شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [اختلاف الحكومات الشعبيّة والاستبدادية]

قم‏
اختلاف الحكومات الشعبيّة والاستبدادية
اردلان، علي وزير الاقتصاد والمالية ومعاونوه والمديرون العامّون‏
جلد ۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۸۵ تا صفحه ۱۹۱

بسم الله الرحمن الرحيم‏

بعد النظام الملكيّ عن الشعب‏

إذا أرادت بلاد أن تكون سالمة، يحب أن يتفاهم النظام الحاكم فيها والشعب. في الأنظمة الامبراطورية والأخير منها خاصّة كان هذا الأمر معكوساً، فأجهزة الحكم، كل أجهزة الحكم كانت في جانب، والشعب في جانب. فذاك الجهاز الحاكم كان يسعى إلى أن يعامِل الشعب بالرعب والضغط والإيذاء والتعذيب والحبس وأمثال هذه. والشعب أيضا كان يسعى رغم افتقاره لعوامل القوة إلى عدم دفع الضرائب وعدم تلبية رغبات الحكومة، ليس هذا فحسب بل حاول القيام بكل ما يضر الحكومة. ومن هنا يحصل انفصال بين الشعب والحكومة، وتبقى الحكومة بلا ظهير، ويتخيل الجهاز الحاكم نفسَه أمراً مستقلا ولا صلة له بالشعب، والشعب أيضاً لا ثقة له به أصلًا، ويراه عدوَّه. فإذا جاء الجيش بين الناس كل مثل العدوّ، فكلّهم يفرّون منه، ويُعْرِضون عنه، وحين يكون الجنديّ والشرطيّ بين الناس يهربون منهما، ويكرهونهما، وكانت هذه أسباباً ألّا تبقى حكومة، فلا قاعدة لها بين الشعب، ولذا تضطَر أن تذهب جانباً. وهذا يجب أن يكون عِبرة للحكومات.

النظام الإسلاميّ شعبيّ‏

لعلّ تفاهم الحكومة والشعب في رأس العمل الإسلامي، أي: أنه لا الحكومة ترى نفسها منفصلة عن الشعب، وتريد تسخيره لها، وتهدّده وترعبه، وتؤذيه، ولا الشعب كان في صدد أن يضعف الحكومة، أو يفرّ من مقرّراتها. هكذا كان وضع الإسلام منذ البدء، فحاكمه الذي كان رأس النظام كان مع الناس في حياته ومعاشرته، أو أدْنى منهم، أو قريباً منهم.

سيرة الإمام علي في الحكم‏

كان أحسن الحاكمينَ في الإسلام بعد رسول الله هو أمير المؤمنين- سلام الله عليه- وما يؤسف عليه أنّ حكمه كان قصيراً، وحينما نقتبس سيرته العملية من التاريخ، ونطالع أوامره في الخطب والرسائل، ونتأمّل معاملته للرعية ومعاملتها له، وسيرة الولاة والعمّال الذين‏ كان يرسِلُهم إلى أرجاء البلاد المترامية الأطراف جدّاً الضامّة للحجاز ومصر وإيران والعراق وسورية وطرفاً من أوروبا، وكل هذه كانت تحت السيطرة، نجده حين يرسل أحداً حاكماً يوصيه كيف يعامل الناس ويسير فيهم، ونرى معاملة الناس لهؤلاء أيضا. وكل هذا مسطور في التاريخ. وحياة أمير المؤمنين يعرفها الجميع لا يستطيع إنسان ما أن يحياها، حتى إنهم كانوا يقولون له: إذا كانت هذه حياتكَ، فما هذه القوة التي بين يديك؟ وفي أحد المواقف يقول: إنّ الأشجار التي تنبت في الصحراء أصلب خشباً، وأقوى ناراً، لأنها تنال قليلًا من الماء. وليس كل من يأكل كثيراً، ويتناول الدسم، ويلتهم الحلوى يكون قويّاً، بل لعلّ كثيراً من هذه الأغذية وغير المعتادة منها خاصة تجلب للإنسان الضعف والكسل وأمثالهما. على كل حال حين ينظر الإنسان في حياة أمير المؤمنين- عليه السلام- يجد عجباً، فما لديه- على ما ينقلون- سوى جلدٍ يفرشه ليلًا له ولفاطمة- سلام الله عليهما- وينامان عليه، ويضع عليه علف الجمال نهاراً. وفي الغذاء لا يستطيع أحد أن يعيش على ما عاشه- عليه السلام- من شظف العيش، حتى إنّه كان يقول: إنكم لا تستطيعون، ولكن أعينوني بورع واجتهاد. هكذا كانت الحكومة والحاكم في خضوع للقانون، فرئيس الشعب الواسع الرئاسة القائد لجيش عظيم القدرة كان خاضعاً للقانون خضوعاً فريداً، حتى أنّ قاضِيَه الذي نصبه هو دعاه يوماً لمقاضاة يهوديّ ادّعى عليه أنه أخذ درعه، وحين حضر- على ما ينقلون- وناداه القاضي بقوله: يا أبا الحسن اعترض عليه، وقال له: يجب أن تسوّي بيني وبينه في الخطاب. فيجب أن يساوي القاضي بين المتخاصمين، فلا تكنني وتُسَمٍّيه، بل سَمِّني مثلما تسمِّيه، وقل: يا علي. وحينما قضى عليه القاضي سلَّم بقضائه راضياً، غير أنّ اليهوديّ أيقظَهُ خضوع الأمير للقضاء، فأسلم، هذا هو الإٍسلام. هذا هو وضع معاشرته للناس وطبيعة حياته وعدالته، وعطفه على فقرائهم معروف، وفي التاريخ أنّ اسراً كثيرة لم تكن تعرف من كان يأتيها بما تحتاج إليه. كان يمرّ من مكان فيه صِبيَة يبكون، فطرق عليهم الباب، وأطعمهم، ولاطفهم وآنسهم، ثم أسمعهم مثل رغاء البعير إضحاكاً لهم، قال: حين وردت كان هؤلاء الصبية يبكون، واحبُّ إذ أخرُج الآن أن أراهم يضحكون. هذا حاكم تمتدّ حكومته من الحجاز إلى مصر، وإلى إيران وإفريقية وغيرها كثير. حسناً، طبعاً لا أحد يستطيع أن يسير هذه السيرة، لا أحد يستطيع.

الاعتبار بعاقبة الأنظمة المستبدّة

لكن، لا ترى الحكومات نفسها منفصلة عن الناس. لا يكن الرؤساء هكذا، فيمضي كل منهم يبسط سلطانه أينما كان رئيساً، ويظهر رئاسته، ويرى الناس دونه، ويعاملهم بقوّة لا تلين. فهذه تكون أسباباً لأن ينفصل عنه الناس، فلا يدفعون الضرائب، ويفرّون من دفعها، فلهم دفتران: وسُئلتُ تكراراً أنّ لنا دفترين في عهد الطاغوت- طيب الآن هؤلاء الذين قالوا: لديهم دفتران- أحدهما كنا نظهره للمأمورين، وهو غير ذاك الخَفِيّ، فما نفعل الآن؟ قلنا: لا، الآن أنتم أبصر بحالكم. فأولئك كانوا يركبون الناس بالقوّة والعنف والضغط من ناحية، والشعب أيضاً لا يستطيع أداء ذلك القدر من ناحية، ولذا يخالف ما استطاع إلى الخلاف سبيلًا، ويُجاهِرُ به، كما فعل أخيراً. وإذا لم يستطيعوا الجَهْر بالخلاف يُخفُونه، فيرفعون من مال الحكومة ما يستطيعون. وهذا يجب أن تكون عبرة للحكومات، للإدارات، لكل الجهات حتى لا تنفصل الناس عنها، ويروهم منهم، والناس أيضاً يرونهم من أنفسهم، أولئك يراهم الناس من أنفسهم. إذا تفاهمت الحكومة والشعب هكذا، فتلك الحكومة معتمدة على الشعب، ولا سقوط لها، فهي غير قابلة حينئذ للسقوط.

وئام الشعب والحكومة

آمل أن تحلّ صبغة إسلامية- إن شاء الله- شبيهة بحكومة الإسلام بعض الشي‏ء، بل آمل أن تكون هي هي، وقدر ما نستطيع نجعلها بلاداً هادئة لا يخطر ببال أحد فيها أن يتعدّى على آخر، لا الحكومة على الشعب، ولا الشعب على الحكومة. والناس يؤدّون الضرائب عن رضا ورغبة في هذا الأداء حفظاً لأنفسهم، حفظاً لِحدودهم، من أجل أنفسهم يؤدّون الضرائب راضين راغبين في أدائها. أي إنسان- افرضوا أنّ إنساناً له غنم، عشرة آلاف رأس، وجاءه أحد يقول له: أنا أحفظ عليك هذه الغنم، وعلم هو أنّ هذا أمين ويحفظ عليه غنمه، فإنه يعطيه أجره عن رضا ورغبة في العطاء، يَدْفع شيئاً، ليحفظ به ما عنده من أشياء. إنسان لا يتمكّن من حفظ ماله، ويأتيه من يقول له: أنا أحفظ عليك، فإنه يعطيه ثمن حفظه عن رضا ورغبة في ذلك.
طيّب بلاد لا يتمكّن أهلها من أن يديروها، وحين لا يتمكنون من أن يديروها، حسن أن تديرها جماعة تحفظ حدودها، وتصلح أحوالها، جيّد، ومثل هذه البلاد هي للشعب نفسه، والحكومة تريد أن تحفظها عليه، أن توجد النظم، وأن تعمر المدن، وتصلح الطرق، وكل هذه الأشياء للناس، ومتصلة بهم، وتتمّ من أجلهم، وحين يكون الأمر كذلك يُقبل الناس راضين راغبين في دفع ما عليهم- وعندئذ لا يصنعون دفترين- إصلاحاً لشؤونهم. وإذا كان هناك شخص محتال كان قليلًا. ولا يعمّ الجميع، بل يحصل قليلًا.

نظام الإسلام الضريبيّ‏

وإذا استطعنا واستطعتم إن شاء الله يوماً أن نقبض هذه الضرائب الإسلامية، وليست تِلْكَ رَقْماً ضئيلًا. الزكاة طبعاً ليست كثيرة، لكنها بقدر الفقراء حتى إنها لا تدع فقيراً يظهر. أمّا الخمس، فهو ضريبة كبيرة جدّاً وهذه الضريبة الكبيرة جدّاً تنفق لكل شي‏ء، أي: أنّ نظامها ليس على هذا النحو الذي يُتَخيّل أنها للفقراء. الخمس عائد كل البلاد في كل عام، وهو حاصل عظيم جدّا يستطيع أن يدير البلاد. وإذا استطعتم، استطعنا- إن شاء الله- إجراء هذا النظام الإسلامي لن يكون لنا احتياج ما إلى أي شي‏ء آخر زائد عليه في ميدان الضرائب. هذا الخمس لكل الأموال، أي لكل دخل، وهو عادل جدّاً، فبقّال المحلّة يدفع ضريبة قدر إمكانه، وذاك الإٍنسان صاحب المصنع الفلاني يدفع أيضاً على قدر استطاعته. وهذا النظام جرى بعدالة، وإذ مورس هكذا إن شاء الله لا يبقى احتياج لأن يدفع الناس زيادة على ما يعطون، وهذا الترتيب غير جار الآن طبعاً، والأمل أن يجري. وإذا جرى وفر دخلًا ثَراً جداً لعله يُدير كل شؤوننا، وتصحّ به البلاد وتسلم إن شاء الله، وأنتم أنفسكم تديرونها.

ظلم عملاء الحكومة الطاغوتية

قصدي هو أنّه حتى رؤساء المالية عندما كنت صبيّاً في تلك الأطراف التي كان رئيس المالية فيها يفعل بالناس الأفاعيل مسْتغِلًا الدرك، ويأخذ من الناس أشياء بالشِّدَّة، بالعنف، إذ يأخذ تلك الضرائب (والقُلُق) «1» بتعبير ذاك الزمان، فهو يستحصل الضرائب، ويريد القُلُق، ويجب أن يذهب إلى هناك، وحين يصل، ويرد عليه مختار القرية يجب أن يرد عليه بالتعظيم وأنواع العطاء. يا للمصائب التي عاناها الناس من أولئك المدعوين مأمورين سواء المأمور المالي والمأمور الحكومي وغيرهما. فعندما كان المأمورون يذهبون يعذّبون الناس، ولا يذهبون على نحو ما كان عمّال أمير المؤمنين يعملون بأمره أن اذهبوا، ونادُوا الناس الموجودين للزكاة، نادُوا، وقولوا- بحسب الرواية- أو أخرجتم زكاتكم، أم لم تخرجوها؟ فإنْ قالوا: أعطيناها، فعودوا. وأولئك الناس ما كانوا يتأخرون في الدفع. فحينما كانت الحكومة هكذا، والشعب مسؤولًا ويرون الله شاهداً عليهم، ما عادوا يتخلّفون، فكانوا يدفعون ما عليهم من ضريبة، كانوا يخرجون الزكاة، ويدفعون الخمس.

