بسم الله الرحمن الرحيم
موظفو الاتصالات في خدمة الثورة
لابد لي أولا أن أشكركم أيتها السيدات والسادة، الذين كنتم ولا زلتم تعملون في شركة الاتصالات. إننا عندما كنا في باريس فإن الذين كانوا يساعدوننا بشكل مباشر- مساعدة مؤثرة- هم أنتم حيث كنتم توصلون صوتنا إلى إيران وسائر المناطق على قدر استطاعتكم. وقد أدى ذلك إلى انتشار المسائل التي كنا نطرحها أو نكتبها في أنحاء إيران مباشرة في وقت كان الإضراب قائماً، ولكنكم كنتم تعملون بما فيه منفعة الثورة، وهو أمر يستحق الشكر والتقدير. وإنني آمل أن يمنّ الله عليكم بالسلامة والتوفيق. وليكن عملكم في المستقبل إن شاء الله، بما يخدم البلد والإسلام.
إن الأمر الذي أريد لفت الأنظار اليه هو أن إحدى كبرى الجنايات التي ارتكبها النظام السابق بحق بلدنا- وكان ذلك بناءً على أوامر تصله من قِبَل الكبار ومن قِبَل الأجانب يتمثل في الحظ من مكانة المرأة والاساءة الى مكانتها واحترامها، ليس النساء فقط، بل الحط من مكانة الرجال ايضاً.
مراكز الفساد أكثر من مراكز التعليم
لقد قاموا منذ عهد رضا شاه، من أوائل عهده، أي بعد أن استقرت حكومته، وبواسطة الأوامر التي كان يوجهها له الخبراء، قاموا في إيران بأعمال صوَّروها من خلال دعاياتهم على أنها أعمال راقية، وكانوا يخدعون الناس ويصورون لهم تلك الأعمال بأنها خدمة للمجتمع. ولكنهم في واقع الأمر كانوا لا يريدون لهذا المجتمع أن تنمو فيه الفضائل الإنسانية. بالنسبة لشبابنا، فإنهم كانوا، وبعناوين مختلفة، يعملون من جهة على أن لا تكون دراستهم دراسة مفيدة للمجتمع، ومن جهة أخرى فتحوا مراكز كثيرة للفحشاء، وكانوا يشجعون الشباب على الذهاب إليها ليبددوا طاقاتهم الشبابية. تلك الطاقة التي يجب أن تصرف في سبيل تقدّم البلد كانوا يهملونها ويفسدونها لدرجة أن تعداد مراكز الفحشاء في طهران كان عددها أكثر بكثير من مراكز التعليم، وكان يقال بأن تعداد الأماكن التي تباع فيها الخمور أكثر من أماكن بيع الكتب! كانت هناك مراكز- وحسب ما قالوا لنا ولعلكم مطلعون أكثر على ذلك لأنكم في صلب المجتمع مراكز كثيرة في طهران التي يجب أن تكون مركزاً للفضيلة ومركزاً لتربية الإنسان، في طهران وأطراف طهران، بين طهران وكرج، بين طهران وشميران، في ضواحي شميران، كانت هناك مراكز كثيرة- حسب ما يقال- مراكز فاسدة ومفسدة، تجرد كل من يدخلها من الرجال والنساء من انسانيته.
خوف الاستعمار من النساء والرجال الشرفاء
لقد كان المخط يقضي بالعمل بهذا الشكل. لماذا؟ لأن الأجانب يخافون من الرجال والنساء الشرفاء. إن الذي يقوم بأداء الخدمة لهم هو الذي فقد فضيلته الإنسانية. فالذي يخون دينه بأداء الخدمة لهم هو الذي فقد فضيلته الإنسانية. فالذي يخون دينه وبلده وأمته ليس لديه أية فضيلة أو شرف إنساني. لقد كانوا يتطعلون مثل هؤلاء الأشخاص، كانوا يريدون أشخاصاً قد تجردوا من الفضائل الإنسانية ليكونوا مفيدين لهم ويوؤدوا لهم الخدمات. أما الإنسان النبيل، الإنسان الملتزم، الإنسان الذي يحترم نفسه، ويحترم دينه، فإنه لا يفيدهم، إنه معارض لتوجهاتهم. إنهم لا يريدون أن يكون هناك إنسان في الشرق، إنهم لايريدون أن تكون هناك نساء شريفات في الشرق، بل تكون هناك مجموعة من النساء تعملن طبق ميولهم. إنهم لايريدون أن يكون هناك رجال شرفاء في إيران. إنهم يعلمون إذا وجد الشرف لدى شعب ما، إذا وجد الشرف لدى قوم ما، إذا كان هناك قوم يحترمون دينهم وبلدهم وأمتهم فإنهم لا يخونون، ويرفضون الخونة.
القضاء على الفضائل الإنسانية هدف نظام الطاغوت
لقد عملوا خلال مدة جاوزت الخمسين عاماً على صناعة الخونة، وقد صنعوا منهم الكثير، وهم هؤلاء الذين فرّوا من البلاد، وكان في مقدمتهم محمّد رضاخان. لقد قام رضاخان بالخيانة بطريقة معينة، وكان محمد رضا خان أسوأ من أبيه. إن هؤلاء يخافون من الإنسان لأن إنساناً واحداً من الممكن أن يغيّر مسيرهم. ولهذا السبب لا يريدون أن يوجد إنسان ..
وفي المقابل جاء الأنبياء لبناء الإنسان. إن أصل عمل الأنبياء لم يكن غير بناء الإنسان. إن جميع الأنبياء وكل الكتب السماوية جاءت من أجل بناء الإنسان، تربية الإنسان، إعداد الإنسان النبيل. وفي مقابل الأنبياء كانت هذه الأنظمة المادية التي لا تريد لهذا الإنسان أن يصبح إنساناً، لا تريد له أن يكون نبيلًا فاضلًا، بل أن يبقى بهذا المستوى الحيواني الذي تشاركه فيه سائر الحيوانات، أن يبقى بهذا المستوى، ولو كان صانعاً ماهراً، ولو كان متخصصاً كبيراً، لكن المهم أن لا يكون ذو فضائل. يمكن لشخص أن يصنع (فانتوم) ولكنه ليس لديه فضيلة إنسانية، بل يكون خائناً. يمكن لشخص أن يكون طبيباً بارعاً جداً ولكنه لا يملك فضيلة إنسانية. إنهم لا يخافون من الطبيب، لا يخافون من الصانع المخترع، إنما يخافون من الإنسان، فلو ظهر إنسان في بلد لقطع أياديهم عنه. فإذا كانت الجامعة تخلق الفضيلة في الشباب، إذا كانت المدرسة تُخرّج شباباً ملتزمين ومتدينين، فإن هذا يتعارض مع ما يريده أولئك، ولهذا عملوا على أن يشوهوا صورة الإسلام في أعين مجتمعنا. لقد عملوا على تسقيط علماء الدين. عملوا على الفصل بين العلماء والجامعات. عملوا على أن لا يقام في الجامعات درس للفضيلة. أن يكون كل شيء مرتبطاً بالماديات. لو كانت هناك معنويات إلى جانب هذا التعليم لكانت جامعاتنا على غير ما هي عليه الآن، لكان الذين يتخرجون من الجامعات على غير ما هم عليه الآن. لقد كانت هذه من جملة الخيانات التي ارتكبوها تحت عنوان إننا نريد تحرير المرأة، نريد تحرير نصف المجتمع من القيد والأسر؛ وأمثال هذا الكلام المخادع، فقد أساءوا الى النساء وجرَّدوهن من الفضائل زاعمين أن ذلك يخدمهم. إن الذين قد تمت تربيتهم على أيدي أولئك لا يفكرون بشيء سوى الأمور المادية. إن ما كان يريده أولئك هو الإنسان المادي الذي همّه أن يملك سيارة! ولا فرق لديه إن وصلته هذه السيارة من طريق السرقة أو يعطيه إياها شخص آخر أو من أي طريق آخر. إنه يريد السيارة ولا شغل يهمه من أين تصل له هذه السيارة. بينما الإنسان النبيل لا يقبل سيارة مسروقة. لقد كانوا يتطلعون الى ايجاد لصوص. أن يكون هناك خونة. وقد عملت الأنظمة على صناعة الخونة، عملت الأنظمة على أن لا تتسم نساؤنا بالفضيلة.
رسالة الأمومة المقدسة
إن عفة النساء هي في الدرجة الأولى من الأهمية، لأن عفّة النساء تسري إلى هؤلاء الأطفال الذين في أحضانهن. إن المقدار الذي يسري للأطفال من عفة النساء وشرفهن، لا يتحقق في المدارس. فتعلق الأطفال بأمهاتهم لا نظير له في ارتباطهم بالآخرين، فما يسمعونه من فم الأم يبقى راسخاً في قلوبهم. ولا يبقى راسخاً لديهم ما يأخذونه من أشخاص آخرين. فإذا كانت الأمهات أمهات ذوات فضيلة وعفة فإنهن سيرفدن المجتمع أولاداً ذوي فضيلة وشرف. والأولاد ذوو الفضيلة والشرف يصلحون البلد. فإصلاح الدول رهن بكنّ. رهن بكنّ أيتها الأمهات. خراب وإعمار الدول تبع لكنّ. إنكنّ إذا قدّمتن للمجتمع شباباً ذوي فضيلة، شباباً نشؤوا في احضانكن على الفضيلة فإن بلدكنّ سيصلح ويعمر وسيتم إنقاذه من يد الأجانب.
وأما إذا لم يدعوا أطفالكن ليبقوا في أحضانكن، واستدرجوكن إلى الدوائر، وأخذوا أطفالكن إلى الدور التي ترعى الأطفال، فإذا ما ابتعد الطفل عن أمّه فإن العقدة ستظهر فيه. إن الطفل الذي لا يكون تحت رعاية الأم ولا يشعر بمحبة الأم فإنه سوف يشعر بالعقدة. وهذه العقد منشأ جميع المفاسد. فالسرقات تنشأ من هذه العقد، وجرائم القتل تنشأ من هذه العقد، والخيانات تنشأ من هذه العقد. وهذه العقد تظهر عندما يبتعد الطفل عن أمه. الطفل اللطيف الرقيق سريع التأثر وبحاجة لمحبة الأم، فيؤخذ من أمه ليكون أشخاص غرباء عنه، ولا يعقل أن تكون محبة شخص غريب لهذا الطفل كمحبة أمه، فتتم تربية الطفل هناك، وبذلك تنشأ العقد. إن جميع المفاسد التي تظهر في البلد أو أكثرها إنما تنشأ من هذه العقد. لقد عملوا على تطبيق هذه المسألة عملياً، بأن يفصلوا الأطفال عن أحضان أمهاتهم ويقوموا بتربيتهم في مكان آخر. لقد خدعوا النساء إذ أصبحن يقلن: لمَ نجلس في البيت ونربي الأطفال؟ بل يجب أن ننزل الى المجتمع، يجب أن نذهب إلى كذا. بيد إنه لو كان هدفهم سليماً لما كان هناك إشكال كبير في البين، ولكن نواياهم سيئة ..
(إصلاح الأراضي) وتبعاته
انهم لم يكونوا يرغبون أن يقوم نصف المجتمع بالعمل والفعالية. بل شلّوا النصف الفعَّال أيضاً! كيف عملوا على شلّه؟ لقد قاموا ب- (إصلاح الأراضي) وأثاروا الضجيج حول ذلك. ماذا قدّم لنا إصلاح الأراضي؟ قدّم لنا هذه الحفر في ضواحي طهران، وهؤلاء سكنة الكهوف وبيوت الصفيح في ضواحي طهران. لقد جعلنا نمد أيدينا للدول الأخرى منهم المواد الغذائية، نطلب الألبسة، نطلب كل شيء، لقد أفسدوا زراعتنا بذريعة لن يكون بعد الآن خدماً وأسياداً! كانوا يقولون هذا الكلام من أجل الخداع: لقد أصبح هؤلاء مالكين للأرض! رغم أننا قد شاهدنا كيف بدأ الناس بالتحرك فوجاً فوجاً باتجاه المدن بسبب الفقر. لقد أدى ذلك إلى إيجاد الفساد والفقر وكذلك إلى القضاء على الزراعة، وبالتالي الى إلى إيجاد سوق لأمريكا. لقد كانوا مكلفين بالعمل من أجل أمريكا أو من أجل الدول الأخرى.
مسؤولية الأمومة أشرف المسؤوليات
لقد كان الهدف منذ البداية أن لا يدعو بناء إنسان لئلا يخسرون منافعهم. إن الذي يستطيع سحب المنافع من يدهم هو الإنسان، الإنسان الذي يستطيع القضاء على منافعهم هو الذي نشأ في حضن الأم الطاهر. إن الأمر يبدأ من هنا. إن كون المرأة أماً وقيامها بتربية الأطفال تعد أكبر خدمة للمجتمع. لقد حقّروا هذا التوجه، وهذه خيانة ارتكبوها بحق مجتمعنا. لقد حقّروا الأمومة في أعين الأمهات، رغم أن أشرف الأعمال في العالم هي الأمومة وتربية الأطفال.
إن جميع منافع بلدنا يتم تأمينها من خلال أحضانكن أيتها الأمهات. وهؤلاء لا يروق لهم ذلك، فخططوا لأخذ الأطفال من أحضانكن والاحتفاظ بهم في الأماكن التي أعدّوها لذلك، ومن هناك أخذوهم إلى المدارس، وقد أعدوا الوضع في المدارس بشكل ينشأ فيه الأطفال فاسدين. ثم هيأوا الأجواء في المراحل التالية بشكل لا يبقى فيها مجال للفضائل الإنسانية. إن الهدف هو أن لا تتم تربية الإنسان الفاضل في البلد.
بيد أن كل ذلك قد انتهى الآن بحمد الله، وآمل أن لا يجدوا لهم موطئ قدم بعد الآن، بهممكنّ أنتن النساء اللاتي دفعتن بهذه النهضة إلى الأمام. إن الذين تمت تربيتهم على يد أولئك لم يكن لهم اهتمام بهذه المسائل. إن الذي سار بهذه النهضة إلى الأمام أنتن حيث قمتن بخدمتها، لقد قمتن بخدمة النهضة في كل الأوقات.
إن هذه المظاهرات التي حدثت في إيران كانت بفضل أقدامكن وتضحياتكن. أنتن اللاتي كانت قلوبكن تتألم من أجل البلد، لقد احترقت قلوبكن من أجل الشعب، أنتن اللاتي تتبعن الإسلام، أنتن اللاتي دفعتن بهذه النهضة إلى الأمام، أنتن اللاتي تستطعن إنقاذ البلد من خلال تربية الأطفال.
لقد حقروا في أعينكنَّ مهمة تربية الأطفال مع أن تربية الأطفال تعد من المهام النبيلة إذ هي في جميع المجتمعات أفضل من جميع الأعمال. ليس هناك من عمل يوازي شرف الأمومة. وهؤلاء قد أسقطوا هذا العمل واحتقروه، وهذه خيانة كبيرة ارتكبوها بحقنا وبحق أمتنا، لقد جعلوا الأمهات ينصرفن عن تربية الأطفال.
اعتبروا تربية الأطفال شيئاً حقيراً، رغم أن حضن الأم انجب مثل مالك الأشتر. ومن حضن الأم ينشأ الحسين بن علي. في أحضان الأمهات ينشأ العظام الذين ينقذون شعباً بأكمله. لقد جعلوا هذا أمراً ضئيلًا. لقد حرصوا على إبقاء اهتمام الأمهات بعيداً عن مهامهن الطبيعية، بعيداً عن مصير الأمة، ولا شأن لهن بمصير هذا الشعب وتجاهل دورهن في مصير هذه الأمة.
السعي لاجتثاث جذور الفساد
كانوا يريدون تربية شبابنا أيضاً على شرب الخمر ولعب القمار وتعاطي المخدارات! هكذا كانوا يريدون تربيتهم! يريدون جعلهم مهملين، فارغين، يجعلونهم بلا مضمون. علينا الآن أن نستيقظ، ونعي حقيقة ما يجري. والحمد لله فإن يد الخونة قد قطعت، وما تبقى منهم سوف يقضى عليهم إن شاء الله. ولكنه يجب علينا الآن الحذر حتى لا نخدع ثانية بهذه الدعايات حيث يريدون إرجاعنا القهقرى ثانية. إن جذورهم موجودة الآن في إيران، فإذا لم نقف في وجه هذه الجذور الفاسدة، إذا لم نقف جميعنا في وجه هذه الجذور، سوف تنمو رويداً رويداً. إننا إذا لم نقف في وجههم، أنتن الأمهات إذا لم تقفن في وجههم، أنتن الأخوات إذا لم تقفن في وجههم، أنتم أيها الإخوة إذا لم تقفوا في وجههم، فإنهم سيجدون طريقهم الى النور، وإنّ نموَّهم سوف يؤدي إلى فساد حياتنا ثانية، وفساد بلدنا ثانية. إننا جميعاً مكلفون الآن، أنتم مكلفون، أنا مكلف، أنا طالب العلوم الدينية مكلف وأدعولكم، أنت أيتها السيدة المحترمة مكلفة، وأنت أيها السيد المحترم مكلف، جميعنا مكلفون بالالتفات إلى أن هذه النهضة وكما وصلنا بها إلى ما هي عليه الآن، وأن لا نسمح بحرفها او اضعافها. أسأل الله تبارك وتعالى السلامة والسعادة لكم جميعاً. أيدكم الله جميعاً. وأكرر شكري لكم على مساعدتكم لنا في الأوقات الحرجة.