بسم الله الرحمن الرحيم
مكانة الجمهورية الاسلامية عالمياً
في (اسبوع الحكومة) هذا، لدينا أفراحٌ وأحزانٌ، أحزانٌ لفقد بعض الأعزاء علينا، فقبل اسبوع فقدنا المرحوم عراقي «1» الرجل المؤمن الذي أمضى عمره في خدمة الاسلام، وكنت أعرفه منذ انطلاقة الثورة إذ كان على اتصال دائم بنا. كما فقدنا السيد رجائي «2» الرجل الذي يعرِفُ الجميع مدى ايمانه وتفانيه في خدمة الشعب، فقد كان حقاً معلماً للأخلاق بسلوكه وعمله. وكذلك السيد باهنر «3» الرجل العالم المؤمن والمعلم، وإنه ليؤسفنا ويحزننا جميعاً فقدُ هؤلاء الأعزاء.
وأمّا ما هو مفرح في هذا الاسبوع الذي هو (اسبوع الحكومة) حقاً، هو أن الدولة وكل ما يرتبط بها من أجهزة ومؤسسات، الجيش، الحرس وجميع المؤسسات قد وجدت طريقها إلى الساحة العالمية، يعني أن العالم اليوم يحسب لهذه الجمهورية ولرئيس جمهوريتها ولمجلسها ولجيشها ولجميع مؤسساتها، يحسب لهم حساباً. وأمّا أولئك الذين يعادونها ويترصدونها فقد جربوا كل ما لديهم من خطط ومؤامرات، وحركوا عملائهم في الداخل والخارج وقد فشلوا فشلًا ذريعاً، ببركة يقظة ووحدة هذا الشعب وهذه الحكومة وجميع مؤسساتها. ولا زالوا يمنون النفس باسقاطها حتى تعود لهم استثماراتهم التي فقدوها. والحمد لله أن دولتنا اليوم تنعم بالاستقرار والاستقلال والحرية. ونأمل من الله أن تنطلق أكثرفي هذا الاتجاه.
اسلامية الثورة، الدافع لهذا الحضور الشعبي
والمهم هو هذا الأمر الذي ذكرته مراراً، وهو أن جمهوريتنا جمهورية اسلامية، وشعبنا شعب مسلم، لهذا فإن الشعب سيبقى موالي للحكومة ورئيس الجمهورية والمجلس والجيش والحرس ماداموا هم محافظون على توجههم الاسلامي، فلولا اسلامية الثورة ما كان الانتصار ليتحقق، ولا يمكن لأي دافع آخر غير الاسلام أن يوحّد هذا الشعب ويرص صفوفه، لأنه شعبٌ مسلم. فعندما طرح الاسلام كأساس لهذه الثورة، نَشِطَ أكثر علماء الدين في التبليغ لها واستقطاب الناس وزجهم في ساحات المواجهة، والشعب بدوره استقبل ذلك بالترحاب وكل ما شهدناه حتى الان من تضحيات هذا الشعب كان بوحي من الاسلام وليس شيئاً آخر. حتى مسألة القومية التي طرحها البعض واعتبرها الاساس أولًا ومن ثم الاسلام، حتى هذه لاتستطيع أن تدفع الناس للتضحية والتوق للشهادة كما يفعل الاسلام.
عدم تعاون الشعب مع الحكومات الدكتاتورية
وقد قلت مراراً وأعود لأقول ثانية. تفانوا في خدمة هذا الشعب الذي قطع أيدي المجرمين عن هذه البلاد وأودعها أمانة في أيديكم، انكم الآن تسلمتم أمانة كبيرة من هذا الشعب، ورعاية حق الأمانة يقتضي منكم أن تحافظوا عليها بشكل لائق وتسلموها إلى الاجيال والحكومات التي تأتي بعدكم. فما دمتم كذلك بقي الشعب إلى جانبكم سنداً وداعماً لكم، وما دام الشعب معكم لن يصيب هذه البلاد ولن يصيبكم أي سوءٍ او ضرر.
