بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على شبهات الصحف الروسية
كنت أقرأ اليوم ترجمة موضوع نشرته احدى صحف الاتحاد السوفيتي وكان تحت عنوان (الإسلام افيون المجتمع)!!. نحن عندما ندرس نظاماً أو نصاً إسلامياً ينبغي أن نرى ماهية ذلك النظام أو النص هل هو افيون؟! هل يدعو الناس ليناموا ويكسلوا؟! لابد لنا من المطالعة في متون الإسلام وسنده الأول القرآن المجيد، فهو أسمى من كل المصادر. وعلى اولئك الذين يصغون إلى الدعاة الاجانب ألّا يقبلوا أقوالهم بصورة عمياء ومطلقة، فهذا ليس من الفطرة الإنسانية!
إن ما يقولونه بأن (الإسلام افيون المجتمع)، مقولة قديمة وليست جديدة وهم يهدفون من ورائها ابعاد الأمة الإسلامية عن القرآن وعن الإسلام. فمرة يقولون (الإسلام افيون المجتمع) وهذا ما قرأته اليوم. وأخرى يرددون: (الدين افيون الشعوب).
وهنا ينبغي للمرء أن يرى اولًا ما هو أساس هذه المقولة التي يرددونها ويروجون لها؟ ولماذا يجعلها صحفي روسي عنواناً بارزاً في صحيفته. وماذا يهدف من وراء الكتابة في هذا الموضوع وهو في الطرف الآخر من الدنيا؟
إنهم يريدون نهب بلادكم، يجب ان يزيلوا ما يمنعهم عن هذا النهب حتى يستطيعوا انجاز ما يريدونه.
لقد درسوا الإسلام والقرآن وأدركوا أنه لو ارتبط المسلمون بهما فسيلقمون افواه السلطويين حجراً! يقول القرآن: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا)! ( «1») هؤلاء طالعوا فرأوا ما هو القرآن والنصوص الإسلامية، فإذا اطلع المسلمون على هذه النصوص واتحدوا وتمسكوا بالقرآن والإسلام فإنهم سينهون هذا النهب والتسلط!
إذن ما الذي يعملونه كي يبقى تسلطهم على قوته ويستمر هذا النهب؟
يجب عليهم ان يفرقوا بين هذه الأمة والإسلام. وعندما وطئت أقدام الاوروبيين بلاد الشرق وجدوها لقمة سائغة، وقاموا بدراسات لالتهام هذه اللقمة.
وإن كانوا قد تعرضوا إلى بقية الأديان فإن ذلك مقدمة للتعرض للإسلام، وإلا فإنهم غير معنيين الآن بالأديان الأخرى. وهي مقدمة للحطّ من مكانة الإسلام في نظر المسلمين ثم التفريق بين المسلمين والإسلام والغرس في أذهانهم أن الإسلام دين جاء لتنويم المجتمع كي يبتلعه الاقوياء! ولذا بثوا الدعايات ليبعدوا المسلمين عن الإسلام وينفتح الطريق لنهبهم.
وهل ينبغي لشبابنا التسليم والقبول بهذه المقولة لمجرد أنها منشورة في صحيفة أو كتاب او مجلة؛ إن من يقبل بمثل ذلك منحرف عن الفطرة الاسلامية والانسانية التي تطلب لكل فكرة غير واضحة دليلًا فلا تقبلها على علاتها.
النصوص الاسلامية خير دليل على حيوية الاسلام في مواجهة الناهبين
ولذا علينا أن ندرس المصادر الإسلامية- القرآن والسنة- وأن نعرف هل أن القرآن يدعو الجماهير كي ينهبهم الأقوياء المتجبرون والسلاطين، أم أنه على النقيض من ذلك؟
للإجابة على ذلك، يكفي أن نلقي نظرة سطحية على القرآن لنرى كم من آياته تتحدث عن الحرب وآدابها والتحريض عليها، وإلزام المسلمين بالتحرك للقتال وتحديد من يجب مجاهدتهم وهم المشركون؛ ومعرفة ذلك لا يحتاج الى دقة وعلم واسع بل تكفي النظرة السطحية.
حروب النبي- صلى الله عليه وآله- بدأت في الحجاز عندما كان النبي الأكرم في المدينة مع عدد قليل من الأفراد الذين كان قد أعدهم وبنى شخصياتهم منذ كان في مكة؛ فما كان يريده هو تربية الناس، لكن المشركين- أصحاب النفوذ والقدرة- صدوه عن القيام بذلك ولم يدعوه ينشر دعوته في مكة التي بقى فيها سنين عديدة كالسجين، فمكة كانت له كالسجن طوال بقائه فيها مثلما هو حال ايران اليوم بالنسبة لشعبها- ولا أقصد المقارنة هنا-.
وعندما يئس من مكة، او رأى المدينة أفضل لدعوته وأقام علاقات سرية مع أهلها، رحل- صلى الله عليه وآله- اليها حيث لم تمر فترة طويلة على انتقاله الى المدينة حتى بدأت العمليات الحربية بدعوة من القرآن، وهو مصدر الإسلام ودستوره؛ وحاض حروباً كثيرة.
ضد من كانت حروبه؟
هؤلاء يقولون: إن الإسلام افيون الشعوب، ويقصدون أنه جاء لتخدير جماهير الطبقة الثالثة- الفقراء- كي يتسنى للأقوياء نهبهم والاستيلاء على مصالحهم وثرواتهم.
وأكثر من ذلك، يقولون: إن الأقوياء هم الذين أوجدوا الأديان أساساً كي تدعو الجماهير الى عدم مواجهة الأقوياء والتزام الصمت وعدم الاحتجاج على ما ينزلونه بهم من أذى، وبالتالي كي يتمكن الأقوياء من استغلال واستعباد الضعفاء والفقراء.
ولكن لننظر هل يصدق هذا القول على الحروب التي خاضها الرسول الأعظم- فقد تكون ثمة اقوال بلا نقاش ويتحدث عنها القرآن، وهل كان يسعى لتخدير الضعفاء والفقراء! وهل تحالف (صلى الله عليه وآله) مع الأقوياء وهاجم الضعفاء أم على العكس؟
إن كل من يطلع على تاريخ الاسلام يلحظ أن طائفة من الفقراء الذين لم يكن لهم أي مأوى التفوا حول النبي وكانوا يقيمون في صفة المسجد حتى سموا (أصحاب الصفة) وكانوا، كما هو مدون في التأريخ، يتقاسمون التمرة الواحدة بينهم في بعض الحروب فهي كل مؤونتهم .. إذن فالذين إلتفوا حول الرسول الأكرم هم الفقراء والمعدمون والمساكين، وهؤلاء هم الذين فتحوا الحجاز- في عهد الرسول- بفضل تعاليم القرآن الكريم.
ولم يستطع الرسول الأكرم البقاء في مكة فتركها مهاجراً الى المدينة بعد أن أقام علاقات مع أهلها لأنه لم يعد يستطيع انجاز شيء في مكة؛ والذين تجمعوا حوله كانوا الفقراء وليسوا الأغنياء. فكيف تحالف مع الأغنياء لاسكات الفقراء؟!
حروب الرسول ضد الطغاة
إن جميع الحروب التي خاضها كانت ضد مشركي العرب وكانوا طغاة وأقوياء ومحاربين، لكن تعاليم الإسلام والقوة المعنوية التي وهبها لتلك المجموعة القليلة من المسلمين وتربيته الخاصة لهم، جعلت أحدهم يقتل مائة. ذلك إن تعاليم الإسلام تصنع الإنسان الذي لا يرهب شيئاً في مواجهة القوى الطاغوتية، ويجعل ثلاثين منهم يعلنون استعدادهم لمواجهة ستين ألفاً هم طليعة جيش الروم،- وهذا الموقف شهده العصر الإسلامي بعد العهد النبوي-، ولما أثيرت الشكوك حول هذا التعداد القليل على إلحاق الهزيمة بستين ألفاً، ذهب ستون شخصاً أغاروا ليلًا على أولئك الستين ألفاً من الروم وقاتلهم وهزمهم. وكان هؤلاء من الفقراء.
كما ينبغي أن نلاحظ هل أن القرآن- وهو مصدر الإسلام الأول- والإسلام وبنصوصه الأصلية التي لم تمسها أيدي التحريف؛ هل كان يدعو الناس الى الخضوع للأغنياء والسكوت على ما يرتكبه اصحاب النفوذ والأقوياء من سرقات وتجاوز على ثرواتهم، وهل كان يمنيهم بالجنة ثمناً لهذا السكوت.
أم أن القرآن فتح الحجاز وهزم الطواغيت بهؤلاء المعدمين والفقراء الذين لم يكن لكثير منهم مأوى فيضطرون للمبيت في صفة المسجد متقاربين فيما بينهم ولم يكن لديهم ما يقتاتون عليه إلا القليل الذي يعطونه من هنا وهناك او يحصلون عليه، بل كانوا يتقاسمون التمرة الواحدة فيما بينهم. فهل من يفعل هذا مخدر، أم أنك أنت الذي تريد تخدير الآخرين بمثل هذه الادعاءات؟!
إن الذين يصفون الإسلام بالأفيون يريدون إغراق المسلمين في نوم الغفلة وإبعادهم عن دينهم ليتمكنوا من نهب ثرواتهم.
إذن الأفيون هو ذات الادعاء بأن الإسلام افيون الشعوب وليس الإسلام إذ أن إطلاق مثل هذه الادعاءات يهدف الى استغفال الناس وتخديرهم؛ وهذا هو الأفيون الحقيقي وليس الدين الذي جاء به النبي الأكرم وفتح في عهده الحجاز بمجموعة قليلة من الفقراء فنشر القسط والعدل في ربوعها.
هذا ما كان في عهد النبي الأكرم، أما ما كان بعده- صلى الله عليه وآله- حيث إزدادت قوتهم، فقد هزموا خلال القرن الأول من التاريخ الإسلام بل خلال الثلاثين او الخمسة والثلاثين عاماً الأولى منه، الإمبراطورتين الكبيرتين آنذاك- الرومية والفارسية- وفتحوا إيران وبلاد الروم.
فهل جاء الإسلام- والحال هذه- ليدعو الناس للخضوع الى كسرى او سلطان الروم وطاعتهما؟ أم أنه حارب هاتين الامبراطوريتين وهزمهما، لمنعهما من استغلال الفقراء وبهدف نشر العدل في العالم؟!
ورغم هذا يأتي ذاك الدعي ليكتب في الصحيفة- وفي ظل هذه الأوضاع- أن الإسلام افيون!! طبعاً ثمة حالات من الغفلة شهدها التاريخ الاسلامي في مرحلة ما، أما الآن فإن شعبنا وشباننا مطلعون على القرآن ومعارفه، وإن كان البعض- مع الأسف- يصدقون ما يسمعون دون تحقيق ويتبعونه؛ في حين يفترض بالمرء- إذا سمع شيئاً عن منهج معين- أن يدرس الأمر أولًا لمعرفة صحة ما سمع، وصحة ما كتبه- مثلًا- هذا الدعي عن الإسلام. غير أن الإسلام هو الذي منح تلك المجموعة القليلة من الفقراء- الطبقة الثالثة من المجتمع- القدرة على مجاهدة الإمبراطوريات الكبرى، فهزمت امبراطورية الروم والفرس.
وفي وقت كان الفرس يزينون خيولهم بالذهب وأمثاله، جاء هؤلاء الحفاة الحاسري الرؤوس، تتناوب كل مجموعة منهم على جمل او حصان واحد، لأنهم كانوا يفتقرون الى التعداد الكافي من الخيل والجمال والمؤن المناسبة؛ لكنهم كانوا مقتدرين: إذ منحتهم تعاليم الإسلام الأصلية تلك القوة الفائقة، وقد منحهم ذلك الذي جسد حقيقة الإسلام، تلك القوة التي جعلت من أولئك المعدمين الذين كانوا يتخطفهم الناس، يحملون سيوفهم اليوم ويهزمون هاتين الامبراطوريتين.
وفي ذلك الوقت كانت هاتان الإمبراطوريتان تهيمنان على العالم؛ فكيف هزمهما تعداد قليل من العرب المعدمين والصعاليك الذين كانت جيوشهم تفتقد العدة الكافية من السيوف والدروع وسائر المعدات الضرورية؟! لقد انطلق هؤلاء بأيد خالية لكنهم كانوا يتمتعون بقوة معنوية عالية وهبها لهم الإسلام، فلم يكونوا مثلنا ضعاف النفوس والقلوب!! انطلقوا بتلك العدة القليلة والقوة الإلهية والدعامة التي وفرها الإسلام ودعوتهم لهم، وهزموا الإمبراطوريتين العظميين وفتحوا اراضيهما، حيث فتحت ايران وبلاد الروم في وقت لم يمض على ظهور الإسلام ثلاثون عاماً، وامتدت دولة الإسلام الى ذاك الجانب من أفريقيا والى إسبانيا. غير أن المسلمين انفسهم أظهروا فيما بعد تراخياً وضعفاً، وهذه قضية أخرى.
سيرة الرسول وخلفائه
إذن فنحن عندما ندرس مصادر الإسلام الأصلية لانجد فيها أي تأييد لمزاعم من قبيل الإسلام جاء لتسليط السلاطين والأقوياء على الفقراء والضعفاء. لنرى كيف كانت حياة دعاة الإسلام؟ على سبيل المثال، الرسول الأكرم ومن بعده الخلفاء الأوائل- الذين كانوا على نحو آخر- ثم الإمام علي أمير المؤمنين (سلام الله عليه). فهل كانت حياتهم تشبه حياة وعاظ البلاط؟ وهل كان للنبي بلاط أم أنه حارب البلاطات ودمرها؟! هل كان أمير المؤمنين من أصحاب البلاطات أم أنه جاهد سلطة كانت تتستر بالإسلام- مثل سلطة معاوية-، وقتاله (سلام الله عليه) لهذه السلطة هو حجتنا الشرعية على جواز ومشروعية بل وجوب الجهاد الذي يخوضه المسلمون ضد هذه السلطة الفاسدة (نظام الشاه)؟ كما أن حجتنا الشرعية على مشروعية ذلك تستند ايضاً الى عمل سيد الشهداء (الإمام الحسين)- سلام الله عليه-، حيث جاهد (الإمام علي وابنه سيد الشهداء) هذين الرجلين اللذين تسلطا على الشامات. «2»
فلماذا حارباهما وجهزا الجيوش لقتالهما؛ ألم يكونا من المسلمين؟! قد يقول قائل: إن هذا الرجل (الشاه) قد طبع القرآن فهو مسلم!! لكن حجتنا الشرعية على مواصلة الجهاد ضده، واستعدادنا لتقديم آلاف الضحايا في سبيل دفع ظلمه وقطع أيديه عن التسلط على هذا البلد الإسلامي، حجتنا في ذلك هو سيرة الإمام علي وسيد الشهداء (سلام الله عليهما). إن يزيد كان ايضاً سلطوياً وسلطاناً بكل خصوصيات السلطنة، فهو خليفة معاوية؛ فبأية حجة شرعية تمرد سيد الشهداء على سلطان عصره أو (ظل الله) وحيث (ينبغي عدم التعرض للسلطان)! وبأية حجة واجه سلطان عصره الذي كان ينطلق بالشهادتين ويقول: أنا خليفة رسول الله؟!
الجواب هو لأنه كان حاكماً غير شرعياً وكان يريد استغلال الأمة ونهبها والاستئثار بثرواتها لنفسه وأتباعه. ولكن من الذي نهب أكثر هو أم هذا (الشاه)؟! فلابد من اجراء محاسبة بهذا الشأن.
هذا هو حال رجال صدر الإسلام الذين استقوى الاسلام بهم وانتشر على أيديهم، فالنبي الأكرم نفسه حارب الأقوياء وأصحاب النفوذ، كما حارب خلفائه في الصدر الأول السلاطين والمتسلطين؛ كما حارب الإمام علي أمير المؤمنين المتسلطين. فمتى كان هذا الدين أفيوناً ومتى كان هؤلاء أصحاب بلاطات؟!
يقولون: نحن نريد دولة ديمقراطية! فهل كانت الحكومة الاسلامية- ونقصد هنا صدر الإسلام ومصادره الأصلية- حكومة ديمقراطية أم نظاماً متجبراً استبدادياً؟! أعطونا نماذج من الدول الديمقراطية الأولى في العالم، تشابه ما ينقله التاريخ عن الحكم الإسلامي؛ وبعدها قولوا: إن هذا أفضل من ذاك.
الروايات بهذا الخصوص كثيرة، ولكن أنقل لكم نماذج احدها عن حياة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- والآخر عن أمير المؤمنين- سلام الله عليه- وثالث عن الخليفة الثاني. فعندما أراد عمر الذهاب الى مصر- بعد فتحها وتعاظم قوة الاسلام الذي انتشر في كل مكان-؛ كان لديه بعير يتناوب على ركوبه مع غلامه. فكان أحدهما يركبه والآخر يأخذ بزمامه ويقوده فإذا تعب ركبه ونزل الآخر وهكذا؛ وعندما دخل مصر كانت نوبة ركوب الراحلة لمرافقه الغلام، حسبما يروي التاريخ؛ فكان الخليفة! يقود الراحلة والغلام راكباً! واستقبله أهل مصر على هذه الحالة؛ هكذا كان حال الخليفة. ورغم مؤاخذاتنا على عمر، غير أن هذا التصرف تصرف اسلامي. وهو من بركات الاسلام وتجسيد لتعاليمه.
وهكذا كان نبي الإسلام، إذ كان يمتطي الحمار ويردف خلفه شخصاً آخر يشرح له أحكام الإسلام ويعلمه. هاتوا لنا نموذجاً واحداً من هذه الديمقراطيات يشابه هذه النماذج حيث يتعامل سلطان زمانه- الذي كانت رقعة سلطنته تتسع عدة أضعاف عن رقعة إيران أو فرنسا-، هاتوا لنا بسلطان ديمقراطي يتعامل مع خادمه على هذا النحو فيتناوب معه ركوب الراحلة دون أية أبهة.
انظروا كيف يدخل سلطان (ديمقراطي) فاتح دولة مهزمة، ثم قارنوا ذلك مع خليفة يدخل بلداً مفتوحاً مترجلًا وبيده زمام راحلة استقر عليها غلامه الذي كان يتناوب مع الخليفة ركوبها؛ فجاءه أشراف مصر وعظموه جميعاً. فما ذلك إلا من وحي تعاليم الإسلام.
والنبي الأكرم كان يجلس بين أصحابه ويعلمهم ويحدثهم ويبين الأحكام لهم ويقضي بينهم ويقوم بكافة مهامه بنحو إذا دخل الغريب لم يتمكن من التعرف عليه بين الجالسين. فلا يميز الحاكم عن الرعية؛ فلم يكن لديه حتى هذا المقعد الذي أجلستموه عليه، إذ أنه كان يجلس على الأرض وعليها يتناول طعامه؛ وأي طعام بسيط هو؟ هل تتصورون أنهم كانوا يعدون له طعاماً ومائدة متنوعة؟! كلا. كيف كان إدام الإمام أمير المؤمنين الذي كان يحكم دولة تزيد مساحتها على مساحة ايران اضعاف مضاعفة؟ كان طعامه قطعة من خبز الشعير يضعها في جراب ويختم عليها لكي لا تصب عليها ابنته مثلًا شيئاً من الزيت يرطبها قليلًا شفقة عليه. أجل هذا الخبز اليابس هو طعام (الامبراطور) الذي كان يحكم دولة عظيمة، وهكذا كان سلوكه.
اسلوب القيادة لدى الرسول الأكرم
أنقل هنا روايتين بهذا الصدد- نقلتهما سابقاً أكثر من مرة- الأولى عن رسول الله- صلى الله عليه وآله- حيث ارتقى المنبر في أيامه الأخيرة وخطب في الناس وقال: (فمن كان له قبلي تبعة او مظلمة فليتقص مني ...)، ولم يكن لأحد عليه حق، فقام رجل وذكر أن قضيب ناقة الرسول أصاب بطنه في المعركة الفلانية، فقال له: (... قم واقتص مني حتى ترضى ...) فذكر الرجل أن بطنه كانت عارية وطلب من الرسول أن يكشف عن بطنه ففعل، فقبلها الرجل، فكان يهدف من قوله تقبيل بطن الرسول.
أي ديمقراطي وأي رئيس جمهورية عادل! يقوم بمثل هذا العمل؛ أيهم يعطي أحداً من رعيته حق القصاص؟ أين تجدون مثل هذا السلوك في أية دولة من هذه الدول الديمقراطية؟!
هذا هو الإسلام الذي تصفونه بالاستبداد؛ وتلك هي الديمقراطيات الأخرى!
نحن نقول إن بلدانكم ليست ديمقراطية، بل هي إستبدادية.
وإن تنوعت المظاهر، وان رؤساء جمهورياتكم مستبدون غاية الأمر أن العناوين كثيرة جداً لكنها ألفاظ دون محتوى.
الإمام علي أمام القاضي
في عهد سلطنة الإمام علي- سلام الله عليه-؛ وأقول (سلطنة) طبقاً للوصف المتداول الآن وإلا لا ينبغي أن استخدم هذا الوصف، كان حكمه، بالمعنى المتعارف الآن لحاكمة الدول، يشمل الحجاز والعراق وايران والكثير من الأقاليم الأخرى؛ وخلال فترة خلافته رفع عربي يهودي شكوى ضد أمير المؤمنين لدى القاضي الذي نصبه (سلام الله عليه) بنفسه؛ بشأن درع لدى أمير المؤمنين، إذ ادعى اليهودي أنه له؛ فاستدعى القاضي الأمير الذي نصبه للقضاء، فذهب وجلس بين يديه بل وعلّمه- ظاهراً في نفس هذا الموقف- (بعض آداب القضاء) كما نهاه أن يبدي له من الاحترام أكثر من إحترامه لخصمه بل يجب أن يلتزم المساواة في التعامل بين الطرفين اللذين أحدهما يهودي والآخر رئيس دولة مترامية الأطراف تمتد من ايران الى الحجاز ومصر والعراق وغيرها. ثم درس القاضي الأدلة واصدر حكمه ضد أمير المؤمنين!!
إبحثوا في تواريخ هذه الحكومات وكافة الجمهوريات والأنظمة الأخرى، وهاتوا لنا بمثل هذا الموقف الذي يتعامل به رئيس الدولة مع يهودي خاضع لحكمه ومع القاضي الذي هو الآخر من رعاياه؛ وعندها سنقول بأن النظام الإسلامي دون سائر الأنظمة الأخرى.
نحن عندما نطالب بالحكم الإسلامي إنما نتطلع لمثل هذه السلوكيات، نحن نريد حكومة إذا استدعى القاضي رئيسها لبى وحضر على الفور؛ فهل من الممكن أن يقول أحد ل- (صاحب الجلالة) إنك غصبت مالي؟ هل يمكن لأحد أهالي مازندران ان يقول للشاه مثل ذلك؟ وهل يجرؤ القاضي على استدعاء (صاحب الجلالة) حتى في الأوضاع الحالية التي تعلو فيها صيحات الأطفال بالموت للشاه؟ وأنتم تعرفون أي وضع مأساوي كان حاكماً قبل أعوام. ولكنكم ترون في المقابل- في الحكومة الإسلامية- أن القاضي يستدعي رئيس الدولة فيحضر ويحكم القاضي ضده فيسلم لحكمه دون نقاش.
حكومة الإسلام حكومة الشعب
نحن نقول نريد الحكومة الإسلامية؛ وهؤلاء يروجون دعايات تقول بأننا ندعو إلى الفوضى .. فأين الفوضى فيما ندعو اليه؟ نحن نطالب بإقامة مثل تلك الحكومة الإسلامية في إيران- إذا انتصر المسلمون إن شاء الله- وفي جميع البلدان الإسلامية؛ حكومة لا تنهب أموال الناس؛ حكومة تخضع لحكم القانون وترضى به؛ لا أن يكون القانون حاكماً على عامة الناس فيما الأقوياء مستثنون منه. فالاقوياء لا يدفعون الضرائب الآن في إيران ولم يشملهم قانون تقسيم الاراضي حيث ان اراضي (علم) «3»وجميع املاكه لم تزل على حالها حتى امس الاول لانه كان وزيراً للبلاط ورئيساً للوزراء، فكل تلك الادعاءات بدءً من (الإصلاح الزراعي) وانتهاءً ب- (الثورة البيضاء)، إدعاءات خاوية ولعب تضليلية.
الفصل بين الشعب وعلماء الدين، دسيسة الاعداء
لقد تعبت، لكني اقول لكم ايها السادة، ان الدعايات التي روج لها على مدى ثلاثة قرون ابعدت المسلمين عن الإسلام وعزلتهم عن علماء الدين، وقد وصلت الحال ببعضهم انهم كانوا يمنعون من ركوب حافلة النقل في عهد رضا خان .. يقول المرحوم الشيخ عباس الطهراني- رحمه الله- أردت ركوب سيارة اجرة فقال لي السائق: نحن لا نسمح لفئتين بركوب سيارات الاجرة هما رجال الدين والمومسات! اجل هكذا كانت حالنا في عهد رضا خان، وأنتم ترون الحال في عهد هذا (محمد رضا)، فكل هذه دعايات يثيرها الاجناب لعزلكم عن الإسلام وعن علماء الإسلام لكي ينهبوا ثرواتكم دون ان يعترض احد.
ليس لدي الآن وقت والاستعداد الكافي لتفصيل الحديث عن ماهية الذين ثاروا ضد السلاطين- بعد عصر رواد الإسلام الاوائل إلى الآن حيث نحن جالسون هنا- وهل كانوا من المسلمين ام من غيرهم؟! ولكننا نقول لهذا الذي كتب يقول (ان الإسلام أفيون المجتمع)، أليست هذه الانتفاضة التي تفجرت في إيران، النهضة التي انطلقت الأن، نهضة إسلامية؟! لقد انطلقت هذه النهضة الإسلامية ببركة الإسلام، ويضطلع بها المسلمون بما هم مسلمون، وهي بمثابة صفعة إسلامية توجه إلى الاتحاد السوفيتي واميركا .. فهل هي أفيون؟ أنت تقول ان الإسلام أفيون لتثبيط عزائم الشعب كي تتمكنوا بعد ذلك من نهب نفطه وغازه الطبيعي، ولكنك تعلم أنه ليس أفيوناً! وتعلمون أنتم جميعاً بأن الإسلام قوة محركة تقود الناس إلى الرقي والتقدم ومجاهدة الكفار ومحاربتهم! ففي هذا الوقت الذي انتفض ثلاثون مليوناً من المسلمين في إيران وثاروا ضد القوى السلطوية، ويعتبر الإسلام المحرض الرئيس لهم ويهتف الجميع بصوت واحد باسم الإسلام، في مثل هذا الوقت يأتي هذا (التافه) «4» ليكتب: (الإسلام أفيون المجتمع)! عسى ان يقتنع بقوله بعض شبابنا الغافلين.
استيقظوا ايها السادة! أيها الشبان! وتعرفوا على أهداف هذه المخططات، ولماذا يريدون إبعادكم عن الإسلام والاقتراب من المدارس الاخرى؟ إنهم لا يريدون الخير لكم، بل يريدون إفتراسكم ونهبكم، ولكن الاسلام لا يسمح لهم بذلك، وعلماء الاسلام لن يسمحوا لهم بتحقيق اهدافهم.
اسأل الله ان يوفقكم جميعاً ويسدد خطاكم، إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.