بسم الله الرحمن الرحيم
وجوب الصمود والفداء للإسلام
عندما كنّا في باريس في شدَّة كفاح المسلمين للطاغوت قَدَّمَت الطبقات المختلفة خدمات شتّى، ومنها موظّفو الاتّصالات الذين قدموا خدمات جليلة، فلولاهم لما وصل كلامنا إلى إيران، وقد أوصلوه بكمال الإخلاص، ونالوا سهماً عظيماً في الثورة والنصر. أسأل الله سعادة الجميع وأنا أدعو للجميع.
وهذه التكاليف على ما هي من الآن فصاعداً، وعلينا أن نكدح للإسلام. وليست القضية قضية اقتصاد، ولا قضية البلاد. ليست قضية إيران، وإنما قضية الإسلام. من القضايا الأخرى كثير مايسع الإنسان الإعراض عنه، فيغضّ النظر عن الدار والأولاد وأمور أخرى، لكن لايسعه التغاضي عن الإسلام. فلاحقّ لأحد أن يُغْضي عن الإسلام هذا النظام الذي فيه كل سعادة وكل ماتريده الشعوب. لا يستطيع إنسان أن يتجاوزه، ولا يجب أن يتجاوزه.
الجميع معاً في إعمار إيران الخربة
نحن الآن في وضع تنشط فيه الطبقات المختلفة بألسنة شتّى ضد الثورة في المصانع والمعامل، في الحقل والجامعة، في الإدارات والأماكن بلا استثناء. ومع أنّ هذه الفئات ضعيفة لا تستطيع فعل شيء مؤثّر، لكنها تبعث على التعب والابتلاء. وكلنا الآن مكلّفون سواء أنتن يا سيدات والسادة، كل في فرعه ومقامه وشغله أن نستديم هذه الثورة. واستدامة الثورة الآن بإنجاز الأعمال المطلوبة على الوجه الأحسن. فتستمرّ المصانع في عملها، والمزارع في زراعتها، وكل فئة مشغولة بعمل تؤدّيه على مايُرام. ولا يقعنّ خلل في العمل، ولا يقِلَنّ هذا العمل، ولا ينتابنَّه إهمال، فهذه الثلاثة مضرّة ببناء إيران. وبعدما هدمتم ذلك السدّ العظيم ها أنتم أولاء تُشاهدون وراءه مالحق بإيران من خراب ودمار. وعلينا الآن أن نُباشِر إعمار إيران المدمّرة من الأساس، وبناء بلاد لا يتسنّى لفئة واحدة. وتعليق الأمور على الحكومات أو علماء الدين غير صحيح، لأنهما غير قادرين على هذا العمل. إذن على جميع الفئات والآحاد أن يخدموا هذه الثورة معاً، فهذه وظيفتهم جميعا.
وجوب مشاركة الجميع في البناء
مثلما اجتمعتم في حينه تريدون أن تهدموا هذا السدّ، وكان لكل منكم تأثيره فيه، وما كان أحد يستطيع أن يقول: أنا وحدي لا أستطيع هزّ هذا النظام، فَلأقف جانباً. تجتمع القطرات، وتؤلّف البحر والأنهار والسيول، وهكذا الناس يحصل من كلٍّ منهم جزء من العمل المنشود. وغير متوقع من القطرة أن تهدم سدّاً. فإذا ذهبت جانباً، وذهبت القطرات الأخرى كذلك، لا ينهدم السدّ. وحين تجتمع القطرات معاً تؤلّف عظيما. وهذه السيول العظيمة من قطرات المطر هذه. وقطرات المطر هذه حين تنزل على الجبال يتألّف منها السيل، والسيل يحطم الجبل. وهكذا الناس لا ينتج من كل منهم منفرداً عمل- أعني عملًا مهمّا- لكن حين يجتمعون يقوى تأثيرهم، ويتحقّق مايريدون. ومثلما أدّى كل منهم عملًا، فانهدم السدّ، فإنّ لكلّ منهم تأثيراً في بناء البلاد. وحين ينجز كلّ منهم عملًا لا يستطيع أحد أن يقول: أنا لا اؤدِّي ما عليّ، أو لا اؤَدِّيهِ جيّداً. والآن يجب العمل وإنجازه الأحسن. وحفظ هذه الثورة بانشغال الجميع في البناء معا. فَلْينشغِل الكلّ معاً بإصلاح ماخرَّبه أولئك. مثلما أنجزتم أنتم جهاز الاتصالات قسماً عظيماً من العمل الذي كنّا بحاجة ماسَّة إليه، وكُتِبَ لكم في سِجِلّكم، وحُفِظَ عليكم عند الله- تبارك وتعالى- والحاجة قائمة إليكم على ذلك النحو. الحاجة قائمة للجميع، فلكل أحد حاجة، وعلى كل أحد تكليف. كلّنا مسؤولون بين يدي الله- تبارك وتعالى- الآن عن الإسلام، لا عن الأمور التي نستطيع أن نتجاوزها. فلنسعَ جميعاً في أداء هذه المسؤولية، لتحقق بسعي الجميع- إن شاء الله- هذه الجمهورية الإسلامية، وبتحقّقها تتحقق جميع مطامحكم.
ضرورة إقامة الأحكام الإسلامية
لم يحظ الإسلام حتى الآن بوجود خارجيّ بالمعنى الذي يجب أن يتحقق إلّا قليلًا في صدر الإسلام. والجمهورية الإسلامية التي نطمح إليها كل ما أنجزنا منها أننا رفعنا المانع الأصليّ لقيامها. كل ما فعله هذا الشعب حتّى الآن هو أنّه أزال الحواجز عن قيام الجمهورية الإسلامية، وهي ذاك الحكم الملكيّ.
كلكم صوّتم للجمهورية الإسلامية، وحكمُ بلادنا الآن إسلاميّ، لكنّ أحكام الإسلام لاتتحقق باختيار الجمهورية الإسلامية، فلابدّ من عمل بعدَ هذا الاختيار تتحقّق به أحكام الإسلام في الخارج واحداً واحدا. يجب أن تكون المحكمة إسلامية، والثقافة إسلامية، والمدرسة إسلامية، والسوق إسلاميا، وجميع الطبقات إسلامية، وأن تتجلَّى جميع قوانين الإسلام إن شاء الله. وإذا تحققت مبادؤنا هذه إن شاء الله، فإنكم ستفوزون بالبلدِ المِثال.
التوحيد لصنع الإنسان
لاتظنّوا الغربيين تقدّموا، فما تقدّموا إلّا في الجوانب المادّية. أمّا في الجوانب المعنوية، فما لديهم من شيء. والغرب كشف عن موادّ الطبيعة وقواها، واستعملها ضد الإنسان لا له، فسارَ بها لهدم الإنسانية وحطم المدن والبلدان. وعلى ما ترون، فإنّ كلًّا من البلدان المدعوّة متقدمة بتعبيرهم تضغط على الناس. فنحن كلّنا مبتلون بدولة متقدّمة- على ما تدّعي- هي أمريكة، وكثير من الدول الآن مُبتلاة أيضاً بهذه الدولة المتقدّمة. فتلك الإنجازات التي تقدَّموا بها تحقّقت على حساب الإنسانية، إذ أشاعوا بها افتراس البشر والحرب والنزاع في العالَم. فتقدّمُهم لضراوة الحرب وبشاعة القتل. ولو ظهرت بلاد إسلامية ولتقدّمت في خدمة المعنويات ورعاية الإنسان وصُنعِه. فإن وُفّقنا أن تكون ثقافتنا إسلامية ومدارسنا إسلامية، وكان المتخرِّجون بهذه الثقافة وفي تلك المدارس على ما تقتضيه تلك الثقافة وهذي المدارس، فُزْنا بالإنسان الأمين الرحيم الذي يعامِل إخوانَه وأخواتهِ بمودَّةٍ ورحمة.
أملنا أنْ تستمرّوا في فعالياتكم على نحو ماكنتم عليه قبلًا في كلّ مكان. وفّقكم الله- إن شاء الله- للنشاط الذي تطمحون إليه والخدمة التي يجب أن تؤدّوها لبلادكم وللإسلام. أسعدَكم الله جميعاً، ورزقكم العِزَّةَ والكرامة.