بسم الله الرحمن الرحيم
المكانة السامية للعلم في الإسلام
مشكلتنا أننا نواجه أشخاصاً غير آبهين بالمشاكل وباحتياجات الشعب، وبمجرد أن يقال لهم أن المركز الفلاني يجب أن يكون إسلامياً، فإنهم يقولون هذا معناه أنه ليس هناك تخصص.
فهؤلاء يريدون أن يُظهروا للدنيا أن الإسلام مخالف للعلم، مع العلم أن القرآن الكريم أوصى بالعلم والتعلم إلى درجة أنه ربما لا يوجد كذلك في باقي الكتب الأخرى.
فالإسلام موافق بشكل كامل للتخصص وللعلم، اللذين يخدمان الشعب، ويستغلان لخدمة مصالح المسلمين.
وهناك كلام يدّعي بأننا لا نريد متخصصين، وينسبون هذا بشكل إعلامي إلى بعض المؤمنين بأنهم عندما يقولون يجب أن تحدث ثورة ثقافية في الجامعة ويجب أن تكون الجامعات إسلامية، فينتقلون فوراً من هذا ويقولون بأن الجامعات لا تحتاج إذاً إلى طبيب، لا تريد متخصصاً في الطب، لا تريد متخصصاً في الصناعات المتقدمة، فقط يجب أن يذهبوا إلى هناك من أجل تعلم المسائل والأحكام الإسلامية.
فهذا من الأعمال الشيطانية الصادرة ربما من بعض الأفراد والمجموعات وينسبونها إلى الإسلام وإلى الاتحادات الإسلامية، هكذا يتحدثون حول الثورة الثقافية.
فهؤلاء لا يعلمون أن قصدنا هو أنه يجب أن تكون كل المجموعات، وكل المؤسسات وبالخصوص الجامعات التي هي مركز العلم والعقل المفكر في المجتمع، نقول أنه يجب أن تكون إسلامية، لا نقول أننا لا نحتاج إلى متخصصين.
وإن الإسلام يسعى إلى المتخصص في الأحكام العادية، وفي الأحكام الشرعية، ويعتبر رأي الإنسان الأكثر تخصصاً وهو الميزان.
الإعلام السلبي على الإسلام من أجل التبعية للقوى العظمى
ونذكر مسألة أخرى، وهي أن وجعنا هو وجع آخر. والألم أنهم اشاعوا في بلدنا طوال هذه السنين الكثيرة التي دخل الأجانب بلادنا فيها وخصوصاً في الخمسين سنة الماضية وهي عصر البهلوي المظلم، روجوا إعلامياً لكي يرسّخوا فكرة- أن إيران، والإسلام، عاجزان عن مواكبة العلم والتطور- في ذهن شعبنا وشبابنا، فيجب علينا أن تستعين في كل شيء إلى الشرق والشيوعية أو إلى أمريكا والدول الغربية الرأسمالية.
اشاعوا كثيرا حتى نقول أنه يجب علينا في كل شيء أن نكون إما غربيين أو شرقيين من رأسنا حتى قدمينا. عندما كنت في تركيا، رأيت أنهم وضعوا تمثالًا لأتاتورك «1» في بعض الساحات، فرأيته رافعاً يده، قيل إنه رفع يده نحو الغرب، ويريد أن يقول أن كل ما عندنا يجب أن يأتي من الغرب.
ولقد اشاعوا في باقي الدول الإسلامية أنه يجب أن نجلب لكل أمر مستشاراً من الغرب أو من الشرق، وإن العقل الإيراني أصلًا غير لائق لإنجاز عمل ما بشكل إيجابي، حتى الزراعة لا يستطيع إتقانها.
كان هذا برنامجاً قد خطط له وتبعته الحملة الإعلامية الواسعة بحيث أن شعبنا قد صدّقه، فالكثير منّا صدق بأننا لا نملك شيئاً ولا نستطيع أن نملك أيضاً، فيجب علينا أن نذهب إلى الغرب أو نكون في الجهة الغربية حتى يشفقوا علينا ويقضوا ما لنا من حاجات أو يجب أن نذهب إلى الشرق الشيوعي حتى ينجزوا هذا العمل.
والآن هناك عقول أيضاً، تعتبر نفسها عقولًا مفكرة، لم يصدقوا أننا نستطيع أن نكون آدميين. ونحن نُصر على أن الجامعة التي هي العقل المفكر للشعب، يجب أن تبتعد عن التبعيات للشرق أو الغرب ولا يمكن أن تبتعد إلا أن تكون نموذجاً إسلامياً، فهذا لا يعني أن جامعتنا لا يجب أن تحصل على العلم والتكنولوجيا، بل يجب عليها أن تمارس آداب الصلاة فقط فهذه مغالطة فبمجرد أن يتم الكلام عن (الجامعة الإسلامية) وأنه يجب أن تحدث ثورة ثقافية، يبدأون بالصراخ: هؤلاء يريدوننا أن نتجه نحو الشرق أو الغرب بشكل كلي، لأنهم يخالفون التخصص، ويخالفون العلم. لا، نحن لا نخالف التخصص، لا نخالف العلم، نحن نخالف أن نكون خدماً للأجانب. فنحن نقول إن التخصص الذي يجرنا إلى أمريكا أو انكلترا أو إلى الإتحاد السوفياتي أو الصين، هذا التخصص تخصص مهلك، وليس تخصصاً بنّاء.
