النداءات
من اهم آثار الامام الخميني المكتوبة التي ادرجت في (صحيفة الامام)، ونشرت في سياقها التاريخي، النداءات الدينية والسياسية التي اصدرها سماحته. إذ إن اصدار ونشر هذه النداءات يمثل في الحقيقة احد اكثر محاور ارتباط الامام الخميني المباشر باتباعه وبالجماهير أصالة. فمن خلال هذه النداءات انطلقت امواج رفض النظام الشاهنشاهي خلال احداث مجالس الاقاليم والمدن، وانتفاضة الخامس من حزيران- 15 خرداد- عام 1963.
ففي مختلف مراحل نضال الشعب الايراني، كانت نداءات وخطابات الامام الخميني هي التي تحدد مسار الانتفاضة والمباني الفكرية والسياسية للثورة، وأولوياتها وشعاراتها واهدافها في كل مرحلة من مراحلها الصعبة. فلما بلغت الانتفاضة الاسلامية للشعب الايراني ذروتها عامي 77- 1978، كان كل منشور يصدر عن الامام الخميني سواء من النجف أو باريس ينتشر بسرعة فائقة في مختلف انحاء البلاد، منشوراً وطنياً عاماً يحدد مسيرة النضال وجهة الثورة وتوجهها، ويعمل على توحيد القوى الثورية والجماهير وانسجامهما وتمحورهما حول الاهداف والشعارات المعلنة.
فالامام الخميني لم يؤكد في نداءاته تأجيج الروح الحماسية وتشجيع الناس على الاستقامة والثبات في طريق الثورة فحسب، بل كان يحرص بأسلوبه السلس والمستدل، على رفع مستوى الوعي الديني والسياسي للجماهير للأحداث الجارية، وتعزيز قدراتهم على التمييز بين انصار الثورة واعدائها داخل ايران وخارجها. وعبر هذا الطريق كان يدفع الجماهير للنزول بوعي الى ساحة النضال ودعم اهداف الثورة.
والتنبؤ الواعي لأبعاد الطروحات التي كان النظام الشاهنشاهي وأعوانه الغربيون يخططون لها لسحق الانتفاضة في كل مرحلة من مراحلها، ومحاولة احباط وتفويت اهدافها، والتحذير من الشعارات والمواقف المنحرفة في مسيرة النضال والتأكيد الكبير لضرورة اتحاد الجماهير حول الشعارات الدينية المشتركة، كل من جملة الموضوعات التي كانت تحتل موضعاً بارزاً في منشورات ونداءات الامام.
ويتمثل القاسم المشترك لكافة نداءات الامام الخميني- قبل انتصار الثورة وبعده- في كسب دعم الجماهير لاهداف الثورة من منطلق الواجب الديني والالهي، وتأكيد الدور المبتكر للجماهير ذاتها باعتبارها المفجِّ- رة للثورة واصحابها الاصليين سيما الشباب.
وبوسعنا القول بأن ترسيخ ايمان الجماهير وتعزيز معتقداتهم الدينية، التي هي المحرك الاساسي لهم في الفعاليات النضالية والسياسية، والالتفات الى (الواجب الديني)، شكلت ابرز معالم النهج الذي اختطه الامام الخميني اساساً لنهضته، ومث- لت السمة البارزة التي ميّزت الثورة الاسلامية من غيرها من الحركات السياسية التي شهدها التاريخ الايراني المعاصر.
ان احياء التوحيد والاعتقاد الديني في ساحة المفاهيم الاجتماعية، ونفخ الروح في المفاهيم القرآنية الكريمة كالامامة والولاية والجهاد والشهادة واصالة مبدأ حاكمية الله وتعاليمه، وارجحية المعاييرالدينية ورفض حاكمية الطاغوت، والارتباط المصيري بين الدين والسياسة، كل هذه مفاهيم وموضوعات استطاع الامام الخميني بالعودة للمصادرالدينية الاصيلة التي تحظى بقبول المجتمع الايراني، وبالاستلهام من الدين والعقل ونهج أئمة الدين الاطهار، وبالمزاوجة الحكيمة بين الدين والعقل بنظرة واقعية للاحتياجات ومتطلبات العصرالجديد وتفعيل عنصري الزمان والمكان في الاجتهاد، استطاع أن ينفخ الروح المنبعث من الثقافة الدينية مرشداً ومحركاً لفكر أتباعه وعملهم في صلب معتقداتهم وفعالياتهم السياسية والاجتماعية.
وقد تسنّى ذلك بإصدار الامام الخميني للنداءات المتتابعة وإلقائه الخطابات المتعددة. ومن هنا كانت هذه النداءات والخطابات من اكثر المتون قيمة لمعرفة مواقف الامام ونهجه واساليبه في دفع مسيرة الثورة للامام، وقد تم ادراجها في هذا الأثر القيم (صحيفة الامام) في ضوء سياقها التاريخي ..
