بسم الله الرحمن الرحيم
الابعاد المعنوية لضيافة الله
في البدء لا بد لي بعد تهنئة الشعب الإيراني بالعيد، من شكره على تواجده الجيد في الساحة ومشاركته الواسعة في الانتخابات في وقت كانت أيادي كثيرة تسعى للحيلولة دون اجراء انتخابات لائقة وهادئة. غير أنها ولله الحمد أجريت على أحسن ما يرام .. واني اسأل الله تعالى أن يجعل هذا العيد مباركاً على الجميع.
ما أود التحدث عنه هو أحد مقاطع خطبة الرسول الأكرم في استقبال شهر رمضان، حيث يقول صلى الله عليه وآله ان الله تعالى دعاكم لضيافته. أي انكم ضيوف الله تعالى في الشهر المبارك. الله تعالى صاحب الضيافة والمخلوق ضيفه. طبعاً أن مثل هذه الضيافة بالنسبة للأولياء الربانيين الكمّل، ليست بالنحو الذي نتصوره أو الذي ندركه. ينبغي أن نتأمل لنرى ما هي الضيافة وكم خطونا على طريقها. صحيح أن جميع العالم تحت الرحمة الإلهية وان كل ما موجود هو من رحمته، وان رحمته وسعت كل شيء، غير أن باب الضيافة باب آخر. الدعوة إلى الضيافة مسألة أخرى. وان كل ما في هذه الضيافة عبارة عن ترك. ترك الشهوات من قبيل الأكل والشرب والجوانب الأخرى التي تقتضيها شهوات الإنسان .. إن الله تعالى دعانا لدخول دار الضيافة هذه، وهي ضيافة ليس فيها غير الترك، ترك الأهواء، ترك الأنانية، ترك الأماني.
هذا كل ما في هذه الضيافة ولا بد لنا من التأمل لنرى هل دخلنا حقاً دار الضيافة ام لم ندخلها أصلًا؟ هل سمحوا لنا بدخول دار الضيافة ام لم يسمحوا؟ هل استفدنا من هذه الضيافة الإلهية أم لم نستفد؟. طبعاً حساب أمثالي مع كرام الكاتبين، ولكن أقول لكم ايها السادة والى كل من يستمع إلى حديثي هذا، لا سيما الشاب، أقول لهم: هل ذهبتم إلى دار الضيافة هذه؟ هل استفدتم؟ هل غضضتم الطرف عن الشهوات، لا سيما الشهوات النفسية؟ أم أنكم مثلي.
على الشباب أن يتنبهوا إلى أن بوسع المرء إصلاح نفسه في فترة الشباب. فكلما يتقدم العمر بالإنسان يزداد إقباله على الدنيا. الشباب أقرب إلى الملكوت. بينما الشيوخ كلما مضى بهم العمر عرض لهم ما يبعدهم عن الله .. عليكم أن تدركوا بأنكم إذا ما خرجتم من هذه الضيافة فائزين حينها سيكون لديكم عيداً. العيد هو للذي وجد طريقه إلى هذه الضيافة واستفاد منها. ومثلما ينبغي ترك الشهوات الظاهرية، يجب الحؤول أيضاً دون الشهوات الباطنية التي تشكل سداً منيعاً امام الإنسان. إن كل هذه المفاسد التي تحصل في العالم هي لأنهم لم يدخلوا في هذه الضيافة، وإذا ما دخلوا فيها لم يستفيدوا منها. الخطاب عام للناس جميعاً. كلكم دعوتم إلى ضيافة الله. جميعكم ضيوف الله. وهذه الضيافة كلها ترك. فإذا كانت هناك ذرة واحدة من هوى النفس لدى الإنسان، لم يدخل الضيافة. وإذا دخلها لم يستفد منها .. إن كل هذا الصخب والتكالب على الدنيا سببه انهم لم يستفيدوا من هذه الضيافة. لم يلبوا دعوة الله.
اسعوا لتلبية هذه الدعوة. وإذا ما سمح لكم بالدخول ووجدتم طريقكم إليها، سوف تحل كل المسائل. إن قضايانا لم تحل الآن لأننا لم ندخل في ضيافة الله، اننا لم ندخل في شهر رمضان المبارك أصلًا، وانما مجرد تركنا الأكل والشرب، وما كان ينبغي له أن يحصل لم يحصل. فإذا ما سمحت الأهواء النفسية فان فطرة الإنسان فطرة إلهية. الفطرة هي فطرة الله والجميع متجهون إلى الله. ولكن هذا التوجه إلى الدنيا، الذي هو توجه ثانوي واعوجاجي، يحول دون ما ينبغي أن يكون. فإذا رأيتم في الدنيا الحرب والجدال وكان بينكم لا سمح الله نموذج من ذلك، فاعلموا بأنكم لم تدخلوا هذه الضيافة، لم تدركوا شهر رمضان. لقد أقبل عليكم شهر رمضان إلا أنكم رفضتموه، تراجعتم عنه.
الشيطنة لبث الاختلاف
على الرغم من أن الانتخابات اجريت بشكل جيد، غير أن ثمة شياطين كانوا يسعون إلى زرع بذرة النفاق. ففي المناطق الأخرى من العالم عندما تقام انتخابات، فإن الاحزاب والأيادي الخارجية تعمل على تضليل الناس وجرهم إليهم، يطلقون كلاماً كثيراً من أجل اغفال الناس. ورغم أن الانتخابات التي اجريت في بلدنا كانت جيدة للغاية غير أن بعض الأيادي كانت تحاول بث الاختلاف والتفرقة ولكنها لم تنجح في ذلك ولله الحمد. يجب أن تلتفتوا أنتم إلى أن الأعداء يسعون دائماً إلى تآكلنا من الداخل، وإذا ما كنتم دخلتم في هذه الضيافة فسوف تعجز أيادي الأعداء عن فعل شيء. فالإنسان إذا ما أدرك حقاً حقيقة هذه الضيافة، سيجد حلًا لكل المسائل التي تواجهه ويحول دون أي اختلاف. ونحمد الله تعالى بأن شعبنا وعلماءنا أصحاب الوجوه النورانية، قد دخلوا في هذا الشهر المبارك هذه الضيافة إن شاء الله وستظهر آثارها فيما بعد حيث تتجلى في تكاتفهم وتآزرهم ووحدة صفوفهم.
ضرورة التكاتف رغم الاختلاف في المزاجية
طبعاً هناك أكثر من نمط في التفكير، ولا بد من ذلك. فلا ضير من اختلاف الأذواق والامزجة. فمثل هذا الاختلاف لا يشكل عائقاً دون التقارب والتكاتف والتآزر. وقد سبق لي أن ذكرت، لا بد من البحث والنقاش مثلما يفعل طلبة العلوم الدينية، فحينما كانوا يتناقشون ويتباحثون كان المرء يتصور بأنهم يتخاصمون. ولكن عندما ينتهي النقاش يجلسون إلى بعضهم في غاية الودّ والألفة .. إذا لم يكن لدى أي شعب تباين في الميول و الاتجاهات فان ذلك يعتبر نقصاً. لا بد من التباين في االميول والاختلاف في الرأي والبحث والنقاش. ولكن يجب ان لا يكون ذلك مدعاة إلى التناحر والانقسام وخلق العداوة فيما بينهم. ففي الوقت الذي نشكل فئتين وجناحين، نكون اخوة وأصدقاء فيما بيننا. وإذا ما كنا دخلنا الضيافة في هذا الشهر المبارك، فيجب أن تبقى آثار هذه الضيافة إلى فترة طويلة بعد الشهر المبارك.
إن الشهر المبارك هو بمثابة ساعة موقوتة تعمل بصورة تلقائية طالما بقي التوقيت. وان آثار هذه الضيافة يجب أن تحافظ على الإنسان وتصونه حتى الشهر المبارك من العام القادم، وهكذا يبدأ من جديد. وكل ذلك يقتضي أن نكون قد دخلنا في ضيافة الله تعالى، واني آمل أن نكون قد دخلنا هذه الضيافة وان ينعم الجميع هذا العام بالصحة والسلامة والسعادة.
ومن هنا فاني أرى بأن أفضل دعاء لأمثال الرئيس الأميركي وعبيده أمثال صدام، هو بأن ندعو الله تعالى بموتهم. إنه أفضل دعاء لأمثال هؤلاء. وإذا كنتم تكرهونهم فاطلبوا من الله أن يبقيهم لأن كل يوم يمرعلى أمثال هؤلاء تصبح جهنم بالنسبة لهم أشد ألماً وسوءاً. إذ أن درجات جهنم لا حد لها مثلما هي مراتب الإنسان. إن كل يوم يمضي على المرتكبين للمعاصي تصبح جهنم بالنسبة لهم أشد عذاباً وألماً. فإذا أردت أن تدعو لأمثال هؤلاء فلتكن دعوتك بأن يميتهم الله تعالى كي لا تشتد جهنم عليهم. ونسأل الله تعالى أن يوقظنا بمشيئته وان ندرك بأننا لا نعمر سوى أيام معدودة، غاية الأمر نحن السابقون وانتم اللاحقون. فبعد مائة عام لن يكون هناك خبر عن ما يجري الان. فكل هذا زائل وما يبقى هو عمل الإنسان. إن الذي يأخذ بيد الإنسان إلى جهنم أو إلى الجنة هو ذات الإنسان. وإذا مات الإنسان يبدأ العالم الآخر الذي اعدّ له بنفسه، إذ أن كل ما فيه من فعل الإنسان نفسه. فاحرصوا على الإصلاح في هذا الوقت وفي هذه الأيام. ونسأل الله تعالى أن يمنّ عليكم جميعاً وعلى أبناء هذا البلد، بالعافية وبالالتحاق بجواره تبارك وتعالى، وان يوفقكم ويسدد خطاكم ببركة دعاء صاحب العصر سلام الله عليه وأرواحنا فداه ويحقق أمانيكم السليمة حيث أن امنية الجميع الوصول إلى الله وإن كان الإنسان لا يعلم ذلك. امنية الجميع التوجه إلى الله، ونسأل الله تعالى أن يزيل عنا الحجب كي يتسنى لنا جميعاً رؤيته. والسلام عليكم ورحمة الله.