الجامعة في طريق استقلال البلد وخدمة الشعب
نحن نريد أن تربي الجامعة متخصصين مخلصين للشعب. لا من أجل جرّ الجامعة نحو الشرق أو الغرب. فنحن نريد أن تكون كل دوائر الدولة وكل مكان يتم فيه تأسيس صناعة لكي تتقدم هذه الدولة في الصناعة وفي العلم، نريد هذا العلم وهذه الصناعة وكل شيء لخدمة الشعب، لا لخدمة الأجانب.
فإن ضرر التخصص الذي يكون في خدمة الأجانب أكبر من كل شيء. العلم الذي يجرنا نحو أمريكا أو الاتحاد السوفياتي هو علم مضر، انه علم يجلب الهلاك للشعوب.
إن الأشخاص الذين تربوا في الجامعات السابقة- إلا القليل منهم- إذا لم يضروا البلد (وقد أضروا به)، فلم يكن لهم نفع أيضاً. نريد جامعة في خدمة الشعب، في خدمة إيران، لا جامعة يكون شعارها أننا نريد إيران متحضرة عامرة وتسير نحو بوابة التمدن والحضارة لكننا رأينا ورأيتم أنها في الواقع كانت تابعة من كل النواحي. فنحن في الأساس نخالف هذه الجامعة التي تربطنا وتجعلنا تبعاً للأجانب، أيا كان هذا الأجنبي.
نريد جامعة تخرجنا من هذه التبعية، تحررنا، وتحرر كل البلاد وتخرجها من التبعية.
نحن نريد المتخصص والإسلام موافق للتخصص. فالإسلام على رأس الأديان التي تمجد العلم والتخصص ويدعو الناس لذلك، حتى أنه دعا الناس إلى أخذ العلم من أي شخص حتى ولو كان كافراً، ولكن يجب أخذه ووضعه في خدمة الإسلام والبلد، وليس أن تأخذوا العلم وتستخدموه ضد بلدكم.
نريد جامعة تخلصنا من هذه التبعية الفكرية والعقلية التي هي في مقدمة التبعيات وأكثرها خطراً. نريد أساتذة جامعيين يستطيعون أن يخلصوا عقول شبابنا من هذه التبعية، حيث لا نريدها غربية ولا نريدها شرقية ولا نريدهم يتجهون نحو الغرب حتى يكونوا كأتاتورك وتقي زاده «2».
نريد جامعة بحيث أننا نستطيع بعد سنوات أن نُؤَمِّن كل احتياجاتنا بأنفسنا. فلا نخالف التخصص أبداً وما نخالفه نحن هو تبعية عقول شبابنا للأجانب، للشرق والغرب.
فجامعاتنا إما أنها لم تقدم على أن ترفع هذه التبعية، أو أنها كانت بصدد توثيق هذه التبعية للعقول بالخارج إلا القليل منها.
نريد أنه لو وجد مرض ما، فلا يكون الأمر أن يقولوا يجب أن تذهب حتماً إلى انكلترا أو إلى أمريكا. نريد كما أنه لو مرض أمريكي لا يأتي إلى إيران وإذا مرض انكليزي لا يأتي الى إيران، فإذا مرض إيراني أيضاً نريده أن لا يذهب إلى مكان آخر.
نريد تخصصاً مثمراً للبلاد، ونريد أن لا تكون عقول الشباب والذين على رأس الأمور في البلد تابعة يجب ألا تفكر سوى في الإسلام وفي إيران.
فلسنا مخالفين للتخصص وكذلك الاتحادات الإسلامية أيضاً. فأي اتحاد إسلامي يستطيع أن يكون مخالفاً للتخصص؟ أي اتحاد إسلامي لا يريد أن يكون شبابنا متخصصين في كل الفروع مستقلين؟
الجميع يريدون، ولكن قد رأيتم الجامعات السابقة ونرى أنه وبعد سنوات، سنوات طويلة من وجود الجامعة عندنا، يأتي ذلك الشخص الذي جعل نفسه رئيساً للبلاد وهو ذلك الشاه المخلوع، يُحضر طبيباً وفريقاً طبياً من أجل عملية جراحية وهي (الزائدة الدودية) من الخارج لأحد أقربائه! لأنه كان يعلم بفكره الفارغ أنه جعل إيران تابعة إلى درجة لا يستطيع الإيراني معها أن يقوم بهذا العمل ولو استطاعوا فيجب أن يقوم هو بعمل لكي يفهم الشعب أننا لسنا شيئاً.
فنحن لا نستطيع القيام حتى بعملية (الزائدة الدودية) بعد سنوات من امتلاك الجامعة ووجودها عندنا! فنحن نريد أن نخرج هذه الفكرة من الرؤوس.
فيجب أن يكون الاتحاد الإسلامي في صدد هذا المعنى بحيث يخرج هذه الأفكار من الأذهان لكي يجدوا أنفسهم، بعد أن كانوا قد أضاعوا أنفسهم لقرون. نريد أن يكون لدينا أشخاص مثل (ابن سينا) الذي يُستفاد من كتابه (القانون «3») في أوروبا، لا أن يكون هناك أشخاص لا يعرفون ألف باء المسائل الإسلامية وإذا جرى الكلام سيقولون إن الإسلام لا يستطيع! نريد جامعة تكون بنفس طراز الحوزات العلمية التي لم تكن تابعة للأجانب أبداً، ولو كان لشخص أو شخصين ارتباط لكانا معروفين بشكل فاضح.
نريد جامعة تسير بنفس الطريق التي كانت تسير به الجامعات العلمية القديمة التي لم تكن مرتبطة في أي يوم من الأيام بالخارج. ولو أن أحدهم كان منحرفاً فإنه كان مفضوحاً بينهم. نريد أن يتحقق هذا الهدف.
ضرورة حذر الاتحادات الإسلامية للطلبة في الجامعات
فيما يتعلق بالاتحاد الإسلامي أريد أن أُذكِّر بأمر قد ذكّرت به مراراً ومن الضروري ذكره الآن وهو أن تفتحوا أعينكم وآذانكم حيث أنه من الممكن أن يدخله بعض أتباع الغرب أو الشرق ويقولون لكم بأننا إسلاميون مئة بالمئة ولسنا شرقيين ولا غربيين، في حال أنهم إما شرقيون أو غربيون.
فيجب أن تنتبهوا إلى أنه يجب أن يكون الاتحاد الإسلامي وأعضاؤه بشكل معين، بحيث أنهم قد امتُحِنُوا، وسوابقهم معروفة، وأعمالهم قبل الثورة وبعدها معروفة،- بحيث لا يصيب الاتحاد الإسلامي وضعٌ- لا سمح الله- فيسلب انتباهكم وترون في وقت ما أن الاتحاد الإسلامي قد أصبح يسير نحو الشرق أو الغرب. لقد أوصيت بذلك كل الاتحادات الإسلامية مراراً وتكراراَ.
وهذا الأمر بالنسبة للاتحادات الإسلامية في جامعة (العلوم والتكنولوجيا) أهم من أي مكان آخر، ويجب أن يلتفتوا لهذا الأمر ويتابعوه بكل قدرة وبكل انتباه وتدقيق وتحقيق بحيث لا يوجد في هذه الاتحادات أشخاص منحرفون واعلموا أنهم اليوم لا يستطيعون أن يتكلموا بأي موضوع إلا باسم الإسلام. فهؤلاء المنحرفون يريدون أن ينشروا أفكارهم باسم الإسلام. نفس الأشخاص الذين يعتبرون الإسلام سداً منيعاً في طريقهم وهم مخالفون للإسلام مئة بالمئة، يدخلون هذه الساحة باسم الإسلام. إنهم لا يدخلونه معلنين أنهم غير مسلمين، فخطر هؤلاء كبير جداً. أن خطر هؤلاء الذين يدخلون باسم الإسلام في إدارات الجامعة وباقي المؤسسات باسم الإسلام وهم غير معتقدين به، أكبر من خطر أولئك الذين يصرحون بعدم قبولهم للإسلام لأنهم مكشوفون ومعروفون، فيحترز منهم الناس ولا يشكلون خطراً مهماً.
يجب أن تلتفت هذه الاتحادات الإسلامية وخصوصاً الاتحادات الإسلامية في الجامعات إلى هذا الأمر.
يجب على المكلفين بأمر (الثورة الثقافية) أن يكونوا دقيقين في أعمالهم ويسعوا لكي يجدوا أشخاصاً ملتزمين ويُنهوا عملهم بسرعة بالتشاور فيما بينهم بحيث تفتتح هذه الجامعات بشكل تدريجي إن شاء الله، وأن تكون لنا نحن، لا أن يكون لها اتجاه نحو الخارج أو لليمين أو اليسار.
وأتمنى أن المهتمين بهذه المسألة الأشخاصَ المكلفين بأمر (الثورة الثقافية) فليساعد الأشخاص الذين يعتقدون بالإسلام وببلدهم وليسو أذيالًا للغرب أو الشرق هؤلاء في مهمتهم. وأذكِّر هؤلاء أيضاً كما قلت لهم فيما سبق بأن يدعوا المهتمين بذلك من أجل أن يتحقق هذا الأمر إن شاء الله بسرعة وتصبح لدينا جامعة إسلامية يكون همها أن تخلص هذا الشعب من هذه المشكلات التي يعاني منها حتى الآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته