بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية التلقين والتكرار في المسائل الأخلاقية
في البداية لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر إلى جميع فئات الشعب وإلى جماهير الأمة على وقفتها المشرفة وتكاتفها في ظل هكذا مرحلة حساسة وقيامها بواجباتها الإنسانية- الإسلامية المترتبة عليها. كما أتوجه بالشكر إلى جميع أفراد قواتنا المسلحة- من جيش وحرس ثورة وشرطة، وقوات تعبئة- على ما تبذله من جهود وتقدمه من تضحيات في الجبهات وفي ظل هكذا ظرف حساس، وذلك خدمة للإسلام وللوطن.
نأمل من الله أن يكتبهم من جنود الإسلام وجنود إمام الزمان (عج). هناك مسائل على قدر من الأهمية بحيث تحتاج معها لأن تتكرّر كثيراً. وهذا ما نلحظه في القرآن والكثير من كتب الأخلاق التي تهدف إلى بناء الإنسان والمجتمعات، حيث نلاحظ أن التكرار فيها جاء متناسباً مع أهمية الموضوع المتناول. فالتكرار في القرآن الكريم كثير جداً. وهناك من يتصور عدم فائدته، مع أنه في الحقيقة لازم وضروري. ومن المسائل المفيدة في بناء الإنسان، هو أسلوب التلقين.
ويمكن للإنسان أن يطبق هذا الأسلوب على نفسه، إذا ما أراد أن يربي فيها بعض الخصال والأمور وذلك من خلال تلقينه لنفسه هذه الأمور عن طريق التكرار، فالمطالب المراد لها التأثير في الإنسان تحتاج إلى التلقين والتكرار لتتعمق وتتجذر أكثر في نفس الإنسان، وهذا ما يفسر لنا تأكيد الإسلام على تكرار الأدعية والأذكار والصلاة كل يوم عدة مرّات وبشكل دائم، إذ أن في تكرار قراءتها تكراراً للنطق بها ولسماعها وبالتالي تكراراً لإستحضار مضامينها الراقية والبناءة مما يزيد في تعميق هذه المضامين وترسيخها في النفس.
فالإنسان الذي يقتصر على السماع فقط، كل ما يفعله إدخال ما يسمع إلى أعماقه في حين أن الذي ينطق بهذه العبارات، في البداية تكون مرتسمة في قلبه ثم بعد ذلك ينطق بها ثم يسمعها ثم يعيد إدخالها ثانية إلى قلبه، وعلى هذا فإن التلقين من الأمور اللازمة والضرورية، ولهذا إذا وجدتموني أحياناً أكرر بعض المسائل المهمة وأكثر من التأكيد عليها وتبيينها، فإنما هدفي من ذلك تلقينكم إياها لأهميتها، فإن بناء الأمة والمجتمع من المسائل الأساسية، وإلا فبدونها لا يمكن لهذه الأمة أن تصل إلى أهدافها السامية التي تتطلع إليها ولهذا على أفراد الأمة أن يكرروا المسائل المهمة ويلقنوا أنفسهم بها حتى تترسخ في نفوسهم- إن شاء الله-.
في بعض الأحيان ومع أن المتكلم أو الكاتب، قد يجيد فيما يقول أو فيما يكتب كأن يكتب كتاباً في التوحيد أو في الأخلاق، إلا أنه لا يعيش في أعماقه معاني ما يكتب أو يقول، فمن الخطباء والمتكلمين من هو بارعٌ في طرح القضايا وتبيينها وفي مختلف الظروف، ومنهم من يبدع في الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله، إلا أن عملهم يكذّب قولهم ويكشف مدى بعدهم عما يقولون ويطرحون، وذلك لأنهم لم يحسنوا تربية أنفسهم وتهذيبها، ولهذا فمن الممكن أن تجد أشخاصاً بارعين في تصنيف كتب الأخلاق ولكنهم لا يتصفون بشيء منها، أو أن يكونوا بارعين في تصنيف كتب التوحيد ولكنهم غافلون عما يكتبون، فالخطيب الغافل عما يقول لن يكون لكلامه ذلك الوقع والتأثير في القلوب مهما كان بارعاً في الخطابة، فكم من الخطباء والوعاظ والكتاب المبدعين في وعظهم وفي أسلوب بيانهم وفيما يكتبون إلا أن الإنسان عندما ينظر إلى أعمالهم يجدها لا تنسجم وأقوالهم، صحيح أن الحكمة ضالة المؤمن أخذها حيث وجدها، وصحيح ما قيل «انظروا إلى ما قيل ولا تنظروا إلى من قال» «1»، ولكن هذا لا يمنع من أن نلقي نظرة على من قال عندما نسمع ما قال، لنرى كيف هو.
ضرورة الدعوة إلى الوحدة
الدعوة إلى الوحدة من أهم ما يحتاج إليه مجتمعنا اليوم. وما لم تعيش مختلف شرائح المجتمع هذه الوحدة في بعديها الفكري والعقائدي وما لم يتخذوا الصراط المستقيم طريقاً ليمشوا فيه، لن يحققوا ما يطمحون إليه. فقد رأيتم كيف استطاع هذا الشعب في فترة من الفترات أن يوحد صفوفه، ويضع بعض المسائل والقضايا جانباً، ليصب اهتمامه نحو هدف واحد وهو إزالة نظام الشاه من الوجود، فقد اجتمعت آنذاك كلمة الجميع على هذا المطلب ولم يكتفوا بمجرد المطالبة بل قرنوا ذلك بالعمل والجهاد والتضحية وكان لهم ما أرادوا. عندما أقول الشعب، أقصد هؤلاء الناس العاديين في الحارات والأسواق والشوارع، والساكنين في جنوب المدينة، فقد كانوا أكثر الناس إضطهاداً ومظلومية، وأكثر الناس فرحاً بسقوط نظام الطاغوت، طبعاً هناك من الناس من آلمهم سقوط هذا النظام ولكنهم لا يشكلون شيئاً أمام هذا السيل العارم والبحر الهائج من الجماهير الناقمة عليه، ولهذا لزموا الصمت ولم ينبسوا ببنت شفة. فهذه الوحدة التي شهدتها الأمة في الهدف والمسير والغاية لم تجتث جذور الطاغوت فحسب بل وجهت ضربة موجعة لكل من كان يدعمه من القوى الكبرى، وجعلت الشاه يفر إلى حيث كان يجب أن يكون بعد أن تخلّى عنه جيشه وجنوده وانضموا إلى صفوف الشعب.
فالوحدة والتوجه إلى الله ونداءات «الله أكبر» هي التي جعلتكم تنتصرون على القوى الكبرى ورفعتكم إلى ذرى المجد والعزة حتى الآن. لذا فإني أوصي جميع الشعب أولًا، وجميع أفراد القوات المسلحة ثانياً، أن يحافظوا على وحدتهم ولا يفرطوا بها، وأن يحافظوا على توجههم إلى الله القادر المطلق ولا يغفلوا عنه، فإننا رغم جميع الانتصارات التي حققناها لا نزال في منتصف الطريق، ويخطئ من يظن أننا وصلنا آخره، ولهذا، علينا إهمال هذه المسائل والتوجه نحو طلب الحياة فلا يزال أمامنا الكثير من العمل لبناء الدولة الإسلامية وتطبيق أحكام وقوانين الإسلام فيها.
ومن المسائل الواجب طرحها في هكذا جمع يضم قادة الجيش وضباط ورؤساء من حرس الثورة، أن لا يغفلوا عن تربية أنفسهم وتهذيبها فتأخذهم هالة القدرة والقوة التي اكتسبوها بعد قضائهم على سلطة الشاه، وتُعمي بصائرهم، فتحرفهم ليمارسوا نفس الدكتاتورية والأعمال الشيطانية التي كان يمارسها الشاه وأزلامه.
هدف الأعداء، إيجاد الإختلاف
هناك من يناصبكم العداء، لأنهم يرون فيكم حرّاساً للإسلام، وتعملون جنباً إلى جنب مع قوات الجيش والشرطة على تطبيقه وإرساء أحكامه في هذه البلاد، وهذا ما لايروق للشياطين من أعدائكم، مما جعلهم يستنفرون كل طاقاتهم وخططهم للكيد بكم. فبعد أن أثبتت الخطط العسكرية فشلها راح هؤلاء يخططون لتفتيتكم من الداخل، من خلال زرع الخلافات بينكم للقضاء على وحدتكم وإنسجامكم، العامل الأساس في قوتكم وانتصاركم. فيسعون لتشويه صورتكم وإسقاطكم من أعين الشعب، ليبعدوا الشعب عنكم ويسلبوكم دعمه وتأييده. فإن خطتهم هذه تقوم أولا: على إضعاف الجيش من خلال تمزيقه وزرع الخلاف ما أمكن بين قادته من جهة وبين القادة والجنود من جهة أخرى، ثم إشعال فتيل الخلاف بين الجيش وقوات حرس الثورة بتشويه صورة كل منهما في عين الآخر. فيذهبون إلى عناصر الحرس فيقولون لهم إن عناصر الجيش غير صادقين في التزامهم بخط الإسلام، ثم يأتون إلى عناصر الجيش فيقولون: إن عناصر الحرس غير منظمين. ولا خبرة لهم في الشؤون العسكرية ومن أمثال ذلك، لا ليقضوا عليكم فحسب بل ليقضوا على أساس الإسلام، فالذي تبين مؤخراً لهؤلاء أن العامل الأساس في إندحارهم وهزيمتهم، والعامل الأساس في توحيد مختلف فئات الشعب وتشكيل هذا السيل الجارف من الجماهير هو الإسلام.
فهدفهم الأساسي هو ضرب الإسلام، لذا فعلينا جميعاً من عسكريين ومدنيين ورجال دين وجامعيين وعمال وفلاحين ... أن نكون حراساً للإسلام وحماة له. فالإسلام اليوم أمانة في أعناقنا علينا أن نحفظه ونصونه كما نستطيع تسليمه للأجيال القادمة.
مسؤولية الجميع إمام الإسلام
لو تعرض الإسلام اليوم- لا قدر الله- لأي ضرر أو أذى، فإن وزر ذلك في أعناقنا جميعاً دون إستثناء «كلكم راع وكلكم مسؤول» فجميعنا مسؤولون، وكل الأمة مسؤولة وعليها مراعاة ذلك الحكم الإسلامي، فللإسلام حقٌ علينا وعلى الإنسانية جمعاء، فعلينا أن نحرسه ونصونه من أن يمسه سوء، فإنها مسؤوليتنا جميعاً، وكلنا مسؤولون أمام الحق تعالى في ذلك.
- لا قدر الله- لو نشبت خلافات في صفوف الحرس ووقعت أعمال تضر بمصلحة الإسلام وبمصلحة الأمة والدولة الإسلامية، فإن هذا سيستتبع مسؤولية جسيمة، فلا يتصور أحدكم أن عمله مجرد عمل فردي ولن يكون له تأثير على الآخرين والمجتمع، فاليوم لم يعد الأمر كذلك، حتّى دائماً لم يكن كذلك، فعمل الشخص له تأثيره على المجتمع ككل، إذ أن المجتمع ليس شيئاً آخر غير هؤلاء الأشخاص، فعمل كل واحد منكم له تأثيره، فعندما يقوم أحدكم بعمل قبيح فإنه سيؤثر في كل من يراه من الآخرين، وكذلك الأمر إذا قام أحدكم بعمل صالح فسيترك تأثيره على الآخرين أيضاً، وعلى هذا فإن أي عمل تقومون به فيه ظلم أو تعد لحدود الله أو إضرار بمصالح الإسلام والأمة فإنكم مسؤولون، وجميع الأمة مسؤولة، وعلى الجميع أن يحولوا دون وقوعه فكلكم رعيّة، وكلكم راع وكلكم مسؤول. حذار أن تسخّروا السلاح الذي صادرتموه من الظالمين لترتكبوا أنفسكم الظلم، فإنما أصبح النظام السابق ملعوناً ومنبوذاً بسبب أعماله الجائرة وممارساته الظالمة، لا بسبب الشخص الفلاني أو ابنه، فإنما هي اعمالهم التي أبعدت الناس عنهم وجعلتهم لا يستمرون.
الدولة والقوات المسلحة هم خدام للشعب
لا قدر الله أن نكون ممن يقول ولا يفعل، وندعو إلى الوحدة بألسنتنا وعلى منابرنا وفي صحفنا ومجلاتنا ثم يكون عملنا خلاف ذلك. فإنما المنافق من يقول شيئاً ولا يعمل به، يدعوكم إلى الخير والصلاح وهو ليس من الصالحين، يدعوكم للتمسك بالإسلام الحقيقي وهو لا يريده، يدعوكم إلى الاتحاد وهو لا يسعى لإيجاده، يحذركم النفاق وينسى نفسه فعلينا أن نحذر النفاق، ونرص صفوفنا ونوحد كلمتنا مع التوجه الخالص لله تبارك وتعالى.
فعلى السادة الضباط- حفظهم الله ووفقهم- أن يتنبهوا جيداً إلى أن الذي جعل الجيش السابق مكروهاً ومنبوذاً وملعوناً على ألسنة الناس، هو سوء أعماله، واعتماده أسلوب الفرض والإكراه في تعامله مع الشعب، ولهذا عندما تم تطهير الجيش وتصفيته من الفئات والعناصر الفاسدة والمخلّة، واستلم زمام أموره ضباط صالحون مؤمنون بإسلامهم ومحبون لشعبهم وأمتهم، تغيرت تلك النظرة السابقة وبات الجيش مصدر فخر واعتزاز للجماهير والأمة جميعاً. فسابقاً عندما كنتم تمرون أمام الناس بشكل إنفرادي أوجماعي كان الناس ينظرون إليكم خوفاً منكم، وإلا فقلوبهم كانت تقطر كرهاً ونفرة منكم. أمّا اليوم فقلوب جميع الأمة معكم، وقلب الشعب مع القوات المسلحة، فأنتم من الشعب ولستم منفصلين أو غرباء عنه. ولو فصلتم أنفسكم عن الشعب وعدتم إلى ضلالكم القديم، فإن الشعب سيبتعد عنكم وينفر منكم وعندها لن يكتب لكم البقاء والاستمرار، وهذا ينطبق على جميع أجهزة الدولة وأركانها، فإن أي عنصر من عناصر الحكومة أو الجيش أو أي موظف حكومي يستغل منصبه ليفرض إرادته على الناس فهو خارج عن الإسلام، فالقوات المسلحة لخدمة الشعب لا لإكراههم أو فرض إرادتها عليهم، والحكومة والعاملون فيها هم خدامٌ للشعب، وليسوا أسياداً عليه. فإن كنتم تريدون المحافظة على قوتكم والإمساك بزمام الأمور، وأن لا تستطيع أية قوة أن تعيدكم إلى ما كنتم عليه سابقاً- من الذل والهوان والإغارة والعدوان- فعليكم أن تنظروا لأنفسكم على أنكم شيءٌ واحد، لا فرق فيكم بين الجيش والحرس والشرطة وأنكم جميعاً إخوة، وتعملون لأجل غاية واحدة وهي نصرة الإسلام وتقويته، وتطبيق أحكامه وشريعته، الذي في إتباعه خير البشرية جمعاء وسعادتها. إنكم جميعاً تحت لواء الإسلام، تحت لواء التوحيد، وما دمتم ماضين تحت هذا اللواء فلن يتهددكم أي خطر إن شاء الله، وإني إذ أكرر هذه المواضيع وأؤكد عليها كثيراً فإنما ذلك يعود لأهميتها ولضرورة تلقينها بعضنا بعضاً باستمرار فعلى كل واعظ أن يتطرق إلى هذه المواضيع، وعلى كل متحدث أو خطيب أن يواصل التحدث عنها. لا تظنوا أن الآخرين قد تحدثوا عنها بما فيه الكفاية ولم يعد حاجة للتطرق إليها، كلا أبداً، يجب التحدث عنها بشكل دائم يجب أن تمطروا وبشكل دائم، أسماع الناس والأمة وجميع أجهزة الدولة بأمثال هذه العبارات: أن أيها السادة لا تغفلوا عن الوحدة. وتقتصروا على التحدث عنها دون العمل، عيشوا الوحدة عملًا وواقعاً وجسّدواً ذلك في سلوككم. إنكم جميعاً إخوة، والله تبارك وتعالى في كتابه عرّفكم بهذه السمة «إنما المؤمنون إخوة» «2» فإن كانت هذه الخلافات- لا قدر الله- نابعة عن الأهواء النفسانية، فيمكن إزالتها بقوة الإيمان، وإن ذلك الشخص الذي يزرع الإختلاف والفرقة في صفوف المسلمين خارج في واقع الأمر عن المسلمين ولو كان حسب الظاهر يعيش بينهم.
إني أسأل المولى تبارك وتعالى أن يسود الإنسجام جميع أفراد الشعب والحكومة والحرس والجيش وجميع صفوف القوات المسلحة، وأن يوحّد قواهم في وجه القوى الكبرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته