بسم الله الرحمن الرحيم
ضرر العالم غير المهذّب
المهمّ في الجامعات والمعاهد هو تربية المعلم تربية جامعية مشفوعة بالتعليم والتعلّم لتكون إنسانية. فما أكثر من بلغوا المراتب العليا في العِلم، لكن من غير تربية إنسانية! وضرر هؤلاء على البلاد والشعب والإسلام أكثر من ضرر الآخرين. ممن كان له علم غير مقترن بتهذيب الأخلاق والتربية الروحية كان ضرر علمه على الشعب والبلاد أكثر من ضرر أولئك الذين لا علم لهم، إذ يجعل هذا العلم سيفاً في يده، ويمكن أن يجتثّ به جذور بلادٍ، ولا يُبقيَ منها.
خطر الحوزة والجامعة على المستعمرين
أولئك الأجانب الخبراء الذين كانوا يريدون أن يُغيروا على هذه البلدان يَصُبّون جهدهم على جبهتين: إحداهما علماء الدين، والأخرى الجامعات لهذه لهذا السبب فإن هاتين الجبهتين إذا بُنيتا بناءً صحيحاً يقترن فيه العِلم بالتربية والعمل الصحيح، فسوف تكون أيديهم بعيدة عن مصالح هؤلاء، هذا ما فهمه خبراء الأجانب وعملوا به. فإذا كان لنا جامعة صحيحة مع حوزة علمية روحانية بمعنى الكلمة، فلن تسمحا للأجانب أن يعبثوا بكرامة بلاد بأكملها. من هنا حملوا على هاتين الجبهتين إذ رأوهما خطراً عليهم غير أنّ أسلوب هجومهم كان في عهد رضا خان- كما أذكر وأكثركم لا تذكرون- هو أن يحملوا بالحراب، ليحطموا هذه الجبهة، ولذا كانوا يهاجمون المدارس، ويأخذون الطّلاب يخلعون عمائمهم، وينزعون ثيابهم ويُغلقون المدارس، ويعطّلون المساجد، وأزالوا مجالس الوعظ والعزاء وما إليها إزالةً تامّة ظنَّاً منهم أنّها تزول بهذا القمع، لكنّهم لم يعاملوا الجامعة هذه المعاملة، لأنّهم كانوا يخافون أن يكون لها صدىً في الخارج، فوردوها بأسلوب آخر لا يدع الطلبة يرشدون. ثم أدركوا أنّ هذا بلا نتيجة، وأنّ الضغط كلّما زاد تعاظم الوضع سوءاً، واضطرب عليهم أكثر و فغيَّروا الهجوم على علماء الدين في عهد محمد رضا، وشرعوا بالدِّعاية عليها ليعزلوها عن الناس.
بثّ الخلاف بين الحوزة والجامعة والشعب
لأنّ هاتين القوتين الإسلاميتين علماء الدين والجامعة استطاعتا الوقوف في وجه أولئك غيَّروا أسلوب القمع الذي اتبعوه لإزالة علماء الدين، وشرعوا بالدعاية عليها ليفصلوها عن الجامعة ويفصلوهما عن الناس. كانوا يريدون فصلهما عن الشعب بدعوى أنهما بلادان صحيح، فعالم الدين والجامعيّ لا دين لهما وهم صنائع البلاط وعملاء الإنجليز- لا أدري- والأمريكيين وأمثالهم. كانت الخطة ترمي إلى عزل الشعب عن هاتين الفئتين المؤثِّرتين. وبثّوا الخلاف بين هاتين أيضاً بدعوى أنَّ كلّا منهما يُسِيءُ الظنّ بالآخر، ولا يثق به، لِتَبْقيا متنافرتين، وبعيدتين عن الشعب، لئلا تفعلا فيه شيئا حسنا، وليستمتع أولئك بخيراته كما يطيب لهم.
من منجزات الثورة
من بركات هذه الثورة أن تقاربت هذه الطبقات بعضها من بعض، الجامعة من علماء الدين والشبّان من علماء الدين اقترب بعضهم من بعض، وتعاونوا، واقتربوا من طبقات الشعب الباقية، وتعاونوا معها، وتشارَك الجميع في هذه الكلمة، وهي أنّه يجب أن يزول النظام الطاغوتي، وتقوم الجمهورية الإسلامية. كان غرض الجميع وغايتهم هو هذا المعنى. وباقتراب هذه الطبقات بعضها من بعض واتّحاد هؤلاء المتفرّقين قبلًا وتأييد الله- تبارك وتعالى- ووحدة غايتهم التي كانت إلهية انهارَ هذا السدّ العظيم الذي ما كان الجميع يتصوّرون إمكان انهياره. والآن تداعى هذا السدّ، وتجلَّت الفوضى، وبانت سرقات أولئك، وستتبين أكثر. وتوفّر الآن على الشعب هدوء أو نوع منه في نظر ناس فيما أقبل أعداؤه على تنفيذ خُطَّةٍ عليه مؤدَّاها أن يُفرِّقوا هؤلاء الذين قَرَّبهم الإسلام بعضهم من بعض، وألّفَ بينهم، وجعلهم لُحمةً واحدة فكسروا ذلك السدَّ المنيع.
الفئات الجديدة
والآن أخذ كل العُملاء للأجانب وسليمي النيَّة غير الملتفتين للواقع يجتمعون فريقاً فريقا، لينكثوا ما حققته هذه الطبقات بالتحامها وعنائها، ووَعَت أنّه يجب أن تنجزَ الأعمال كلها بوحدة الصف. جاء هؤلاء بخطّة هي أن يُنشِئوا فِرقاً فِرقاً، فالبارحة رأيت في الصحيفة أنّ مئة فئة، أو مئة وخمس فئات ونحو هذا العدد أعلنوا وجودهم، أي أنّهم كشفُوا عنْ إيجاد مئة خلاف صنعوه. وستكون النتيجة أنّه إذا استطاعت هذه المئة طائفة أنْ تجمع حولها عدداً كبيراً من أطراف الحدود والداخل والخارج، ورأتْ هذه القوى قد تفرَّقَتْ ستنظر في أمرها، فإمّا أن تقوم بمؤامرة، وإمّا أن تقوم بهجوم تزيد فيه البلبلة في الأقل، وتعطّل البلاد عن الفَعالية.
التكتّل للتفرقة
صحيح أن تلك الخطّة التي كانت تُمارس بنحو ما قبلًا تمارس الآن بآخر. فعندما جاء رضا خان كانت الخطة في ذلك الوقت فصل هذه القوى بعضها عن بعض، فصل الجامعة عن المدارس الدينية، وفصل السوق عنهما كلتيهما، وفصل الفلّاحين عن الجميع، وجعل كل من هذه الطبقات على حِدة، وكانوا يُؤسّسون أحزاباً سياسية كثيرة، وجبهات سياسية مختلفة، وكان كل ذلك من أجل ألّا يجتمع هؤلاء الذين ما أحسّوا في ذلك الوقت، ولا لمسوا، ولكنّهم كانوا يتصوّرون ويميلون إلى أنّ كل هذا كان مِن أجل ألّا يجتمعوا. وبعد أن حصلت هذه الثورة إلهية اجتمعت هذه الفئات المختلفة، وكوَّنت فئة واحدة، وما عاد حديث بتلك الفئات التي كانت أصبح الجميع فئة إسلامية، فإذا ذهبت إلى الجامعة سمعت هتاف الموت لكذا، والإسلام كذا، وهكذا إذا ذهبت إلى الفلّاحين، وهكذا في المصانع والأسواق. أينما ذهبت كان الصوت واحداً بمطلب واحد، وبهذا هدموا هذا السدّ. وأعداؤكم هؤلاء لمسوا هذا الأمر، فقد كان عِلما، وصار الآن عَيْنا. لمسوا أنّ ما حققتم كان بانسجام هذه القوى الجامعة مع علماء الدين، وكلتيهما مع السوق مع العامل ونحوه الإداريّ وغيره، ورأوا أنّ هؤلاء إذا انسجموا فيما بينهم حتّى القوى الكبرى لا تستطيع أن تصنع شيئا مثلما لم تستطع فعلا. كانوا كلهم بصدد أن يحفظوا محمد رضا لا القوى الكبرى وحدها، بل كل القوى، وكل البلدان الإسلامية أيضاً كانت تدعمه، فما وجدت أحداً منها مثلًا بعث إلينا ببيان لفظيّ أن نحن معكم، غير أنّنا ما كنّا نستطيع أن نثق، فقد كانوا كلهم متّحدين ليحفظوا هذا الكائن هنا، وما استطاعوا. لماذا لم يستطيعوا؟ لأنكم كلكم كنتم على كلمة واحدة.
ناهبو النفط في عزاء نفط إيران
عندما تكون كلمة شعب واحدة وأراد شيئاً لا يمكن أن يخالفه أحد، ولا يمكن عمل شيء خلاف ما يريد، لأنّه غير عمِليّ في الدنيا. وإذ لمس هؤلاء الآن أنّ في الاتحاد والانسجام مثل هذا الضرر عليهم وأنّهما استردّا النفط منهم أخذوا الآن في الحزن والبكاء عليه، وعادوا إلى تلك الأساليب، ليفصلوا بعض الشعب عن بعض، ويفرّقوهم، ونأسف على غفلة المثقّفين عن هذا المعنى فضلًا عن الخائنين منهم. فهناك حفنة خائنة تعمل على بصيرة لحساب الغير، والكثيرون غافلون عن هذا، فنشأتْ منهم فئات فئة بعد فئة حتى بلغت مئة جماعة أو أكثر منها. في هذين الشهرين اللذين بلغتم فيهما النصر بالاتحاد ها هو ذا الانسجام ينفرط وينتثر، ويغدون فئة فئة، وكل فئة منفصلة عن مثلها، وحسابُها غير حساب الأخرى، وكتابتهم مختلفة عن غيرهم، وخطواتهم مخالفة لخطوات سواهم، فما تكون النتيجة؟ تكون النتيجة تلك التي كانت سابقاً إذ كسبوا في هذه النيِّف والخمسين سنة بخلافاتنا، وتعود القضايا والاختلافات وتُبعث على أن يرجع أولئك ويعودوا إلى الحال الأولى، ويقوم نظام موالٍ لأمريكة في الأقل، ولو باسم غير ملكيّ، فيظهر نظام ديمقراطيّ لكنّه خادم لأمريكة.
مؤامرات المخالفين للإسلام
وهذه هي الخطّة الآن، وقد بدأت التفرقة إذ ظهرت مئة جماعة في هذين الشهرين أو الثلاثة أعلنت وجودها، ولو أنّها ليست بشيء، ولن تكون شيئا، فهم حفنة معدودة، لكنهم يوجدون الفساد ويهيّئون أسبابه في البلاد. وهذه القضية تزداد قليلًا قليلًا، حتى نعود في وقت ما إلى طبقة متجدِّدة ومتفكّرة، وجامعة منفصلة عن علماء الدين، وترى الروحاني ذهب جانباً، وشرع يتكلّم بسابق الأقوال، والجامعي ذهب جانباً أيضاً، وشرع يتكلّم بالأقوال السابقة، فهاتان الاثنتان مختلفتان، والسوق تبعاً لذلك فئة موافقة لهذه الجهة، وفئة مخالفة لها، أو كلّهم مختلفون فيما بينهم أيضا، وكل النتيجة هي هذه. لقد جرت دماء شبّاننا من أجل أن تكون بلادنا لنا، وبذل الناس أرواحهم، وقدّمت النساء أبناءهنّ لتقوم دولة العدل الإسلامية، ومناهضو الإسلام لا يستطيعون أن يَرَوا هذا. يرون أنّه تُمكن مجابهتهم بالإسلام، وهم لا يطيقون هذا، ولذا أتَوا الآن ليفرِّقوا الناس مرّة أخرى، وحينما فصلوا هؤلاء بعضهم عن بعض حصلت تلك المسائل.
انفصال بعض الشعب عن بعض يبعث على هزيمة الثورة
عليكم أنتم المعلمين وأولئك المتعلّمين والجامعيين وعلماء الدين والعمّال والموظّفين والفلّاحين والجميع أن تستيقظوا، فالخُطّة الآن أدق من السابق، فسابقاً كان العلماء يقولون: ماذا يحصل إذا صار هؤلاء معاً؟ وكانوا يرسمون تلك الخطط لذلك، والآن رأوا ذلك عيانا. فهؤلاء صاروا معاً وحصل مثل هذا العمل الذي كان الجميع يرونه ممتنعا، ونتجت جميع الحسابات على خلاف ما كانوا يرون. وإذ تحقّق الآن راح أكثر أولئك يتربَّصُون بالثورة الفرص، وهزيمتها أيضاً هي أن يفصلوا أحدكم عن الآخر، ويُسيئوا ظنَّ كلٍّ بأخيه، ويجعلوا كل واحد مقابل مثلِه في الجبهة المخالفة، وهم يقطفون الثمار. ليعلمْ مفكّرونا ومثقّفونا وكل طلبتنا وجامعيينا أنّ الخطّة هي هذه، وها نحن أولاء نرى آثارها، فصيرورة الجماعة فرقة هي من أجل هذا الأمر، وهو ألّا يدعوا هذا الانسجام الذي كان يُحفَظ. يريدون ألّا يتركوا الناس يستفيقون، ويأخذون سبيلهم، وهو السبيل الذي أمر الإسلام أن تسلكوه معا، فقد أوجبه الله على الناس بقوله الحكيم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) «1» فكل الفساد في التفرّق، وكلّ الصلاح والسعادة في التمسُّك بدين الله.
أيقظكم الله جميعاً وأيقظنا جميعا، وأيقظ هذه الأمّة كلها، وجعلنا كلّنا نسير في طريق الإسلام واستقلال البلاد والحقيقة والحرِّيَة، ونوصل هذه الثورة إلى غايتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته