بسم الله الرّحمن الرّحيم
القرآن ونبي الإسلام رحمة للبشر
إنني بدوري أبارك هذا العيد الكبير الذي يجب أن يُسمّي عيداً، أكبر عيد إسلامي وأكبر عيد مذهبي أباركه لجميع السادة والشعب الايراني ولجميع الشعوب الإسلامية وللمستضعفين في العالم أجمع.
إنَّ النبيّ الأكرم (ص) خاتم الأنبياء وجاء للبشر بأكمل دين كما جاءبالقرآن الذي نزل عليه بواسطة الوحي. هذا القرآن الذي لا يمكن بهذا اللسان القاصر الحديث عن مجالاته. إنَّ القرآن مائدة واسعة استفادت وتستفيد منه الفئات البشرية كلها منذ الأزل وإلي الأبد. غاية الأمر أن كل فئة لها مسلك خاص بها تستند إليه، فالفلاسفة يستندون إلي المسائل الفلسفيةفي الإسلام، وأهل العرفان يستندون إلي المسائل العرفانية فيه، والفقهاء يستندون إلى المسائل الفقهية والسياسيون يستندون إلى المسائل السياسية والاجتماعية فيه، لكنَّ الإسلام هو كل شئ، والقرآن كل شئ، والقرآن رحمة لكل البشر ونبيّ الإسلام رحمة للعالمين في جميع الأمور.
دعوة القرآن لإزالة الفتنة من العالم
الرحمة في حروب الرسول الأكرم (ص) لم تكن أقلّ من نصائحه. هؤلاءالذين يظنّون أنَّ الإسلام لم يقل (حرب- حرب حتى النصر) إن كان قصدهم أنَّ هذه العبارة غير موجودة في القرآن فقولهم صحيح، وإن كان قصدهم أنَّ الله لم يأمر بأكثر من هذا، فهم واهمون.
فالقرآن يقول:» قاتلوهم حتى لا تكون فتنة «1» «، إنه يدعو البشر كلهم إلى القتال من أجل إزالة الفتنة، يعني (حرب- حرب حتى إزالة الفتنة من العالم). هذا غير الذي نقوله نحن، نحن أخذنا جزأه الصغير، لأنّنا دائرة صغيرة جداً من هذه الدائرةالكبيرة ونقول: «حرب حتى النصر» وهدفنا النصر على الكفر الصدّامي، أو النصر على ... افترضوا أعلى من هؤلاء. إنَّ ما يقوله القرآن ليس هذا، إنّه يقول: «حرب- حرب حتى إزالة الفتنة من العالم» يعني، يجب على الذين يتّبعون القرآن أن يأخذوا بنظر الاعتبار وجوب مواصلتهم القتال ما داموا يقدرون على ذلك حتى تزال الفتنة من العالم. فهذا الأمر رحمة للعالم، ورحمة لكل أمّة في هذا المحيط الموجود، إنَّ حروب النبيّ رحمة للعالم ورحمة حتى للكفار الذين حاربهم، فكونها رحمة للعالم من جهة أنها لو لم تكن في العالم فتنةلعاش في راحة واطمئنان، لو توقف المستكبرون بسبب الحرب عند حدودهم لكانت هذه الحرب رحمةللشعب الذي سيطر عليه ذلك المستكبر. وإنَّ تعامل المستكبر كذلك رحمة إذ هو عذاب إلهي لنا على أعمالنا.
أيّ عمل يصدر عنّا، له صورة في ذلك العالم تعود على الإنسان. ليس عذاب الآخرةكعذاب الدنيا حيث يأتي أفراد الشرطة فيأخذونه ويقتلونه. بل إنَّ نار العذاب تندلع من داخل الإنسان نفسه، أساس جهنم هو الإنسان. وشدّةأيّ عمل يصدر عن الإنسان ومدته، يزيد في شدّةالعذاب ومدّته. لو أنَّ كافراً ركب رأسه وواصل أعماله الفاسدة إلى آخر عمره، فشدّة العذاب الذي يتلقاه أدهى وأمرّ ممّن يُمنعُ ويُقتل في ذلك الحال، ولو أنَّ شخصاً فاسداً يؤخذ ويقتل حين ارتكابه الفساد فإنَّ ذلك من مصلحته إذ لو بقى حيّاً لازداد فساده، وفساده عند ما يزداد، والعمل أس العذاب، وهنا يزداد عذابه، القتل هنا كالعملية الجراحيةالتي تجري من أجل الإصلاح، إصلاح حتى الشخص الذي يحاول تناول سم قاتل ظنّاً منه أنه عصير فاكهة وحلتم بينه وبين تناوله إياه وأخذتموه من يده بالقوة والإكراه وحتى بالضرب فعملكم هذا يكون رحمة له حتى لو ظنَّ هو أنكم سلبتموه طعمته وأزعجتموه لكن الأمر ليس كذلك. لو أنَّ رؤوس الاستكبار يموتون اليوم لكان خيراً لهم من أن يموتوا بعد عشرين سنة، لو قتل اليوم شخص مفسد في الأرض لكان رحمة له باعتباره تأديباً له وليس شيئاً خلافاً للرحمة. النبيّ الأكرم (ص) رحمة للعالمين وكل حروبه التي خاضها والدعوات التي وجّهها كلها رحمة، هذا الذي يقوله: «قاتلوهم حتى لا تكون فتنة» أكبر رحمة للبشر. أولئك الذين يظنّون أنَّ الراحة الدنيوية رحمة، وأنَّ وجودهم في هذه الدنيا والأكل والنوم كالحيوانات رحمة، أولئك يقولون: لا ينبغي أن تكون في الإسلام حدود (شرعية)، لا ينبغي أن يكون فيه قصاص، لا ينبغي أن يقتل فيه الناس. إن اولئك الذين يعلمون جذور العذاب، ويعرفون عذاب الآخرة، يعلمون أنَّ هذا الإنسان الذي قطعت يده من أجل العمل الذي قام به. هذا القطع هو رحمة له. وتظهر رحمته في تلك الدار. فلو أفسد شخص ما فأزالوه من الوجود لكان ذلك رحمة له. لم تكن حروب النبيّ (ص) خلاف الرحمة للعالمين بل هي بالتأكيد رحمة للعالمين. «الجنّة تحت ظلال السيوف»، يمكن أن يعني أنَّ الأشخاص الذين يقتلون في هذه الحرب قد لا يصلون إلى درجة العذاب التي يستحقونها، ويمكن أن تكون رحمة لهم.
انتشار المعرفة هدف الكتب الإلهية والأنبياء العظام
لذلك فإنَّ القرآن والكتاب الإلهي مائدة واسعةيستفيد منها الجميع، غاية الأمر أن كل شخص يستفيد منها بشكل من الأشكال، والهدف الأساس للكتاب الإلهي والأنبياء العظام هو نشر المعرفةو تطويرها. كل الأعمال التي يقومون بها هي من أجل نشر وتطوير معرفة الله الحقيقية. الحرب تُشَنُّ من أجل التطويروالسلم كذلك وهكذا العدالة الاجتماعية تنحو نحو هذا الهدف. لم تكن الدنيا هدفهم الأساسي حتي ينحصر إصلاحهم فيها فالكل يريدون الإصلاح، المذهب الذي لا حرب فيه مذهب ناقص، وإنني أظن أن سيدنا عيسى (ع) لو فسح له في المجال لعمل كما عمل سيدنا موسى (ع) وكما عمل حضرة نوح (ع) تجاه الكفّار. أولئك الذين يظنون أن النبي عيسى (ع) لم يفكر في الحرب مطلقاً بل كان ناصحاً فقط أولئك يطعنون بنبوّة عيسى (ع) إذ لو كان هكذا لَعُلِمَ أنه كان واعظاً، لا نبياً، الواعظ غير النبيّ، النبيّ عنده كل شئ، عنده سيف، عنده حرب، عنده صلح، يعني أنه لم تكن الحرب هدفه الأساسي لأنه يريد رواج الإصلاح في الدنيا، إنه يحارب من أجل أن ينقذ الناس، من أجل أن يخلّصهم من شرور أنفسهم، فوضع الحدود والتعزيرات ليتربّى الناس وليعيشوا في راحة، إننا حين نقاتل اليوم ويهتف شبّاننا: (حرب- حرب حتى النصر)، فإنهم لا يقولون شيئاً مخالفاً للقرآن.
هذه ذرة، هذه رشحة مما يقوله القران. وما يقوله القرآن هو أكثر من هذا، إنَّ الذي نقوله الآن هو ضمن حدودنا، إننا اليوم حين نفترض أننا نقاتل صداماً أو من يؤيدونه، نقوله في هذا النطاق الضيق «حرب حرب حتى النصر».
الجذور القرآنية لشعار: (حرب- حرب حتى النصر)
بما أن نظرة الله تعالى تعود للأوّل والآخر فإنَّ بموجب نظره إلى الآخر يقول: «حرب حتى رفع الفتنة» الهدف المطلوب هو رفع الفتنة، يعني أننا حين ننتصر فقد قلّلنا الفتنة، ولو انتصرنا بدلًا من الآخرين لزال قسم آخر من الفتنة، ولو افترضتم أننا حاربنا الدنيا كلها وانتصرنا فقد حققنا الانتصار في الدنيا كلها في عصرنا الحاضر، والقرآن لا يقول هذا. القرآن يقول: «حرب- حرب حتى إزالة الفتنة من العالم»، لذلك فقد أخطأ فهم القرآن من يتصوّر أنَّ القرآن لم يقل: «حرب- حرب حتى النصر»، لقد قالها القرآن وقال أكثر منها، بل ذهب إلى أبعد منها، وهكذا الاسلام قالها، وهذا رحمة للناس وليس نقمة لهم.
رحمة للناس جميعاً أن يدعوهم الله تعالى للقتال، لا أنه يريد إلحاق الأذى بهم، إنه يريد أن تنالهم الرحمة، يريد أن يتفضل عليهم بتوسيع الرحمة، فعلى هذا لا يجوز إساءة استغلال القرآن، ويقول المعارضون لنظامنا: هذا مخالف للقرآن يقول علماءالبلاط: هذا مخالف للقرآن. أو يقول المعمّمون الذين هم أسوأ من البلاطيين: هذا مخالف للقرآن. كلّا، إنه موافق للقرآن، وإذا قال أحد: لا تقاتلوا الفاسد، فقوله هذا هو المخالف للقرآن. وإذا قال أحد: لا تزيلوا الفتنة بالقتال فهو المخالف للقرآن، وشبّاننا بحمد الله منهمكون بتنفيذ الأمر الذي أصدره الله تعالى في القرآن بمقدار نطاقهم، وبمقدار وسعهم. وأدعو الله تعالى أن يوفقهم لتنفيذ هذا الأمر أكثر فأكثر.
سحق الإنسان باسم حقوق الإنسان
و يوم أمس أو يوم أوّل أمس الذي كان يوم حقوق الإنسان ألقوا كلمات بالمناسبة. هؤلاء الذين يسحقون الإنسان يلقون كلمات يدافعون فيها عن الإنسان وحقوقه، هؤلاء الذين جاءوا من الجهة الاخرى من العالم وأشعلوا النار في هذه المنطقة يتحدثون عن حقوق الإنسان أولئك الذين أساس أمرهم هو التمييز العنصري ولا يقبلون حتى البيض، ويقبلون فقط عنصرهم؛ أولئك هم الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان. أولئك الذين يقولون: لا يجوز أن يكون في الدنيا تمييز عنصري. وكأن الظالم اضحى ينادى للرحمة أكثر من المظلوم هذا الشخص الذي يسحق المجتمع هو الذي يتحدث أكثر من غيره عن حقوق الإنسان.
إنكم تلاحظون في اختطاف الطائرات الذي أدانه كل المسؤولين الإيرانيين، تراهم يقولون إنَّ للمسؤولين الإيرانيين يداً في هذا الشأن. وهذا يدل على ظهور اضطراب في داخلهم. إنهم مضطربون، والمضطرب يختل توازنه، لا يدرون ما يقولون. لو أنَّ طائرة إيرانية كانت قد اختطفت وسُوّي أمرها في بلد آخر لرأيتم ماذا كان يحدث في الدنيا، ولملأ الإعلام العالمي الدنيا ضجيجاً ونعيقاً بأنَّ انظروا كيف أنهي الأمر سلمياً وبالحسنى وكيت وكيت، ولكنَّ عند ما قامت إيران بهذا العمل سكتت الأبواق وقد يقولون أحياناً شيئاً آخر، لكنّ الرئيس الأمريكي يعود فيقول: إنَّ لدينا شواهد- الأمريكان أنفسهم يقولون- يمكن أن نحتمل أو لا نحتمل أنَّ لإيران يداً في هذا الأمر، لكنَّ الأمريكان من جهة أخرى يقولون: إنَ لإيران دخلًا في هذا الأمر، والشواهد على ذلك واضحة. كل هذا التخبّط ناشئ عن اضطرابهم. فالجمهورية الإسلامية وهذه النهضة الإسلامية الشاملة قد ولدت الاضطراب في نفوسهم فصاروا لا يدرون ماذا يقولون متى أرادوا القول. ذلك أنَّ القدرة الإسلامية التي تجلّت قليلًا قد جعلت هؤلاء مضطربين ويلقون الفتنة بهذا الشكل ويفترون هكذا؟ إنهم مشغولون دائماً بالافتراء على الجمهورية الإسلامية، يتحدثون دائماً عن أنَّ إيران لا تحترم حقوق الإنسان ولا تراعيها خلافاً للأماكن الأخرى، حقوق الإنسان في محلها وأمريكا في محلها وزعماء الاستكبار يراعون حقوق الإنسان، وإيران وحدها هي التي لا تراعي حقوق الإنسان. كل هذه الأقاويل يطلقونها بسبب اضطرابهم. إنهم يخافون من الإسلام أن يتقدّم. إنهم يخشون هذا الأمر فلذلك يطلقون مثل هذه الأقاويل، وهذا مما يعزز موقفكم ويقوّيه.
الدعايات المضادة لكم دليل على عظمة النظام الإسلامي
كلما تحدث هؤلاء في أبواقهم ضدّكم، دلّ ذلك على قوّتكم وعلى عظمة الإسلام وعظمة الجمهورية الإسلامية وهذا ما يجب أن يبعث فينا القوة، إنهم ينفخون في أبواقهم هكذا من أجل إضعافنا ولكننا- على العكس من ذلك- نقوي أكثر لأننا نعرف ما هي جذور هذه المسألة. لو كانت إيران ضعيفة في جانب وتشرف على السقوط لما أثاروا كل هذا الصخب والضجيج، ولكنهم يرون أنَّ إيران قد استقرت، كل شئ فيها مستقر وهي تتقدم وتتطوّر، لذلك جُنَّ جنونهم وشرعوا بإطلاق هذه الأقاويل وهذا ما يدعو إلي تقوية معنوياتكم ومعنويات شعبنا ومقاتلاتنا.
مبارك هذا العيد- إن شاء الله تعالى- ببركة هذا اليوم الشريف المصادف لمولد مؤسس الإسلام ومؤسس التوحيد- التوحيد بالمعنى الأسمى- وكذلك مولد ناشر أحكام الإسلام. مبارك لكم ولكل المسلمين والمظلومين، وأيّدكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته