بسم الله الرحمن الرحيم
الإسكان العشوائي في ضواحي طهران
الإشكال الآن هو أنّ كلّ طائفة تظنّ أنها هي المحرومة غير المنتفعة بشيء من معالم التمدّن في حين أنّ القضية لا تختصّ بعشائركم، فهي عامة وموجودة في كل إيران، فلستم وحدكم المحرومين من المدرسة والطريق وسائر أمور الحياة. هذه طهران العاصمة لعلّ فيها ما يقرب من ثلاثين محلّة- على ما أخبروني- محرومة من كلّ أسباب العيش اللازمة لكل إنسان، ليس لهم ماء ولا كهرباء ولا دار علاج. هذه طهران لا أطرافها، المدينة نفسها، مدينة طهران عينها ملأى من الأكواخ والخيام، والخيام تؤلف زهاء ثلاثين محلّة على ما يقال، وهؤلاء ارتحلوا إثر ما يُسمّى بالإصلاح الزراعيّ، وحطوا في ضواحي المدينة وفي المدينة ونواحيها، واقتطعوا مكاناً، وراحوا يسكنون فيه، وأولئك يعانون حياةٍ أسوأ من حياة العشائر، فلا تتخيّلوا الأماكن الأخرى في رفاهية ليست لكم، فالقضية أنّ هذه البلاد لم تحظ بعناية كأنّ عدواً أراد التسلّط عليها وجعل أهلها متخلّفين عن الركب.
الخراب والتخلّف إرث الشاه
والإشكال الآخر هو أنّ السادة يظنون الأمور التي كانت في العهد السابق قد زالت الآن ولا وجود لها. وعدم الكهرباء والماء والطرق والعلاج وكلّ شيء هو من الأمور التي كانت في النظام السابق، وقد انتقلت منه إرثاً موروثاً. وها هي عدّة أشهر على الثورة ونحن في ظلّها، الآن مرّ خمسة أشهر أو أربعة أشهر ونصف على ذهاب أولئك اللصوص آخذين معهم كلّ ما لإيران. حملوا كلّ ما استطاعوا حمله، وما لم يستطيعوه اقترضوه من المصارف التي نهبوها وذهبوا. وبقي الآن في عاتق الحكومة أن تدفع هذه الأموال إلى المصارف. ومرّ على نجاتنا من هؤلاء الناهبين زهاء خمسة أشهر وقد آلت البلاد إلى الحكومة والشعب خالية الوفاض خاوية الاقتصاد ومتخلّفة الثقافة، ومناطق إيران من المراكز إلى كل نقطة ما عدا بعض المراكز سكانها محرومو كلّ آثار التمدن، وبعدما حلّت الحرية الآن، وولّت أيام القهر والقمع تلك أغار على الناس عدّة ينهبونهم بأشكال مختلفة، أو يُثيرون الشغب سواء أولئك المنحرفون سلوكياً أو اولئك الذين ليس لهم هذا الانحراف السلوكي، لكنهم من بقيّة ذاك النظام وتلك الشرذمة، كلّ إيران الآن على هذا النحو.
الفُرصةُ الطويلةُ لإعادةِ البناء
حسناً، تصوّروا إيران وقد نهبوا كل ما لها وأكلوه، وبقيت خربة ليس فيها اقتصاد سليم، ولا ثقافة صحيحة، ولا شرطة ولا جيش صحيحان، ولا شيء. ومن يديرون البلاد الآن هم الناسُ أنفسهم الذين يخططون النظام والنظم، تصّوروا هل يمكن أن تستقيم كلّ هذه الأعمال فوراً؟ أيصح كلّ هذه الأشياء دفعة؟ أم أنّ القضية تدعونا أن نضع يداً بيد الشعب والحكومة، ونبني هذه الخربة؟ الحكومة تنهض بالمقدار الذي تستطيعُه، ولا تتخيلوا الحكومة لا تريد أن تعمل، فهي مُقبلة على العمل، وقد بدأ بناء البيوت في أطراف إيران، وبدأ فتح الطرق، لكنّ إيران الشاسعة المساحة العديمة الوسائل ما يجب أن يَتمَ فيها يجب أن يتم تدريجياً، ولا يتحقق دفعة واحدة، تخّيلوا تحقق المقاصد في يوم أو يومين، أو شهر أو اثنين أو سنة دفعةً واحدة، هذا ما لا يكون: فلو كانت ناحية واحدة أو مكاناً واحداً، أو عشرة أمكنة، لكانوا يقولون: هذه الأمكنة العشرة تصلحها الحكومة. لكن هذه بلاد، بلاد واسعة كبيرة سلبوها كلّ شيء، وبقيت بلاداً لا تملك شيئاً، يجب أن أقول لكم: لهم أن يعتزوا بما أنجزوا جيّداً. الآن مشغولون بالفروع المختلفة لتعمير ما تلِف. وشرعوا من الاقاصي، لئلا يبقى سكّان الأكواخ هنا، ولا يعودوا إلى زراعتهم، ولا يذهبوا إلى مكاسبهم هناك.
على كل حال جميع هذه الأمور التي قلتم صحيحة، ونحن نعرفها، لكنها لا تختصّ بمناطقكم أيضاً. فمن يأتون من خوزستان يذكرون ما تذكرون، وكلّ من يأتون من كلّ ناحية من هذه البلاد يتناولون هذه المسائل حين يجتمعون، ويتحدّثون بها، وما يقولون صحيح، غير أنهم يتخيلون مناطقهم وحدها هكذا، وأكثرهم يقولون: لا مكان أسوأ من منطقتنا، حقاً يقولون، كلّ مكان خراب، لا سوْأى، فكل مكان سيّئ.
نهب رضا خان ومحمد رضا شاه وسلبهما البلاد
وليس أنّ الحكومة لا تلتفت. فالحكومة الآن انتقالية متزلزلة غير مستقرّة. ليست لدينا حكومة مستقرة الآن، الحكومة انتقالية، وهذه الحكومة الانتقالية يجب أن تمهل، ليتحقّق الانتقال، وتستقر الجمهورية، وتقوم حكومة ثابتة، ويظهر المجلس الصحيح، وبعد هذا نفكّر بهذه الأعمال في ذلك الوقت، وطبعاً يجب أن يهون أمر الأشخاص المتعدّين وهو في ذلك الوقت ليس مهمّاً، لقد هزمتم القدرة الكبرى، وما هؤلاء بشيء.
على كل حال يجب الإمهال الآن، إذا حدث عمل بالنسبة لهذا النظام، كان حقّاً ان تقولون: حلّ نظام يَدّعي أنه إسلامي وهو يُفسد. أمّا إذا كان النظام الذي حلّ وورث بلاداً سلبوها كلّ شيء وأكلوه وأخذوه .. فذاك الأب نهب جواهر إيران ومخازنها، لكنّه- على ما قالوا- سقط بيد الإنجليز، وهذا الأبن نهب أيضا، وملأت حاشيته المصارف الخارجية بما نهبت من أموال، وما لم يستطيعا نيلهُ هناك حملته ونقلته من هنا. وكلّ ما استطاعوا- على ما يقول المطّلعون- اقترضوا من المصارف وأخذوه. وبقيت بلاداً لا تملك شيئاً تستطيع أن تفعل به ما تريد، وليس الآن منْ خزانةٍ ملأى، وتركت على حالها، ولا يريدون العمل بها. خزانة خالية .. لبلادٍ، عليكم أن تحسبوا بناء على هذا أنه لا بُدّ من إمهال، وكلّ الإشكالية التي تذكرونها صحيحة.
خطر حدوث الفوضى والشغب
نحن نعلم أنّ الأمور كما تقولون، بقايا النظام السابق بقوا يُفسدون، وذوو الانحراف المتأثرون بالخارج يفسدون. ويجب أن نضع الآن يداً بيد لتخرج هذه الحكومة من الوضع الانتقالي، أي: أن تحكم البلاد حكومة مستقرّة، نحن الآن ليس لنا رئيس جمهورية ولا مجلس، والمجلس لازم لنا، ورئيس الجمهورية لازم، وما لنا دستور وأساس البلاد دستورها ورئيسها ومجلسها وحكومتها المستقرّة، وما لنا واحد من هؤلاء. نحن الآن أخرجنا هؤلاء ولكن ليس لدينا شيء يُذكر، فكل ما لدينا غير تامّ.
ولو طالبتم بتنحية المشغولين بالعمل الآن، لأزداد الشغب، وهو ضرر على بلادكم، يجب أن يسود قدر من الهدوء، لتستقيم الأعمال. وإذا شدّدوا في أخذهم ومنعهم فرضاً لا ينتج سوى أن يتفاقم الشغب، ولا نستطيع أن نقيم الحكومة الدائمة. تجب سيادة الهدوء الآن. لقد صبرتم نيفاً وخمسين عاماً، أبناؤكم وآباؤكم كانوا تحت هذه الضغوط والمظالم، وأنتم كلّ ما تذكرون كان من هذا النوع، كل ما في ذاكرتكم هو الحبس والبلوى، وما كان لكم غير الصبر. وأنتم الآن أحرار والحمد لله، وقد كفت عنكم أيديهم، ولا أحد يأخذكم ويحبسكم، أو يؤذيكم. والباقي عدّة وحُثالة من هؤلاء الذين يتخيلون إمكان الصيد في الماء العكر. وإذا أرادت العشائر لا عشائركم وحدها بل عشائر إيران من أقصاها إلى أقصاها أن تبدأ بقمع هؤلاء الذين يثيرون الشغب، فإنّ ذلك سيكون مدعاة لنشوء الخلافات في إيران كلّها، وهم من الطرف الآخر مقبلون على تعميق الاختلافات. في مدينة طهران نفسها ما أكثر ما يعمّقون الخلافات! وما أكثر نشرهم لها! وهكذا في سائر المدن، وكذلك في العشائر وفي الأماكن الأخرى. والمخرّبون في كلّ مكان مشغولون بالتخريب ويتحينون الفرص، ليتثيروا الشغب، كي لا تستطيعوا أن تصلحوا بلادكم، فيقولوا هم: هؤلاء قوم مُشاغبون، ولا يستطيعون أن يُمارسوا الإدارة، وهم محتاجون لمن يأتي ويُديرها لهم. ويأتون- لا سمح الله- ثانية بمتعجرف ينصبونه، ويعيدون الوضع السابق. فيجب الصبر حتّى تقوم الحكومة المستقرّة.