وتشكيل كل واحد من مراكز ومؤسسات الجمهورية الاسلامية، ومواجهة النظام الحديث العهد المقتدر لمختلف انواع المؤامرات والدسائس التي لجأ اليها اعداء الثورة داخل ايران وخارجها في السنوات التي اعقبت انتصار الثورة، وحث الجماهير على ضرورة المشاركة في الانتخابات والتدخل في تقرير مصيرهم، والتعبئة العامة لابناء الشعب الايراني طوال ثماني سنوات لردّ العدوان والتصدي له، واحياء شعار (انتصار الدم على السيف) أمضى سلاح في ميدان المواجهة غير المتكافئة
مع الاعداء، وجذب مشاركة الجماهير ومساهمتهم في اعادة اعمار البلاد، واصدار النداءات التحررية للثورة الاسلامية الموجهة للشعوب الأخرى، ودعوة العالم الاسلامي لاستعادة مجده وهويته الدينية، ودعوة المسلمين للاتحاد ومقاومة النظام السلطوي العالمي، واعلان سياسة (اللاشرقية واللاغربية) نهجاً جديداً للوقوف بوجه النزعة السلطوية للمعسكرين الرأسمالى والاشتراكي، وفضح جرائم اميركا والكيان الصهيوني، واصدار فتوى ضرورة دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني وتحرير القدس وتعبئة العالم الاسلامي في مواجهة نشر الكتاب غير الاخلاقي (الآيات الشيطانية).
وباختصار شديد: اشاعة الثقة بالنفس لدى الشعب الايراني ومسلمي العالم، وكل ذلك مث- ل ابرز موضوعات نداءات الامام الخميني بعد انتصار الثورة الاسلامية.
كما أن المذبحة الظالمة للحجاج في بيت الله الحرام، والتدخل الاميركي المباشر في الحرب العراقية الايرانية، واسقاط الفرقاطة الأمريكية لطائرة الركاب الايرانية، ولجوء صدام حسين الى استعمال الاسلحة الكيماوية على نطاق واسع والقصف المكثف للمدن الايرانية، وانتهاء الحرب المفروضة وبدء مرحلة اعادة الاعمار والتنمية السياسية، وعزل خليفة القائد، وكذلك احداث عالمية مهمة نظير التحولات الجذرية التي بدأ يشهدها الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، واتساع نطاق سياسات الهيمنة الغربية والأمريكية، كل ذلك من الاحداث البارزة التي شهدتها السنتان الاخيرتان من حياة الامام الخميني، مما أضفى اهمية بالغة على النداءات التي اصدرها الامام الخميني في العامين الأخيرين من حياته (87/ 1988).
ان التكهن بالاوضاع المستقبلية لايران والمنطقة والعالم، والتحذيرات والحلول المقترحة التي تضمنتها نداءات هذه المرحلة، اتسمت بوضوح وشفافية لافتين للنظر. وفي هذا المجال تتجلى نداءات الحج والرسالة التي بعث بها سماحته الى غوربا تشوف، والنداء الموجّه الى مراجع التقليد والحوزات العلمية الذي عُرف بمنشور علماء الدين، ومنشور الاخوة، والنداء الموجه الى مشردي الحرب المفروضة، وبيان الموافقة على قرار وقف اطلاق النار 598، .. الخ.
لقد اقدم الامام الخميني، فضلًا عن اصداره عشرات النداءات، على عملٍ بديع ورائع تجلى في تدوين كافة مبادئه الفكرية وآماله وتطلعاته، ودرج خلاصة آرائه ومواقفه في وصيته الموثقة والتحليلية المسهبة التي تركها تذكاراً قيماً لأجيال القادمة .. ان هذا الأثر الخالد هو في الحقيقة وثيقة قيمة تتحدث بخط الامام ونهجه.
وإذ لم يمر على رحيل الامام سوى احد عشر عاماً، تُرجمت وصيته السياسية الالهية وطُبعت بأكثر من عشرين لغة حيّة ووُزّعت ملايين النسخ منها في مختلف انحاء العالم.
خطب الامام
ان أحد العوامل المؤثرة في قيادة الامام الخميني الموفقة، يكمن في ارتباطه الواسع بعامة الجماهير من مختلف فئات المجتمع، فالارتباط الوثيق بين الاهداف والواقعيات، وخلق علاقة بين ميدان الفكر والعمل. يمثلان الوجه البارز لقيادة الامام الخميني العقلانية الحكيمة، فقلما نجح كبار المفكرين والمنظرين البارزين في تحقيق اهدافهم وتطلعاتهم. ولم يكتف الامام الخميني
بكتابة رسائله العلمية والعملية في عرض وترويج اهدافه وتطلعاته السياسية والدينية. وهو من هذه الناحية حالة نادرة أوفريدة في تاريخ المرجعية الدينية، ففي الوقت الذي كان يحتل فيه مكانة رفيعة في قلوب وايمان اتباعه بصفته احد مراجع الدين الكبار، كان قادراً على طرح المفاهيم الدينية العميقة، ولا سيما الابعاد السياسية والاجتماعية للدين، بلغة بسيطة ومفهومة لمخاطبيه.
وأحاديث الامام الخميني وخطبه المتتابعة في جموع طبقات الشعب بمختلف فئاته وفرت فرصة الارتباط المباشر للجماهير مع أفكاره وآرائه، ولم يعودوا بحاجة الى التفسيرات الرسمية وغير الرسمية للوسطاء التي غالباً ما تكون مقرونة بوجهات نظر شخصية ودوافع سياسية وحزبية.
وعلى الرغم من أن الامام الخميني كان عالماً مرموقاً في ميادين الفلسفة والعرفان والاخلاق والفقه والاصول والتفسير، وكان ايضا منظّ- راً حاذقاً في ميدان السياسة، إذ شكّلت آراؤه السياسية أسس وقواعد النظام السياسي الجديد في ايران وامست اهداف ثورته مدعاة لتحولات مهمة في العالم عامّة والمجتمعات الاسلامية خاصة.
غير أن دائرة نفوذه وتأثيره، خلافاً لكل المفكرين والمنظرين تقريباً، لم تقتصر أو تنحصر بأوساط النخبة، فقد كان يتمتع بالقدرة على ترجمة نظرياته وافكاره عملياً ومتابعتها شخصياً. وفضلًا عن ذلك كان يعبر عن أهدافه بلغة يعيها الجميع في أحاديثه وخطاباته الواسعة التأثير الموجهة الى عامة الجماهير، وتجتذب دعمهم واستعدادهم الى حد التضحية من أجل الاهداف والتطلعات.
إن ثقة الشعب الايراني باخلاص الامام وصدقه في القول والفعل هي حصيلة تعامل وارتباط طويل الامد بين الامام الخميني واتباعه، والجذب الذي تتمتع به شخصية الامام واطلالته الوديعة التي تبعث على الهدوء والاطمئنان في الوقت الذي تتسم بالحسم والحزم والقاطعية، ونظراته الثاقبة والمفعمة بالرأفة وكلامه العذب السلس، اضافة الى الأبعاد المعنوية والدينية والعلمية التي تمتاز بها شخصية سماحته. كل ذلك كان من جملة العوامل التي جعلت من احاديث سماحته وخطبه عميقة التأثير في مستمعيه ومخاطبيه.
ومما لاشك فيه ان هذه العلاقة العاطفية المباشرة العميقة التي كانت تربط الجماهير بالامام، والقدرات الفائقة التي كان يتمتع بها في نقل افكاره وتصوراته بنحو سريع ومؤثر الى الجماهير، أدّت عملًا كبيراً في نجاح قيادته.
وتحليل مضامين احاديث وخطابات الامام الخميني وتعرّف طبيعة مستمعيه ومخاطبيه، ومطابقة وقائع تاريخ الثورة الاسلامية مع سياق احاديث وبيانات الامام، ودراسة منحنى تراكم اللقاءات والخطابات وتنوع الشرائح والفئات التي كانت تلتقي سماحته، يساعد الباحثين ويعينهم في تحليل وقائع وحقائق الثورة الاسلامية ويقودهم الى اكتشاف عناصر كفاية قيادة الامام الخميني وشعبيته.
ولهذا السبب حرصنا، لدى تنظيم احاديث وخطابات الامام الخميني ودرجها في (صحيفة الامام)، على ابعاد كلّ نوع من التنقيح الأدبي اوالموضوعي والامتناع عن كلّ تدخل أو تصرف، مع
أنَّ تعديل الخطابات امر شائع ومتداول، ونظراً لأن خطابات الامام الخميني جاءت بما ينسجم مع الاحداث ومتطلبات الأحوال التي عاشها المجتمع في كل مرحلة من المراحل المختلفة للثورة، فمن الطبيعي أن الوعي الدقيق لمضمون الخطاب ونوايا الامام رهن استيعاب الظروف السياسية والاجتماعية لكل مرحلة.
وقد سبق لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وبدافع تبيين وتوضيح مثل هذه الظروف، أن قامت باصدار مجموعة من ثلاثة اجزاء حملت عنوان: (الكوثر، احاديث وخطابات الامام الخميني مرفقة بشروح لوقائع الثورة الاسلامية)، ضمت احاديث الامام منذ انطلاقة نهضته حتى كانون الثاني 1978. وتفكر المؤسسة ضمن مشاريعها المستقبلية في استكمال هذا الأثر القيّم الذي يعبّر في الحقيقة عن تاريخ الثورة الاسلامية بالتفصيل.
اللقاءات والحوارات
في عصر الاتصالات تمثل اللقاءات والحوارات التي تجريها وسائل الاعلام مع القادة السياسيين والفكريين، وتبيين المواقف وايضاح وجهات النظر، وازالة الغموض والشبهات بالاجابة عن اسئلة المراسلين، تمثل احد السبل المؤثرة في تحقيق التواصل والارتباط مع الرأي العام والتحكم به.
وانطلاقاً من ادراكه لأهمية هذا الأمر، رحّب الامام الخميني الالتقاء بأصحاب الجرائد ومندوبي وكالات الانباء دون شرط كلما سنحت الفرصة. وقد بلغت لقاءات الامام الخميني الذروة خلال إقامة سماحته في باريس. وتمثل الحوارات التي اجراها مندوبووكالات الانباء العالمية ومحطات التلفزة في مختلف البلدان، ومراسلوالصحف والمطبوعات الايرانية والاجنبية، مع سماحة الامام الخميني، تمثل جانباً آخر من مجموعة الآثار السياسية والاجتماعية القيمة لسماحته، وقد تم ادراجها بالكامل في هذا الأثرالخالد.
ان حنكة الامام المتمثلة في إدراكه السريع لاهداف المحاورين، ومهارة سماحته وحصافته في عرض الاجابات، ودقة وصدق وشفافية المواقف بنحولم يبق أية امكانية للغموض وسوء الفهم وافتعال الضجة، كل ذلك يمكن ان نعثر عليه بسهولة في اللقاءات والحوارات التي اجريت مع الامام الخميني.
ونظراً لطبيعة الارتباطات الواسعة التي توفرها وسيلة الاعلام على الشخصيات الوطنية والعالمية، حيث تضعها بصورة مستمرة في معرض انظار الرأي العام العالمي في مدة قصيرة، فغالباً ما يتم ابعادهم بسرعة عن بؤرة اهتمام الرأي العام نتيجة لتكرار اسمائهم وتصريحاتهم ومقولاتهم، بيد أن مثل هذا الأمر لم يحصل بالنسبة للقاءات الامام الخميني، بل على العكس، فاللقاءات المكثفة المتواصلة التي اجريت مع سماحته خلال إقامته بباريس، وكانت تصل احياناً الى ثمانية لقاءات في اليوم، ساعدت على مضاعفة شعبية الامام الخميني وارتباطه مع مخاطبيه في مختلف دول العالم.
فعبر هذه اللقاءات والحوارات عرض الامام الخميني للعالم، وقبل انتصار الثورة الاسلامية، آراءه السياسية والدينية بالنسبة لماهية واركان الحكومة التي كان يتطلع لتشكيلها وسبل تعاطي
النظام الايراني القادم مع القضايا الدولية وطبيعة العلاقة المرجوة مع الدول الاخرى، ومبادئ السياسة الخارجية الايرانية التي يؤمن بها نظام الجمهورية الاسلامية المزمع اقامته.
ففي هذه اللقاءات أثار الامام الخميني، باسلوبه المؤثر، الشبهات الجادة على مشروعية النظام الشاهنشاهي في ايران ومشروعية الدعم الذي يوجهه له العالم الغربي وحماة الشاه .. وبوحي من المساعي التي بذلها الامام الخميني في فضح هذا النظام، ورغم كل الجهود التي بذلها زعماء اميركا والدول الغربية للحيلولة دون سقوط الشاه وانهيار النظام الملكي في ايران، اخذت تتجلى بسرعة مشاعر التضامن مع الشعب الايراني لدى الرأي العام العالمي، ونتيجة لذلك راح البيت الابيض والعواصم الاوروبية يواجهون ضغوطا شديدة للكف عن مواصلة دعمهم ومساندتهم للشاه.
ونتيجة لهذه اللقاءات ايضاً، أخذ يطرح لأول مرة الدين والفكر الاسلامي السياسي، على أنه ايديولوجية للنضال والثورة، ونهجاً عملياً لادارة المجتمع، على لسان علماء يحظون بشعبية واسعة، في عشرات المحطات التلفزيونية والاذاعية في الصحافة العالمية الواسعة الانتشار.
وقد مثلت هذه الظاهرة بداية قوية لبروز الفكر الديني في المقولات المتداولة في حياتنا اليومية، وظهور التنظيمات الاسلامية والدينية الحديثة في ساحة الصراع الفكري والسياسي المعاصر. علماً أن الاعلام الواسع والمخرب المعادي للثورة الاسلامية، قد عجز عن الوقوف بوجه انتشار أفكار الامام الخميني وتأثيرها في اوساط مخاطبيه ومريديه الذين يصعب احصائهم.
ولهذا تحظي لقاءات وحوارات الامام الخميني بالاهمية بالنسبة للباحثين في شؤون الثورة الاسلامية، سواء من حيث طريقة تعاطي سماحته مع اسئلة محاوريه خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تنوع اهداف المحاورين، إذ كان البعض يتوخى اضعاف موقعية الثورة وتخريب شخصية قائدها، اومن حيث طبيعة اجابات الامام التي كانت تكشف عن آرائه وتصوراته لأبرز واهم قضايا النهضة واهدافها الداخلية والخارجية. وأهم من ذلك، أن نفس هذه الآراء والتصورات أضحت منشأ لظهور تيار حديث في الجغرافية الثقافية والسياسية للعالم الاسلامي وايران بالتحديد.
الأمر الآخر الذي نكتشفه لدى دراستنا لقاءات الامام الخميني هو استحكام وثبات آراء سماحته واتقان مباني فكره السياسي، إذ يتجلي بوضوح انسجام افكاره وترابطها ووحدتها وثبات مواقفه ورسوخها، في حين نرى في الغالب التعارض والتناقض في الاقوال والافعال وتذبذب المواقف تمثل السمة البارزة لدى الذين يقفون باستمرار في معرض تساؤلات واحكام الرأي العام.
كما أن حوارات الامام مع زعماء الدول ومبعوثيهم، تتضمن الكثير من المواعظ والعبر، نظير حوار الامام مع مبعوثي قصر الاليزيه خلال اقامته بباريس، وحوار سماحته مع الوسطاء المبعوثين من الحكومة الأمريكية، وتصريحات سماحته لدى لقاء سفير الاتحاد السوفيتي لأول مرة، وحوار سماحته مع ياسر عرفات والقادة الفلسطينين، ولقائه ادوارد شيفر نادزه المبعوث الخاص للرئيس غورباتشوف الذي كان يحمل جواب رسالة الامام الشهيرة، اضافة الى لقاءات سماحته مع زعماء الدول الاسلامية وبقية الشخصيات السياسية الاجنبية، وما تخلل هذه اللقاءات من تصريحات والمراسم اليسيرة للغاية التي ربما لا تصدق إن ثقة الامام بنفسه وقدرته الفائقة على ادارة الحوار والبحث، دروس مليئة بالعبر بالنسبة لزعماء ومسؤولي العالم الثالث خاصة المسؤولين في الجمهورية الاسلامية، من جهات عديدة. ومما لاشك فيه أن نهج الامام هذا واسلوبه، قد ضاعف
مئات المرات من شعور الشعب الايراني بهويته وثقته بنفسه في ميادين المواجهة مع اعداء الثورة الاقوياء، وفي ساحة الدفاع عن الوطن الاسلامي.
(صحيفة النور) و (صحيفة الامام)
صدر حتى الآن الكثير من الكتب والمؤلفات التي تضمنت احاديث ونداءات الامام الخميني بعناوين مختلفة واساليب متنوعة ولغات متعددة كاملة أو ملخصة، وبشكل موضوعي أو تاريخي، وعمل على اصدارها انصار الامام والعديد من المؤسسات الثقافية داخل ايران وخارجها.
ولا يخفى أن طباعة آثار الامام ونشرها، ولا سيما آثاره السياسية والاجتماعية، تعد من اكثر المؤلفات الصادرة باللغة الفارسية كمّ- اً وانتشاراً .. وثمة عدد من الكتب البارزة من المؤلفات العامة لسماحة الامام صدر قبل تشكيل (مؤسسة تنظيم تراث الامام الخميني ونشره).
ورغم كل النواقص والاشكالات التي اتسمت بها مجموعة (صحيفة النور) التي أثيرت عليها انتقادات عديدة، فإنها احد اكثر المراجع شمولية للباحثين والراغبين في الاطلاع على تراث الامام الخميني، منذ صدور الجزء الاول منها حتى هذه اللحظة.
والجهود والمساعي القيمة للعاملين على تنظيم وتدوين (صحيفة النور)، في كل من وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ومؤسسة الوثائق الثقافية للثورة الاسلامية، وكافة الاعزة الذين بذلوا كل ما في وسعهم في مختلف مراحل تدوين وطبع ونشر هذا الأثر الخالد، تحظى بالاحترام والتقدير من قبل كافة الذين استندوا الى هذه المجموعة في بحوثهم ومراجعاتهم ومحاضراتهم ومؤتمراتهم.
ولعلّ من أبرز سمات (صحيفة النور)، المقدمة المسهبة لسماحة آية الله الخامنئي، وتنظيم موضوعاتها بناءً على سياقها التاريخي، والفهارس المبتكرة، والاخراج الفني، والشمولية النسبية.
اما النواقص التي اتسمت بها (صحيفة النور) والاشكالات التي تؤخذ عليها، فتعود الى عوامل عديدة منها:
ان جانباً مهماً من تراث الامام الخميني لم يدرج في (صحيفة النور) لعدم حصوله لدى معديها. ففي الكثير من الاحيان تمت الاستفادة من النصوص المنشورة في الصحف لتعذّر أصولها الخطية للنداءات والرسائل واشرطة الخطب واللقاءات. ولعدم توافر الاصول بالالتفات الى الاشكالات العديدة التي تتصف بها عادة النصوص الصحفية، فقد انعكس ذلك على (صحيفة النور) ايضاً، فعلى سبيل المثال أن الاخطاء التي وردت في تحديد تاريخ بعض احاديث الامام، تعود في الاصل الى النصوص المتعددة والمختلفة احياناً التي نشرت في الصحف.
ولأن اجزاء المجموعة كانت تصدر بالتدريج تباعاً، فان فهارس الموضوعات كانت تدرج في خاتمة كل جزء منفصلة. واذا ما أُريد الاطلاع على موضوع ما كان ينبغي الرجوع الى كل جزء من اجزاء المجموعة الاثنين والعشرين كي يتسنى العثور عليه. بيد أن مثل هذه الاشكال تم تلافيه مع صدور كتاب (مفتاح صحيفة النور) الذي اصدرته مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني عام 1993. وتم تلافي العديد من الاشكالات من قبل مؤسسة وثائق الثورة الاسلامية لدى تجديد طباعة (صحيفة النور) واخراجها في حلة جديدة.
وبدافع عرض مجموعة كاملة لآثار الامام الخميني، خالية من النواقص والإشكالات التي اتسمت بها (صحيفة النور)، أقدمت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني على اصدار هذه المجموعة الكاملة التي حملت عنوان (صحيفة الامام). فعلى مدى سنوات عديدة عملت الاقسام المختلفة في هذه المؤسسة على مطابقة المتون المنشورة في (صحيفة النور) والمطبوعات الاخرى ومقابلتها مع اشرطة الكاسيت والنصوص الخطية والنسخ الاصلية لآثار الامام الخميني التي تحتفظ بها المؤسسة، ومن ثم استخراج النص النهائي بدقة متناهية.
وفي هذا الصدد تمت مراجعة كافة الاختلافات التاريخية والاشكالات الاخرى التي اتسمت بها (صحيفة النور) وبقية المصادر، بالنسبة لكل أثر من آثار الامام، وتدوين المعلومات الصحيحة والنهائيّة في بداية كل اثر في اطار هويته.
وفضلًا عن ذلك، امتازت (صحيفة الامام) على (صحيفة النور) وغيرها من مؤلفات الامام الخميني المنشورة، بضمها لأكثر من ألفي وثيقة وسند من آثار الامام الخميني التي لم تنشر من قبل، ووضعها في متناول يد القراء لأول مرة.
كما امتازت (صحيفة الامام) بالتنظيم الدقيق للفهارس (فهرس الاعلام والموضوعات والمصطلحات والآيات والاحاديث ... الخ)، وعرضها في مجلد مستقل (الجزء 22)، يوفر سهولة العثور على عناوين الموضوعات المطلوبة في الاجزاء الاحد والعشرين من (صحيفة الامام).
الآثار التي لم تدرج في (صحيفة الامام)
ثمة آثار محدودة من تراث الامام الخميني لم تدرج في (صحيفة الامام) لاسباب عديدة منها:
اولًا: أنّ الامام الخميني أحد كبار الزعماء الدينيين والسياسيين في عالمنا المعاصر، وكانت حياته المباركه غنية وحافلة امتدت قرناً من الزمن تقريباً. ومن الطبيعي في مثل هذه المدّة الطويلة أن تكون لديه اتصالات ومكاتبات كثيرة، وصدرت عنه آراء ومواقف وآثار عديدة حيال قضايا مختلفة ومتنوعة. ومما لاشك فيه أن جانباً من ذلك لم يتم ضبطه وتدوينه. وبالالتفات الى الشواهد، ثمة العديد من النسخ الفريدة من آثار سماحته ما زالت غائبة لدى الاشخاص أو بين أثناء الكتب والمكتبات الخاصة العائدة للذين كانوا على اتصال مع الامام. ورغم كل الجهود التي بذلتها المؤسسة لم يتسنّ العثور على هذه النسخ بعد.
إن كلًا من فهرس رسائل الامام الخميني التي كتبت في اوائل النهضة، وفهرس الوكالات الشرعية الصادرة عن سماحته، وبقية الشواهد الاخرى، كلها تدل على أن عدد الرسائل والوكالات والآثار العامة لسماحته اكثر مما تم العثور عليه حتى الآن. علماً أن البحث جارٍ للعثور على كل جديد ليتم ادراجه في الطبعات التالية من (صحيفة الامام).
ومع ذلك، تعد (صحيفة الامام) الأشمل والأكمل وقد ضمت كافة المتون والنصوص الثقافية والسياسية والاجتماعية المنسوبة لسماحة الامام، بما في ذلك النصوص التي وردت في (صحيفة النور) وبقية المصادر، ومئات الآثار التي تنشر لاول مرة في هذه المجموعة.
ثانياً: لم تدرج كتب ومؤلفات الامام الخميني والتي تعد بالعشرات في شتى مجالات المعرفة الاسلامية. في هذه المجموعة، لان مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني قامت بنشرها مستقلة. وعليه فان (صحيفة الامام) لا تضم مؤلفات الامام ورسائله العلمية.
ثالثاً: كذلك لم تدرج قصائد واشعار الامام الخميني في (صحيفة الامام)، لأن القصائد والاشعار التي لدى المؤسسة كان قد تم اصدارها في كتاب حمل عنوان (ديوان اشعار الامام الخميني).
رابعاً: ثمة تعليقات متفرقة- ربما كلمة او عبارة او عدة كلمات- عثر عليها في طيات الكتابات الخطية لسماحة الامام، يصعب درجها تحت اي اطار اوعنوان من الأطر والعناوين المحددة لنشر آثار سماحته. (عناوين من قبيل: الرسالة والبرقية والاحكام والخطب والبيانات واللقاء والوكالة الى غير ذلك). ويبدوأن بعض هذه التعليقات والهوامش يشتمل على اشارات وملاحظات دوّنها الامام للاستفاده منها في نداء اوخطاب. كما أن بعضها الآخر يحتوي على نكات وملاحظات دوّنها الامام لدى مطالعته التقارير والصحف والكتب، او استماعه لوكالات الأنباء المحلية والعالمية، وذلك لمتابعة موضوع ما وملاحقته فيما بعد.
وثمة تعليقات وملاحظات دوّنها الامام استناداً الى برامجه اليومية نظير مواعيد اللقاءات وامثال ذلك .. وهناك أيضاً مسودات بعض الاحكام والنداءات، واصلاح وتعديل متون بعض النداءات، وهي من جملة التعليقات المتفرقة .. وبالالتفات الى نشر المتون النهائية والكاملة لهذا النوع من الآثار، تنتفي الحاجة الى ذكرها.
جدير بالذكر أن امثال هذه النصوص الخطية، والنسخ الاصلية لكافة آثار الامام عامّة يحتفظ بها في ارشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وسوف يتم عرضها لزوار المتحف الخاص بآثار سماحته.
خامساً: فيما عدا موارد خاصة من الرد على الاستفتاءات في المسائل السياسية والاجتماعية المهمة، لم تدرج في (صحيفة الامام) اجابات الامام الخميني عن استفتاءات مقلديه في المسائل الشرعية والاحكام الفقهية، التي تشكل كمّاً هائلًا. فمن يرغب بالاطلاع على فتاوى الامام، بإمكانه الرجوع الى مؤلفاته الفقهية ولاسيما: (تحرير الوسيلة) والرسالة العلمية و (مناسك الحج)، والحاشية على العروة الوثقى، ومجموعة الاستفتاءات.
سادساً: ان مقلدي سماحة الامام الخميني اعطوا الحقوق الشرعية طوال مرجعية الامام في قم وتركيا والنجف وباريس، وبعد عودة سماحته الى ايران، مباشرة او عن طريق وكلائه الشرعيين، وتسلّموا ايصالًا بما سلّموه. وعدد هذا النوع من الايصالات التي تحمل ختم وتوقيع الامام، كبير جداً، وليس هناك أية فائدة عامة تذكر من نشرها في (كتاب يضم الآثار السياسية والاجتماعية لسماحة الامام) ولذلك لم تدرج ايصالات تسلّم الحقوق الشرعية في (صحيفة الامام) فيما عدا بعض الموارد التي ادرجت من باب النموذج.
سابعاً: من البديهي أن آثارا من قبيل المكاتبات والمداولات والمحاضر السرية لاجتماعات رؤساء السلطات الثلاث، والقادة العسكريين، وكبار المسؤولين، مع سماحة الامام الخميني التي تطرقت لشؤون جبهات القتال وقضايا الامن القومي، ومازال طابعها السري قائماً، لم تكن ضمن الآثار القابلة للنشر في (صحيفة الامام).
ثامناً. الاقوال المنقولة والذكريات والخواطر التي يتحدث بها الاشخاص عن سماحة الامام، لم تدرج في صحيفة الامام ايضاً، ذلك أن هذا النوع من احاديث ومواقف الامام الخميني يفتقد الى السند- من قبيل نص خطي او شريط- وانما يبقى في حدود الاقوال المنقولة عن الاشخاص في معرض حديثهم عن ذكرياتهم. بيد أن مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني لم تهمل هذا الجانب من تراث الامام الخميني، حيث قامت، في اطار مخطط مدروس، بجمع وتدوين هذا النوع من الخواطر والذكريات ونشرها.
مستدرك (صحيفة الامام)
ان سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، الرابط الامين والمسؤول عن مكتب الامام، كان يحمل كل يوم الى سماحة الامام عدداً من رسائل واستفسارات مسؤولي النظام والدوائر المختلفة، التي يستطلعون فيها رأي سماحته في قضايا مهمة. وكان السيد احمد يسجل آراء واحكام سماحة الامام في ذيل الرسائل بصورة نقل قول مباشر او بعبارات نظير: قال سماحة الامام: .. ومن ثم ابلاغها الى الجهات المعنية.
بديهي أن هذا النوع من الموارد لا يمكن اعتباره ضمن آثار الامام الخميني المؤكدة الصادرة عن سماحته. بيد أن المؤسسة بصدد تنظيم هذه المكاتبات واعدادها للنشر في القريب العاجل بمثابة مستدرك (صحيفة الامام).
شكر وتقدير
لاشك في أن ثراء (صحيفة الامام) وشمولها، والدقة والامانة التي روعيت في تدوينها، جعل هذه المجموعة واحدة من أشمل المراجع واكثرها ث- قة واعتباراً لتعرف مواقف وتراث مفجر الثورة الاسلامية، الكبير، بالنسبة للجيل الحاضر والأجيال القادمة، واحد المتون الدينية والسياسية الخالدة.
ان اعداد وتدوين هذا الأثر القيم، الذي استهل بمقدمة بليغة لقائد الثورة الاسلامية المعظم سماحة آية الله السيد الخامنئي، واصداره في اثنين وعشرين جزءاً، هوحصيلة جهود تستحق الشكر والتقدير بذلها كافة المسؤولين والزملاء في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني. علماً أن توجيهات ودعم سماحة قائد الثورة المعظم وكبار المسؤولين في الجمهورية الاسلامية، وتضامن ومؤازرة ابناء الشعب الايراني النبيل ومريدي الامام، كانت ولا تزال السند الاول والاخير لهذه المؤسسة.
ولابد لنا هنا أن نذكر قبل الجميع، الدور المصيري لمرسي دعائم هذه المؤسسة والمتولي أمرها سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، ففضلًا عن حكمة هذا العزيز التي تجلت في تشكيل هذه المؤسسة، ودوره المتميز في كل فعالية من فعالياتها الواسعة، خصص سماحته الكثير من وقته وجهده لمتابعة انجاز هذه المجموعة الكاملة ولا سيما فيما يخص مرحلة التأكد من صحة وسندية النصوص التي لم تنشر من قبل.
ومازلت أتذكر كيف أن سماحة نجل الامام كان يصّر على تخصيص جزء من وقته لمتابعة تدوين (صحيفة الامام)، برغم الآلام الشديدة التي كان يشكومنها بسبب مرض عينه، وكان حينها في نقاهة كاملة. وفي هذا المجال تعد التعليقات والحواشي والهوامش التوضيحية التي يحتفظ بها ارشيف المؤسسة الخاصة بخلفيات تدوين (صحيفة الامام) خير شاهد على الجهود القيمة التي بذلها نجل الامام.
ومما يؤسف عليه، أن نحرم نعمة وجود مستودع اسرار الامام والوجه الصبوح الودود لدى ابناء الشعب، ورجل المهمات للبحث عن حلول لمعضلات الثورة، أن نحرم وجود نجل الامام في وقت تثمر جهوده وتتحقق امنيته في اصدار المجموعة الكاملة لآثار الامام الخميني- قدّس الله روحه الزكية.
كما ينبغي أن نتقدم بالشكر الجزيل لكافة الباحثين والمفكرين الذين وضعوا تحت تصرف المؤسسة خبراتهم وتجاربهم القيمة، بمشاركتهم في المداولات الاستشارية واللجان المسؤولة عن رسم سياسة المؤسسة من اجل التوصل الى صيغة فضلى لنشر تراث الامام الخميني بما في ذلك (صحيفة الامام) ونخص بالذكر سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي، الذي وف- ر بمشاركته في الاجتماعات التحضيرية (قبل تسلّمه رئاسة الجمهورية)، فرصة الاستفادة من افكاره السامية وارشاداته وتوجيهاته القيمة، وقد أخذ على عاتقه بكل تواضع مسؤوليّة رئاسة المؤتمر الاول الذي عقدته المؤسسة تحت شعار (الامام الخميني واحياء الفكر الديني)، كما أنه كان على الدوام الداعم للمؤسسة والمحفز على برامجها بعد تسلمه رئاسة الجمهورية ايضاً.
وبعد رحيل تذكار الامام، حصلت وقفة في اصدار هذه المجموعة، لم يبخل نجله الفاضل سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن الخميني علينا بآرائه وتوجيهاته السديدة وبنفس العزم والحكمة التي كنا نلمسها عند والده الراحل، فالمشاغل الكثيرة التي فرضها تصديه للمكانة الرفيعة التي كان يحتلها والده حامل قبس الذود عن اسم وذكرى (الخميني الكبير) في اسرة الامام المعززة المكرمة، وانهماكه الجاد في تحصيل المعارف الدينية في الحوزة والعلوم العصرية بأسمى مستوياتها، كل ذلك لم يثنه عن ممارسة اشرافه وتوجيهه السديد لشؤون مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني والآستانة المطهرة لضريح الامام الراحل. فمن خلال تفرّغه واشرافه الدقيق، تسنى لنا استكمال مراحل تدوين واصدار (صحيفة الامام) بصورة متواصلة ودون وقفة.
كذلك يدين اصدار هذه المجموعة لجهود ومساعي رئيس المؤسسة والمشرف على الآستانة المطهرة لمرقد الامام، حجة الاسلام محمد علي الانصاري، الذي أخذ على عاتقه ادارة التشكيلات وتوفير الخلفية القانونية والاعتمادات المالية وكافة احتياجات المؤسسة والآستانة.
وبديهي أن جمع وتدقيق صحة وسلامة آلاف المستندات والوثائق المدرجة في هذه الصحيفة المباركة، ومطابقة النسخ، وتفريغ الاشرطة على الورق ومراجعتها وتنقيحها وطباعتها، وتصحيح الاخطاء المطبعية، وتذيل المصادر والهوامش، وتنظيم الفهارس، وتدوين المعلومات الضرورية وهوية الكتاب، واخيراً طباعة ونشر 22 جزءاً من اجزاء (صحيفة الامام)، ليس بالعمل السهل
اليسير وخارج طاقة شخص اوعدة اشخاص .. إن انجاز كل ذلك مدين للجهود المستمرة والمتواصلة لعشرات الزملاء في الاقسام المختلفة لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، وتعاون ومؤازرة حشد كبير من الطاقات خارج المؤسسة.
وفي الختام وبرغم كل الدقة والسعي الحثيث اللذين بذلا في تدوين وتنظيم (صحيفة الامام) في مختلف المراحل، ونظراً للرغبة في تنضيد حروف وطباعة ونشر المجموعة الكاملة في وقت واحد في اطار برنامج عمل مكثف متواصل على مدى شهور عديدة من هذا العام الذي اطلق عليه عام الامام الخميني، لم يخل من النواقص والاخطاء، ولهذا نرجو من الباحثين والقراء الكرام أن لايبخلوا على مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني بآرائهم ومقترحاتهم وتصويباتهم.
كل تمنياتنا أن يسمو الاسلام الحقيقي وتعلو كلمته يوماً بعد آخر، وأن يعم اسم الامام الخميني واهدافه وذكراه الافاق، وان تواصل الجمهورية الاسلامية تقدمها واقتدارها، وترسيخ عزة وسمو الشعب الايراني العظيم. وأن تكونوا معززين مكرمين ومنتصرين في مواصلة طريق الامام الخميني.
حميد الانصاري
نائب رئيس مؤسسة تنظيم
ونشر تراث الامام الخميني (رض)