بسم الله الرحمن الرحيم
طول الطريق لبلوغ الجمهورية الإسلامية
كانت قزوين أيضاً من المدن التي وقع فيها الخراب والبلاء أكثر من غيرها، ونابتكم المصائب انتم القزوينيين المحترمين، وتعاظم الخراب في مدينتكم، وثبتّم. وإذا أرى هؤلاء الشبّان الراسخين أَبتهج وأعتزّ أسأل الله- تبارك وتعالى- سلامة الجميع. مازال الإسلام حتّى الآن كلاماً، طبعاً كلّنا جميعاً اخترنا الجمهورية الإسلامية، لكن ذلك الذي يجب أن يكون- وسيكون إن شاء الله- لم يتمّ بعد. فذاك الخراب الأخلاقي الذي ساد إيران في عهد الأب وابنه، وذاك الفساد الذي ظهر في هذه البلاد، ووسَّعوه بدعوى التقدّم والترقّي والتحضّر تحتاج إزالتُها لوقت طويل. وأكثر الأشياء إيذاء للبلاد هو ما نزل بقوانا الإنسانية من الدّمار إذ لم يدعوها تنمو.
كانت مراكز الفساد في المدن وطهران خاصّة فائقة الحدّ، والدعاية كبيرة لجذب شبّاننا لمراكز الفساد هذه، وفتحوا سبلًا لا تعدُّ لإفسادِهِم، وسَعَوا لإغراقِهم فيه، وهذا الخراب أَسوأ أنواع الخراب جميعا.وإصلاح الخراب المادّي أيسر من إصلاح الخراب المعنوي.
سلب الاستقلال الروحيّ والفكريّ
أعطوا نفطنا، وذهب وزال، والآن يغدو النفط لإيران من جديد، والزراعة زالت، وتمكن استعادتها، وستعود سريعاً إن شاء الله. أمّا المهمّ، فهو قوانا الإنسانية، وقد سلب هؤلاء قوانا الإنسانية، ولم يَدَعوها تنمو. لقد فعلوا ببلادنا ما أَتلفُوا به جوهر الإنسان، إذ تركوا المظهر، وأخذوا ذلك الجوهر. فعلوا بنا ما قضى على ثقة بعضنا ببعض، سلبونا استقلالنا الفكريّ والروحيّ، وكان هذا أسوأ من سلب البلاد استقلالها. فقدنا روحيتنا، واستقرّ في ذهن الجميع أن الأمور لا يمكن أن تتمّ إلّا من الخارج، فإن أرادوا تعبيد شارع، أو قدَّ خطٍّ بين مدينتين، فيجب أن يأتي من الخارج، أهانوا قوانا الإنسانية، سلبوها المحتوى، حتّى إنّ مَن يمرض يجب أن يذهب إلى بريطانية، وتتمَّة ذلك قائمة الآن، فالأطباء يأتون إلى هنا أحيانا، ويقولون: نحن نستطيع أن نُعالج مَنْ يأخذونهم إلى هناك، ونقدر أن نُداويَهُم، لكنّهم فعلوا بالناس ماسلبَهُم الثقة بأنفُسِهم، لقد سلبونا استقلالنا الفكريّ، وتغلغلت فينا التبعية لهم فكراً وروحاً.
التبعية الفكرية والروحية أسوأ تبعية
إن هذه التبعية مؤسفة جداً، فالتبعية العسكرية تُرفع بيوم أو بشهر، والتبعية الاقتصادية قابلة للتصحيح، وتصحح سريعاً. أما التبعية الروحية والإنسانية فهي مشكلة جداً، فطفل من الصغر من وجودِه في حضن امِّه إلى ذهابه إلى الابتدائية فالثانوية فالجامعة كانت تتناوله الدّعاية حتّى ارتبط فكره بالخارج، واعتقد أنه لا يمكن عمل شيء بغير هذا الارتباط، فنحن لا شيء لدينا، حتّى يظنّ أَنّنا نحن لسنا بشيء، حتّى إنّ أخلاقنا أيضا ليست بصحيحة. هذه هي المشكلة المستعصية الحلّ، ولا تحلًّ سريعاً، فلابدّ من تعاون الجميع على حلّها، لتزول هذه التبعية، وتعود البلاد مستقلّة الاقتصاد، مستقلّة الثقافة، مستقلّة الإنسان، مستقلّة الفكر. الاستقلال الفكريّ والاستقلال الروحيّ لم يتحقّقا حتّى الآن إذ حيثما ذهبتم أيّ مجلس يعقده مثقّفونا وجدتم ذلك الحديث، حديث التغرُّب. ذاك الحديث الذي كان يجري في كل مجلس ايام الطاغوت. مازال على حاله، فنحن لم نخرج من تبعيتنا وتغرّبنا، ولا نخرج منهما قريبا. كان قائلهم الذي تُوفّي- رحمه الله- قد قال: يجب أن تكون كل أشيائنا انجليزية. أحد مشهوريهم يقول: يجب أن يكون كل أشيائنا انجليزية. هكذا فقد المحتوى، وبقي فارغا، المظهر إنسان كسائر الناس، لكنّ المحتوى تابع للآخرين.
تغرّب المثقّفين وتبعيتهم الفكرية
لا نستطيع أن نُصلح هذه الفئات المثقفة والباحثة عن الحرية سريعاً، ونفصلها عن ذلك المحتوى الذي أُلقي في رأسها طوال خمسين عاماً أو ثلاثين أو عشرين، وافْرِغَت من الوعي، فعادتْ غافلة عن نفسها. لا يمكن إصلاحهم إصلاحاً سريعاً، فهذا يحتاج الى ثقافة جديدة، ثقافة متحوّلة هي هذه الثقافة الإنسانية الإسلامية المستقّلة التي يجب أن يتربّى بها أطفالنا الآن، وهي ثقافتنا نحن التي يتربَّى عليها الطفل، ويعرف منذ البَدْء أنّني أنا أستطيع أن أُقرّر مصيري بنفسي. لا أن يكرّروا عليه أنّ الخارج- لا أدري- أوربة أو أمريكة هو الحسن و وانّ كل شيء يجب أن يرد من هناك، وأنّ كل أشيائنا يجب أن تكون تابعة، وحتي أخلاقنا، فحين نريد الحرية نريدها حرية غربية، يجب أن نكون غربيين نريد حرية شبيهة بحرية الغرب. ولا يزول هذا المعنى سريعا من الأدمغة التي غُسِلَت خمسين عاماً أو ثلاثين أو عشرين، وحلَّ فيها فكر غربيّ محلّ الفكر الإيراني. فهذا محتاج إلى مدّة طويلة تستولي علينا فيها الثقافة المستقلّة لا الثقافة الاستعمارية التي أَملَوها علينا إملاء بدّل كل ما لنا إلى غربيّ حتى إنّنا إذا كان كلامنا غَرْبيّا، وإذا سمّينا شوارعنا سمّيناها أسماء شوارع الغرب، ونستعمل اسماءهم، فنقول: شارع روزفلت، وشارع كندي، وشارع كذا، هذا هو التغرّب. جولوا في اوربة كلها، فلن تجدوا شارعاً يُدعى محمد رضا، ولن تجدوا شارع نادر. شوارعنا أيضا غربيَّة، ومجاملاتنا أيضا غربية، وتقاليدنا وآدابنا أيضا غربية، كل شيء. لقد سيطرت علينا التبعية الروحية لهم، وهذه التبعية الروحية أسوأ الأشياء كلها لنا. لقد ساد الإسلام الممالِكَ كلها في يوم من الأيام كان الروم وإيران كلتاهما مستقلتين متحضِّرتين بين كل تلك الممالك المتوحشة، وسادهما الإسلام وأراد في ذلك الحين أنْ يجعلها جميعا إسلامية.
الأَقلام السامة
على كل حال أشكركم أيّها الشبّان أن جئتم لنتلاقى عن قُرب ونبُثّ بعضنا بعضا ما في قلوبنا وهو كثير، غَمّنا كثير، لقد فرغنا من الحراب والرشّاشات ونحوها، وصرنا غرضاً لشِباتِ الأقلام التي جاءت مكان الأسنَّة، والمقالات مكان الرشاشات، في وجه الإسلام الآن، ولسنا مبتَلَينَ الساعة بالحراب وإنَّما بالأقلام وأهلها. نحن مبتَلون بالمثقّفين ودعاة الحرية الذين لا يعلمون ما الحرية وما حقيقتها. نحن الآن مبتلون بهؤلاء، وأَنا آمل أن يستفيقوا، وأن يستيقظ شعبنا ودعاة حرّيتنا، ويخرجوا من التغرّب، ويلتفتوا إلى أنفهسم، وأن يستقلّوا. في وقت ما كان كل شيء يصدر عن الإسلام إلى كل مكان، كانت الثقافة تصدر إلى الجميع، واليوم صارت كل أمورنا تبعاً لغيرنا.
وفّقكم الله جميعاً- إن شاء الله- وجعلكم نافعين لبلادكم مفيدين للإسلام، وتحفظون بلادكم بأنفسكم، فما عاد لكم أن تقعدوا لينهض عنكم الشرطيُّ والحارس، فكلكم الآن شرطة وحرس وجيش وكل القوى، والبلاد ايضاً لكم أنتم، فاحفظوها بأنفسكم.[ أحد الحضور: في ظِلّ قيادتكم الهادية]. حفظكم الله جميعا.