الصبر الثوريّ على المشكلات
واعلموا أنّهم الان في الحكومة الانتقالية مشغولون ليل نهار أن يقدّموا خطّة إصلاح، ليُصحّحوا ما تلف، ويُبدّلوا أحوال الناس، لكنهم بحاجة للوقت، فما يتسنى لحكومة انتقالية أن تصلح كلّ خراب تراه دُفعة واحدة، لا تستطيع فعل هذا، لا أنها لا تريد ذلك، فهي متلهفة لإنجازه، وتريد من الله أن تتمّ الأمور في بضعة أيام. وليس هذا ممكناً. فأنتم إذا خرب لكم منزل في مكان ما تحتاجون إلى ستة أشهر ليُصلحوه، إذا تهيّأ له كلّ شيء، وإلا فلا.
وهذه بلاد كلّها هذا شأنها، لستم وحدكم، بل كلّ مكان. انظروا لمحيطكم تروا المشكلات، ومن يأتي من البختيارية يرى محيطه، وذاك الذي يأتي من خراسان يرى محيطه أيضاً، وهو سامعٌ خيراً عن بقية الأماكن، مكانه رآه، علناً رآهُ، وابصره علناً. اصبروا أيّها السادة صبراً ما. إذا أردتم أن تثيروا مثل هذه الخلافات، فهذه هي الخطّة التي يريدها أولئك الذين لا يريدون أن يدعونا نفوز بحكومة، وتتحقّق الجمهورية الإسلامية، فيوسعون الاختلافات بيننا، وإذا زدناها نحن أنفسنا، هوّلوها هم ومدّوها إلى حدودنا حيث يمارسون البلبلة، لتكون البلاد- وما تكون- مضربة قلباً وأطرافاً، ولا تستطيعون- والعياذ بالله- أن تديروها، وتعمّها البلوى والمصيبة. فيجب التحمّل، ولا سبيل لكم غيره طبعاً، وواضح أن المشاغبين موجودون هناك وفي كل مكان، ولا أدري، ما كان لكم حّمام ومستشفى من الأوّل، وليس لكم الآن أيضاً، ونحن نعلم أنه ليس لكم. ولا تظنوهم لا يريدون أن يبنوها لكم، يريدون، وستكون إن شاء الله، لكنّها بحاجة لقدر من الصبر والصبر الثوريّ بحسب الاصطلاح، تحتاج إلى قدر من الصبر والتحمّل، حتى تتمّ هذه الأعمال تدريجيّاً إن شاء الله.
انتخاب النواب العلماء بالإسلام والملتزمين له
أسأل الله- تبارك وتعالى- أن يُوفقنا جميعاً في سبيل الإسلام وبلادنا، ويوفّقنا أن يكون في نظرنا كلّنا أن نتعاون ونبني هذه البلاد. طبعاً بقي حفنة من السابق ولا مكان لهم بين الناس، وما هم بشيء يلفت النظر إليه، فهم ينتهون دُفعة واحدة. والأساس هو أن تقوم الحكومة المستقرّة، ونحن الآن في الطريق نطوي مراحل يجب طيُّها، ودستورنا الآن قيد الإنجاز يكادون أن يتمّوه. وبعد يجب أن تنتخبوا ناساً- أنتم تنتخبونهم وأنتم تفعلون- علماء إسلاميين ملتزمين للإسلام معتقدين بالجمهورية الإسلامية وطنيين ليسوا متمايلين لليسار واليمين. عليكم أن تنتخبوا أنتم أنفسكم مثل هؤلاء الناس من بينكم وهم بينكم. تنتخبونهم وتبعثونهم، لينظروا في الدستور، فمصيركم رهن بالدستور، فلينظروا فيه، فإذا تمت الموافقة عليه، ألفوا مجلس الشورى، وبعده رئيس الجمهورية، وبعد هذا يقبلون على هذه الأعمال بجدّ، هم الآن يعملون، ولا تتصوروا أنهم فاترون، هم الآن مشغولون ببناء المنازل في أقاصي إيران ومقبلون على إتمامها، وسيحلّ التطهير ولابُدّ منه وكذا الطرق. هؤلاء يفكّرون وينفذون، لكنّ العمل كبير يتناول بلاداً لا ناحيةً منها ليتم سريعاً. والبلاد يجب أن تبنى تدريجيّاً.
وفّقكم الله جميعاً إن شاء الله وأيدكم، وهدانا أن نسعى جميعاً في سبيل الإسلام إن شاء الله ونتعاون في الحياة، ونعاون الحكومة والإسلام.