بسم الله الرحمن الرحيم
أهنّئ بهذا العيد السعيد الإسلامي والمذهبي العظيم كل الشعوب المستضعفة ومسلمي العالم والشعب الإيراني الكبير، وأتفاءل خيراً بأن يتم تسلّم منصب رئاسة الجمهورية في مثل هذا اليوم العظيم.
لابد لي في القول أنَّ ما صادف في هذا اليوم تنتظره مسؤوليات عظيمة. فالحكومة حكومة أمير المؤمنين عليّ (ع) فعلينا أن نأخذ وضعها بنظر الاعتبار، وأن يأخذ أعضاء الحكومة ومن في أجهزة الدولة سيرة هذا العظيم بنظر الاعتبار ويروا ماذا يجب عليهم أن يعملوا، وطبيعي أن لا تكون لنا ولأي شخص آخر قدرة عمل شخص كهذا، حيث يروى أنه كتب إلى بعض عمّا له:» ... وأطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ، وفرِّحْ بَيْنَ السُّطُورِ، وقرْمِطْ بَيْنَ الحُرُوفِ «2» ... «، وهذا أمر صادر للجميع، يعني أنه أمر لكل الأشخاص الذين لهم يدٌ في بيت المال يصدره الامام أمير المؤمنين سلام الله عليه في أيام حكومته بهدف الاقتصاد، إنه يتضايق من كتابة خمسة أسطر في الصفحة التي يمكن كتابةعشرة أسطر فيها، وأن يكون القلم الذي كان يستعمل فيه الحبر دقيق الرأس كيلا يصرف الكثير من الحبر، وأن لا تكتب الحروف والكلمات بشكل غير طبيعي كي يقتصد في الأوراق، كما نقل عنه عليه السلام أنه كان يراجع حسابات بيت المال وقد أضاء شمعة يستنير بها فدخل عليه شخص ليتحدث إليه فيما لا علاقة له ببيت المال فأطفأ- عليه السلام- الشمعة وقال: إنها من بيت المال وحديثك خارج عنه.
فماذا نفعل نحن ببيت المال؟ وما هو واجب الحكومة تجاه بيت مال المسلمين؟ فالمسألة ليست مسألة عهد حكومة أمير المؤمنين (ع)، إنه أمر يجري على مدى التاريخ بالنسبة للأشخاص الذين يتكفلون إدارة الحكومة بأن لا يتصرفوا ما أمكنهم ذلك في بيت المال، فدرهم واحد يستوجب الحساب هناك، يجب علينا أن نُعِدَّ جواباً أمام الله تعالى عن الأعمال التي نقوم بها والتصرفات التي نقترفها في بيت المال، فالإسراف له عقوبة والاعتدال فيه ثواب.
انفاق بيت المال في الأمور المتعلقة بمصالح المسلمين
على الحكومات الإسلامية أن لا تصرف بيت المال المسلمين في شأن جلالهم وجبروتهم، بل عليها أن تصرفه فيما ينفع المسلمين، والوزارات حين ترى أن الموظفين مسلمون وأنهم جزء من بيت المال المسلمين وأنهم يتسلمون رواتبهم ويرتزقون منه، وأن الإدارة هي إدارة بيت المال المسلمين حتى في تلك المسائل التي أمر الامام أمير المؤمنين عليّ (ع)، بملاحظتها فعليهم أن لا يستصغروا مسألة بيت المال المسلمين وتعليمات الإسلام إلى الحد الضروري. وفيما يعود إلى الأمور المتعلقة بحفظ الشخصيات في الظرف الذي نمرّ به الآن فهو أمر ضروري إلى الحد المطلوب، وحتى الصحافة عليها أن لا تكتب ما لا فائدة فيه، لاتتلفوا الورق والوقت، على الإذاعة والتلفزيون أن يعلما أنها جزء من بيت مال المسلمين فعليهما أن لا يصرفا أوقاتهما فيما لا يرتبط بمصالح المسلمين فانهما مسؤولان عن ذلك. وعلى الأشخاص وأصحاب الناصب أن يستخدموا من المشاورين والعاملين بمقدار الحاجة والضرورة وليس بالمقدار الذي يحلو لهم، وعلينا جميعاً أن نعلم أنَّ رغباتنا لا نهاية لها، وأن لا نتصور أننا إذا وصلنا إلى هذا الحد فقد بلغنا الكمال، كلّا فعند ما نصل إلى هنا فسنطلب المزيد، فالحكومات الصغيرة اليوم لها متطلّباتها صغيرة، وأهواؤها صغيرة، لكن ليست الأهواء والرغبات محدودة، ومن ثم تزداد رغباتهم ومتطلّباتهم وتزداد أهواؤهم، وعند ما يكون شخص رئيساً لجمهورية ممتدة الأطراف كأمريكا مثلًا والاتحاد السوفيتي أو الهند فإن أهواءه ستمتد وتزداد ولا يقنع بما عنده ولا حدود لرغباته وأهوائه، فطموح الانسان لاحدّ له في كل شيئ، فلا تظنوا أن إنساناً يعيش في مكان ويجد مكاناً آخر أفضل منه فسيرتاح، بل هذا بداية امتداد رغبته في الحصول على مرتبة أعلى ومكان أفضل.
الأهواء النفسية منشأ جميع المفاسد
إنني أقول للسيد رئيس الجمهورية: إن أربع سنوات ونصف وأربع سنوات أخرى تنقضي والحكومات كلها هكذا تنقضي. أمّا ما لا ينقضي فهي الأعمال التي نؤديها حيث إنها ثابتة في سجّلات الله، فما نعمل من خير فمرده علينا وما نعمل من سوء فمردُّه علينا، فكل شيئ من عند أنفسنا وعوده علينا، وهذا هو ردَّ الفعل، فعلى الجميع أن يعلموا أن آفة الإنسان هي هوى النفس وهذا الهوى موجود لدى الجميع وهو مستمدٌ من فطرة التوحيد التي هي فطرة طلب الكمال، فالإنسان يطلب الكمال المطلق من حيث لا يدري، إنه يطلب منصباً وعند ما يحصل عليه يرى أنه ليس هو مطلوبه، فلو جمع العالم كله وأودع بيد الإنسان فلن يقنع به، إنكم تلاحظون أن الجبائرة الذين يتمتعون بقدرات كبيرة يسعون إلى بسط نفوذهم وازدياد قدرتهم أكثر فأكثر ولا يقنعون بالتسلط على الفضاء والأرض والبحار وحتى السماء، فإن لم يستطع الإنسان أن يحدّ من أهوائه ورغباته فإن هذا الجموح الذي لا تحدّه حدود سيؤدي به إلى الفناء، فيجب الحدّ من هذا الجموح وتجب السيطرة على النفس في كل الأمور، فعلى الإنسان أن يلاحظ مصلحة الإسلام في تمشية الأمور كلها وعلى المسؤولين أن يأخذوا ما فيه مصلحة الإسلام والشعب المسلم بنظر الاعتبار ويحدّوا من أهواء أنفسهم التي هي منبع الفساد كله، وعليهم أن لا يتصوّروا أننا ما دمنا نريد هذا فلنكتف به، كلّا، فلا شيئ كافٍ للإنسان. فقلب الإنسان يطلب القدرة المطلقة، يعني قدرة الله، ويريد أن يفنى فيها وهذه لا حدود لها، ولسنا نفهمها لأننا غير مطّلعين عليها، ولذلك نظن أننا نريد هذه الأشياء، وأكثر أنواع العذاب التي يعاني منها الإنسان هو أنه لا يدري ما يريد، فهذه الأيام المعدودة زائلة، وهذه الرئاسات زائلة، وأنَّ ما يبقى هو ماذا عملنا وما هو موقفنا في محضر القدس الإلهي، فإن أصلحنا موقفنا هذا فقد أصلحنا كل شيئ، وإنني لأتمنّى للجميع وخصوصاً للذين في أيديهم مقاليد الأمور أن تحلَّ هذه المسألة، فإن حُلّتْ فستُحَلُّ كل المسائل الأخرى.
مصلحة الإسلام والبلد فوق كل اعتبار
عليكم أن تتنبّهوا في هذه الحكومة التي لديكم الآن وفي الدورة الجديدة إلى أن الأعمال التي تريدون إنجازها يجب أن تكون كلها لمصلحة البلد والإسلام، يجب عليكم الاهتمام بجعل الجامعات إسلامية فإن صارت الجامعات إسلامية فستحل جميع المسائل المستقبلية، واهتموا باختيار الأشخاص المفيدين للإسلام وضعوا المحسوبيات جانباً واجعلوا الله نصب أعينكم، فلو انحلت هذه المسألة لدى كل إنسان فمسائله الأخرى كلها محلولة.
وفق الله الجميع لسلوك الطريق الإلهي المستقيم والتقدم فيه، هذا الصراط الذي هو كما في الرويات (أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف وأشد سواداً من الليل المظلم) «3»، وفي بعض الروايات أنه (ممدود على متن جهنم) «4»، أي إنه يعبر من داخل النار والنار محيطة به وليست مواجهة له، لا حظوا أنه يجب العبور من هناك، أما في الدنيا فالصراط من هنا وإلى ما لا نهاية، وهذه الصورة تعرض في ذلك العالم بهذا الشكل.
تربية الشبّان على الصراط المستقيم
كونوا مستقيمين في هذا الطريق الذي تسلكونه، وليكن صراطاً مستقيماً لاشرقياً ولاغربياً، وربّوا الشبّان على أن يكونوا مستقيمين وربانيين، أصلحوا الدوائر وكل شيئ وقدّموا الخدمات للشعب المظلوم، هذا الشعب الذي أوصلكم إلى هذا المقام، ولولاه لكنتم الآن إمّا في السجن وإمّا في القبور، فاخدموا أبناء الشعب وعلينا جميعاً أن نخدمهم بكل ما لدينا من قوة.
إن أكبر رأس مال هو التقوى التي حثّ عليها القرآن والحديث وأكّد على وجوب كون الإنسان مُتَّقياً ويراقب نفسه كي لايظلم الناس بلسانه أو بعينه أو بأذنه.
طبقوا العدالة، ولاتطلبوها من الآخرين فقط بل طبقوها أنتم كذلك، لتكن عندكم عدالة في الأفعال والأقوال، قَلّلوا من المراسيم وكونوا خُدّاماً.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم وجميع المسؤولين لنكون خداماً لهذا الشعب، ويوفق الجميع لكسب رضاه في هذا العالم وأن تكون حدود تحركاتهم إسلامية وإلهية، وآمل أن يوفق الله المسوؤلين جميعاً في أعمالهم.
و السلام عليكم ورحمة الله