بسم الله الرحمن الرحيم
مهمات رضا خان في إيران
إن عشائر إيران من أفضل ثروات الشعب، وكان رضا شاه قد كُلّف من قِبَل الأجانب بإضعاف العشائر أينما كانوا وذلك لأن الأبحاث التي قام بها الأجانب قد كشفت لهم أن من الأمور التي قد تقف بوجههم وتمنع من امتداد نفوذهم داخل إيران هي العشائر. كان الأجانب يعملون على إزالة كل السدود التي يحتمل أن تقف بوجههم. فقد كانوا يحتملون وقوف علماء الدين بوجه أغراضهم، لذا دفعوا رضا خان للعمل على اضعاف العلماء ... وكما رأيتم ولعل أكثركم لا يذكر ذلك، ولكنني أنا أذكر، وكبار السن يذكرون ماذا فعل مع العلماء، لدرجة أن طلبة العلوم الدينية في المدرسة الفيضية لم يكونوا يستطيعون البقاء في غرفهم نهاراً، كانوا مجبرين على الخروج إلى البساتين قبل طلوع الشمس، ثم يعودون في آخر الليل! لأنهم إذا بقوا في المدرسة سيدخل رجال الأمن ويأخذونهم، فإما أن ين- زعوا عنهم لباسهم العلمائي، أو يسجنوهم وأمثال ذلك. كان رضا خان يعارض بشدة كبار العلماء، وكان يخلق لهم متاعب كثيرة، فقد ذهب الكثير منهم إلى السجن وقتل بعضهم. وكل ذلك لأنه كان يحتمل وقوف العلماء كالسد بوجه الأجانب.
كانت العشائر أيضاً تمثل سداً آخر. كانوا يتخيلون أن العشائر إذا كانت قوية في إيران- وكانت كذلك- فمن الممكن أن تقف بوجه مطامعهم وذلك لحبها للإسلام. ولهذا نزعوا السلاح من العشائر واحدة تلو الأخرى، وأخرجوهم من أماكنهم وحسب تعبيرهم قاموا بتوطين العشائر، وأوقعوا بهم تلك القضايا التي جرت على جميع العشائر، ونهبوا ما استطاعوا من ذخائر أمتنا، وقضوا على هذه الذخائر الانسانية. كانوا يرون المجالس التي تقام في إيران، مجالس الوعظ والخطابة، مجالس العزاء، وكانوا يحتملون أن يكون لهذه المجالس ضرر عليهم، فمنعوها. لقد مرّ وقت لم يكن في جميع إيران مجلس عزاء. وفي قم كان لبعض السادة، السيد صدوقي يزدي «1»، مجلس عزاء قبل أذان الصبح بحيث كان ينتهي مع أول الأذان. لقد قضوا على جميع المجالس. لقد قضوا على المساجد وأئمة المساجد والمراجع وعلى كل شيء، أي لم يتركوا لهذه القوة الفعّالة أية قوة بعد ذلك. ومما يؤسف له أنهم استطاعوا آنذاك التأثير بفضل دعاياتهم بحيث أصبح الكثير من أفراد الشعب، الكثير من فئات الشعب، يعارض العلماء. لقد أثّرت دعايات أولئك حيث روّجوا الى أن العلماء عملاء لبريطانيا .. إن بريطانيا نفسها هي التي قامت ببث مثل هذه الدعايات.
أي إن عملاء بريطانيا كانوا يثبون الدعايات بين الناس بأن هؤلاء العلماء عملاء لبريطانيا! هؤلاء العلماء كذا، هؤلاء العلماء وعاظ السلاطين! إنهم بريطانيون. كل ذلك من أجل ابعاد الناس عن العلماء. وعلى كل حال فرقوا فئات الشعب بعضها عن بعض بعناوين مختلفة: العشائر من الأشرار ويجب القضاء عليهم، هؤلاء كذا، هؤلاء لصوص!
إن العشائر أناس محترمون، افرضوا انه في كل مكان يوجد عدة من المجرمين، ولكن هؤلاء لم يكن غرضهم هذا، بل كان هدفهم نزع السلاح من العشائر، ولكن كانوا يروجون لذلك حتى يبرروا أعمالهم، مثلما كانوا يخلعون عمائم العلماء، فلكي يبرروا أفعالهم أمام الشعب كانوا يقولون: إن هؤلاء عملاء بريطانيا، ويجب أن يذهبوا وشأنهم! لقد قاموا بهذه الأمور وفرقوا جميع الفئات بعضها عن بعض، فرقوا علماء الدين والجامعيين، كانوا يقولون للعلماء إن الجامعيين أناس عديمو الدين، فئة مضرة لا دين لها! ويقولون للجامعيين إن العلماء خدم للبلاط فئة مأجورة تعمل للآخرين دائماً! وبهذا فرقوا بين هاتين الفئتين.
إيجاد التذمر عن طريق الدعايات السيئة
والحمد لله إن هذا التفرق والانفصال في طريقه إلى الزوال والمؤمل أن يزول تماماً إذا تركونا وشأننا. إن شعبنا استطاع تحقيق النصر في هذه الثورة لأنه كان قد نسي الخلافات، فالجميع كانوا متوجهين نحو هدف واحد وهو ضرورة تأسيس الجمهورية الإسلامية، إقامة الحكومة الإسلامية. إذ مدّت الفئات المختلفة، فئة المفكرين وفئة المثقفين والكسبة وسائر الفئات، قدمدُّوا يد الأخوة لبعضهم حتى أنجزوا هذا الأمر. الجميع كانوا متوجهين للإسلام ولكن حاجتنا الآن لوحدة الكلمة أكثر من ذي قبل، ففي ذلك الوقت كان هناك تذمّر من النظام هو الذي جمع الناس، حتى أولئك الذين لم يكن لهم اعتقاد قوي بالإسلام ولكنهم كانوا متذمرين من النظام، اتحدوا مع الآخرين المعتقدين بالإسلام. ولأن جميع الفئات كانت متذمرة فإن هذا التذمر أدى إلى توحد الجميع. ونحن الآن نحتاج إلى وحدة الكلمة بدرجة أشد وذلك لأن التذمر الذي كان موجوداً من النظام قد انتهى مع انتهاء النظام. ولكن الجهات المرتبطة بالنظام السابق قد بدأت تبث الدعايات السيئة وهي تسعى بذلك إلى إثارة التذمر من الحكومة الفعلية. ولا إنهم يسعون الآن من خلال ترددهم وتجولهم في المناطق النائية إلى ايجاد التذمر بين الناس من هذه الثورة: (حسنٌ، ماذا فعلت هذه النهضة؟ هل طبقت شعاراً من شعاراتها؟! حسنٌ، ماذا فعلت هذه الحكومة؟ ماذا تفعل من أجلكم؟ هاهي الحكومة الإسلامية! ولكن وضعكم مازال كالوضع السابق!). إنهم يعون تماماً ما الذي تحقق لحد الآن، ولكن لديهم أغراضاً، يريدون أن لا يتم الأمر، إنهم يعلمون ما انجز إلى الآن، إن هذا الشيء الذي حصل ليس له سابقة في العالم. لقد هزم الشعب قوة لم تكن هزيمتها مقصورة لدى الشعب أو لدى الحكومات والمفكرين الأجانب، فالجميع كان يعتبر ذلك أمراً مستحيلًا.
إنهم يعلمون أن ذلك النظام الظالم الذي كانت يده ممتدة إلى جميع الأماكن وفي أعماق بلادنا وكان يظلم الجميع، قد انتهى ولم يعد أحد يظلم الناس، وقد تم اعتقال الظلمة ومحاكمتهم، وأما غيرهم فالجميع أحرار. ها نحن الآن قد اجتمعنا في هذا المجلس ونتحدث بحرية، بينما لم يكن مثل هذا الاجتماع ممكناً في السابق أبداً. إنهم يعلمون أنه قد تحققت أمور كثيرة، ولكنهم لايريدون أن تتحقق أمور أخرى في المستقبل، إنهم متأسفون على الذي حصل لأن يد أسيادهم قد قطعت.
توقع ساذج من أمريكا
قبل يوم أو يومين ذكرت احدى الصحف أن مجلس الشيوخ الأميركي أدان بالإجماع هذه الإعدامات التي وقعت في إيران. وكان الذي قدم هذا الموضوع للتصويت شخص من أصدقاء إسرائيل وهو نفسه من الصهاينة «2»! لا بأس، إنه لمن الواضح أن مجلس الشيوخ الأمريكي يجب أن يديننا، لا شك في ذلك! إننا نعلم بأنهم يدينوننا، حكومة أمريكا تديننا، غاية الأمر أنها لا تتحدث بما لديها من كلام حقيقة. مجالس أمريكا تديننا. وذلك لأن الحرقة التي أصابت قلب أمريكا بسبب هذه الثورة لم تصب أحداً! فلم تكن هناك دولة مستفيدة من ايران كأمريكا. فلا بد أن تديننا! إن التوقع بأن يكون مجلس الشيوخ الأمريكي مؤيداً لنا توقع ساذج لا مبرر له. توقع أن لا يدينوا إعداماتنا، توقع لامعنى له. إننا لا نتوقع مثل هذا من أمريكا. خصوصاً وان إيران قد قطعت النفط عن إسرائيل، وسوف لن تقدم لها النفط إلى الأبد، وإسرائيل من الأصدقاء الحميمين لأمريكا ومجلس الشيوخ الأمريكي.
على أمل قطع العلاقات مع أمريكا
لقد هددتنا حكومة أمريكا بأنه إذا استمرت هذه الإعدامات فإن العلاقات الإيرانية الأمريكية ستكون في خطر. اللهم اجعلها في خطر! أي شيء نريده من العلاقات مع أمريكا! إن علاقاتنا مع أمريكا علاقات المظلوم بالظالم، علاقات المنهوب بالناهب. ماذا نريد أن نحقق نحن؟! هم يرغبون بالعلاقات معنا، هم يحتاجون للعلاقات معنا. أية حاجة لنا إلى أمريكا، إنها في ذلك الطرف من العالم. هم يريدون أن يكون لهم سوق هنا، ومازالوا يطمعون بنهب نفطنا. أما نحن، فإن الإسلام لا يرضى بظلم الآخرين ولا يرضى أيضاً بالسكوت على الظلم وتحمله. من الطبيعي أن يديننا مجلس الشيوخ الأمريكي وأن تديننا المجالس البريطانية ومجالس الاتحاد السوفييتي أيضاً، إننا مدانون من الجميع. إن الشيء الذي حصل في إيران أمر تعارضه جميع الفئات الظالمة والمستكبرة. إننا لا نتوقع أبداً من أمريكا أو بقية الدول الكبرى، أولئك الذين يريدون نهب ثرواتنا وقد قطعنا الآن أيديهم، أن يأتوا ويشكرونا! من المؤكد أنه لا ينبغي لهم القيام بهذا. بل عليهم إظهار الأسف الشديد. إن أمريكا إذا لم تظهر تأسفها على قتل (هويدا)، هذا المأجور الذي خدمها على مدى خمسة عشر عاماً أو أكثر، إذا لم تظهر التأسف عليه يكون ذلك عدم وفاء منها لأجيرها! إنها إذا لم تظهر التأسف لأننا نريد محاكمة الشاه، نريد إدانته أو إعدامه، إذا لم تظهر التأسف والتأثر فإن ذلك يعني عدم التقدير لأجيرها. إن الحد الأدنى من التقدير والتكريم لأجير قدم لأمريكا جميع ثرواتنا، هو أن يتأسفوا عليه.
شعوب العالم إلى جانب ثورة إيران
يجب ملاحظة ما يقوله المظلومون. يجب أن نرى شعب أمريكا ماذا يقول. أما حكومة أمريكا فأمرها واضح لأنها مهزومة وجريحة. أفعى جريحة. إن مجلس الشيوخ الأمريكي مغلوب، فلا بد أن يظهر تأسفه. ولكن ينبغي لنا أن نرى ماذا يقول الشعب الاميركي، هل له نفس هذا المنطق؟ ليس له هذا المنطق، ليست الشعوب غير الحكومات. يجب ملاحظة ماذا تقول الشعوب المظلومة، ما هو رأي الشعب المظلوم في هؤلاء الأشخاص الذين أعدموا. إن مجلس الشيوخ الأمريكي وحيث لم يتعرضوا إلى الآن إلى النهب والقتل، وكل شيء كان يجري لمصلحتهم ومنافعهمن وقد قضي الآن على الذين كانوا السبب في تحقيق منافعهم وأغراضهم، فمن الطبيعي أن يشعروا بالأسف، ولكنه يجب ملاحظة أولئك الذين وقعوا تحت الظلم، الشعوب التي ظلمت وقهرت سواء من قِبَل أمريكا أو الاتحاد السوفييتي أو بريطانيا أو من قِبَل الحكومات التي عيّنها الأجانب على الشعوب، ما هو رأي هذه الشعوب في هذه القضايا. يجب ملاحظة ماذا يقول المظلوم، وليس الظالم، فالظالم يريد دائماً أن يظلم، عملاؤه يريدون أن يظلموا. وهناك طبعاً تشكيلات متعددة أوجدوها لهم: مجلس الشيوخ من جهته، وجمعيات حقوق الانسان من جهة أخرى، هذه الجمعيات التي أسسوها لخداع الناس، إنها متأسفة، نحن نعلم أنها جميعها متأسفة بل لا بد أن يقيموا العزاء لأنهم يعلمون أي شيء فقدوه، لقد فقدوا أجراءهم، وأي أجراء! لقد كان التأسف عند قتل (هويدا) عظيماً، فلا بد من ملاحظة من الذي أظهر التأسف، وبأي منطق أظهروا تأسفهم الشديد! شخص كان على مدى ثلاثة عشر عاماً رئيساً لوزراء إيران، وإن جميع الأمور لا بد أن تكون بأمر رئيس الوزراء، وقد وقعت كل تلك المجازر بأمر رئيس الوزراء. وعندما وصلت يد الشعب المظلوم إلى هذا الشخص وقتله، وهو شخص واحد فاسد مقابل عدة آلاف من الشرفاء، يتأسفون على ذلك! نعم، لابد أن يظهروا الأسف لذلك.
الشعوب ضحايا القوى
إنهم لا ينظرون الى تلك الأعداد التي قتلها هؤلاء! لأن لسان حالهم: فليقتل هذا الشعب حتى ننهب نفطه! إنهم لا يأخذون بالحسبان المجازر التي قام بها هؤلاء، لا يقولون بأن أناساً قتلوا، بل يقولون فلتقتل هذه الفئة التي تقف حائلًا دون مصالحنا. إنهم لا يعتبرون الإنسان شيئاً قبال منافعهم. لقد كنت في مكان وجرى الحديث عن أوضاع إيران، وأن السفارات قد تتعرض لشيء، وكان هناك مسؤول في إحدى السفارات يقول إننا لا نهتم بقتل السفير أو أي شخص آخر، غير أن ممتلكات السفارة لها أهمية كبيرة!! إن الأجهزة الموجودة هناك له قيمة! لقد تكلم بهذا الكلام مسؤول رسمي، شخصية رسمية بأننا لا نهتم، ولكن المهم هو الممتلكات! إن وضعهم هو هكذا، فالإنسان المادي لا يستطيع التفكير بغير الأمور المادية. وأساساً فإنهم لا يستطيعون أن يفهموا ماذا يعني الشرف! كل الشرف يرونه في امتلاك أثاث فخمة. يرون الشرف في تملك عدة أبنية، ولا يفكرون أساساً بالإنسانية. إنهم ليسوا من أهل هذه الأمور، فلو كانوا من أهلها، لعرفوا أهمية هؤلاء الذين قتلوا في إيران، كل هؤلاء المفكرين، العلماء، الأبرياء، المظلومين، النساء والأطفال، الصغار والكبار، الذين سفكت دماؤهم في هذه الشوارع! فلم يتأسفوا عليهم أبداً، ليس هناك من تأسف على ذلك أبداً، بل ما حصل هو مقتل مجموعة كانت تقف حائلًا دون منافعهم. ولكن عندما قتل (هويدا) علا صوتهم وتأسفوا على ذلك!
شعب إيران متأدب بالأدب الإسلامي
فليأتوا وليبحثوا في هوية هؤلاء الذين أُعدموا! لينظروا أي أشخاص هؤلاء، إن كل واحد منهم قتل مجموعة من الأشخاص، كل واحد منهم أدى إلى قتل مجموعة من الأشخاص. أية مصائب تلك التي أوقعها هؤلاء بهذا الشعب! إن شعبنا نجيب، شعبنا مسلم، وإلا لكان هجم على هؤلاء منذ اليوم الأول وقضى عليهم. ولكن شعبنا شعب متأدب بالأدب الإسلامي، فعلى الرغم من خياناتهم التي قاموا بها فإنه لم يتعامل معهم بالعنف والوحشية التي كانوا يتعاملون بها معه. عندما جاؤوا وشاهدوا سجون إيران بعد الثورة، عادوا وهم يقولون بأن السجون جيدة ومنسجمة مع المقاييس الحضارية، مطابقة لما في المجتمعات الديمقراطية. وذلك لأن منطقنا منطق إنساني. والمنطق الإنساني والإسلامي، لا يمكنه أن يكون غير ذلك. لو أنهم هم الذين انتصروا علينا لما وجد أحد منّا الآن على قيد الحياة! لو أن (هويدا) انتصر علينا لما كنا جالسين هنا، أنتم أيضاً لم تكونوا.
الماديون يجهلون القيم الإنسانية
إن هؤلاء لا يعتقدون بأن الدنيا فيها معنويات أيضاً. إن عندنا شيئاً آخر، غير السيارة والعمارة وأمثال ذلك. هناك أمور أخرى أيضاً غير هذه القوة الحيوانية. إن هذا الأمر لا يخطر في ذهن أمثال (كارتر) أصلًا. لا يستطيع أن يفكر فيه.
إن عضو مجلس الشيوخ الذي اعترض على هذه الإعدامات، لا يستطيع أساساً أن يدرك أن في العالم أشياء أخرى غير هذه الحيوانية. لو أن الإنسان كان يعتقد أن ثمة مسائل أخرى موجودة في هذا العالم، لما كان اهتمامه ونظره منحصراً في أن هذا الشخص قدّم لنا النفط مجاناً، لقد خدمنا، وكان قتله للآخرين أيضاً خدمة لنا.
إن مثل هذه الأمور لا توجد في الإسلام. مثل هذه المسائل ليست مطروحة أبداً فالمسألة المادية ليست مطروحة في الإسلام بالشكل الموجود عند هؤلاء وإنما الإسلام يعتبر الماديات تبعاً للمعنويات. يريد السيطرة على الماديات وإعطاءها صورة معنوية.
إن الجيش الإسلامي يتوجه للمعنويات قبل أن يتوجه للماديات، يسلّون سيوفهم على أساس المعنويات، ويقفون بوجه الفاسدين. لاحظوا أن حروب الإسلام مع من كانت، ضد أية فئة كانت، هل كانت من أجل المنفعة؟ ففي غزوة حنين، أو إحدى الغزوات الأخرى، وعندما انتصر المسلمون، أعاد الرسول الأكرم (ص) كل الغنائم للمشركين، قائلًا: هذا لكم، فالماديات ليست مطروحة أصلًا في الإسلام.
فلينظروا الى حياة نبي الإسلام (ص) وحياة أمير المؤمنين- سلام الله عليه- ويروا كيف كانا يعيشان. وعندما حكما كيف كانت حكومتيهما، كيف كان وضع حكومتيهما. إن اهتمام الإسلام بالماديات ثانوي. فكل الاهتمام والتوجه مكرّس للمعنويات. وفي الرواية (إن الله تعالى ما نظر ... إلى عالم الطبيعة- أو إلى الجسم- منذ خلقه نظر لطف). اعتبر المعنويات هي الميزان.
الإنسانية مدانة في أمريكا
من المؤكد أن أولئك الذين لا يعون ولا يملكون غير هذه العين الحيوانية، ينحصر إدراكهم في الجانب الحيواني، العين عين حيوانية، الإدراك إدراك حيواني، فإنهم لا يستطيعون إدراك أن قتل (هويدا) لا أسف عليه. لقد كانت كل أموره تدور حول هذه المسائل الحيوانية. وكان يرى بضرورة وضع ثروات هذا البلد تحت تصرف أميركا. ومن الطبيعي من يُعِدّ هذه الفريسة بشكل أفضل فإنه بنظر مجلس الشيوخ الأمريكي يستحق أن يُمنح وساماً تكريماً له. وكل من يتصدى لذلك فهو مُدان في مجلس الشيوخ الأمريكي. لا يستطيعون إدراك غير هذا. هكذا تمت تربيتهم من البداية والذين يطرحون حقوق الانسان هم أيضاً كذلك. هم أيضاً لا يدركون غير هذه الطبيعة ولا يدركوا غير هذه الماديات. لا يستطيعون فهم المعنويات أصلًا. فمن المؤكد أن الذين لديهم معنويات سيدانون من قِبَل هؤلاء. إن الذين يدافعون عن بلدهم، ويقتلون الجناة ... ولم يكن في البين أي تعذيب، إنما كان قصاصاً فقط.
لقد كان هويدا يقرأ الصحف في السجن الذي وضعوه فيه! كانوا يقولون لي بأن أحواله جيدة جداً. لو كان أحدنا في سجن هويدا، لعملوا معه ما كانوا يعملونه مع جميع السجناء، لكانوا عذّبوه كما يعذّبون جميع السجناء. ولكن حينما يقبض المسلم على هذا الجاني ويسجنه، فإنه وبأمر الإسلام لا يجوز له أن يعذّبه. إنما يحاكمه، فإذا كان قاتلًا يقتله. الإسلام لا يقتل شخصاً بريئاً، ولا يحبسه حتى لحظة واحدة، الإسلام لا يسمح بسجن بريء حتى ساعة واحدة. كما لا يجوز توجيه حتى كلمة فحش واحدة للمذنبين والجناة، ولا يجوز ضربهم حتى ولو صفعة واحدة.
صمود الشعب الإيراني في وجه أمريكا
إن الدعايات الآن كثيرة في الخارج، لقد كتبوا في صحفهم، وفي مجلاتهم، أن الخميني قد أمر بقطع صدور النساء! غير أن الناس عارضوا ذلك. هذه أيضاً من الدعايات. إنه لمن المؤكد أن الذي يرى الخميني معارضاً لمنافعه لا بد أن يشوه صورته في الخارج، فيروجون مثل هذا الكلام. وافرضوا الآن أنهم تمكنوا من تشويه صورتي، ولكن الآخرين موجودون. فليس الوضع أن شعب إيران محتاج إلى الخميني. إنه ليس محتاجاً لأحد. انهم يتصورون باطلًا أننا إذا ذهبنا، إذا قتلونا أو أسقطونا بدعاياتهم، تنتهي المسألة ويعودون ثانية لينهبوا نفطنا وجميع ثرواتنا. كلا، لقد انتهى كل شيء فلن تستطيعوا بعد الآن القيام بذلك. فالجميع نهض اليوم في ايران للتصدي لهم. الجامعي نهض، والعالم نهض، وأهل السوق نهضوا، الكسبة نهضوا، الفلاح نهض، العامل نهض. وإذا كان ثمة اختلاف بين هؤلاء فهو بسبب شيطنة هذه الفئة التي فقدت منافعها.
صرخة الصحوة
وأنا أقول لكم أيها السادة إن المسؤولية التي تقع على عاتقنا الآن أكبر من السابق، لقد كانت وظيفتنا هي أن ننهض جميعاً لنحطم هذا السد. أما الآن فإن وظيفتنا تتلخص بالتصدي لهذه الفئة المثيرة للفتن. ففي إحدى الفترات جاءوا بقوة السلاح، ولكن الناس تصدوا لهم وقفوا بوجه السلاح. ولكنهم الآن يدخلون من باب المكر والخداع، إنهم يسعون الى إلقاء التفرقة بين فئات الشعب، يريدون التفرقة بين هؤلاء الذين اتحدوا وهزموهم. إننا مكلفون الآن بتعزيز أواصر الأخوة بين الجميع، ليكون الجامعي وعالم الدين متحدين، والكاسب والفلاح والعامل مع بعضهم. فإذا فقدت هذه الوحدة للكلمة وضاع هذا التوجه لله تبارك وتعالى، ستكون الهزيمة، وهي هزيمة لاخلاص منها بعد ذلك. إننا جميعاً مكلفون.
أنا طالب العلم الجالس هنا، والسادة الموجودون هنا، والسادة في العشائر، والسادة والأتراك، والعرب، والفرس، كل من يتنفس في إيران فإنه مسؤول. مسؤول أمام الله. ليس لأحد أن يقول إني لا استطيع. فكل واحد منا يعمل على قدر استطاعته.
إذا أراد أحد أن يعتذر قائلًا إنني لا أستطيع عمل شيء، فإنه يكون قد تخلى عن المسؤولية. إنه مسؤول. فالجميع يستطيعون العمل. على العشائر أن تجتمع مع بعضها وتتصدى لهؤلاء. إن هؤلاء إذا استولوا على السلطة ثانية، سيكون مرمى سهامهم العشائر، وهم ثروة هذا البلد، والعلماء وطلاب الجامعات، مثلما فعلوا في السابق، فعلى هذه الفئات أن تتحلى باليقظة والحذر، وأن يكونوا متآخين مع بعضهم، وليتقدموا إلى الإمام بوحدة الكلمة وليسيروا بهذه النهضة إلى النهاية، وحينما تتحقق حكومة العدل الإسلامي حينذاك ينشغلون جميعاً ببناء إيران حرة مستقلة، ويعملون بأنفسهم على اعمار إيران. حفظ الله جميع العشائر. وحفظ الله أهل (خرم آباد) جميعاً ووفقهم. إننا خدم لجميع السادة. منّ الله تعالى على الجميع بالسلامة.