بسم الله الرحمن الرحيم
دور القوات النظامية وقوى الأمن الداخلي في خدمة الشعب
في البداية أعتذر منكم لأني لن أستطيع التحدث إليكم طويلًا وذلك نزولًا عند رغبة الأطباء الذين منعوني من التحدث أصلًا، ولكن أحياناً يسمحون لي بالقليل منه. وأشكركم على قدومكم إلى هنا، لنتحدث إلى بعضنا حول بعض المسائل. لابد وأن أكثركم على إطلاع بالوضع الذي كانت عليه القوات المسلحة وقوى الأمن والشرطة زمن النظام السابق. لقد كانت هذه القوى تعيش حالة من البعد عن الشعب لدرجة أن كلًا منهما ما كان يطيق أن تقع عيناه على الآخر. والسبب في نفور الشعب من القوات المسلحة قاطبة، يعود إلى الممارسات التعسفية التي كانت ترتكبها عناصر الجيش والأمن والشرطة وبأمر من قادتهم بحق الشعب والمواطنين الأبرياء. فقد كان دأب الشرطي أو عنصر الأمن فرض إرادته على الناس، وكان دأب الناس الفرار منه ما أمكن مع أن الهدف الرئيسي من إيجاد هكذا قوى هو خدمة الشعب لا الحكومة، بل هذا هو الهدف والغاية الحقيقية من تشكيل أصل الحكومة، حتى وإن كانت حكومة أمير المؤمنين (ع). فقد كان الهدف من الحكومة في صدر الإسلام السعي في حاجات الناس وخدمتهم لا التجبُّر والتأمُّر عليهم، واستغلال سلطة الحكومة لظلمهم والإجحاف بحقهم، ليعيشوا حالة التنفّر والكره لها.
الحكومة ودورها في خدمة الشعب
الآن وقد ولّى ذلك الزمان، وتبدلت الأوضاع، التي نأمل من الله أن نعود لمثلها؛ فإن وظيفتنا جميعاً كمسؤولين وعاملين في مختلف قطاعات وأجهزة الدولة إبتداءً من أعلى منصب في الحكومة وهو رئيس الجمهورية الذي هو السيد بني صدر «1» إلى أدنى منصب أن نصل إلى مرحلة نشعر معها بأننا خدّام لهذا الشعب، ويشعر معها الشعب بالثقة تجاهنا وأننا نعمل لما فيه خيره وصلاحه، فعندما يشعر الناس بأن قوات الأمن والشرطة عيونٌ ساهرةٌ لحفظهم وحفظ ممتلكاتهم، وليسوا جبابرة وأكاسرة عليهم، عندها سيفتحون لهم صدورهم ويبدون لهم كلَّ دعم وتأييد. فقد كان الجو الحاكم على العلاقات بين الشعب ورجال الشرطة والأمن جواً متلبداً بغيوم الكره والنفرة والرهبة، وتندر المجالس التي تجمع بينهما، ولهذا كان الشعب يؤثر التخريب وتقليب الأمور على مساندة الدولة في أزماتها لأن الصورة التي كانوا يحملونها عن عناصر الأمن والشرطة، أنهم كالذئاب التي تترصد القطعان لتفتك بها. ولا يزال الشعب إلى الآن يحمل هذا الانطباع والتصور القاتم والبشع تجاه هؤلاء، وذلك لكثرة ما لاقاه هذا الشعب طوال الخمسين سنة الماضية من معاناة وأذى، وانتهاك للكرامة، وما تحمله من إهانات وممارسات تعسفية من قبل هؤلاء وقادتهم الأجلاف. ولهذا فإن في أعناقكم مسؤولية إزالة هذه الصورة القاتمة والبشعة، وتحويلها إلى صورة مشرقة وحسنة، وذلك من خلال عملكم وسلوككم الطيب والحسن، فإنكم كقوات شرطة وأمن وجيش لو عاملتم الناس معاملة حسنة مفعمة بالمحبة والاحترام، فإن ذلك سيكسبكم ودهم ومحبتهم، وشيئاً فشيئاً ستغيرون نظرتهم السلبية التي أخذوها سابقاً عنكم. فإنكم جميعاً مسلمون وهؤلاء إخوانكم في الدين، فعليكم أن تعيشوا الإحساس بالأخوة تجاههم، لأن هذا الإحساس سينعكس على تصرفاتكم ويصبغها بالود والمحبة. ولكن لو ترفعتم عليهم واعتبرتم أنفسكم في الأعلى وهم في الأسفل ومن وظيفتهم الإطاعة لكم والإنصياع لأوامركم، فستعود الحالة كما كانت عليه في السابق، ويعود الناس ليعيشوا الخوف والرهبة منكم ومن رؤيتكم، والابتعاد عنكم وعن مخالطتكم. وإني أذكر قصصاً كثيرة في هذا الجانب جديرة بأن تجمع وتكتب، فإنكم لم تشهدوا أي حالة من الذعر كانت تصيب الناس، وخصوصاً المعممين، لدى رؤيتهم لشرطي من بعيد، فقد كانوا يفرون منه كفرارهم من الأسد، وما كان هذا ليكون لولا إرادة من هم فوق ذلك، فقد تم تربية هذه العناصر تربية بعيدة كل البعد عن الإسلام، تربية غربية تستحضر كل ما هو فاسد في مجتمعات الغرب وثقافتهم.
سعي الغرب للإبقاء على حالة التخلف في الدول الإسلامية
لا تظنوا أن الغرب يريد لنا الخير والتقدم والنجاح، بل إنهم يسعون جاهدين لإبقائنا متخلفين عنهم على جميع الأصعدة، ليتسنى لهم التلاعب بنا واستغلالنا كيفما يشاؤون. فإن روحهم الاستعمارية التي تقطر طمعاً، ماثلة في كل ما يقدموه لنا، ولهذا فحتى طبهم وأدويتهم التي صدروها لنا استعمارية، وحتى المعاهد والجامعات التي يبنوها لنا استعمارية، لا يريدون من ورائها إلا منافعهم ومصالحهم وأن نبقى نعيش التسليم والتبعية لهم.
علينا أخذ العبر من الأوضاع في عهد النظام السابق
والآن وقد وفقنا الله سبحانه وتعالى، وببركة الإسلام بالتحرر من هذه القيود والأغلال التي كانت علينا فلنحذر الوقوع في أسرها مرّة أخرى، بأخذنا العبرة مما كانت عليه الحال زمن محمّد رضا، فنرى كيف كانت قوات الجيش والدرك والشرطة تتعامل مع الناس، وكيف كان الناس يتعاملون معهم، والنتيجة المترتبة على هذا اللون من التعامل، فقد كان كلٌّ منهما يعيش العداوة والكره للآخر. فمخافر الشرطة كانت تشكل مصادر خوف ورعب للناس، بدل أن تكون مصادر للأمن والأمان، لدرجة أن من كان بحاجة للذهاب إلى هناك، كان يرثى على حاله، ويبدأ قلبه بالخفقان فَرَقاً مما سيحل عليه ويفعل به، مع أن الأساس في هذه المراكز تقديم الخدمة للناس وتهيئة الأمن والأمان لهم، فعلينا أن نعتبر مما كان يفعله هؤلاء والمصير الذي آلوا إليه جرّاء ذلك.
نصائح إلى قوات الجيش والأمن والشرطة
أيها الإخوة، إنكم لو تحسنوا المعاملة إلى الناس فلأنفسكم تحسنون وإن تُسيئوا المعاملة- لا قدر الله- فسيكون ضرر ذلك عليكم أنفسكم فإن مقدار الضرر الذي يلحق بالظالم من ظلمه أكثر بكثير من مقدار الضرر الذي يلحق بالمظلوم، وسيأتي ذلك اليوم الذي نقف فيه جميعاً أمام الحق تعالى ونسأل عما كنا نفعل. وأنتم كشرطة ومسؤولين عن النظام والأمن، سستسألون عن شغلكم وعن سلوككم وتصرفاتكم جميعاً، فلا تغفلوا عن الله عزوجل وعن ذلك اليوم الذي لن ينفعكم فيه إلا عملكم الصالح والحسن، فعاملوا إخوانكم وعاملوا الشعب معاملة حسنة، ليشملكم الله برحمته وعناياته. نسأل الله لكم التوفيق والتأييد والنصر، من المفترض أن تكون خدمتكم داخل المدن ولكن الأوضاع الاضطرارية التي تعيشها البلاد جعلت من واجبكم كما الآخرين، أن تلتحقوا بالجبهات لتذبوا عن حياض الإسلام والوطن جنباً إلى جنب مع إخوانكم المرابطين هناك. نسأل الله لكم النصر والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله