بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة توافق السفارات والسفراء مع الخط الإسلامي
نسأل الله السلامة لجميع السادة، القادمين من الخارج إلى بلدهم، السادة السفراء وأعضاء السفارات، الطلاب الأعزاء في الخارج. على ما أظن، إن إلتزام السادة المقيمين في الخارج أصعب بكثير من إلتزامنا نحن المقيمين في الداخل، وذلك لأن شعبنا مطلع على الموازين والمعايير الإسلامية، وعلى فرض قيام بعض الفئات والأشخاص بأفعال منافية للإسلام فإن الشعب سيدين ذلك ويستنكره، وأمّا من في الخارج فإنهم يقيمون في بيئة غير إسلامية ويعيشون وسط شعوب غير مسلمة، وحتى إن كانوا مسلمين فإن اهتمامهم بمسائل الإسلام ليس كما يجب، ولهذا فإن أي سلوك أو تصرف يصدر عنكم ويكون مخالفاً للإسلام، سيعتبره هؤلاء الجاهلون بالإسلام، من الإسلام، ويكوّنون تصوراً عن الإسلام من خلالكم. فلو كانت سفاراتنا في الخارج لا تزال تعيش الأجواء الطاغوتية أو ما هو قريب منها، فهذا يعني أن الإسلام لم يدخلها أبداً، ومن المؤسف له أن ما وصلتنا حتى الآن من تقارير عن سفاراتنا في الخارج، تدل على أن سفاراتنا ليست إسلامية كما يجب أن تكون، سواء من حيث أماكنها أو من حيث نوع الأفراد الذين يوظفون فيها خصوصاً النساء، أو من حيث سائر الجهات الأخرى. الظاهر أن الكثيرين لم يدركوا بعد معنى أن تكون الجمهورية جمهورية إسلامية. فقد كان سفراء الرسول الأكرم (ص) إلى سلاطين وملوك ذلك الزمان، إذا دخلوا عليهم مزقوا بسيوفهم أردية الحرير أمامهم وذلك كسراً لشوكتهم وتحطيماً لتفرعنهم، فالمسألة للوهلة الأولى تبدو بسيطة، ولكن هذه الحركة بمثابة رسالة يريدون أن يفهموا الطرف المقابل من خلالها ومنذ البداية، من هم وما هو وضعهم وأتباع أي مدرسة ودين، وأن كل هذه الأبهة والعظمة والجلال لا تؤثر فيهم شيئاً. فما أكثر الذين يرتبكون لدى رؤيتهم لشخصية يعتبرونها ذات منزلة عليا، خصوصاً في زمن القوى الكبرى وهذه الخمسين سنة التي مضت علينا فقد كان الولاة وحكام المقاطعات إذا جاؤوا الى مكان ما عاملوا الناس كملوك وأكاسرة، دون أن يقيموا لهم أي وزن، وقد شاهدت ذلك بعيني، عندما جاء الحاكم الجديد لكلبايكان، حيث كانت خمين جزءاً من كلبايكان آنذاك، فقد أمر هذا الحاكم وأمام جمع من تجار السوق الذين جاؤوا لاستقباله، بتقييد رجلي كبير تجار السوق ووضعها في الفلق، مع أن هذا المسكين كان رجلا متديناً ومحترماً ورئيساً للتجار، ولكن هذا اللعين عامله بهذه الكيفية، ليرهب التجار ويزرع الخوف في نفوسهم فيصبحوا رهن إشارته. وهذا ما كانوا يفعلونه أحياناً أمام من كان يذهب للقائهم من الناس المحترمين أو العلماء بأن ينهالوا ضرباً على مسكين آخر على مرأى ومسمع منهم ليفهموهم بأن عليكم الطاعة، ومنذ ذلك الوقت كان الوضع كذلك وربما أسوأ، فما كان يقوم به سفراء الرسول (ص) يعتبر عملا عظيماً على بساطته، يحطمون به ومنذ البداية شخصية ذلك الفرعون. وقد كان آية الله مدرس يتبع هذا الأسلوب في تعامله مع كبار المسؤولين في زمانه. فقد كان من عادة المرحوم مدرس الجلوس في حديقة منزله على سجادة يمدها هناك لتدخين النارجيلة التي كان يعدها بنفسه، وذات يوم دخل عليه والي المنطقة، ربما لا تعرفون ماذا يعني والي المنطقة آنذاك، في اللحظة التي يريد أن يُعد فيها نارجيلته، فاعطاه مدرّس زجاجة النارجيلة وطلب منه أن يملأها ماءً ريثما يعِد هو نار النارجيلة. فهذا العمل على بساطته إلا أنه يضع الطرف المقابل تحت تأثيره، ويساهم في تحطيم تلك الهالة والعظمة التي يحيط بها نفسه ويمنعه منذ البداية من أن يطمع بنا. فلو أن المرحوم مدرس كان قد عامله بتواضع وتخضّع كما كان سائداً في ذلك الوقت، لطمع في أن يفرض عليه ما يريد، ولكن عندما بادره بهذا العمل البسيط والمؤثر، سلبه القدرة على فعل ذلك.
كيفية تعامل السفراء مع مسؤولي الدول الأخرى
بما أن طبيعة عملكم في الخارج تتطلب منكم التعامل واللقاء مع مسؤولي الدول الأخرى، من سفراء ووزراء خارجية وربما رؤساء، فعليكم أن تكونوا على حذر من أن تسيطر عليكم أجواء اللقاء مع مسؤولي الدول الكبرى، كوزير خارجية أمريكا أو الاتحاد السوفيتي، فترتبكون أمامهم، بل عليكم أن تنظروا إلى أنفسكم عندما تلتقوا هؤلاء، على أنكم سفراء وممثلو الدولة الإسلامية التي لا يدانيها أيٌّ منهم قوة وشرفاً (هذا على فرض أن لهم شرفاً) فعليكم ومنذ البداية أن تحافظوا على مكانتكم وسمعتكم.
ومن أهم الأمور التي تقع في دائرة مسؤوليتكم ومسؤوليتنا، مسألة تجسيد قيم الإسلام والثورة من خلال سلوككم وطريقة تعاملكم مع العاملين في السفارة والناس الذين يراجعونها، لإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام، مما يسهم في تصدير ثورتكم إلى البلد الذي تقيمون فيه. فالإلتزام بالقيم الأخلاقية ورعايتها، يسري تأثيره في نفوس الناس، وذلك لأن المسائل الأخلاقية ذات جذور فطرية، ونفوس الناس مجبولة على تقبلها، ففطرة الناس سليمة ولكن طريقة التربية هي التي تفسدها.
إذلال مراكز الظلم والطاغوت بالعمل والأخلاق الإسلامية
عليكم أن تمارسوا دوركم التربوي والتوعوي في البلدان التي أنتم فيها، كما لو أنكم في بلدكم، وأن تصدروا الإسلام إليها وذلك من خلال الإلتزام العملي بتعاليم الإسلام وآدابه وقيمه الأخلاقية، وتجسيد ذلك في سلوككم وتعاملكم مع الناس من حولكم. ومن المسائل الهامة أن يكون لكل سفارة صحيفة أو مجلة تعنى بقضايا الإسلام والثقافة والتربية الإسلامية، وتسلط الضوء على ما حدث في إيران ويحدث الآن، فكما ترون فإن الحملات الدعائية ضد الجمهورية الإسلامية منتشرة تقريباً في كل بقعة من بقاع العالم، سواء من قبل وسائل الدعاية الغربية والمرتبطين بها أو من قبل وسائل الدعاية الشرقية وعملائها. فقد أرعبتهم هذه الثورة، ليس فقط لأنها قضت على مصالحهم ووجودهم في إيران، بل خوفاً من أن تنتقل إلى بلدان أخرى فيلحقهم فيها المصير ذاته. فعليكم في هذه السفارات أن تجتنبوا كافة أشكال البذخ والإسراف الطاغوتي فيما تقيمونه من مناسبات وضيافات وتجنيد هذه المصاريف الزائدة في تبليغ الإسلام وتبيين حقائقه والرد على الدعايات المغرضة وإثبات زيفها وبطلانها، وتبيين الحقائق للناس هناك، من خلال تعريفهم بحقيقة ما جرى ويجري في إيران وإطلاعهم على المبادئ والأفكار والمنطلقات الحقيقية للثورة الإسلامية والإسلام ولا تسمحوا للخوف أن يتسرب إلى أعماقكم، من أننا إذا تعاملنا في سفاراتنا بهذه البساطة، فإن السفارات الأخرى على ما هي عليه من الوضع ستنظر إلينا بعين الإستخفاف، بل عليكم أنتم وبعملكم هذا أن تستخفّوا وتحقّروا مراكز الظلم والطاغوت هذه. لا تظنوا أنكم باعتمادكم البساطة في العمل وكون مبنى سفارتكم مبنى متواضعاً ومركزاً لنشر وتصدير العلم والمعرفة والأخلاق والثقافة الإسلامية، فإنه سينظر إليكم بعين الإستخفاف، كلا أبداً، وما هذا الكلام إلا كلام المتغربين والمتأثرين بالغرب، ممن يرون العزّة والعظمة باتباع الغرب. ونحن الآن لا نريد أن نكون مثل الغرب، أو نعيش التبعية له، ونريد أن نحافظ على استقلالنا وحريتنا، ولهذا ترمقنا أنظار الكثير من الدول، ممن لم تؤثر عليهم الدعاية الأمريكية أو السوفيتية وأذنابهم، بعين الإعجاب والتعظيم. إن عظمة الإنسان ليست بثيابه الأنيقة ولا بسيارته الفارهة، وأمثال ذلك من الأمور، وإنما قيمة الإنسان وعظمته بإنسانيته، التي تمثل جوهر حقيقته، ولهذا كان الأنبياء أعظم بني البشر وأكثرهم تواضعاً وبساطة، وقد كان الناس ينظرون إليهم بعين التعظيم والإكبار مع أنهم كانوا أكثر الناس بساطة في المأكل والملبس والمعيشة، ولقد كانت هذه حال جميع الأنبياء والتاريخ يشهد على ذلك وعلى مدى ما كانوا يتسمون به من البساطة. وقد تجلّت هذه البساطة بأبهى صورها في صدر الإسلام من خلال ما كانت عليه أوضاع ا لحكومة وأمراء الجيش وقادة الجند والكيفية التي كانوا يتعاملون بها مع عامة الناس، لقد كان الوضع على نحو إذا دخل معه غريب إلى مسجد النبي (ص) لم يكن ليميزه عن بقية أصحابه، لأن رسول الله (ص) كان يجلس جنباً إلى جنب مع أصحابه وعلى نفس الحصير الذي كانوا يجلسون عليه دون أن يميز نفسه عنهم بأي شيء. ولهذا كان الغريب لا يستطيع معرفته فيسأل أيّكم رسول الله (ص)، ومع كل هذه البساطة والتواضع كانت عظمته تستحوذ على الدنيا بأسرها، إن عظمة الإنسان بروحه وأخلاقه وإن عظمته بفعله وسلوكه لا بالسيارات الفارهة والحرس الشخصي والخدم والحشم، إن هذه الأمور تهبط بالإنسان عن مقامه الذي يجب أن يكون عليه.
تصدير الثورة بالعمل والأخلاق
عليكم أنتم السادة في السفارات أن تحافظوا على البساطة فيها قدر الإمكان وأن تعاملوا من هم تحت أيديكم من الموظفين معاملة أخوية، على رغم إطاعتهم لكم، لابد أن تعاملوهم معاملة أخوية. كذلك ينبغي أن تكون معاملة ضيوفكم، بحيث يشعر كل قادم بتجسد الإسلام عملياً في سلوككم. فنحن مهما إدعينا بأننا مسلمون وأننا جمهورية إسلامية، فلن يصدقنا أحد ما لم يطابق قولنا فعلنا وما لم نجسد الإسلام في سلوكنا وتصرفاتنا وما لم تكن سفاراتنا سفارات إسلامية. ولابد من ذلك حتى تصدر الثورة إلى البلدان الأخرى فإنه لا يمكن تصديرها بالقوة والإكراه، وهذه مهمتكم التي يمكن إنجازها من خلال سلوككم وكتاباتكم وإصداركم لمجلات فكرية إسلامية مصورة. واعلموا أنه لو سعيتم في تبليغ الثورة الإسلامية من موقعكم وكذلك قام الطلبة الإيرانيون في الخارج بتبليغ الثورة من موقعهم وقاموا بالرد على ما يكتب وينشر في الصحف والمجلات هناك وأثبتوا كذب إدعاءاتهم المغرضة ضد الثورة، فإن عملهم هذا سيسهم كثيراً في تصدير الثورة وتبيين حقائقها.
المسألة الأساسية هي أن نؤمن إيماناً عميقاً بأننا نريد جمهورية إسلامية، وأن لا نكتفي بمجرد القول دون الاعتقاد القلبي بذلك. فلو أردنا الإسلام فلابد لنا من مواجهة كافة أشكال الانحرافات، وأن ننطلق في ذلك من أنفسنا أولًا، فنصلح ما فيها من عيوب ونقائص لأن كل إنسان لا محالة يرى في نفسه نقصاً أو عيباً، ومن لا يرى ذلك في نفسه فإن هذا بحد ذاته نقص. فعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه أولًا فيربيها ويزكيها ثم يعمل على تربية أسرته والمحيطين به. فعليكم أن تبدأوا بتربية أنفسكم أولًا ثم عائلاتكم ثم بعدها يمكنكم تربية الآخرين. كما أنه على طلابنا الأعزاء أن يجسدوا الإسلام قولا وفعلا وسلوكاً وعملًا، بحيث إذا دعوا الناس إلى الإسلام، لم يشعر الناس بمخالفة أقوالهم لأفعالهم، فيصبحون عرضة للإستهزاء من قبلهم، أن هؤلاء يدعوننا إلى أشياء هم أنفسهم لا يلتزمون بها.
التقديم الصحيح للإسلام بالسلوك
على أي حال، أسأل الله تبارك وتعالى لكم جميعاً السلامة والسعادة. فعلى الأمة جمعاء أن يكون سلوكها سلوكاً يعرض الصورة المشرقة للإسلام في الخارج، فإنه لو كان غير ذلك، وكان مخالفاً للموازين والمعايير الإسلامية، حتى وإن كان ذلك من قبل بعض العناصر الفاسدة هنا أو هناك، فإن هذا سيستغله الأعداء لضربنا والنيل من إسلامنا وجمهوريتنا من خلال دعايتهم المغرضة. إن تقديم الصورة المشرقة للإسلام هي مسؤوليتنا جميعاً ولكن بالنسبة للمقيمين في الخارج من سفراء، وعاملين في السفارات والمراكز الثقافية وطلاب في الجامعات والمسلمين بشكل عام سواء الإيرانيين أم غيرهم، يكون ثقل هذه المسؤولية أكبر، فعليكم وفي كل مكان أنتم فيه أن تعملوا على نشر الإسلام والتعريف به، أصحاب الفطرة السليمة والنفوس الصافية سيتقبلوه وشيئاً فشيئاً سيعملون به، وشيئاً فشيئاً تتنقل أفكار ومفاهيم الثورة الإسلامية إلى الخارج. أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعاً وأن يوفقنا للعمل على نشر الإسلام وإعزازه، وأن نكون من جنوده تبارك وتعالى العاملين حتى تسلم وتسعد جمهوريتنا الإسلامية وسائر البلدان الإسلامية وجميع مستضعفي العالم إن شاء الله، أيدكم الله جميعاً ووفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته