بسم الله الرحمن الرحيم
القلق مِن انخفاض المَضاء الثوريّ
هذا صحيح أنّه اذا كان الشعب يقظا مثلما كان، ومتّحدا على ما كان، ومسيره معلوماً كما كان، وإلهيّاً مثلما كان لا قوّة تستطيع أن تُقابله. وقد رأيتم أنّ تسلّح تلك القدرة الشيطانية بكل الأجهزة ومؤازرة كل الدول لها- أي: الدول الإسلامية وغيرها- والقوى الكبرى لم ينفعْها. هذا معلوم، لكن يجب أن لا نغفل عن موضوع هو أننا نحن الجالسين هنا لو طالعْنا أحوال الشعب لرأينا ذاك الاندفاع الذي كان في البَدْءِ قد خَفّ. ويجب ألّا ننسى هذا إذا كان كل الشعب ينصَبُّون في الشوارع وهم يهتفون: الله أكبر، وما كانوا يريدون الملك، ويريدون الجمهورية الإسلامية. في تلك الأيام كانت حماسة إلهية عجيبة جدّاً انطلقوا بها، وصوتوا للجمهورية الإسلامية واختارها تسعة وتسعون بالمئة منهم، ولاسابق لهذا الأمر. أمّا الآن، فيبدو أَنَّ الشعب قد فتر بالدسائس التي ساقته الى الجري خلف .. اننا محتاجون إلى الدار، محتاجون إلى العمل، محتاجون إلى الحياة. حادوا عن تلك القدرة الأولى التي كان الجميع أيامها في جهة واحدة قد نسوا مشكلاتهم وانصبّوا في الشوارع وماكان أحد منهم يشغله أنّنا الآن لدينا عمل، أو نريد عملًا أو دارا. لم يكن هذا من شواغلهم أصلا في ذلك الوقت. إذا بقيت الثورة على ذلك المنوال، فلا ريب أننا منتصرون، لا شكّ في هذا، لكن حين ننظر فيه الآن نجد فيه اختلافاً كبيراً عمّا كان في ذلك الوقت.
حفظ روح التعاون والتآزر
آن لكم أن تبذلوا همّتكم، ولا تدعوا الحماسة التي سادت الشعب تخبو، والاجتماع الذي ضمّه يفتر، ووحدة الكلمة التي قادته تبرد. اولئك كان عملهم إلاهيّا، وهو الذي أوجد فيهم ذلك التحوّل الأخلاقيّ والتعاون البنّاء. واليوم أو البارحة كان أحد من كانوا في هذه المعركة قد قال: عندما كان أحد يأتي لمنزله بساندو يُعْطيها أَحَدَ من فيه، فيُقِّطعها قطعة قطعة، ويعطيها الآخرين، ولا يتناول منها شيئا. كان آخذها يقِّطُعها ما استطاع قِطعاً صغيرة جدّا، ويقدمها لمن معه لقمة لقمة، فقد ضمَّ الرجل والمرأة والصغير والكبير حسُّ تعاون ومحبَّة عميق كان بحمد الله سبباً أن تهزمُوا العَدُوَّ من الميدان إن استطعنا أن نحفظ هذا المعنى فلا ولا تشكُّوا في أنّنا منتصرون.
جذور المعارضات والخلافات
طالعوا انتم باعتباركم من المثقّفين وأهل العلم هذه الأعمال التي تحدث الآن إذ ينصبّ جماعة في المصانع، ويمضون إلى الحقول، ويمنعون الناس من رفع محاصيلهم، ويتحدّثون بين المتعلّمين، ويدخلون الجامعات ويفعلون فيها ما يفعلون، ويجتمعون ويكتبون ويصنعون. تأمَّلُوا كل هذا، لتعرفوا أيّ ناس هؤلاء، مِن أيّ عين ينبعون. أهم واقعاً ناس مسيرُنا ومسيرهم واحد؟ أهم مع الشعب الذي هتف: نريد الإسلام، نريد الجمهورية الإسلامية؟
أيهتفون معه هذا الهُتاف؟ أو أنّهم يسلكون خلاف مسلكِنا؟ هؤلاء يجمعون القوى ويريدون أن يسيروا خلاف مسيرنا، وعلينا ألّا نستهين بشأنهم. وأنا لا أقول: كفّوا كل صوت لهم أينما ارتفع، أو اضربوهم حيث ثقفتموهم. ويقال: إنّ هؤلاء الذين ترون يجتمعون، ويتحدّثون بما يعارض مسير شعبنا والجمهورية الإسلامية، ويطرحون أشياء أخرى من أنهم لا علاقة لهم بالإسلام، بل لا يوافقونه، ولعلّهم يخالفونه. يجب النظر في سلوك هؤلاء من أيّ عين ينبع، فهم يقولون: إنهم وطنيّون واقعاً ويرون الإسلام مُضرَّاً بمصالحهم لمخالفته مايشتهون. وهذا خلاف مسير شعبنا، إذا كان أحدهم وطنياً، مهما كان وطنياً ولكنه لا يقبل الإسلام.
مُجابهة المشاغبين والمؤآمرين
نحن جميعاً، أنتم كلكم أقبلتم على الشوارع تكبّرون، أريقت دماء شبّانكم، وخرِبت البيوت واحترقت، وكل هذا جرى لتقوّوا الإسلام، ولتقيموا حكومة إسلامية تنتصر للضعفاء وتؤازر المغلوب، وتوزّع الثروة توزيعاً عادلًا، أو نكون دولة لا علاقة لها بالإسلام، لكنّها حرّة. أحرار، لكن لا علاقة لهم بالإسلام، هل هكذا كان شعبنا؟ وشعبنا يريد الإسلام، وكل ما يقصده أن تتحقّق أحكام الإسلام، وتقوم حكومة جمهورية إسلامية. وإذا رأيتم زرافات ووحداناً يسيرون خلاف هذا المسير، فلا ضربَ ولا قتل ولا قضاء على أحد. وإنَّما لنا القول كما يقولون: فنحن أحرار في عرض مطالبنا نقول ويقولون، ونكتب ويكتبون، وكتبوا في الصحف أخيراً، وانتم أيضاً كتّاب وخطباء، فافصلوا بين نهجكم ونهجهم، اكتبوا واخطبوا وتظاهروا، وادعوا بالكلمة والحكمة، لئلّا يتّفق هؤلاء الأعداء- لا سمح الله- في وقت من الأوقات، فيأتلف أعداء الإسلام وأعداء الشعب نفسه، ويتآمروا ضدكم، وحينئذ يقوون شيئاً فشيئا، ويثيرون المشكلات في طريقكم، فيجب أن تصدّوهم الساعة. ولا ينبغي أن نقول: هؤلاء ضعفاء، ومهما كانت حركة العدوّ ضعيفة يجب أن ننتبه، ونُزيل هذا الضعيف عن طريقنا. وأملي وطيد أنَّ هذه القضايا تستقيم بهمّتكم أنتم أيّها الشبّان، بهمّتكم أنتم أيها العلماء، وتقصر يد هذه البقية أيضاً، وتزول هذه الاضطرابات- إن شاء الله- وتغدو البلاد لكم تديرونها أنتم أنفسكم، والله يحفظكم ويؤيدكم.
والسلام عليكم ورحمة الله.