مكانة المسؤولين في الإسلام‏

الأساس الذي نعرفه نحن كلنا على كل حال هو أننا مسؤولون عند الله- تبارك وتعالى- وكلنا نعلم أنّ العقل أيضاً يقتضي معاملة الناس على النحو الذي يأمر به الإسلام، وعلى الحكومات أن تسلك هذا، ففي صدر الإسلام كانوا يرسلون مأمورين جديرين بعملهم، فذلك القائد، وذلك الولي، وذلك إمام الجمعة كانوا على قدر كبير من ثقة الناس بهم، وكانوا يعرفونهم بالعدالة، فيقتدون بهم، ويأتمّون بهم في الصلاة، وإذا سار إلى الحرب آزروه. إذا حصل مثل هذا، واستطعنا أن يكون لنا جهاز حكوميّ جهاز إسلاميّ يكون مع الشعب انتصرنا، وأنتم الآن- ولله الحمد- تقدَّمتم في هذا إلى حدود.

الجيش والشرطة إلى جانب الشعب‏

تعلمون أنّ الجيش كان بعيداً عن الشعب، حتى إنه ما كان يرد جماعة من الشعب، وذلك لأنه إذا ورد فرَّ الناس منهم كأنهم يرون جيش المغول قد هجم عليهم، وإذا أراد الشعب‏ أن ينضمّ إليهم فرّقوه بأسنة الحراب، هكذا كان الوضع، ولسنا الآن كذلك، فكل عدّة أيام تأتي جماعة من الجيش، جماعة من الشرطة، جماعة من الناس، ويختلط الجميع، ويتداخلون، ويمتزجون بعضهم ببعض، ويهتفون بصوت واحد، ويصدعون بالإسلام، ويعلنون الطاعة لأحكامه. وما أطيب هذا! وكنت أقول لهؤلاء: خيرٌ لكم أن تجلسوا الآن هنا براحة بال، ولا تخشون مَن يؤذيكم، الناس لا يخشون أن تؤذوهم. الآن بالكم مستريح. أو في ذلك الوقت الذي كنتم تنصبّون فيه، وتؤذون الناس بالحراب، ومثلما أنّ من يشهر الحربة على الناس لا يرتاح كذلك ضميره لا يرتاح، ولا ينبغي للإنسان أن يكون هكذا. بلى، من الممكن أن يرتكب أحد الجناية، حتى يألفها، لكنّ عامة الناس لا يتمكّنون من هذا. كان الرعب الذي ينزلونه بالناس يخيفهم من الشعب. وكثرة الرعب والخوف وإقصاء الناس عنهم وتعدِّيهم عليهم هي أساس خوفهم من الناس. فماذا يعملون ليأمنوا الناس وهم يخافونهم؟ كانوا يوجدون الرعب، وينصبّون بينهم، ويمارسون مشهداً من القسوة فيهم، ليخافوهم، وهذا الشعب يخشاهم. وهؤلاء لحفظ أنفسهم أساؤا للناس وقهروهم لكي يخافوهم. والملك السابق ما كان يجرؤ على أن يأتي بين الناس. ما كان لديه من قدرة أن يأتي، ويجلس بين الناس. ذهب هو وديغول حينما جاء إلى هنا إلى أطراف البازار «2». ومع تلك الحراسة المشدّدة نزل ديغول، ومضى بين الناس، لأنّه ما كان يخاف من سُكّان إيران، ولعلّه لا يخاف من شعبه هناك أيضاً.

الحكومات الشعبية وإنجازاتُها

عندما يتسنى لحاكم بلاد- لنفرض أنه رئيس وزرائها- أن يسير بين الناس- معهم، يكلِّمهم يتحدّث إليهم، ويستمع لهم، حينما يفعل هذا يحفظ صدارَتَهُ لهم وحكومته عليهم إضافة إلى أنهم يكونون له ظهيرا، ويرونه حامياً لهم، فيصيرون حرساً له. أمّا حين يقولون: الشرطيّ عقرب تلدغ الإنسان، فهو يأخذ منهم الإتاوةَ باسم الحماية لهم، وينهب حقوقهم، فعند ذاك تسوء العلاقة بينه وبينهم. فإذا رأوا مسؤولي الضرائب يزيدونها، ويأخذون قسماً منها لأنفسهم، بينما يذهب قسم آخر منها لمأموريهم، فإنّهم لا يدفعون هذه الضرائب قدر الإمكان، ويفرون من أدائها. أمّا إذا رأوا أنها لمصلحتهم وحفظ بلادهم ورعاية المصلحة العامة، وحفظ أرواحهم، وأنّ محصّليها يشقون في ذلك خدمة لشعبهم. حسناً، عندما يرى الإنسان أحداً يُحسن إليه، فلابد أن يحسن إليه، وفي ذلك الوقت يدفع الضريبة راضياً راغباً في دفعها بوجه طليق. فجدّوا أن يكون سلوككم طيباً مع الناس، فهؤلاء عباد الله، فعاملوهم بالحسنى جميعاً، وعليْهم في كل مكان أن يجدّوا في إحسان بعضهم إلى بعض، ويوجدوا محيط أخوّة في البلاد، فإنه إذا ساد البلاد إخاء على ما تفضّل القرآن الكريم: (إِنما الْمُؤمنونَ إِخوَة) «3» سادها السلام والوئام، وعندئذ ترتفع الإحن والأكدار، وتطيب الحياة.

أسلوب جديد للمصادقة على الدستور بلا نظير

أيّدكم الله جميعاً إن شاء الله ووفّقكم، وأيّدنا جميعا أن نبلغ نهاية الطريق الذي نتوسّطه الآن، وأن يظهر هذا المجلس المنتظر ظهوره ليبحث الدستور بحثاً تتكامل فيه الآراء. وبعد تقديم الرأي في هذا المجلس الذي من المقرر قيامه يُؤسّس الشعب نفسه هذا المجلس وفيه يتباحثون في الدستور ويصادقون عليه، ثم يصادق عليه الناس أنفسهم. ولا أظن في هذه الدنيا صيغة أحسن من هذه المطروحة، فيه خير ما عندنا، وستكون بين يدي الشعب مرَّتين، وليس في كل الأماكن- على ما يصطلحون- ديمقراطية أسمى من أن يكون الدستور بين يدي الناس. فمجلس المؤسسين الذي كانوا يُعِدّونه ينشأ بوضعِه بين يدي الناس مرة واحدة، وهو يعيّن ذلك السيد، والاستفتاء إذا كان، فمرّة واحدة يحقّ للشعب ويكتبه غير ذاك مثل فرانسة في جمهوريتها الخامسة إذ كتب القانون فيها جماعة من مستولي الحكومة والوزارات وأمثالها ومعهم عدَّة من أعضاء المجلس، وقدَّمُوه للاستفتاء. بينما الدستور الذي من المقرر عرضه على الشعب مرتين: الأولى أنّ الشعب يختار ناساً من ذوي الاطّلاع على القوانين والإسلام، والرغبة في خدمة الناس بإخلاص وأمانة، ليتباحثوا في الدستور ويُقوّموه، ويكملوه ويهذّبوه، ولا يكتفون بهذا، بل يعيدونه إلى الشعب ثانية أن انظروا ما فعل ممثّلوكم من المصادقة وتصديق طيبين جدّاً وصحيحين وموافقين للإسلام ومصلحة البلاد. والمرة الثانية يأتون إلى الشعب يقولون له: أيها الناس، إنّ مَنْ عيَّنتموهم أيّدوا هذا الدستور، فتَعالَوا أنتم أيضاً أعطوه رأيكم. وليس في الدنيا شي‏ء مثل هذا.

الغمغمة وغايتها

وترون الآن من يغمغمون، وهؤلاء هم الذين لا يريدون أن تنعم البلاد بالهدوء. أينما ذهبتم سمعتموهم بصوت واحد يثيرون الناس عليكم، اعرفوهم من هنا، واستمعوا إليهم فيما يقولون إلى أيّ أصل يستندون. عيّنتم القانون، وأولئك يعيّنون أيضا. ثم أنتم بعدئذ لديكم الرأي. أمّا هؤلاء المشغولون بالقال والقيل، فليس لما يقولون شأن جدير بالذكر. ومع ذلك انظروا لهؤلاء الذين يغمغمون في شأن أحسن ما جرى في العالم وسيطرح في الواقع، هؤلاء يُؤاخِذون إما ليظهروا الفضل على غيرهم، ولا ضير في ذلك، ولا مانع منه، حسن، مَن يتوقعون إلى أنْ تظهر أسماؤهم في الصحف، ويكشفوا عن طاقاتهم، يُجلّون ثقافتهم، لا نتضايق منهم، ليظهر السادة فضلهم، لكن بالنحو الذي لا يُعرقل ما نريد إنجازه سريعاً في هذه البلاد التي يتآمر به المتآمرون، ليستغرق عامين أو ثلاثة تمكّنهم من الاجتماع فيها والتواطُؤ عليها بتعطيل الدستور سنتين أو ثلاثاً، ومجلس المؤسسين سنتين أو ثلاثا أيضا، لتنتهي الى مشاكل.

أسلوب المصادقة على الدستور في إيران والخارج‏

وأحسن طريقة لا سابقة لها في الدنيا أصلًا هي التي يبعث فيها الناس من يمثّلونهم في استفتاء، ويدرس الدستور أهل الخبرة، ولهذا سابقة في فرنسا التي هي بقولكم- أعني بقول المثقّفين- مهد الحرية والديمقراطية. وما يجري هنا خير منه، فهناك يجتمع وزراء ورئيس وزراء وعدّة من ناس غير منتخبين شعبيّاً، يجتمعون هم وعدّة منتخبة من الشعب، وهؤلاء المنتخبون ليسوا منتخبين لهذه الغاية. فمجلس النواب ومجلس الأعيان ليسا منتخبين للنظر في الدستور، ما لهذا انتخبوا. والمنتخبون للقانون الأساسي ليسوا منتخبين له، فهم وزراء وأمثالهم التأموا في هيئة ما، ودوَّنوا معاً ما أرادوا، وعرضوا تدوينهم على الشعب ليرى رأيه فيه، وقُضِي الأمر، فأيّما أحسن، أهذا الذي تقولون أرقى ديمقراطية في العالم، وهو مهد الحرية، أم هذا الذي في إيران التي ترونها أنتم المثقّفين بلاداً لا يفهم أهلها شيئا. أقول: هكذا تُهينون الناس، وتخسرون أنفسكم إزاء الغرب تتخيلون أننا لا شي‏ء لدينا، وأنّ أولئك لديهم كل شي‏ء. أيّما أفضل هذا، أم ذاك؟ أهذا المعنى الذي في مهد الحرية ومنشأ الديمقراطية، أم هذا الذي يُراد بحثه في الدستور الذي يعدُّه منتخبو الشعب وبعد المصادقة عليه يعطي الشعب رأيه فيه. وأولئك يتخيلون أن احسن طريقة هي أن ينظر في الدستور جماعة ليست منتخبة من الشعب، ثم يُعطي الشعب رأيه فيه. ونحن نقول: لا، أولئك الذين ينظرون في الدستور أيضاً يجب أن يكونوا مبعوثين من الشعب، ثم يعطي الشعب رأيه في المُنْجَز. وليس بعد أفضل من هذا أصلًا. وهذه الغمغمات ليست سوى إظهار فضيلة، ولا ضيق بذلك، أو خدمة يبذلونها عرقلة له، عسى أن يتمكّن ب- اليزبان «4»- لا أدري- واويسي «5» وأمثالهما الذين يُوقدون الفتنة في الحدود من فعل شي‏ء، لكن ليعلم السادة أنه فات الأوان، فلن يتمكّنوا ولا يمكن أن يحصل مثل هذا بعد. وفّقكم الله جميعاً، وأيّدكم إن شاء الله.

«۱»-لفظ فارسي معناه الرشوة التي كان سكّان الأرياف والقصبات يقدّمونها لمأموري الحكومة. «۲»-شارك ديغول الرئيس الفرنسي آنذاك. «۳»-الحجرات: ۱۰. «۴»-محافظ كرمانشاه في غرب إيران أيام الشاه. «۵»-غلام علي أويسي قائد القوة البرية، وقائم مقام طهران العسكري في آخر عهد الشاه.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378
 

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: