بسم الله الرّحمن الرّحيم
من محرّم إلى محرّم
شهر محرم هذا يختلف من جهات كثيرة عن سابقه، ومن جملة اختلافاته أننا في محرّم الماضي كنا نناضل النظام البهلوي الظالم الذي هو فرع فاسد من الشجرة الخبيثة التي هي أم الفساد، ونحن في هذا المحرّم نكافح أصل الفساد «1». إننا نكافح أولئك الذين يسيطرون على الشعوب المستضعفة بتعيين حاكم من قبلهم للنهب والسلب. وإننا والحمد لله قد انتصر شعبنا، على فرع الفساد باتكاله على الله- تعالى- واتحاده وهمته العالية، وبمساعدتكم، أيها السادة الوعاظ والخطباء في جميع أرجاء البلاد وخطباء مدينة قم التي كانت وما زالت منشأ الخيرات خاصة.
عالم كارتر
لقد قال السيد كارتر بالحرف الواحد: إذا احتجز الدبلوماسيون الموجودون في السفارة، ثمّ حوكموا فإنّ ذلك سيثير غضب العالم، إنّ العالم في نظر هؤلاء المستكبرين غيره في نظر الآخرين. إنّ المستكبرين ينظرون إلى العالم من زاوية الاستكبار وهذا المرض النفسي العضال الذي كان سبب عدم الاهتمام بعدد كثير من شعوب العالم. إنّ رأي السيد كارتر وجماعة لا يبلغ عددهم خمسين ألف نسمة، من أصل عدد سكان المعمورة البالغ ثلاثة مليارات، وهؤلاء الجماعة هم رؤساء الدول الذي يحرضون الآخرين على الظلم والتجاوز. ولا يقيمون وزناً لجميع الشعوب.
إن كارتر وجلاوزته هم جزء صغير من هذا العالم، لكنّ اتباعهم في أنحاء العالم، يعتقدون أنّ هؤلاء يشكلون العالم بأسره.
جنون العظمة عند الشاه وكارتر
هذه هي نظرة المستكبرين الذين لا يقيمون وزناً لبقية طبقات الشعوب الذين يشكلون الغالبية، ولا يرونهم بعين الاعتبار مع أنهم بالنسبة إلى غالبية الناس كالقطرة في تلك البحار. فمرض جنون العظمة هو سبب ذلك، ولذا حينما يجلس أحد هؤلاء على كرسي رئاسة الجمهورية وينظر بعينه المريضة، ويرى نفسه رئيساً آمراً على عدد من الوزراء والنواب والعملاء في مختلف البلدان يعتقد أنه لا يوجد في العالم أحد له قيمة إلا هؤلاء الجلاوزة الجواسيس، لذلك يعتبر هؤلاء الجواسيس دبلوماسيين وسياسيين. فمحمد رضا كان مصاباً إلى حد ما بهذا المرض الذي كان سبب هلاكه. إنّ هذا المرض، هو الذي يكون سبب أن لا يرى الإنسان إلا نفسه وجمعاً من المتملقين والمهرجين حوله فقط، ولا يحسب للشعب حساباً، ولا يقيم له وزناً، ولا يدرك أنّ الشعب هو أساس الدولة، وأنّ رجال الدولة، هم الأقلية الذين انتدبوا لخدمة الشعب لا للتحكم فيه والتسلط عليه. إنّ ذلك الرجل (محمد رضا بهلوي) كان كما قلت مصاباً بهذا المرض، ولذلك كان لا يرى حقاً لأحد سواه، فكان يرى نفسه فوق كل أحد. وأنه الآمر فوق كل آمر فلا يحسب لأحد حساباً، ولا يقيم له وزناً. وهذا هو سبب خيانته لهذا الشعب. ولقد كان سبب كل هذه الخيانات أنه كان لا يرى لأحد حقاً في استجوابه. فلم يكن يتصور وجود قدرة، تقابل الأسنة والأسلحة النارية نعم توجد قدرة أخرى. والمهم أنّ هذا المرض هو السبب لارتكابه لتلك الجرائم لأنّ هذا المرض لا يسمح لصاحبه أن يرى قدرة غير قدرته، فكانت النتيجة هي التي رأيتموها، ورأيناها جميعاً. فالسيد كارتر كان مصاباً بنفس هذا المرض، لكنه كان فيه أشدّ؛ لأنّ هذا المرض يشتد بازدياد سلطة الإنسان، ويضعف بضعفها.
هزائم أمريكا المتتالية
حينما هزم الشاه هزمت أمريكا يعني دولة أمريكا علماً بأننا حينما نتكلم عن أمريكا وغيرها من الدول لا نقصد الشعوب، لأننا لسنا في مواجهة مع الشعوب، كما أنّ الشعوب لا ليست في مواجهة معنا. والمهم أنّ الشاه حينما هزم، هزمت أمريكا اقتصادياً، كما هزمت سياسياً تقريباً ولقد حاول السيد كارتر أن يحتفظ بمحمد رضا، فأرسل لنا أخيراً يطلب الإبقاء عليه. وبعد ذلك أراد الاحتفاظ ببختيار، لكنه لم يستطع، وهزم مرة أخرى، وكانت تلك الهزيمة كبيرة، وعلى الرغم من كبرها، فإنها صغيرة بالنسبة لهذه الهزيمة الثانية التي سيلقاها.
إنّ إيواء مجرم «2»، استمر إجرامه نيفاً وثلاثين سنة تقريباً، وشهد بإجرامه خمسة وثلاثون مليون نسمة هم شعبنا، [نعم هناك من يعلمون بإجرامه، لكنهم لا يشهدون بذلك، وهؤلاء الخمسة والثلاثون مليوناً يعلمون اجرامه، كما تعلمه مئات الملايين من دول العالم، فإنهم يعلمون أنه مجرم وظالم كما يعلمون مقدار ما عانى هذا الشعب مما فرضه عليه من الإجرام والحرمان والسجن والتشريد والقتل]، إنّ إيواء مجرم كهذا، يعتبر هزيمة سياسية في العالم.
فيجب على السيد كارتر أن يعلم أنه مصاب بهذا المرض وأنّ إبقاءه لهؤلاء الجواسيس في وكر الجاسوسية وعدم تسليمه ذلك المجرم على الشعب هما هزيمة له أشد من الهزيمة الثانية؛ لأنه إذا لم يسلمه لنا، فإنه يمكن أن يحاكم هؤلاء الرهائن. وإذا تمّت محاكمتهم، فإنّ كارتر نفسه يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك؟
الطبل الأجوف
إن كارتر يخوفنا عسكرياً أحياناً واقتصادياً أحياناً أخرى. وهو يعلم أنّ هذا الطبل الذي ينقر عليه أجوف، فهو لا يمتلك تلك اللياقة العسكرية، ولا يصغي أحد إليه. وسبب هذا الاشتباه هو أيضاً إصابة رؤساء الدول الاستعمارية بذلك المرض. وهومخطئ حين يعتقد أنّ جميع الدول كخاتم في إصبعه يحركه كيف شاء، فإذا أمر الدول بعدم الحنطة من لإيران، فإن جميع الدول ستمتثل طائعة. في الوقت الذي يعلم فيه أنّ أمره غير مطاع في بلاده، فإن وزير الزراعة الأمريكي قال: إنّ هذا أمر غير صحيح. إننا لا نحتاج إلى حنطة أمريكا. لأننا نمتلك النفط الذي قال عنه تشرشل ذلك السياسي البريطاني المحنك في زمن الحرب مع ألمانيا، وهو يتوقع الهزيمة، فتحدث في مجلس العموم البريطاني، في تقرير له بدأه بذكر المشكلات والهزائم التي حلت بهم، وختمه قائلًا: أما انتصارنا، فهو أننا جالسون الآن على أمواج بحور النفط.
الخضوع للنفط
إننا جالسون على أمواج النفط. وأنتم نهبتمونا. وأخذتم نفطنا وأعطيتمونا بنادق ومدافع بدلًا من هذه الأسلحة التي هي لكم في الحقيقة، وليس لنا لأنها لحفظ مصالحكم إننا نمتلك النفط والدنيا تريد النفط ولا تريد أمريكا، ولا تريد كارتر. والدول ستخضع لنا لأجل النفط، ولا تخضع لك، أنت الذي تريد أن تحتفظ بمنصب رئاسة الجمهورية. لكنك لم تهتد إلى الطريق الموصل إليه فجميع سعيك منصب في أن تنتخب مرة أخرى لرئاسة الجمهورية. لكنك ضللت الطريق الصحيح. إنه ظن أنه إذا أخاف إيراطن بقوله: سنحاصر إيران اقتصادياً، وسنلحق الضرر بالاقتصاد الإيراني، فإنّ شعبه سيصفق له ويحييه تمهيداً لانتخابه. لكنه علم الآن أنّ طبقة كبيرة من الشعب، وهم السود قد انفصلوا عنه، وأنّ خمسمئة عالم أسود من علماء المسيحية قد تظاهروا احتجاجاً عليه لمصلحة إيران. وأنّ طبقات أخرى من الشعب الأمريكي تنوي القيام بمثل ذلك باستثناء رفاق كارتر ومريديه الذين يشكلون في نظره العالم، فإذا كان هؤلاء يشكلون العالم دون غيرهم فإنه يمكن القول بأنّ العالم مع كارتر!
العالم ضد أمريكا
أما إذا كان العالم هو هذا الذي نراه قائماً على المستضعفين وأنّ هؤلاء جزء صغير منه فإنه يمكن القول بأنّ المستضعفين هم الذين يشكلونه. فإذا كان العالم هو هذه الحقيقة التي نراها، وكان المستضعفون هم الذين يديرونه، وكان المستكبرون لا يمارسون إلا الفساد، فإنّ هذا العالم مخالف لكم. ويرفض الرئيس الذي يدّعي حماية حقوق الإنسان، ويجرّ البشرية في الوقت نفسه إلى الفساد والهلاك.
ولا يقبل منه ادعاءه بأنه حامية حقوق الإنسان. فأنت تقول: إنني أحمي حقوق الإنسان أليس الإيرانيون من البشر؟ فلماذا ذاقت إيران العذاب والمرارة في عهدك، وفي عهود أسلافك خمسين سنة؟
لقد تحمل هذا الشعب عذاباً وعانى كثيراً ومع ذلك لم يوجّه أحد من رؤساء أمريكا أو من المؤسسات الدولية التي أسّستموها، وكلّهم يدعون حماية حقوق الإنسان، لم يسأل أحدكم محمد رضا بهلوي ولو سؤالًا واحد عن سبب هذا الظلم والاضطهاد. بل إنكم لم تكتفوا بالسكوت حتى أيدتموه، وسعيتم إلى تثبيته وإبقائه وما يثير الضحك هو أنّ كارتر كان يقول: في أيام الاضطرابات الشديدة في إيران: لقد منحنا الإيرانيين حريات كثيرة. لذلك علت صيحاتهم! والسبب الذي دفع الناس لأن ينادوا بطلب الحرية هو كثرة الحريات المعطاة التي بلغت حدّ التخمة «3»، وسبب هذا الاعتقاد هو إصابته بذلك المرض.
هل إنّ هؤلاء جواسيس أم دبلوماسيون؟
لا يظن كارتر أننا نتراجع خطوة واحدة عن مطالبتنا، وهذا حقنا المشروع في العالم، إنّ دول العالم تعلم أنّ إعادة المجرم إلى المكان الذي ارتكب الجريمة فيه وفقاً للقوانين الدولية. ليحاكم هناك. ونحن نطلب من كارتر تسليمنا هذا المجرم ليحاكم هنا. نعم إذا اعادوا إلينا هذا المجرم، فإننا سنغلق هذا المكان. لا يصح أن يكون محل التجسس سفارة، إلا إذا ألغي التجسس، وعادت السفارة إلى مسيرها الدبلوماسي الصحيح. نعم هذا أمر ممكن، لكنه ليس مسلّماً به فيمكن اذا سلّمونا ذلك الشخص وألغوا التجسس من جدول أعمال هذه السفارة وعادت إلى انجاز أعمالها المشروعة فإنّ الروابط التي تحفظ مصالحنا تكون محفوظة وقائمة، ولن نقطع علاقاتنا بأمريكا ما دام ذلك الرجل هناك، لأنه يجب حفظ الرهائن الموجودين عندنا، فهم جواسيس، وليسوا دبلوماسيين، لكنّ كارتر، بسبب إصابته بذلك المرض النفسي يعتبر هؤلاء من الدبلوماسيين.
إنذار الحكام الظالمين وتحذيرهم
يجب على هؤلاء الحكام أن يصلحوا أنفسهم. فهؤلاء الرؤساء والحكام الذين يتعاملون مع شعوبهم ومع مستضعفي العالم بمثل هذه المعاملة يجب أن يصلحوا أنفسهم فهذه الأفكار باتت مجدية في هذا العالم. لأنها أفكار كانت منتشرة في زمان كان الناس فيه غير واعين. أما الآن فإن الناس باتوا واعين ويقظين. وإننا نرى هذا التحول الثقافي خصوصاً في السنتين الأخيرتين واضحاً في بلادنا، إذ أصبح الشعب اليوم غيره قبل سنتين، مع أنّ الناس هم الناس أنفسهم؛ فأفكارهم تنورت وتغيرت، والشعوب اليوم قد عمتها اليقظة والصحوة والثقافة فلم يعودوا نياماً حتى تستطيعوا السيطرة عليهم والتحكم فيهم كما كنتم تفعلون معهم في الماضي فلا يستسلمون لكم استسلاماً كاملًا. لذلك يجب عليكم أن تعيدوا النظر في سلوككم مع هذه الشعوب فيجب على رؤساء أمريكا وغيرها من الدول الاستعمارية أن يصلحوا أنفسهم لأنّ ذلك ينفعهم وإلا فمصيرهم الهلاك.
لقد قلت لأولئك الدبلوماسيين الذين جاءوا من الخارج: إنّ مشكلة الحكام مع شعوبهم هي أنّ هؤلاء الحكام يعتبرون أنفسهم هم الآمرون وهم أولياء الناس، ولا تخفى عليهم خافية، فلا يقيمون لشعوبهم وزناً لذلك نراهم محرومين من دعم شعوبهم.
وشاهدنا في إيران أنّ الحاكم كان يتحكم بمصير الشعب ويعتقد أنه هو الآمر الأوحد، وأنه ملك الملوك لذلك لم يحظ بتأييد الشعب. ولو كان الشعب مؤيداً له لما لاذ بالفرار من وطنه. فهذا التحوّل أوجد حكومة أخرى لم تصبح بعد إسلامية بتمام معنى الكلمة لكنها مهّدت لهبوب نسيم من الإسلام، لذلك لا تدعي الحكومة أنها هي الآمرة الوحيدة تلقي القبض على من تشاء، وتعذب من تشاء وتسجن من تريد. لا وجود لذلك أبداً. لهذا نرى الشعب مؤيداً لهذه الدولة وداعماً لها. وأنتم ترون الآن أنه ما ان تحدث للدولة مشكلة إلّا أسرع الشعب لحلّها.
المشكلة الأساسية هي انعزال الحكومات عن شعوبها
إذا استطاع حكام الدول الإسلامية أن يداووا أنفسهم من ذلك المرض العضال الذي ذكرته سابقاً، ويبرأوا منه يكونون قد حلوا مشكلة ومعضلة وأساسية كان مفتاح حلها في أيديهم. ولهم أن يتأسوا بما حدث في إيران، وأن يقارنوا الوضع في زمان محمدرضا والوضع الآن. فحينما كانت تحدث في العهد السابق مشكلة للدولة لا يتدخل الشعب لحلها إن لم يحاول تعقيدها ولو استطاع لأضاف إليها لشكلة أخرى. أما اليوم فإذا حدث للدولة حادث فإنّ الشعب يسارع إلى رفعه. ولقد رأينا الدول لا تستطيع رفع مشكلاتها من دون مساعدة الشعب.
إنّ كارتر مصاب بنفس المرض الذي أصيب به محمد رضا، لكن بدرجة أشد، وكذلك اكثر رؤساء الدول الإسلامية أصيبوا بهذا المرض. فإنهم لا يرون إلا أنفسهم وأقلية من عملائهم، ومن ارتبطت منافعهم بهم، فلا يرون شعبهم، ولا يقيمون له وزناً لذلك نراهم يخالفون الموازين الإسلامية من العدل والإنصاف فيظلمون شعوبهم المستضعفة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ويجمعون الأموال ويقسمونها بين عملائهم وجلاوزتهم. فإذا حدثت لهم مشكلة، فإنّ الشعب يعرض عنهم ولا يعينهم على حلّها.
وإذا إستطاع رؤساء الدول الإسلامية أن يحلوا مشكلاتهم تحسّن وضعهم، وإذا استطاعوا رفع الخلافات العالقة بينهم، واتحدوا خرجوا من تحت نير الاستعمار وسلطته. فإنّ الدول الاستعمارية إنما تستغلنا ما دمنا مختلفين غير متحدين. وإذا اتحد المسلمون، وتفاهم رؤساؤهم فإنّ الشعوب أيضاً ستتفاهم لإقامة الوحدة؛ لأنّ الشعوب الإسلامية لا خلاف بينها.
لكن الرؤساء لا يسمحون لشعوبهم بالتفاهم للاتحاد، فإذا رفعت هذه المشكلة، وسمح الرؤساء لشعوبهم بالتفاهم والاتحاد، ستحصل قدرة للإسلام والمسلمين لاتضاهيها قدرة في العالم، لأنّ عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار مسلم مع ما يمتلكون من الثروات والمصادر.
مسألة (ظل الله)
والآن نأتي إلى معرفة تكليفنا الشرعي تجاه هذه القوة العظمى، وتجاه تلك الأوهام الموجودة في ذهن هذا السيد (كارتر). يجب علينا ان نستمر بالعمل أو التعامل الذي بدأناه منذ سنة أي منذ المحرم الماضي (أو قبله بقليل) إلى حين سقوط محمدرضا. والآن يجب ان نستمر على ذلك المنهج، وتتحد طبقات شعبنا أكثر مما مضى، ففي ذلك العهد كان يمكن ان تظن طبقة من الناس، فتقول عن الملك حسن، هذا هو ملك البلاد، إنه منّا، وهو (ظلًّ الله). فيتكلمون بمثل هذه العبارات الباطلة.
إنّ هؤلاء لا يعلمون أنّ مقولة (ظلِ الله) مسألة إذا كانت قد صدرت عن الأئمة (عليهم السلام) للحكام فإنّ وظائفهم ستكون صعبة جداً، لأنّ الظل شيء لا وجود له بنفسه فلا يملك لنفسه شيئاً، وكل حركة يقوم بها ظاهراً هي في الحقيقة حركة صاحبه.
وعلى كل حال فإن ظلِّ الله إنما هو الرسول الأعظم (ص) الذي لا يملك لنفسه شيئاً وكل ما عنده من الوحي الذي هو من الله تبارك- وتعالى- وإذا صحت أنّ هذه العبارة ان (السلطان ظلِّ الله)، فإنها تبشر بهلاك السلاطين، لأنّ اعمالهم تثبت أنهم ظل الشياطين، لا أنهم ظل الله.
إنّ هذا المنطق الخطأ كان لدى فئة من الناس، وحتى لدى رجل دين فاضل؛ إذ نقل لي أحدهم عن هذا الرجل فقال: كنت قبل سنة في مكة المكرمة في زمن الاضطرابات جالساً في المسجد الحرام مقابل الكعبة. فقلت لذلك الرجل الفاضل: حسناً، هنا مكان قبول الدعاء لانتصار النهضة الإسلامية على الملك. فقال: لا، إنّ تكليفنا هو الدعاء لحفظ الملك وسلامته. حسناً، إنّ هذا المنطق كان موجوداً احياناً، لكنه كان أقلّ قياساً للدول الاجنبية.
سرّ بقاء مذهب التشيع
إنه لخطأ فاحش، بل هو خيانة كبرى أن يدعو المسلم الله- تعالى- أن يحفظ رئيساً مرتبطاً بالأجنبي الذي لا تعلم ديانته أو مدى التزامه بدينه مع أنه يعادي شعبنا، وفي شعبنا طبقة تخالف عموم الشعب وتوافق ذلك الرئيس الخارجي، لكن هؤلاء قليلون جداً. لذلك يجب في هذا الوقت أن يكون اتحاد الشعب أقوى، وإذا كان التذمر موجوداً في السابق، فالمفروض أن لا يكون الآن. وعلينا أن نكمل المسيرة معاً، واطمئنوا أنكم بعد ذلك ستنتصرون، فالحق منتصر، الحق منتصر. غاية الأمر أنه يجب علينا أن نجد سرّ الانتصار، فما هو سر انتصارنا؟.
إنّ المذهب الشيعي بقي على مرّ الزمن حياً فاعلًا، وذلك منذ عهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الآن. ومعلوم أنّ عدد الشيعة كان في البداية قليلًا لا يحسب له حساب، لكنهم الآن كثيرون والحمد لله. فعلينا أن نجد سرّ بقاء هذا المذهب، وسرّ بقاء الإسلام عموماً، ونحافظ عليه. إنّ احد الأسرار الكبيرة وأهمها ما قام به سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه (سلام الله عليه) قد حفظ الإسلام وضمنه، وحافظ عليه من الانحراف بما قدّمه من تضحيات عظيمة، فهزم بنهضته ومقتله الأمويين وغيرهم، وأعاد الإسلام إلى نهجه الصحيح، فتجب المحافظة على تلك النهضة الحسينية.
أهمية إقامة مراسم العزاء
إذا أردنا أن يكون وطننا حراً ومستقلًا، فيجب أن نحافظ على سرّ بقاء الإسلام والمذهب الشيعي أيّ يجب أن نحافظ على الاحتفاء بذكرى عاشوراء، فإن مجالس التأبين هذه أقيمت منذ البداية بأمر الأئمة (عليهم السلام) ثم استمرت على طول التاريخ. ولا يظنن بعض شبّاننا أنّ هذه المجالس الحسينية هي مجالس بكاء مجردة من كلّ فعل نضالي وسياسي واجتماعي، فلا يصح في هذا العصر أن نبكي ما دامت كذلك.
إنّ هذا الكلام غير صحيح، لأنكم تعلمون أنّ الإمام الباقر (سلام الله عليه) قد أوصى عند وفاته: أن تقام مجالس العزاء بوفاته في منى عشر سنوات وذلك باستئجار النوائح فما هذا النضال؟ وهل ان الإمام الباقر (ع) كان بحاجة إلى البكاء؟ وماذا أراد (عليه السلام) من البكاء وإقامة العزاء ومارسم الرثاء في أيام الحجّ خاصة وفي منى بلأخص؟ فهذه نقطة أساسية وهي أنه أراد أن يفضح الحكام الظلمة سياسياً ونفسياً وإنسانياً لأنّ الحجّاج حينما يرون منظر العزاء والنياحة يحاولون استطلاع الخبر بالسؤال. فتقصّ عليهم قصة ظلم الحكام لأهل بيت الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا من شأنه أن يوجّه أنظارهم نحو مذهب أهل البيت (ع)، ويحطم الظالم، ويقوّي شعبية المظلوم.
أثر البكاء وإقامة المآتم الحسينية في المذهب الشيعي
لقد ضحّينا بشبّاننا كما ضحّى الحسين (ع) بشبّانه، فتجب المحافظة على هذا النهج الجهادي. إنكم تظنون أنّ البكاء على الحسين (ع) بكاء مجرد كلا؛ إنه أمر سياسي ونفسي واجتماعي، لأنه إذا كان هذا البكاء مجرداً من هذه الأمور النضالية، فما معنى الأمر بالتباكي؟ فإنّ القضية تحتاج إلى التباكي. ولقد أصبح التباكي أمراً مهماً. فما الداعي الى حاجة سبط الرسول الأعظم (ص) وسيد الشهداء (ع) إلى البكاء؟
إنّ الأئمة كانوا يصرون ويؤكدون على عقد الاجتماعات والمجالس الحسينية، والبكاء على ظلامة الحسين (ع) وأهل البيت (ع)، لأنّ ذلك يحفظ كيان المذهب الشيعي. ولا تظنوا أننا نحول هذه المواكب الحسينية التي تنطلق يوم عاشوراء، وتجوب الشوارع والأزقة لا تظنوا أننا نريد أن نحولها إلى مسيرات، إنها في الحقيقة، مسيرات تحمل بعداً سياسياً. لذلك يجب الاهتمام بها أكثر من السابق، فسرّ انتصارنا إنما هو هذه المواكب الحسينية، وهذا البكاء واللطم والعزاء. فيجب أن تقام مجالس العزاء في جميع أنحاء البلاد، وعلينا جميعاً أن نعزي الرسول الأعظم (ص)، وأن نبكي على ظلامة أهل بيته (ع) ولا سيما الحسين سيد الشهداء (ع).
فهل تعرفون شيئاً في العالم يستطيع أن يوجد الاتحاد والتنسيق أكثر من هذه المجالس؟ وهل تعرفون شعباً يمتلك مثل هذا الوجه المشترك الجامع، ومثل هذا العامل الموجد للاتحاد؟ ومن الذي أوجد عامل الاتحاد والتنسيق؟ إنه سيد الشهداء (ع) سبط الرسول الأعظم (ص).
إنّ المواكب والمآتم الحسينية، تخرج يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء في مسيرات عظيمة في جميع الدول الإسلامية، كالهند والباكستان وأندونيسيا والعراق وأفغانستان وغيرها. فمن يستطيع أن ينسق لإقامة هذه الاجتماعات؟ علماً بأنه يجب أن تحافظ هذه المواكب على وجهتها الشرعية.
والمهم أنه عليكم أن تحافظوا على هذا التنسيق وهذا الاتحاد، وأن تعلموا أنّ شبّاننا الأعزاء الصافين قد يُعرَّضون لِخداع المغرضين واحتيالهم، ولا ينتبهون إلى السموم التي يحقن بها عقولهم أناس قد حقن عقولهم بها أناس آخرون.
الأيدي الأجنبية تمارس التفرقة
لقد فرقت الأيدي الأجنبية القذرة بين علماء الدين والشبّان، وخططوا لهذا العمل، ولم يكن أمراً عثبياً دون تخطيط، إذ كانوا دائماً يخدعون علماء الدين بتقبيح الشبّان في نظرهم بأن يقولوا لهم: هؤلاء الشبّان يلبسون الأربطة ويحلقون لحاهم، فيجب إبعادهم والابتعاد عنهم، وفي المقابل كانوا يقبحون العلماء في نظر الشبّان، ويقولون لهم: إن الإنجليز هم الذين جاءوا بالملالي، وبذلك فرّقونا، فمن المنتفعون من وراء ذلك؟ إنهم أولئك الذين يريدون أن يسرقوا نفطنا، إنهم يؤلّبون بعضنا على بعض، لنتفرّق، فيبطل التنسيق الذي يجب أن يكون بيننا، ومتى انتفى ذلك التنسيق والاتحاد فعلوا بنا ما يشاؤون، ونحن مكتوفو الأيدي لا نفعل شيئاً، ولا نعمل لاستعادة التنسيق والاتحاد بالمجالس الحسينية. ونحن الآن نقترب من المحرم ونسمع- آملين أن لا يكون ذلك صحيحاً- من يقول: إنّ هؤلاء الشبّان الطيبين، الذين يشاركون في المواكب الحسينية إنخدعوا، وإذا أراد أحد أن يقيم مجلس عزاء الحسين (ع) فإنّ جماعة يقولون: لا نحتاج إلى ذلك.
أثر مجالس التعزية في استدامة مدرسة عاشوراء
هؤلاء غافلون أولئك الذين يخالفون مجالس التعزية هم أنفسهم الذين خالفوا علماء الدين والجامعيين والعمال والفلاحين. وهم الذين يريدون امتصاص دمائنا ونهب ثرواتنا، ليبقونا أذلة، فهذا التنسيق القائم بين جميع أبناء الشعب الذي أوجدته قصة كربلاء هو اكبر عامل سياسي ونفسي في العالم تتحد عليه القلوب، بشرط أن لا يخرج عن خطه الصحيح. والمهم أننا إنما إنتصرنا بهذا التنسيق وهذا الاتحاد. وعلينا أن نعرف له قيمته وعلى شبّاننا أن ينتبهوا إلى ذلك وأن يعلموا أن بعض الأيدي تتحرك الآن للقضاء أولًا: على وجهائنا واحداً واحداً، وثانياً: على المجالس الحسينية، وثالثاً: على معنوية المساجد ودورها النضالي.
إنّ هذه المساجد وهذه المجالس الحسينية السنوية والأسبوعية هي التي توقظ الناس، وتنسق بين طبقاتهم بحيث لو أرادت الدول أن تقوم بهذا التنسيق لما تيسر لها ذلك حتى مع بذل مئات المليارات من التومانات. هكذا نسق سيد الشهداء (ع) بين طبقاتنا المختلفة. ثم إنهم يريدون منا أن لا نظهر أسفنا وحزننا وبكاءنا على ظلامته. إنّ هذا البكاء هو الذي صاننا وحافظ علينا. فعلى شبّاننا أن ينتبهوا، ولا يكونوا ضحية خِداع هؤلاء الشياطين، فيفقدوا هذا السلاح الذي صاننا وصان بلادنا.
وجوب إقامة المجالس والمآتم الحسينية
إنّ وظيفة السادة إقامة المجالس الحسينية، ووظيفة الناس إقامة المواكب العظيمة كمواكب اللطم المجللة طبعاً يجب الامتناع عما يخالف الشرع. وأن يفعلوا من أنواع العزاء ما كانوا يفعلونه من قبل، فيجب أن يحافظوا على اتحادهم وعلى اجتماعهم وتنسيقهم، لأنّ ذلك هو سبب بقائنا. إنّ المغرضين يخدعون شبّاننا الطيبين ويزينون لهم الكلام بقولهم: حسناً، ماذا نصنع بالبكاء على الحسين؟ ما معنى هذا القول؟
نحن لو بكينا الدهر كله على سيد الشهداء (ع) فإن ذلك لا ينفعه شيئاً. لكنه ينفعنا في الدنيا والآخرة، فإذا أخذنا نفع الدنيا بنظر الاعتبار وجدنا الاتحاد ووصل القلوب بعضها ببعض من آثاره. وأما النفع الأخروي فمكانه محفوظ، فيجب علينا أن لا نضيع هذا الحصن الحصين. وأولئك الذين يحاولون أخذ هذه القلعة منا هم رجال منا صالحون لكنهم مخدوعون، وتقف وراءهم أيدي مشبوهة فاسدة ومفسدة، تريد جر الشعب إلى الهلاك، فيجب علينا وعلى الشعب أن نكون يقظين.
انتصار الثورة مدين للطبقة المستضعفة
والكلمة الأخيرة التي أقولها هي: أننا اليوم نواجه عدواً أجنبياً يريد نهب بلادنا وأخذ ما نمتلك، وهذا العدو الذي نواجهه قد أنشأ هنا مركزاً للتجسس على جميع الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية.
لذلك أطلب من جميع طبقات الشعب أن لا ينشغلوا بإظهار التذمر وأقول لكم جميعاً ولكتابنا ومتكلمينا وجميع المراكز ونقابات الكتاب والمحامين أقول لكم: احفظوا هذه البلاد، فهي بلادكم، والأجانب يريدون أن يأخذوها منكم فيجب عليكم أن تصونوها وتحموها، وحمايتكم لها تتمثل في تنسيق أموركم واتحادكم. فالأمر كما ترون أنهم يقسمون الشعب على طبقات: طبقة عالية وطبقة واطئة، وإنني أرى الطبقة التي يعتبرونها واطئة طبقة عالية. انظروا إلى هذه الطبقة كيف هي منسجمة بعضها مع بعض. ولقد تقرّر أن يطلق الشعب في هذه الليلة بنداء (الله أكبر) فاذهبوا وتحققوا وانظروا من هم الذين سيلبون هذه الدعوة يطلقون هذا النداء العظيم (الله أكبر) أتمنى أن تصور هذه المشاهد تصويراً حياً ثم تعرض حتى تروا من هم الذين يكبرون. إنهم هذه الطبقة المستضعفة ونحن ممتنّون لها وإنني أقبل أيديهم. إننا مدينون لهذه الطبقة التي تنادي بالتكبير الليلة وغداً وتنظم المسيرة. حافظوا على هؤلاء، ولا تجلسوا وتكتبوا وتقولوا وتناقشوا فقط.
انتخابات مجلس الخبراء والدستور
مجلس الخبراء هو الذي ينتخبه جميع ايناء الشعب ويعينه، فكل واحد من أبناء الشعب قد عين لنفسه وكيلًا يطمئن اليه. أما أنتم الذين تنادون بالديمقراطية فانظروا: هل تجدون في جميع أنحاء الوطن أحداً سُلِبَ الحرية في انتخاب مرشحه، أو عُرِّض لضغوط في انتخاب مرشّح معيّن؟ حتى إنّ الدعايات الانتخابية قد قلّت ولم تعد كالسابق. وقد تمّت الانتخابات بمعرفة أهل كل بلدة بمرشحهم، فانتخب كل إنسان من عرفه من أهل بلده، وفاز المرشحون بأكثرية ساحقة، فلماذا النقاش وقد رأوا المجلس قد أراده الشعب، وانتخب أعضاءه بحرية كاملة. فمن أنتم؟ وما وظيفتكم؟
إنّ الشعب قد انتخب هؤلاء، ليكونوا وكلاء لحقوقه، وواضعين للقوانين التي تقتضيها المصلحة العامة، وقد اطلعت عن كثب على سير الانتخابات، فلم أجد فيها انحرافاً مخالفاً للشرع الإسلامي مطلقاً، وأنتم أيها السادة وأهل المنابر وجميع الخطباء والكتاب والمتكلمون عليكم أن تؤيّدوا ذلك، وعار وعيب علينا أن نجلس وننشغل بالإنتقاد حتى نعجز عن إيجاد الدستور.
إنّ هذا الدستور هو دستور صحيح، فصوّتوا لمصلحته. لكن لا على نحو الإلزام والإجبار، فمن شاء أن يُخالف فهو حرٌ، ويجب بالنسبة لهذا الأمر أن يعمل السادة المعنيون على توجيه الشعب في كل مكان وإيقاظه. وهؤلاء السادة هم الطلبة الذين يذهبون من قم لنشر تعاليم الدين في مختلف المدن. فعليهم أن يفعلوا ذلك، ويقيموا هناك حتى ينتهي هذا الأمر، ولم تبق مدة كثيرة. والأيام، أيام عاشوراء فلا يعد المبلغون يرجع يوم عاشوراء فوراً. بل عليهم أن يبقوا في تلك المدن لهداية الناس وتوعيتهم وكذلك كتابنا وخطباؤنا.
ولو فرضنا الآن أن شيئاً وقع مخالفاً لرأي فلان الذي يدعي التجدد، لكان يجب عليه حينما تتم الانتخابات أن يصرف النظر عن ذلك. لأنّ أبناء الشعب قد صوّتوا وانتخبوا وكلاءهم، وإنتهى الأمر فيجب أن نحترم آراء الشعب. وأرجو أن يأتينا شهر محرم هذا بهدية هي أن يُبعِد الله- تعالى- شرّ المجرم الأصلي (كارتر) عنّا كما جاءنا المحرم الماضي بهدية القضاء على المجرم الفرعي (محمد رضا). وأسأل الله أن يحفظكم ويوفقكم جميعاً.