بسم الله الرحمن الرحيم
نصف قرن من الضياع والخراب
نحن الآن نواجه أمرين: أحدهما أنّ كل جماعة منّا تعلم خراب الناحية التي هي فيها أحسن من الآخرين. فأنتم أيها السادة في المصارف تعلمون جيداً ما عمل النظام السابق بالمصرف، وما فعل المصرف بهذا الشعب. وأولئك الذين في المصانع يعلمون هذا المعنى عن المحلّ الذي هم فيه. والفلّاحون رأوا بأمّ أعينهم ما فعلوا بهم. ومن هم في الجامعة يعلمون أيضا ما فعلوا بها. وأولئك الذين في السوق يدرون ما في محلِّهم. وأخيراً كلنا نعلم مجملًا أنّ هذه البلاد واجهت الضياع بضعة وخمسين عاماً، إذ أخربوها تقريباً باسم الحضارة الكبرى، لكنّ كل طبقة منّا تعلم ذاك علم اليقين، لأنّها تلمسه في المحلّ الذي تعمل فيه. ونحن الآن بإزاء الأجهزة المختلفة التي تأتي من أطراف إيران إليّ هنا، وأنا أرى كل جماعة تأتي تقول: لا مكان أسوأ من المكان الذي نحن فيه، ولا محلّ أكثر خرابا من محلّنا. فيأتون من بختياري مثلًا يقولون: لا مكان أسوأ من بختياري، وبختياري لا شيء فيها، وما نزل بها من الظلم في هذه الخمسين عاماً لم ينزل بأحدٍ آخر. ويأتون من البلوش يقولون: هذا الكلام عيناً، ويأتون من كردستان يقولون القول نفسه، ومن كلّ مكان هكذا. وأنا أرى أنّ كل هؤلاء يقولون صحيحاً، فهم يعلمون أنّ هناك خراباً، وهم يقولون: لا مكان أسوأ مما نحن فيه، لأنهم رأوا ذلك المكان، وسمعوا عنه. فمن كان في بختياري رأى ما جرى فيها وما هي عليه الآن، وسمِع بما جرى من ظلم في أماكن أخرى لكنّه لم يشهده، ومن هنا يرى محلّه أسوأ من كل محل. كل ما يقوله هؤلاء صحيح، لأنّ كل مكان كان خرابا.
إتلاف الزراعة بما يُدْعى الإصلاح الزراعيّ
كان لديهم في الأصل برنامج أن يدمّروا الزراعة باسم الإصلاح الزراعي تدميراً كاملًا، ويفتحوا سوقاً لفائض القمح الأمريكيّ الذي إمّا أن يُلقى في البحر، وإمّا أن يُحرَق، إذ رأوا أنّ الأحسن أن تُتلف زراعة إيران أو سائر البلدان التي تحت نفوذهم، لتحتاج إلى قمحهم وكل حبوبِهم كاحتياجنا الآن، فكل أشيائنا تأتي من الخارج. وقضوا على تربية الحيوانات، لنستورد اللحم الذي نحتاج إليه من الخارج. وهكذا في كل الأشياء الأخرى، فهؤلاء دمّروا البلاد طوال هذه الخمسين عاماً باسماء خادعة ومُغْرية. والأمر الآخر الذي كنّا نريد أن نعرضه هو أنّنا كلنا نعلم ما لحق بالبلاد من الخراب غايته أنّكم تعلمون ما أصاب المصرف منه أكثر من أولئك الفلّاحين، والفلّاحون يعلمون خراب الزراعة أكثر منكم. وهكذا كل فئة وكل طبقة تعلم ما نزل بمحلِّها وعملها من خراب ودمار أكثر من غيرها.
خطوة أساسية لإعادة البناء
فماذا يجب الآن؟ إذا كان الأمر أن نجلس، ونستعرض الكلّيّات على نحو ماذا يجب، وماذا يجب، فإن هذا العمل لن يتقدّم. فأنتم الذين في المصرف وموظّفوه يجب أن تُقبِلوا على إصلاحه. وماذا يجري في الزراعة يعلمه الفلّاحون أنفسهم ويتلافونه. والقول حسن طبعاً، والموعظة واجبة البيان، لكن لا أن تتناولوا شؤون البلاد كلها، فأنا أيضاً أعلم أنّها خراب، لكن ما العمل؟ الواجب هو أنّكم ترون هذا الاضطراب الذي يجرّ إلى الخُسران في المصرف المركزيْ الذي أنتم موظّفوه، فتسعون إلى أن تصلحوه. عليكم أن تصلحوا هنا، وعلى من يرى الإدارة الفلانية خربة أن يُقبل على إصلاحها. توَّاً كان هنا رئيس بلدية العاصمة وعدد من موظّفيها، وكانوا يشكون هذه الشكايات، والواجب أن يشتغلوا بهذه الأمانة وخدمة المدينة، لا أن نجلس كلّنا نستعرض الكلّيّات، ونتشاكى الآلام، ونسأل الله علاجها يجب أن نعمل جميعاً، وقديماً كانوا يقولون في تمثيل عاشوراء: من يمثّل شمراً يجب أن يُؤدِّه حسنا، ومن يمثّل الحسين يجب أن يُؤدِّيه حسنا. فإنْ أراد الشمر أن يمثل بصبغة حسينية والحسين بصبغة شمرية فهذا التمثيل ليس بصحيح ولا بمؤثر.
الضربة القاصمة للقوى الإنسانية
كلّنا اليوم مبتَلَون بهذه البلاد التي دمّروها وخرّبوها، ونهبوا كلّ ما لنا فيها. وأسوأ من كل شيء قضاؤهم على القوّة الإنسانية، وهذا أفدح من كل الخيانات لهذه البلاد، فقد بدّدوا هذه الطاقة الأساسية بأساليب مختلفة: بفتح مراكز البِغاء، ولست أدري، لكن أسمع أنّهم كانوا قد فتحوا مراكز بغاء كثيرة وأمثالها بين طهران وكَرَج وشميران. وكانوا يشجّعون على ارتيادها. والسينما التي يجب أن تكون معلّمة أقاموها على أبشع الصور، وأغروا الناس بها. وما أكثر ما بنوا من مراكز المخدّرات من قبيل الخشخاش والهيروئين ونحوهما، وما أكثر ما استوردوا منها! وهم أنفسهم كانوا مستورديها، وهم بما قالوا وبما أغروا به الناس أتلفوا طاقة البلاد البشرية، وذهبوا. ويستطيع الإنسان إصلاح اقتصاده في سنة أو اثنتين أو أربع سنوات، لكن من أفسدوه من الناس وطبقة فسدت أربعين أو ثلاثين سنة تحتاج إلى عمر، لتعود بشراً. وهذه من أفظع ما أنزلوا بنا من ضربات، وكانت أهمّ مهمّاتِهم. فأولئك كانوا يريدون أن يقضوا علينا، ويذهبوا بكل ما لدينا، ولا يعترض أحد. كان أولئك يَدْأَبُون على أن يهلكوا قوتنا الإنسانية بالدِّعاية التي شنّوها علينا، أو بالضغوط وأشباهِها ممّا أنزلوه بنا من الضربات، ليسلبونا هذه القوّة. وإذا وردنا الميدان الآن، وأردنا أن نصلح تلك القوّة، وجب علينا أن نصلح تربية الصبيان والمراهقين شيئاً فشيئاً، لنبلغ الغاية هناك. وأولئك الكِبار أنشأوهم إنشاءً يصعب إصلاحهم معه.
الإصلاح بيد المتخصّصين
يجب ألّا تقولوا أنتم الذين في المصرف: في البلدية خراب لابدّ من إصلاحِه، بل انظروا لما في المصرف وما يجب أن تفعلوا فيه. انظروا للمصرف وما كان فيه من مفاسد ومآخذ، وكيف يجب أن نُهيِّئ مصرفا مفيداً لبلادنا. وذلك بتحديد ماكان ضارّاً من الأشياء، وما كان مخالفاً من البرامج. عليكم أن تتفاهموا في هذه الأمورمعاً، وتحلّوا مشكلات المصرف، وهذا هو واجبكم. وأنا الحوزوي أيضاً أرى مشكلات الحوزويين أيّاً كانت، وأسعى في حلِّها.
وعلى رئيس البلدية أن ينظر في مشكلاتها، ويحلّها. إذا حدث هذا، وتعاون الجميع على أن يبيّن كل إنسان رأيه في المحل الذي هو فيه، ويصمّم على أن يصلح ذلك المحل، فإننا سنرى بلديتنا بعد مدّة قد صلحت إن شاء الله، وهكذا مصرفنا وزراعتنا. كلنا نعمل معاً، لكنْ كل منا يُصلح المحلّ الذي هو فيه والعمل المعهود إليه. ولو شئتم أن تقعدوا، وتدعوا الفلاحين يُصلحون شأن الزراعة والبلاد كلها، لما استطاعوا إصلاح البلاد. ولو قعد الفلّاحون، ونهض المصرفيَّون بالزراعة بَدَلًا منهم، لما استطاعوا إصلاحها أيضا. ولو قعد الجميع و لينهض عالم الدين بهذا الأمر، لما تمكّن. ولو قعدنا نحن كلنا، لتمارس الحكومة هذا العمل، لما استطاعت. أمّا حين يُقبل هؤلاء جميعاً على العمل معاً، وكل ينهض بما عليه في محلِّه يطهّره ويُصلحه، فإنّ ذلك العمل يسهل ويصلح. أسأل الله أن يوفِّقكم، وتتحقّق تلك المطامح التي ذكرتموها، ويؤيِّدكم جميعا «1». البلاد الإسلامية التي كل شيء فيها سعادة نريد أن يكون الحال فيها أنّك إذا جئت المصرف كأنّك ذهبت إلى المسجد، هكذا نريد أن تكون، فيصير ذهابنا إلى الوزارة فيها كذهابنا إلى المسجد مكان العبادة.
أي: أن كلّ مكان فيها يتّخذ الصبغة الإسلامية، والكل فيها حبيب ورفيق وأخ، والكل متعاونون متظاهرون. ومتى تحقّق هذا المعنى- وأنا راجٍ ذلك- يصلح كلّ شيء- إن شاء الله. أيّدكم الله جميعا. ولم يبق لي بعدُ وقت.