بسم الله الرحمن الرحيم
يقظة المؤامرات الداخلية والخارجية
أشكر لكم سلفاً أيها السادة الذين حضرتم واقتربتم منّا لنتناول مثل الإخوة ما تعرضون وما أعرض من القضايا. وما يحضرني في هذا الوقت الحسّاس لجميع المعسكرات ومعسكرات اذربيجان خصوصاً في هذا الوقت الحسّاس هو أنكم تعرفون أن الوضع حساس الآن جداً، وكلّكم تعلمون أنّ النظام ولّى، ولا عودة له، وأنّ يد الأجانب قد كُفَّتْ، ولن تعود إن شاء الله، لكن بين الطبقات من انتفعوا انتفاعاً غير مشروع سواء في الإدارات وفي الجيش، وفي الأماكن الأخرى. وهؤلاء الآن يفكّرون بإعادة ذلك النظام إن استطاعوا- ولن يستطيعوا- وإذا عجزوا يضعّفون الثورة الإسلامية. وهم في صدد هذا، لأن الثورة الإسلامية لا تسمح لأحد بالاستفادة غير المشروعة وهؤلاء يريدون الاستفادة غير المشروعة. ومن هنا كان من هذه الجذور العفنة في كل الطبقات. ونحن إذ وصلنا إلى هنا يجب علينا أن نكون في غاية الوعي من الآن فصاعدا، وعلينا أن لا نسمح للمؤامرات المدبرة في الداخل والخارج أن تستفحل، بل يجب أن تجتثّوها الآن، وذلك لوحدة الكلمة أوّلًا والإيمان ثانيا. أي: أنّ الإيمان مقدّم على كل شيء، وبعده وحدة الكلمة. وعلى ما رأيتم نشأ الإيمان ووحدة الكلمة، فطرحتم القوى العظمى جانبا، وقذفتموها خارجا. كان الجميع خلف محمد رضا سواء الدول القوى الكبرى أم الدول الإسلامية إلّا قليلًا. كلها أرسلت إليّ وأمريكة خاصّة كانت تريد أن يبقى، وكذلك هو أوجد أوضاعاً ليبقى، وذلك بأن تكون السلطة لنا والاسم له.
وكنت أعلم أنّه يكذب. ومع ذلك لم تستطع هذه القوى الكبرى أن تحفظه، لأنّ إيمانا سرى في الشعب بأنّ الشهادة فوز لهم. وشعب يؤمن بأن الشهادة فوز له، ويندفع للشهادة لا يمكن صدّه بالقذيفة والدبابة كما حصل.
أمنيّة تنفيذ الإسلام الأوّل
نشاهد اليوم فتوراً لدى ناس نشأ من أنهم رأوا أنفسهم منتصرين، ففتروا قليلًا، وظهر الالتفات للشؤون الخاصّة من قبيل: لا منزل لي، وراتبي قليل، وأريد درجة، ونحو هذا مِن الكلام الذي لم يكن قط ساعة كانت الثورة تتقدّم. وإذ وصلت الآن مَوصِلًا ما لانت نوعاً ما، وهذا مايحدث في كل ثورة، فبعدما يهزمون الخصم، وينتصرون عليه ينكفئون على أنفسهم، وينشغلون بأحوالهم الأولى وما يحتاجون إليه من أشياء تستلفت نظرهم من مثل: ليس لي دار، ولا راتب، وأنا مريض، وكذا وكذا. نحن الآن في نصف الطريق، ولمّا نبلغ نهايته، اخترنا الجمهورية الإسلامية، وإيران اليوم رسميّا جمهورية إسلامية، واعترفت بها الدول جميعها، لكنّنا نريد محتوى الجمهورية الإسلامية، ما تجرّعناه من الغصص، وما تحمّلناه من الفجائع إنّما كان ليقوم الإسلام في الأرض. نحن لا نريد جمهورية إسلامية لفظيّة نُصوِّت لها فقط، ولا نُعنَى بها. علينا أن نقيم الإسلام على ماكان عليه في صدر الإسلام.
هذه امنيتنا أن نطبِّق الإسلام كما طبِّق في عهد رسول الله، وهذا محتاج إلى الجِدِّ التامّ من الجميع. وعلى عاتقنا جميعاً مسؤولية كبيرة هذه الساعة، فأنا الطالب الحوزوي في قم، وأنتم السادة الذين في المناصب الحسّاسة كلنا مسؤولون أن ننشط، فقد بلغ الأمر مبلغاً إذا فترنا عندَه من الممكن أن تقوى تلك الجذور وتنمو ويتّصل بعضها ببعض، وتقع الغائلة. وإن لم يستطيعوا الانتصار، يستطيعوا فعل مايزعج هذه البلاد. وإن نفتر يمكن أن يصلوا علاقاتهم، ويزعجوكم في الأقل ويزعجونا.
شعبية الجيش إذا كان مع الناس
على كل منا الآن أن يؤدّي واجباته، فأنا الطالب الحوزوي عليّ أن انجز عملي الحوزوي، وأنتم الجند عليكم أن تنهضوا بواجبكم العسكريّ. وأذكر لكم أنّ الجيش الإسلاميّ كان قائده الأعلى إمام الجماعة، أي: أنّ هذا القائد حيثما ذهب هو إمام الجمعة. فحين بُعِث مالك الأشتر إلى مكان ما كان هو قائد الجيش والوالي وإمام الجماعة والجمعة، وذلك لاختلاف وضع الجيش في الإسلام عن وضعه في الأنظمة الأخرى. انظروا إلينا ونحن جالسون هنا بمحبّة واطمئنان، أهذا أحسن، أو محيط رُعب إذا دخله أحدكم خفنا جميعا. فهذا المحيط الودّي يبعث أرواحكم على التآلف والتحابب، يُشيعُ فيها السكينة والطمأنينة. أهذا خير، أم محيط إذا حضر فيه أحدكم هرب الناس؟ عندما يكون الجيش إسلامياً يجب أن يكون آمره قدوة للآخرين. وعلى الجند أن يكونوا على حال إذا وردوا بها مكاناً استقبلهم الناس، ونثروا على رؤوسهم الورد كما جرى أخيراً. أيُّما أحسنُ لنا ولكم وللجميع أن ينثر الناس الورد على الجيش، أم أن يفرّوا منه؟
تعاون الجيش والشعب
إنّ الطواغيت، لأنهم خائفون يخشون الشعب، ولخشيتهم منه يبثّون فيه الرعب، لئلّا ينهض بإحقاق حقّه. أمّا الجيش الإسلاميّ الذي ما خان الشعب، وعدل فيه، وخدمه، وجاء لخدمته، ولأنّه جاء لخدمته لم يخنه، فليس لديه من خوف من الناس، وهم أيضاً لا يخافونه. ولأنّ الشعب ظهير الجيش لا يخاف أحدهما الآخر، فهما أَخوانِ يحمي كل منهما ظهر أخيه. أهذا أحسن لكم، أم أن يعرض الشعب عنكم، وتبقَوا وحدَكم تريدون أن تُؤَدُّوا عملكم بالدبابة والقذيفة والحربة وسفك الدماء؟ ولو أنّ هذا الإنسان الذي حكم نيِّفاً وثلاثين عاماً هنا كان قد مدَّ إلى الشعب يداً قبل مضيِّ الوقت وقد مدَّها أخيراً، لكن خطأً وقبل نصيحة علماء الدين، وتوجَّه إلى الشعب وخدَمَه، لما آل إلى السقوط. لوكان الشعب خلفه، لما سقط. هذا الشعب الذي ثار هاتفاً بالموت للشاه، لو أنه فرضاً واجَهَ جبهة مخالفة له في ذاك الزمان، لهبّ هذا الشعب هاتفاً بالحياة للشاه. وقد ذكرت له هذا المعنى «1»، وأذكر أنّه عندما نزل الحلفاء في أطراف إيران، واستولوا عليها، وكان الناس يخافون على كل شيء، لكن حين بلغهم أنْهم أرسلوا رضا خان، وهرب فرحوا. وأرسلت لهذا الإنسان أَلّا تفعل ما لو ذهبت، ابتهج الناس، فلم يسمع.وَرَأيتم إذ وَلّى ماذا فعل الناس، وكيف عظم ابتهاجهم.
سيرة الرسول
اعملوا أيها السادة ما تستجلون به محبة الناس، وهذا فيه رضا الله أيضا. وهو ذو راحة لكم وفائدة لوطنكم. إذا كان البناء أن يكون الجيش على حال يخشاه الشعب، ويُعرض عنه، فهذا سيّئ للجيش نفسه. الجيش يجب أن يخدم الشعب، وأن يخدم البلاد على النحو الذي كان في صدر الإسلام لا يخافه الناس، وهم به رفيق، وله صديق. وهكذا الرئيس في بدء الإسلام يعاشر الناس معاشرة أحد لصاحبه، ويتعايشان مثل الأخوين اللذين كانا جالسين هنا. فالرسول الأكرم الذي كان رئيس الإسلام الذي كان يأتي المسجد، ويجلس بين صحابته الذين يلتفون حوله، فيبدو واحداً منهم، حتّى إنّه من يأتي من غيرهم لا يعرفه من بينهم، فيسأل: من منكم النبيّ؟ هكذا كان الوضع، وهكذا كان الرسول يسير في الناس ويعاملهم. وماكان إذا جاء يُضرَب دونه ألف سِتْر، وينظر فيما بعد أين يجلس، ويُعدُّ له المكان الوثير، ونحو ذلك. ومن الجهة الأخرى هزم إيران تلك الامبراطورية العظمى وامبراطورية الروم العظمى في الوقت الذي كان فيه الوضع خالياً من الكلفة تسودهم الرحمة بينهم، والشِّدَّة على الكفار بأمر القرآن الكريم.
الجيش الإسلاميّ مع الشعب في مواجهة الأعداء
وهكذا يجب أن يكون جيشنا وشعبنا، فيروا الشعب اسرتهم، ويعاملوهم مثلما يعاملون أبناءهم وإخوانهم. وفي المقابل إذا حمل الأجنبي غير المسلم عليكم، وقفتم في وجهه أشدّاء عليه راسخين. ولا يكن أمركم أن إذا أخذتم الضعيف منكم تؤذونه، وإذا ارتفع صوت من مكان تفرّون. وقد رأينا عندما جاء الحلفاء ذلك المضمون الذي كانوا يقولون: (ذلك الواحد لم يثنَّ) إذ أصدر الجيش في ذلك الوقت البيان الأوّل، وما ثنّاه. - وحسب ما قيل- حاربوا ثلاث ساعات، وفرّوا. وشهدت فرارَهم في طهران نفسها، فما ارتفع الصوت فيها حتى فرَّ الجند، وهرب كل ذوي المناصب صوب إصفهان، لماذا؟ لأنّ أولئك لم تكن لهم قاعدة شعبية بين الناس، ولا قدرة عسكرية. وقالوا لرضاخان ساعة سأل: لماذا بهذه السرعة؟ لماذا؟ قالوا له: هذا الذي نقوله الآن نقوله مجاملة لك، وإلّا فإن الأمر انتهى بالحملة الأولى التي لم تدم ثلاث ساعات. فهجوم أولئك الأوّل جاء من هنا، ونحن فررنا من هنا، لأنّه لم تكن قدرة عسكرية، وإنّما كانت كلاميَّة.
الجيش الإسلاميّ راسخ حتّى الشهادة
القوّة العسكرية تُجابه العدوّ حتّى الشهادة. والجنديّ الإسلاميّ يرى الشهادة حياة له، ومن يرَ الشهادة حياة دائمة له يُجابِه العدوّ، ويستنشق النفس الأخير وهو يطلب الشهادة. ومن تعلّق نظره بزخرف الحياة والمادّيات، ولم يكن في قلبه إيمان أصلا، فذا ك إذا ارتفع صوت على الحدود فرّ هو في طهران. كانت الصيحة على الحدود، والمهاجمون لما يجيئوا بعد، وما ارتفعت الصيحة على الحدود- وكنا شاهدين لما جرى- حتّى فرّوا في طهران، وخرجوا منها. فاعملوا أنتم بحكم القرآن، ولْتربطكم بالشعب أواصر المحبّة، حتّى إذا أقبلتم عليه قبلكم وأحبّتكم العامّة منه، لأنكم حماتُهم. أمّا مقابل من يريد بكم سوءاً، فاثبتوا واتّخذوا الشهادة فوزاً لكم. هذا هو جنديّ الإسلام وأنتم الآن جنده وأنا آمل أن تُدوَّن أسماؤكم في سِجلّ إمام الزمان- سلام الله عليه. حفظكم الله جميعاً ووفّقكم، وأرجو ألّا تتأثّروا بما يتقوّله مفسدون في تبريز أو اذربيجان. وأنا خادم الجميع وخادم علماء الدين، ولا وجود لهذه القضايا. وما يثيرها إلّا محبّو المفاسد، لأنّهم يريدون أن يفسدوا. وإلّا لا يمكن لمُسلمَين، لإنسانينِ أن يختلفا. أنا خادم لكم ولجميع الشعب، وأنا آمل أن أستديم هذه الخدمة حتّى النهاية، وأن نكون كلّنا خدم الإسلام.