بسم الله الرَّحمن الرحيم
أهمية أمر الجامعة وحساسيته
قبل كل شيء أشكر السادة الذين تفضلوا بالحضور إلى هنا لأكون في خدمتهم، وينبغي أن أقول بكل ثقة بأنه لا وجود للقلق منذ الآن بشأن الجامعة مع وجود هؤلاء الأعضاء المحترمين في المجلس الثقافي، وأن لا تكون هناك أمور أخرى إن شاءالله، ومع هذا ولأنَّ الأمر مهم جدَّاً ومصير الإسلام مرتبط ببقائه، فعلينا أن نكون حساسين من هذه الجهة دائماً في كل الأمور، ولكنَّ هناك فرق بين الأوقات التي يجب أن يستمر فيها ظهور هذه الحسّاسية كما أنَّ هناك أموراً قابلة للحل، فمثلًا نحن الآن في حال حرب، والحرب ليست أمراً مهماً بل هي أمر يمكن حله ووضعنا فيه جيد والحمد لله، والوضع السياسي واتجاهاته في العالم قابلة للحل أيضاً إن شاء الله وهذه كلها أمور اقتضت أن تكون حساسة أمّا قضية الجامعة فهي قضية فوق العادة فإنَّ المتخرجين فيها إمّا أن يكونوا مخربين للبلاد أو بانين لها والمتخرجون في جامعاتنا إمّا أن يسوقوا بلدنا باتجاه الإسلام وإمّا أن يحرفوه عنه، وهذا ما يمكن أن يتأتى من الجامعة عمله، وإن ما يمكن للحوزة العلمية أن تعمله في هذا المجال هو أمر في غاية الأهمية.
أهمية الهدف في الثورات ومحتواها
في الثورات التي تحصل في العالم أو الانقلابات هناك ثلاثة أمور يجب أخذها بنظر الاعتبار: أحدها أصل الثورة أو الانقلاب، والآخر الهدف من قيامها، والثالث المحتوى، فالثورات ووالانقلابات أو القائمون بها يشبه بعضها بعضاً لكنها تختلف من حيث المعنى إذ المهم هو الهدف والمحتوى، فقد يكون الهدف جيداً والمحتوى شيئاً، وقد يكون المحتوى جيداً والهدف غير جيد، ومن الممكن أن يحاول شخص أن يقوم بعمل يظنّه عمل خير وينوي به الخير ولكنه في الحقيقة عمل سيّء فهذا الشخص إنسان صالح في نفسه ولكن عمله غير صالح. وقد يقوم أشخاص بعمل صالح ولكنَّ هدفهم غير صالح، وقد يكتشف شخص شيئاً حسناً بهدف سيّء، وقد يكون العمل والهدف معاً جيدين وهكذا هي الثورة الثقافية حيث تحوّل الوضع من حال إلى حال آخر، كما كانت ثورة الجمهورية الإسلامية ثورة في كل شيء إذ كانت ثورة شعبية ذات هدف ومحتوى. آمل أن يكون هدف الناس من هذه الثورة هدفاً إلهيّاً، أمّا في الثورات فمن الممكن أن نقوم بثورة فننحّي حكومة ونكوّن لأنفسنا حكومة أخرى ونصل إلى مطلوبنا وليكن ما يكون ولايهمنا ما إذا كان محتوى ثورتنا حسناً أو سيئاً، فإذا كان الهدف من الثورة الحصول على القدرة فهذا أمرٌ قديم ولا يختلف عن سابقه يعني إنه لا فرق بين الحكومة الزائلة والحكومة الحالية فالاثنتان متشابهتان، كما أن الانقلابات التي تحصل في العالم لا يختلف بعضها عن بعض، فقد تحصل نهضة أو انتفاضة من أجل أمر حسن ولكنَّ الهدف ليس إلهيّاً، فمن باب جودة العمل هو أننا نقوم بخدمة لشعبنا فذلك أمر حسن وقد يمدحنا عليه الآخرون، ولكنَّ الهدف هو أن يكون هدف الإنسان في أعماله كلها سواء في تشكيل الحكومة أو في الثورة الثقافية أو في الثورات الأخرى عملًا إلهيّاً، فهذا عمل له قيمته عند الله كالأنبياء (ع)، فقيمة عملهم مرتبط بهدفهم لا بعمق العمل وسعته، فإن تمكنوا من القيام بعمل كثير أو لم يتمكنوا كل ذلك من حيث الهدف أمر واحد بالنسبة لهم يعني أنهم يهدفون في الحالين إلى العمل لله وهم مأجورون في الحالين، فقد يوفق أحدهم ولا يوفق الآخر فليس الأمر بيده ليكون غير موفق.
جعل الجامعة إسلامية إلهية بواسطة الثورة الثقافية
إن ما ينفعكم في الثورة الثقافية وينفع البلد وطلّاب الجامعة هو أن يكون هدفكم السير بالجامعة باتجاه الإسلام وجعلها إلهية، ولا مانع من دراسة أيّ موضوع مفيد يريدون، إلّا أنَّ ما ينفعنا هو أن نجعل ما هو إسلاميٌّ وإن نعمل لله وهذا ما يعود عليكم بالنفع والفائدة سواء وفقتم في عملكم أم لم توفقوا، فإذا كان هدفكم إلهيّاً فمن المسلّم به أنكم ستسعون إلى القيام بعمل جيد، إذ ليس من المعقول أن يكون هدف شخص إلهيّاً ثم يفتح لنفسه باباً وليكن ما يكون بل سيحاول القيام بعمل مفيد ومرض لله ولهذا سيكون موفقاً في عمله، فإن لم يتمكن من القيام بعمله فذلك يعود إلى قصور في قدرته أو عدم تمتعه بقدرة كافية فهو صاحب القدرة عند الله متشابهان.
قيمة الهدف الإلهي
إن ما له لدى الإنسان قيمة إنسانية وروحانية وإلهية هو أن تحافظوا على هدفكم الإلهي الذي هو العمل لله، فإذا أردتم تربية الأطفال، فليكن ذلك لله، وإن أردتم تربية الشبّان فليكن ذلك لله وإن أردتم تربية الشعب فليكن ذلك لله، وإن أردتم الحكم فليكن ذلك لله كما حكم الأنبياء (ع)، فموسى كان حاكماً والنبيّ كان حاكماً كذلك وعليّ حاكماً أيضاً. ومن جهة أخرى كان أشخاص مفسدون حكاماً أيضاً، وكانت أشكالهم متشابهة إلّا في بعض الجهات وأوضاعهم متشابهة أيضاً، ولو وجد اختلاف فيما بينهم فانما هو في أوضاعهم الجسمية والحيوانية، إن الفرق الموجود بين هؤلاء هو الشيء المعنوي لديهم، والمهم أن يكون الهدف إلهياً بحيث يعود كل شيء إلى الله، وحين أرسل الله الأنبياء لم يكن الحكم الهدف الأصلي من إرسالهم ولا إقامة نظام ولا إيجاد العدالة وإن كان بسط العدالة هدفاً سامياً، فإن أردتم إقامة العدالة لله تعالى فهذا هدف سام، أمّا لو أردتم إقامتها من أجل الشهرة أو من أجل أن يقال: إن فلاناً إنسان صالح وإنه يفعل ويفعل، فهذا ليس بنفعكم. لقد كان هذا الأمر حسناً بالنسبة للناس في قديم الزمان، فبعض الأشياء جيدة للناس وللجامعة، وبعضها جيدة لكم، وبعضها جيدة للطرفين، فلو وفقتم في عملكم فليكن في حسبانكم أن يكون هدفكم إلهياً، لا أن يكون العمل لي شخصياً ولا للشعب بل لله وعند ذلك تكونون موفقين، فلو حصلت موانع في طريقكم عاقتكم عن العمل ولم تستطيعوا أن توفقوا أو لم تكن لكم القدرة على ذلك فالله تعالى يتقبّل منكم ذلك ولا يطلب منكم ما لا طاقة لكم به. بناءً على ذلك يجب علينا المحافظة على الهدف الإلهي، قد يتصدى شخص لدراسة الدرس الإلهي والتوحيد والعرفان ثم يذهب إلى جهنم، وقد يستفيد الآخرون من دروسه ويذهبون إلى الجنة يذهب هو إلى جهنم لأنَّ هدفه لم يكن إلهيّاً، وقد يدرس شخص ليسود على محلته أو مدينته أو بلده أو ليسود على العالم كله، أو قد يدرس شخص لينال الشهرة في محلته أو أو قريته أو مدينته أو غيرها ويعود هذا كله إمّا إلى الأنا أو إلى الله، فلو وضع الإنسان هذه الأنانية تحت قدميه وصار إلهياً لأصلح كل شيء، ويجب أن تكون الأعمال في الأقطار كلها إلهية، وعلى الإنسان أن يفكر في الأمر، وقد يقع أحياناً في الوهم ولكن عليه أن يفكر في نفسه بأنني مسرور من أن هذا العمل الذي أقوم به إنما هو لله، فإن حصل من يؤديه أفضل مني فإنني مستعد لإحالته إليه وأكون مسروراً بذلك ولننظر هل يقوم بالعمل أفضل منّي أم لا؟ فإن لم يكن مستعداً لإحالة العمل إلى من هو أفضل منه تبيّن أن عمله لم يكن إلهيّاً مخلصاً لله، إن ما ينفعنا هو الإخلاص والعمل لله، والله غنيٌّ عن أعمالنا وحتى عن إخلاصنا ولايرغب فيما يرغب فيه الآخرون، وقد أرسل الأنبياء لتربية الناس وإنقاذهم، ونجاة الناس باتباعهم الأنبياء وكون أهدافهم أهداف الأنبياء ذاتها، إننا لا نستطيع أن نجعل أهدافنا عين أهداف أمير المؤمنين ولكنَّ يمكن أن تكون لنا أهداف مشابهة لها.
الهدف الإلهي في عظمة حركة الأنبياء
عليكم أن تتجهوا بالجامعة نحو الله والأمور المعنوية وأن تدرّس فيها مختلف الدروس تقرباً إلى الله فإن استطعتم السير في هذا السبيل وتؤدّوا هذا العمل فأنتم موفقون سواء حققتم هدفكم أم لم تحققوه. أمّا إذا كان العمل من أجل أنفسكم فمن الممكن أن يكون عملًا عاديّاً يكون النفع فيه لغيركم ولا نفع لكم فيه وأحياناً يكون سهمكم الضرر منه والمنفعة لغيركم، وقد تنتفعون به ويتضرّر به الآخرون. ربما أردتم القيام بعمل جيّد فلم يتحقق ذلك بل حصل العكس خلافاً لإرادتكم، فعلينا أن نتذكر دائماً هذا الأمر ونتنبّه له لننال التوفيق في أمورنا جميعها. أنا لا أدّعي أنَّ أمثالي أناس موفقون، كلا، فنحن بني البشر غير كاملين وعلينا أن نواصل الدراسة لنحصل على الكمال، ولقد كان بين الناس مثل هؤلاء الأشخاص، ونحن نعلم أن الأنبياء وأولياء الله كانوا على الأقل هكذا، يعملون من أجل الله وكل عمل قاموا به كان لله لا من أجل الحصول على السلطة والحكم أو شيء آخر، وإن طلبوا الحكم فمن أجل إنقاذه من أيدي الجائرين لا ليكونوا هم الحّكام، يخلصونه من أيدي الجائرين ليقيموا العدالة الإلهية، وبما أنَّ عملهم هذا كان إلهياً خالصاً فقد كانوا هم أنفسهم إلهيين وكانت أعمالهم إلهية كذلك، أما نحن فناقصون ونحن نعترف أمام الله تعالى بأننا نا قصون ولا نستطيع الوصول إلى مثل هذا الكمال والحصول عليه بهذا الشكل ولكنَّ علينا أن نضع هذا الهدف أمام أنظارنا ونسعي لأن تكون أعمالنا من أجل الله، وآمل أن تكونوا موفقين في أن يكون لكم مثل هذا الهدف حتى في الأعمال التي لم تستطيعوا إنجازها وعندها ستنالون تأييد الله تبارك وتعالى، كما رأينا الأنبياء قد قاموا بأعمال عظيمة بأيد خالية. فماذا كان النبي الأكرم (ص) قبل البعثة؟ لقد كان راعياً في مكة وكان الكل يعارضونه ويؤذونه ولكنه كان مؤمناً، ولكنَّ هذا الراعي قد نهض وقام بهذا العمل الجبّار الذي جعل الدنيا بما هي عليه الآن. وهكذا فعل عيسى وموسى عليهم السلام كان كل واحد منهم راعياً كذلك، وكذلك حضرة إبراهيم، لقد كان كل منهم أمّة بذاته، وكانوا يملكون كل شيء وعمدة الأمور كانت نقطة استنادهم إلى الله وكانت تحركائهم لله وسيراً إلى الله تعالى ولذلك كانت أعمالهم كلها إلهية، فتناولهم الطعام كان إلهياً وصلواتهم إلهية وحروبهم إلهية.
إنني آمل أن نتابع هذه المسألة وأنا مطمئن إلى أن السادة موفقون في إنجاز العمل الذي يقومون به إن شاء الله وكونوا حساسين فيه دائماً ولا تتصوّروا في أيّ وقت من الأوقات أنَّ الأمر قد قضي، فالجامعة في وضع تتجه نحوها الانظار الفاسدة لتقتنص أيّ خلاف يحصل فيها ولن يوفقوا إن شاء الله. ويجب أن يكون الإنسان حسّاساً ويقظاً دائماً كي لا يخسر هذا الخندق الذ يتمكن من صنع كل شيء أو تخريب كل شيء أو يتعرض للخلل، وأنا أدعو لكم وآمل أن تكونوا مؤيدين ومنصورين وموفقين وأن تقدموا الخدمات لهذا الشعب خدمات خالصة لله.
والسلام عليكم