بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى على احد من أبناء الشعب والمسؤولين بأن دوام وقوام الجمهورية الإسلامية الإيرانية رهن مبدأ اللاشرقية واللاغربية، وان العدول عن هذه السياسة يعتبر خيانة للإسلام والمسلمين ويقود إلى مصادرة عزة واستقلال البلد والشعب الإيراني البطل، وعليه يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التمسك بمبادئها وأهدافها الإلهية المقدسة مهما كانت الظروف. وسيحافظ الشعب الإيراني البطل إن شاء الله على حماسه وغضبه الثوري المقدس ولن يتوانى عن اضرام النار الحارقة للظلم ضد روسيا المجرمة وأميركا الناهبة للعالم وأذنابهم حتى ترفرف بلطف الله العظيم راية الإسلام المحمدي الأصيل صلى الله عليه وآله وسلم عالياً في أنحاء العالم ويرث المستضعفون والحفاة والصالحون الأرض.
وفيما يتعلق بمسألة البناء وإعادة الأعمار، فانا واثق من أن قادة البلد وكبار المسؤولين والشعب الوفي والثوري، لن يسمحوا كما في السابق بتحقيق هذا الهدف بقيمة تبعية إيران الإسلامية للشرق أو الغرب. وفي الفترة الأخيرة لجأت بعض الأيادي الخفية والعلنية للشرق والغرب، وبدافع زرع الاختلاف بين انصار الثورة الإسلامية، إلى حيلة جديدة من خلال اتهام المسؤولين الأعزاء وكبار الشخصيات في مجلس الشورى الإسلامي والحكومة وعلماء الدين، بالتفكير والرغبة بالتبعية والعدول عن مواقفهم السابقة، واتهامهم بالتوجه إلى الشرق والغرب. وكذلك من خلال إثارة قضايا مغرضة من قبيل أن الشخصية الفلانية محافظة وأخرى معتدلة وثالثة غربية مساومة، أو أن المسؤول الفلاني أصولي متشدد وآخر راديكالي ثوري؛ هادفة من وراء ذلك إلى سلب ثقة الناس بكبار المسؤولين. ولكن وبعون الله تعالى وبفضل فطنة ووعي أبناء الشعب، لم يعد أي تأثير لمثل هذه الإلقاءات في هذا البلد وقد مني سوقها بالكساد وانحسر مريديها. فالشعب مدرك تماماً بأن قلوب الذين برهنوا طوال مراحل النضال سواء قبل انتصار الثورة وبعده، مدى تمسكهم بالإسلام والثورة وفي هذا الطريق ارتقوا المشانق وعانوا من السجون والاغتيال وفقدوا عافيتهم وناضلوا وقاوموا تعذيب الشاه من أجل الاستقلال والحرية؛ بأن قلوب كل هؤلاء تنبض من أجل الثورة ومكتسباتها ليس أقل من الآخرين، ولن يتخلوا عن نهجهم الأخلاقي والإلهي مطلقاً مهما كان الثمن. وانني انطلاقاً من الواجب أقول للشعب وابناء الثورة الغيارى، حذار من إثارة تساؤلات واشكالات دون الأخذ بنظر الاعتبار المحاذير السياسية وأوضاع البلد الحساسة والمعقدة للغاية، بحيث لو أراد المسؤولون المخلصون التحدث عن حقيقة ما يجري سيضطرون للكشف عن أسرار البلد مما يخلق معضلات جديدة له.
إنني أتابع بدقة السياسة الداخلية والخارجية للبلد، وطالما باقٍ لن اسمح بتغيير المسار الواقعي لسياساتنا، كما أن المسؤولين لا يفكرون بغير هذا ولا يتوقع منهم غير ذلك. واني احذر بعض المسؤولين من التصرف بنحو يخدم أعداءنا ويجعلهم يفرحون مما يصدر من بعض التصريحات وظهور بعض التكتلات الفئوية. واني اتوجه بخطابي لكافة المسؤولين والمتصدين للأمور في مختلف مواقعهم، بأنه يجب عليكم جميعاً السعي لاستئصال جذور التبعية للأجانب من هذا البلد في مختلف المجالات، وسيتحقق ذلك إن شاء الله. وإذا اقتضت مصلحة الإسلام والنظام التزام الصمت فليكن ذلك، لأن أجر السكوت من أجل السير قدماً بأهداف الثورة والإسلام، أكبر بكثير من الدفاع عن اتهام التبعية.
وكما ذكرت من قبل، ان سياسة البناء وإعادة الأعمار وتحديد الأولويات في عملية البناء، تقع على عاتق رؤساء السلطات الثلاث ورئيس الوزراء. وفي هذا المجال ونظراً إلى حجم الدمار الذي لحق بالبلد وضرورة الإسراع في تحديد نهج البناء والأعمار؛ يجب الاستفادة من خبرات وتجارب الجميع لا سيما مجلس الوزراء ولجان مجلس الشورى الإسلامي، حيث الوجوه الملتزمة والمخلصة والمطلعة. فالجميع يدرك جيداً بأن البناء وإعادة الأعمار لا يتحقق إلا في ظل التعاون والتقارب الفكري. ومثلما كان الجميع في زمن الحرب إلى جوار بعض، فاليوم أيضاً مطالبون بالعمل جنباً إلى جنب لإعادة أعمار هذا البلد، وستساهم إن شاء الله المراكز العلمية والجامعية في إنجاز هذه المهمة الوطنية. ولا بد من التذكير بضرورة أن يكون للوزير والجهات المعنية رأياً في اتخاذ القرار النهائي من قبل رؤساء السلطات الثلاث ورئيس الوزراء.
أما ما ينبغي الالتفات إليه في عملية البناء وإعادة الأعمار:
أولًا: على الرغم من أننا واثقون بأن أسر الشهداء والمعاقين والأسرى والمفقودين، ترفض مطلقاً أن يتحدث أحد عن تلبية احتياجاتهم وتوفير الرخاء لهم مقابل تضحيات أعزتهم التي استهدفت رضا الله تعالى والتكامل فحسب، وان تطلعاتهم أسمى من كل هذه الأمور؛ ولكن من مسؤولية أركان النظام تسخير كل الإمكانيات والطاقات لمتابعة الشؤون المعنوية والمادية والأخلاقية والثقافية لهؤلاء الأعزة تذكار الهداية والنور، وبذل كل ما في وسعهم لتقديم الخدمات الصادقة والواجبة لهم. إذ أن كل ما لدى الثورة الإسلامية الإيرانية هو من بركة مجاهدة الشهداء والمضحين. انني على إطلاع بأن الكثير من الأسر العزيزة للشهداء والمعاقين والأسرى والمفقودين، ونتيجة لعزة نفوسهم وعظمة أخلاقهم الكريمة، يتعالون عن مصارحة المسؤولين بمشكلاتهم المعيشية ومعاناتهم اليومية. ونعلم جميعاً أن الغالبية من هذه الأسر وجند الإسلام الأعزاء، هم من الطبقات المحرومة ومن ذوي الدخل المحدود، لأن قلوب المرفهين قلما تتحرق من أجل الثورة، ولهذا فمن واجبنا وقدر استطاعتنا أن نقدر جهود هذه الأسر، ولا أرغب أن يبقى ذلك مقتصراً في حدود المدح والثناء فحسب، وانما يجب منحهم الحوافز والمؤهلات في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولا أجد ضرورة لتذكير هؤلاء الأعزة بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم في الحفاظ على أمانة دماء الشهداء المقدسة، ذلك أن هذه الأسر عملت وتعمل إن شاء الله على صيانة عظمة الشهادة والتضحية.
ثانياً: يجب أن لا يتصور أحد بعد قبولنا لوقف إطلاق النار، بأننا أصبحنا في غنىً عن تقوية البنية الدفاعية والحربية للبلاد وتطوير وتقدم الصناعات التسليحية، بل أن تطوير وتكامل الصناعات الحربية والمعدات التي تعزز من القدرة الدفاعية للبلد، تعتبر من الأهداف الرئيسية والمبدئية. وبالالتفات إلى ماهية ثورتنا علينا أن ننظر بجدية إلى معاودة القوى العظمى وعملائها لاعتداءاتها في أي وقت وفي أية لحظة.
ثالثاً: إن الاهتمام بإعادة بناء المراكز الصناعية يجب أن لا يسيء إلى ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحقل الزراعي، بل يجب الحرص على أولوية هذا الأمر وتقديمه على الأمور الأخرى. وينبغي للجهات المعنية بذل المزيد من الجهد في هذا المجال والسعي إلى إصلاح الأراضي وبناء السدود وتشجيع المزارعين وتربية الحيوانات والاستفادة من الموارد الطبيعية الواسعة أكثر فأكثر، لأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحقل الزراعي سيفضي بالتأكيد إلى الاستقلال وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات الأخرى.
رابعاً: إن أهم عامل في تحقيق الاكتفاء الذاتي وعملية الأعمار، يتمثل في تطوير المراكز العلمية ومراكز الأبحاث وترشيد الإمكانيات، والعمل بنحو واسع وشامل على تشجيع المخترعين والمبدعين والطاقات المتخصصة والملتزمة ممن يتحلون بشهامة محاربة الجهل والتحرر من كابوس رؤية انحسار العلم في الغرب والشرق؛ وبرهنوا على إمكانية تحقيق البلد لاستقلاله. وآمل أن لا يفت في عضد هذه الطاقات العقبات الإدارية ودهاليز البيروقراطية.
خامساً: ضرورة البرمجة والتخطيط على طريق الرخاء بما يتناسب مع الوضع العام للشعب تزامناً مع صيانة الشعائر والقيم الإسلامية كاملة، والابتعاد عن النظرات الضيقة والتوجه المتشدد، ومكافحة ثقافة الاستهلاك التي تعتبر من أكبر آفات المجتمع الثوري، وتشجيع الإنتاج المحلي والعمل على تطوير الصناعات وتوسيع الصادرات والابتعاد عن الاعتماد على تصدير النفط فحسب. وكذلك السماح بحرية الاستيراد والتصدير والتجارة عموماً في ضوء القوانين وباشراف من الدولة فيما يتعلق بالاسعار والكيفية.
سادساً: مراعاة أصول السلامة، والحفاظ على المراكز والصناعات، وإنشاء ملاجئ جماعية لأبناء الشعب والعمال، إذ أن ذلك لا يختص بزمن الحرب وضرورة الاحتياط في مختلف الظروف.
سابعاً: الاستفادة من قوات التعبئة الشعبية العظيمة في عملية البناء وإعادة الأعمار والاعتناء بالمؤمنين بالثورة لا سيما الذين شاركوا في جبهات القتال، وحض الناس على المساهمة في الزراعة والصناعة والتجارة وإعادة أعمار المدن التي تهدمت، والتخلص من احتكار التجارة في الداخل والخارج من قبل أشخاص معدودين من المتمولين والمرفهين، وتعميم ذلك على أبناء الشعب والمجتمع.
ثامناً: الإبقاء على بقايا وإطلال بعض المدن التي دمرتها الحرب بمثابة شاهد حي على همجية أعداء البلد والثورة، وتجسيدا لبسالة المقاومة البطولية لأبناء الشعب، ويعتبر شاهداً عينياً للأجيال القادمة. وبطبيعة الحال أن مثل هذا يجب أن يتم برضا تام من أصحاب المنازل ومن خلال إنشاء مدن مجاورة.
تاسعاً: التأكيد على حفظ المبادئ والقيم الأخلاقية والاجتماعية، وسلامة التجمعات، كي لا تتصور فئة من الانتهازيين عديمي الدين بأن الشعب يقف موقف اللامبالاة حيال نواياهم الخبيثة.
حفظكم الله جميعاً من شرّ النفس الأمارة ومن شرّ الأعداء إن شاء الله، ومنّ على الجميع بشرح الصدر والحكمة والإخلاص في العمل والإيثار في خدمة الخلق. وان بوسع (احمد) «1» أن يخدم الإسلام والشعب بنحو أفضل لو كان حراً، وسيكتفي بالمشاركة في الاجتماعات فقط كي يتسنى له افادتنا بالتقارير الخاصة بالقضايا على وجه السرعة. والسلام على من اتبع الهدى.
11/ 7/ 1367
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
السياسات العامة للنظام الإسلامي في مرحلة إعادة الأعمار
الشعب الإيراني
صحيفة الإمام الخميني ج ۲۱ ص ۱۴۱ الى ۱۴۴
«۱»-السيد أحمد الخميني نجل سماحة الإمام.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378