بسم الله الرحمن الرحيم
مكافحة الفساد
القضية في الأساس هي مكافحة الفساد مطلقاً وهذا القسم منه الذي هو الإدمان، ولا إشكال على هذه المكافحة. والأمر الذي لابدّ أن يكون، ويجب أن تشارك فيه الدولة ومن يستطيعون أن يُساعدوا في اجتثاث هذا الفساد. ولا إشكال في هذا. كلّ عقل وعاقل يصدّق هذا المعنى، وهو أن مثل هذا الفساد الذي يجرّ شبّاننا إلى العدم يجب أن يكافح، وأنّ أولئك المدمنين يجب إخراجهم من الإدمان في مراكز. وفوق ذلك منع بيع مثل هذه الموادّ وشرائها وتوزيعها لازم ولا إشكال فيه. وهذا ما يجب عملّه شرعاً. وأنا الآن لا علم لي بحال المكافحة ولا وضعها. وإذا كان للسادة خطّة، وتلك الخطّة ملائمة للمصالح وموائمة لهذه القضية التي هي منع الإدمان ومعالجة المدمنين، فهي أمر صحيح جدّاً ولازم. والفساد في هذا البلاد ليس محصوراً بالإدمان، فقد أخذوا بأذيال الإدمان وأمثالهِ من الفساد وزادوها. وأصل الخطّة كان أن يجرّوا شبّاننا إلى الفساد.
الدعاية الموسعة في مئات السنين
هؤلاء احترازاً من أن تجابههم قوة ما يحطمون كلّ مكان يحتملون أن تنشأ فيه قوّة، كانوا يحتملون أنّ رجال الدين يصدونهم، وكلّ من يذكر زمان رضا خان يعلم ما فعلوا برجال الدين، وبعدهُ أيضاً لم يكن ذلك النحو، بل كان بشيطنة أسوأ في زمان هذا. احتملوا أن تجابههم الجامعة يوماً ما، فصدّوها بخططهم عن أن تكون جامعة صحيحة لهذا البلاد. وتوقّعوا أنّ الناس إذا اعتمدوا على الإسلام، أو استندوا إلى علماء الإسلام سيكونُ لهم شأن، فجدوا في فصلهم عن الإسلام وعلماء الدين، فجعلوا يسيئون الظنّ برجال الدين، بل سعوا إلى أن يسيئوا ظنهم بأصل كل الأديان التوحيدية والإسلام. من هنا أقدوموا على دعاية واسعة يجب القول إنها سارت بضع مئات من السنين لتصدّ شباننا عن الوصول إلى عمق القضايا السياسية، ووثق هؤلاء بأن الإسلام أو كلّ دين توحيديّ خلاف مسير الشعوب، ويحجبها عن التبصّر والتحضّر، إذا تذكرون في زمان محمد رضا في أوائل هذه الثورة قال في كلامه في احد الأوقات: إنّ المعممين والشيوخ يريدون أن تعود إلى البلاد إلى الحال السابق حتّى لا يركب أحد سيّارة ولا طيّارة، فهؤلاء يخالفون لهذا. هؤلاء يريدون أن يسافروا على الحمار إلى هذه الناحية وتلك على ما في السابق مثلًا. قال هذا الكلام في الوقت الذي ذهب أحد المراجع فيه إلى مشهد بالطائرة «1». وفي ذلك الوقت قلنا نحنُ على المنبر: يقول هذا القول الآن في الوقت الذي مضى أحد المراجع بالطائرة إلى مشهد. كيف ينطق بهذا؟ شريحة الشيوخ مخالفة للفساد، لا للتحضّر. كان هذا النظام يشيع الفساد باسم التحضّر. كانت بيوت الدعارة في طهران- على ما يقولون- اكثر من المكتبات فيها، والحانات- يقولون- تفوق المكتبات في طهران. ولا وجود لها الآن إن شاء الله.
الخطط المدروسة للإسياد والاختلاف
كان هؤلاء يريدون القضاء على كل قوّة يحتملون وقوفها إزاء الأجانب والأسياد وتدمير كل فكر يحتملون معارضته لهم إن استطاعوا. كيف يسلبون الفكر؟ بإدمان المشروبات والهيرويين وأمثاله من المخدرات التي تسلب فكر الإنسان وتفرغه من الداخل ومراكز الفحشاء التي سادت أرجاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها كانت تشغل الشبّان بالشهوات التي تسلب الأفكار سلباً تامّاً. كانت تلك الأعمال تجري بحساب غاية في الدّقة، وها هي ذي أعمال أخرى تجري الآن بحساب دقيق أيضاً. فلا تظنوا هذه المئة فرقة ظهرت الآن عفواً، مئة فئة أعلنت وجودها، مئة ويقولون: أكثر أظهرت نفسها، وما يمكن ان تعلِن مئة فرقة وجودها عفوا، أي مئة فرقة تتناحر، أعني: مئة فرقة أغلبها مخالفة للإسلام. وما نشأت هذه صدفة بأنّ كلًا منها رَغِبت في أن تظهر، لا، في الأمر يد، فهؤلاء، خونة على علم، أنّ أكثرهم كذلك أو غير ملتفتين ولا معرفة لهم بالشؤون السياسية.
في وقت اجتمعت فيه كل القوى، وجعلت الشعب مُنسجماً، وإذ حان وقت قطف الثمار الآن والعيش الكريم جاءت هذه الفئات المختلفة والأحزاب المتعارضة، كلّ امرئْ كوّن جماعة أكثرها مناوئ للثورة والإسلام، وأغلبها لا أتذكر اسمه، لكن هذا هو الواقع، هؤلاء من الوسائل التي أقام عليها الأجانب حسابهم، واعتمد عليهم أولئك الذين درسوا أفكارنا وعاداتنا ومجتمعنا.
المدّعون الزائفون بنصرة الشعب
اولئك يريدون بكل وسيلة ألا تبلغ هذه الثورة ما تصبو إليه، فيتذرّعون بأعمال الشغب الجارية في الحدود وأماكن أخرى، فقد حلّت هُناك الآن جماعة أحرقت بيادرنا وهي مشغولة بهذا الإحراق، تصوروا، هذه الجماعة التي تحرق البيادر الآن هي التي كانت لا تسمح للناس أن يزرعوا ثمّ لم يسمحوا بالحصاد، وإذ بَيدَر الناس الزرعَ الآن راحت هذه الجماعة تحرقه، وهي تلك الجماعة التي تقول: نحن أنصار الشعب، نحن مُؤيِّدوه. يرون نصرة الشعب في ألا يدعوه يزرع، ثمّ في ألا يدعوه يحصد، حتّى إذا بيدر الحصيد أحرقوه. هذه هي نصرَتهم مثل حضارة الشاهِ الكبرى. نُصرَتهم هي أنَهم يريدون أن يبقى هذا الشعب ضعيفاً فقيراً، ويجعلوه مختلفاً مشتتاً، ليأتي أولئك الذين بعثوهم لهذا العمل، ويقبضوا كلّ ما لدينا.
المخدرات سلاح الاستعمار لقمع الشبّان
من الأشياء المهمة في هذا الباب قضية المخدّرات التي تجيء إلى هنا بحساب، وما تنتشر بعمل مهرّب أو مهربين، لا، وإنما بحساب، فهؤلاء أدركوا بحساباتهم كيف يجعلون الجامعة لا تعمل والمدارس العلمية لا تنفع، أعني: كيف يجعلون الشبّان لا يفيدون المجتمع ولا يعون حاجته، فأخذ قسم منهم يبثّ إدمان الهيرويين والخشخاش وأمثالهما، وهذه مسألة مدروسة، فلا تربطوها بأربعة مهرّبين، فهي مما يعمله المهربون الكبار، إذن هناك أجهزة خارجية تمارسُ هذه الأعمال، وما ينبغي أن تعدّوا هذه المفاسد التي تسري في إيران من عمل جماعة تحسبونها من المشاغبين، لا، فهذه جاءت بحساب صحيح ودقيق أحكموه هناك لهذه البلاد التي يجب أن تكون إسلامية، وإذا صارت- إن شاء الله- إسلامية ستكفّ أيديهم عنها إلى الأبد، فلا يستطيعون أن يمسّوا نفطها ولا نحاسها ولا سائر ثرواتها.
هؤلاء لا يريدون لهذه الثورة أن تبلغ غايتها. وقد بذلوا كلّ طاقتهم لئلا يدعوا محمد رضا يرحل، والتأمت كلّ القوى لئلا تدعه يذهب، وما تسنى لها ذلك. ثار الشعب، وفرض عليه أن يذهب. واجتمعوا ليحفظوا بختيار الذي كان تالياً له وقد كان من الخدم أيضاً. وبعدما أخرجه الشعب كانوا يسعون أن يبقى الشاه، ومنهم ناس محترمون أرادوا ذلك أيضاً. كلّ ذلك كان خُططاً ينفثونها، ويقبلها من لا اطلاع لهم. وقدموا خطة رفضها الشعب، وقذفها جانباً. وإذ اطرحوا كلّ شيء الآن، وعادوا يائسين اتّجهوا إلى الانتخابات، فمنعوها، عدّة منهم قاطعوها، ومنهم رفضوا الاستفتاء وقاطعوه، وأشعلوا النيران، فئة منهم أحرقت الصناديق، ومنعت الناس بالسلاح أن يُعطوا آراءهم. هنا أيضاً باؤوا بالهزيمة أيضاً، واعطى الناس آراءهم إعطاء لا سابقة له، فقد صوّتت كثرة كاثرة تصويتاً لا نظير له. وكُفّت أيديهم عن هذا أيضاً، فجاؤوا إلى الدستور بعدئذٍ، وقصدوا أن يعرقلوه بأنه يجب أن يكون مجلس مؤسسين- وماذا سيحصل لو لم يكن مجلس المؤسسين؟- وذلك لئلا يدعوه يتقدم، وأخفقوا في هذه أيضاً، وراحوا الآن يُحاولون ألا تأتلف هذه الهيئة. وكلّ هذه خطط مدروسة بحساب، لا أنّ احداً في الحدود وهؤلاء المسمّين كذا لا أدري يثيرون الضجيح ليسوا بجماعة جاءت من نفسها تعمل هذا، ولا أنّ إشاعة الهيرويين في البلاد من أقصاها إلى أقصاها جاءت عفواً ومن باب الصدفة، لا، كلّ ذلك على وفق خطّة.
تقسيم المسؤوليات لمكافحة الفساد
وضعوا خطّة لا يدعون الثورة تثمر بها، ما يعملون؟ ينشرون الخراب في كل مكان، ومن خرابهم ألا يدعوا الشبّان ينشأون نشأة صحيحة حتّى إذا حدثت ثورة يجب أن تستفيد من طاقة الشباب لا يدعون هذه الطاقة تثمر شيئاً.
على هذا يكون اللازم منع جميع الرّياح الضارة، ولا يستطيع أحّد صدها كلّها طبعاً. فيجب على كل جماعة أن تأخذ جهةً، وتحكم السيطرة عليها، فجماعة تكافح نشر المخدّرات، وجماعة تكافح المسكرات، وجماعة تكافح فساداً آخر، وهكذا، لتصل هذه الثورة- إن شاء الله- إلى مرامها وتكون الحكومة الإسلامية على ما أراد الإسلام لا على ما تريد الأهواء النفسانية. وإذا كانت على ما أراد الإسلام تحقّقت السعادة- إن شاء الله- لجميع الشعب وسائل الشعوب، وامتدت- إن شاء الله- لسائر الشعوب.
أسأل الله لكم التوفيق في هذه المجاهدات، وكلّ من يساعدكم بفعل خيراً طبعاً، لكنّ الأصل هو وّضع منظماتكم وحال نظمها، ولا اطّلاع لي عليها، وما عَرَضْتُ عليكم هو كلّيات الموضوع.