بسم الله الرحمن الرحيم
إن شهر محرم لدى المذهب الشيعي هو الشهر الذي تحقق فيه النصر بالتضحية والدماء. ففي صدر الإسلام وبعد رحيل خاتم الأنبياء- مؤسس العدالة والحرية- كان الإسلام في طريقه الى ان يصبح لقمة سائغة في فم الظالمين بما اصطنعه بنو أمية من خرافات، وتداس العدالة بأقدام المفسدين، حتى فجر سيد الشهداء نهضة عاشوراء العظيمة، وأنقذ الإسلام والعدالة بتضحيته، ودمه، وبأعزائه، وأدان حكومة بني أمية، وزلزل دعائمها، وفي عصرنا صار الإسلام ومصالحه في طريقه الى أن تبتلعه الأسرة البهلوية وأسيادها وحاشيتها، ويقضوا على العدالة والاستقلال والحرية بانحرافهم واستبدادهم وبما بسطوه من حجاب الرياء والتزوير.
إن نهضة الشعب الإيراني العظيم التي ازدهرت في الثاني عشر من محرم (15 خرداد) مزّقت حجب التزوير والخداع التي أقامها الشاه، وأصبحت مذابح الشاه وتضحيات الشعب نقطة انطلاق كبيرة في تاريخ إيران، فحصل هذا الشعب على مفتاح خلاص الإسلام والعدالة، وانعقدت نطفة المقاومة الوطنية، واتجهت نحو النمو والتكامل بفضل تربية وتوعية المثقفين، وفي هذه الاثناء كانت التضحيات مستمرة في مجابهة الجرائم والقتل والنهب والسجن والنفي.
وفي 29 محرم 98، إذ كان النمو والتكامل في حالة النضج ظهر مبدأ الانفجار، وفوجئ الشاه وجلاوزته، فانبروا بكل قواهم لقتل ابناء الشعب وجرحه، وخلال سنة كاملة واجهت جرائمهم اللامتناهية مقاومة الشعب العظيمة، وعمت الصدامات بين الجرائم والتضحيات، وفي أثناء ذلك تنامت قوة مقاومة الشعب، وتزلزلت حراب عدو الانسانية والشعب.
وفي نهاية سنة 98 (ه-) وبداية 99 (ه-)، هزمت قوى الشعب جنود الشاه الابليسيين، وزلزلت دعائم الاستبداد، وتصدّت للقوى الكبرى بحيث وقف مفكرو العالم والمحللون متحيرين ومدهوشين أمامها.
فقد انبرى الشاه بكل عظمته الفرعونية، يعظم الشعب، ويظهر عجزه وتوبته بين يديه، فبادر الى تغيير الوجوه، ولكن الشعب بفضل إبائه الإسلاميّ والوطني لم يقبل تلك التوبة، ولم ينخدع بتلك الليونة، ولم يعر ذلك العنف أهمية، وأثبت في التاسع والعاشر (من شهر محرم) 99 (ه-) باستفتائه السلمي المنقطع النظير- الذي كان عديم النظير في التاريخ بشهادة المراقبين في الداخل والخارج- أثبت قوته، وأعلن سقوط محمد رضا بهلوي وعزله مراراً.
وبعد أن رآى الشاه نفسه زائلًا امتدّت يده المجرمة، وبدأت المذابح المتتالية في الجمعة السوداء وما بعدها، وفضح نفسه بين جميع الأوساط، حتى بلغ مؤخراً الذروة في الجرائم في مشهد المقدسة، واضطرنا الى أن نعلن اليوم التاسع والعشرين من شهر محرم يوم حداد عام إحياء لذكرى مذبحة قم الوحشية، ومرور أربعين يوماً على مذبحة الصحن المطهر في مشهد المقدسة، وكذلك اسبوع مذبحة مشهد المقدسة، والمذابح في المحافظات الأخرى. ونأسف أشدّ الأسف على اختصاص كلّ أوقاتنا في هذه السنة بالعزاء والحداد العامّين، وسيستمر الوضع على هذه الشاكلة في حالة بقاء الشاه في منصبه المغتصب.
ومن الضروري أن أذكر لكم:
1- بعد شكري لأهالي خراسان المحترمين وخاصة العلماء الإعلام وحجج الإسلام، والاطباء المحترمين والفئات والشرائح الأخرى أعلن دعمي لهذا الإضراب الشريف، وأدين الأعمال الوحشية للحكومة العسكرية غير القانونية والغاصبة، واحذرهم من الامعان في الاستبداد واغتصاب المناصب.
2- أشكر لجميع المضربين في انحاء البلاد، وأعلن دعمي لهم، وأقدِّر المضربين في شركة النفط، وأدين إجراءات الحكومة العسكرية الغاصبة والمحاكم العسكرية في الضغط عليهم لإنهاء الاضراب، واعتبرهم مسؤولين عن الجدّ في هدر ثروات الشعب، وأُحذِّرهم من هذا الإجراء المخالف لمصالح البلد.
3- على الشعب الإيراني الشريف أن يدعم المضربين في شركة النفط، ويساعدهم على توفير السكن ونفقات المعيشة، وأن يخصص صناديق إعانة في المحافظات، ويوصلها إليهم بعد أن تجمعها اللجان المعتمدة، وعليهم أن لا يدعوا أخوانهم الذين نهضوا لخدمة الإسلام والبلد يعانون الأمرين.
4- من واجب ابناء الشعب الإيراني ان يعينوا الجنود الذين خرجوا من المعسكرات، ولم يجيزوا لأنفسهم خدمة الحكومة الغاصبة، بالسكن واللوازم الأخرى، ولا يدعوا اخوانهم هؤلاء الذين توقفوا عن اعانة الظالم في سبيل الإسلام يقاسون شظف الحياة.
5- على الشعب الإيراني أن يعلم أن النفط والغاز متوفّران في المخازن على قدر الاستهلاك الداخلي، وأن الحكومة المجرمة اختلقت الأزمات لنشر الخوف والسخط، وأن العاملين في شركة النفط كانوا يستخرجون بحجم الاستهلاك الداخلي، في حين أنهم كانوا يخصصونها بمصارف أخرى (مثل التصدير الى اسرائيل كما قلنا) واضعين الشعب في الضيق.
إن الشاه وحكومته الغاصبة في حرب مع الشعب ولذلك يرتكب هذه الاعمال الوحشية، ويقال: إنّهم يجبرون العمال الذين يريدون أن يعملوا لسد الاحتياج الداخليّ على الإضراب ليحمِّلوا الشعب معاناته.
6- من الواجب على شعبنا الشريف أن يواصل نهضته الإسلامية حتى تحقيق النتيجة، وأن يصبر في هذا الطريق الذي فيه رضى الله، وأن لا يغفل أبناؤه عن مساعدة إخوانهم، ويتجنبوا الاحتكار والغلاء وعدم الانصاف المتسبب في غضب الله- تعالى- وأن لا يصغوا الى الوساوس الشيطانية التي ينشرها عملاء الشاه الإبليسيون والحكومة، مستهدفين إثارة التخاذل واليأس في نفوس الشعب، وأن يتكلوا على الله- تعالى- في هذا الطريق المؤدي الى تحقيق الاستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية، أسأل الله- تعالى- اجتثاث أساس الظلم، وإقامة قواعد العدل.
روح الله الموسوي الخميني
باريس، نوفل لوشاتو
ست وصايا عامة
الشعب الإيراني المسلم
جلد ۵ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۹۵ تا صفحه ۱۹۶
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378