ان أحد العوامل التي تدفع بالمستبدين للتمادي في استبدادهم وتعسفهم هو رؤيتهم أن الشعب لايتعاون أو يتجاوب معهم. طبعاً هناك عوامل أخرى وانما هذا أحدها. أمّا عندما يكون الشعب مع الحكومة وإلى جانبها ينتفي الباعث لأن تمارس هذه الحكومة الاستبداد ضد شعبها. وانما يتجهزون معاً، الشعب والحكومة لمواجهة أي عدوان أو تهديد خارجي. فالدكتاتورية تنشأ عند ابتعاد الشعب عن الحكومة. واستغلال الحكومة للشعب وفرضها عليه التعاون معها. فالأنظمة الشاهنشاهية السابقة كانت على هذا الحال، الشعب يشعر بالنفرة منها، وهي تريد أن تفرض عليه العمل والتعاون معها. ولهذا كانت هذه الأنظمة قائمة على الديكتاتورية، من الشاه إلى الوزراء، إلى المحافظين، وحتى الشرطة والجيش، الكلّ كان ديكتاتوراً على قدر صلاحياته، ولهذا اذا أحسستم يوماً بأنكم تريدون الضغط على الشعب حتى يستجيب لكم ويطيعكم. فاعلموا أن الديكتاتورية بدأت تدبُّ فيكم. وأن الشعب قد ابتعد عنكم. فحب الشعب لحكومته، واستعداده للعمل من أجلها والدفاع عنها طواعيةً. هو العامل الأساس في قوة الحكومة ونجاحها. فلولا خوض الشعب هذه الحرب، أكنتم تستطيعون الاستمرار فيها وتحقيق هذه الانتصارات، فقوات الحرس والتعبئة كلُّها قوى شعبية، حتى الجيش بات اليوم كذلك، ولو كان الجيش كما في السابق لتحقق لصدام ما كان يتوهمه. لأنه كان جيشاً لاتهمه إلا المصالح الفردية، وخالٍ من أي دافعٍ اسلامي، ولذلك بمجرد دخول هؤلاء كان سيفر ويتخلى عن الدفاع. وهذا ما حصل فعلًا وشاهدناه بأم أعيننا، عند نشوب الحرب العالمية. فقد أرادت القوات الأجنبية مجرد العبور من أراضينا دون أن يكون لها شأن بنا. ومع هذا وبمجرد وصولها إلى الحدود، فرّت جميع قوى الجيش وحتى الدرك. وقد شهدت بعيني كيف كان قادة الجيش وضباطه يحزمون حقائبهم للفرار من طهران، إلى أين كانوا يريدون الذهاب لا أعلم، ورأيت كيف كان جنودهم يخرجون من ثكناتهم العسكرية ليبحثوا عن شيء يأكلونه. كل ذلك لأن الشعب لم يكن مع الحكومة، بل كانوا يشكرون الله على أنه منّ عليهم بذهاب رضا خان ومجيء هؤلاء الاجانب، الروس أو الامريكان أو الانكليز إلى هنا. لقد كان الوضع على هذا النحو. وقد رأيتم كيف نزل الناس إلى الشوارع وأقاموا الأفراح ابتهاجاً بذهاب محمد رضا وزوال حكمه، لدرجةٍ ظنّ معها الراغبون بعودة السلطنة. وقد قالوا ذلك بالأمس أن ايران بأسرها تريد السلطنة وانما خرجت لتعبر عن فرحتها بتسلّم جلالة الشاه (رضا الثاني) «4» الحكم. ليقولوا ما يقولونه، فاني أتصور أن هؤلاء الدهاة انما التفوا حول الابن ليسلبوه أمواله. فهم طامعون بما سرقه أبوه من أموال الشعب وأودعه في البنوك له، فهم يتقربون إليه بهذه الحجج ليسلبوه أمواله ثم يتركونه بحال سبيله. والأصلح له أن يذهب وراء الدراسة أو أن يجد له عملًا ما. فإن الشعب حتى على فرض عدم قيام الجمهورية الاسلامية يرفض الحكم الملكي ولايريده، ومن الوهم العيش على امل عودته.
الدعم الشعبي وليد خدمة الشعب
على أية حال ما هو مهم لكم هو التفاني في خدمة الشعب، لا سيما الطبقات المحرومة والفقيرة التي عانت زمناً طويلًا، عليكم أن تقدموا الخدمات لهم وتطلعوهم عليها. وإذا ما وعدتموهم بفعل شيء، يجب أن تفوا بوعودكم. فإنكم إن توفَّقوا لفعل ذلك، وستفعلون ذلك بإذن الله، فإن الشعب بأسره سيكون معكم وإلى جانبكم. ولن يكون هناك أي باعثٍ لبروز الديكتاتورية.
والحمد لله أنكم لستم من الاستغلاليين الراغبين بجمع الأموال وامتلاك القرى والحدائق الغناء، وإن عرضوها عليكم لاتقبلونها، ولايمكنكم قبولها فأعين الناس عليكم وتترصدكم، وأي افراطِ في هذا المجال لن يتركه الشعب يمر دون انتقادِ أو اشكال، وستقعون تحت ضغط انتقاداتهم. ولكنكم لستم كذلك ولا يمكنكم أن تكونوا كذلك. وما دمتم على هذه الحالة سيبقى الشعب إلى جانبكم ومؤيداً لكم، وما دام الشعب معكم وإلى جانبكم لن يصبكم ولن يصيب هذه البلاد أي سوءٍ او ضرر.
تكاتف وتآزر المسؤولين في حل المشكلات
وثاني ما أوصيكم به هو الإخاء فيما بينكم، وزراء، ومسؤولين ورجال دولة، فأنتم تريدون العمل للاسلام، ولاتريدون العمل لأنفسكم، تريدون خدمة هذا الشعب الذي ظلّ محروماً ومظلوماً لسنوات طويلة، ولا تفكرون بملئ جيوبكم، فأنتم لستم من هذا النوع أبداً، وما دام الأمر كذلك فلن يكون هناك ما يدعوللشجار والنزاع بينكم، ان شاء الله، كما أنه غير موجود الآن بحمد الله.
ولكي لا يسيء البعض فهم كلامي، ويظن أني أثرت هذا الموضوع لوجود خلاف قائم بين السادة، أؤكد أن الأمر ليس كذلك، وانما الهدف من هذا الكلام مجرد النصيحة لتجنب وقوع ذلك في المستقبل. وأسأل الله أن يحفظكم جميعاً ويوفقكم كلٌّ في مجال عمله. وأمّا بالنسبة إلى الأخوة الوزراء الذين قدّموا استقالتهم، فإني على معرفة جيدة ببعضهم مثل السيد" عسكر أولادي" «5» فهو كالمرحوم عراقي من الذين كانوا مع الثورة وبذلوا جهوداً طيبة في سبيلها. وإني أراه رجلًا صالحاً ومضحياً. وبعض السادة تعرفت عليهم من خلال عملهم طوال هذه الفترة من عمر الجمهورية الاسلامية أمثال وزير العمل، وما عرفته عنه طوال هذه الفترة أنه رجل صالح وجيد. والأصلح في رأيي هو مافعلوه. اذ ان كانوا يشعرون بأنهم لايستطيعون الانسجام مع هذه الحكومة. فالأفضل لهم أن يتركوا هذا المنصب، ويستلموا منصباً آخر يخدموا فيه هذا الشعب، وليدعوا الحكومة تفعل ما ترتأيه. فالحكومة بحمد الله تسعى جاهدة لإصلاح الأمور، لاسيما الغلاء في الأسعار، وتأمين حاجات الناس الأساسية وخصوصاً السلع الضرورية جداً والتي بدونها تصبح الحياة غاية في الصعوبة. وكلنا أمل بالله أن تحلَّ هذه المسائل وجميع المشاكل والأمور الاخرى بأسرع وقت ممكن. فمشكلة الحرب على أعتاب الحل، ونأمل من الله أن تحسم قريباً. اسأل الله تعالى النصر والتوفيق لكم جميعاً وعلى مختلف الأصعدة. اذكروا الله دائماً ولاتنسوه واعلموا أن الله من وراء الملائكة الكاتبين ناظرٌ ورقيب، ومطلعٌ على سرِّكم وعلنكم، وعلى كلّ خفاياكم حتى مايخفى منها على الملائكة، فإن كل شيء عند الله حاضر، وأنكم ستحاسبون غداً على كل شيء، ونسأل الله تعالى أن يكون حسابنا جميعاً سهلًا يسيراً، وأن نعطي صُحف أعمالنا بيدنا اليمنى، ودمتم موفقين ومؤيدين.
والسلام عليكم ورحمة الله.