بسم الله الرحمن الرحيم
إنجازات الثورة الإسلامية
من بركات هذه الثورة أن نتعرّف عن قُرب على سادةً محترمين بعيدين عن مركز التعليم لأنهم في المراكز الأخرى، ونتبادل ما لديهم وما لدينا من أمور إذا كان لديهم، ونبثّ ما في صدورنا من شؤون، بل تعالجونها أنتم مأموري الصّحة.
إحدى بركات هذه الثورة التحوّل الروحي في مجتمعنا، وقد كرّرت أن هذا التحوّل الروحي الذي حصل في إيران استطاعت هذه الثورة أن توجده بإرادة الله- تبارك وتعالى- من هذا النصر الذي صار نصيبنا، وقطعنا به يد الأجانب والخونة، والأكثر أهمية هو هذه التحولات الروحية التي لا تحصل لأحد بهذه السرعة، فكيف للجماعات، وكيف لبلاد من أقصاها إلى أقصاها؟ وأنتم تلاحظون عدّة أنواع من التحوّل الروحي سرت في هذه الجماعات الذي قلتُ مراراً، وها أنذا أقول: هذا التحوّل جعل الخوف والجبن إقداماً وشجاعة. ولاحظتم وما زال في خاطركم أنه إذا مرّ في الأسواق شرطيّ، في بازار طهران وبازار تبريز، وقال: اليوم رابعُ آبان «1»، ويجب أن ترفعوا الأعلام على الدكاكين، ما كان يمرّ في خاطر الناس أن يُعارضوه، ويقولوا له: لا، كلّهم كانوا يمتثلون خوفاً من الحبس والقمع والتعذيب. وفي أدنى من عامين آخر هذه الثورة سرى في هذه الجماعات تحوّل، في أدنى من عامين، فوقفوا إزاء المدافع والدبابة والرشاشة، وهتفوا أن نحن لا نريُد الشاه أصلًا. ذاك الذي ما كان يجرؤ أن يقول" أنا الليلة لا أفعل هذا، ولا أرفع علماً تجرّأ أن يحكم قبضته، ويتقدّم. أقبلوا على الشوراع وهم يهتفون بالموت لسلطنة كذا. وليس هذا تحولًا سهلًا. بلى. أن يحصل هذا التحول لامرء أو أثنين أو ثلاثة أمر سهل، أمّا ان يحصل لشعب على نحو ما حصل في أذربيجان ومشهد وطهران وشيراز والقرى والأرياف، ولم يختص بناحية، وإنما عمّ البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وقد تحوّلت دُفعة واحدة، وما كان هذا بغير عناية خاصة من الله- تبارك وتعالى- بهذا الشعب، فقد قذف في روع هذا الشعب نظراً معنوّياً جعله يرتفع فوق مُستوى النظر، كأنّه شيءٌ آخر، مجموعة تحولت من حال إلى حال أخرى. ومن هذه التحوّلات كان حسّ التعاون الذي سرى في ناس كانوا متفرّقين لا يعنى أحدهم بالآخر، وهؤلاء كنا نراهم حين تسير الجماعة إلى الأطراف يُساعدونها، فرجال تلك البيوت ونساؤها في تلك الشوارع- على ما كانوا ينقلون لنا- كانوا يسقون الجميع مراراً ويعينونهم، وفي هذا العمل كانت جماعة تتظاهر، وجماعة تعين المتظاهرين.
وهناك قصّة جذّابة في نظري هي أنّ أحدهم قال لي: رأيت في شارع بطهران امرأة بيدها ماعون فيه نقود، وقد وقفت على الطريق حسبتها فقيرة تستعطي، وكانت عجوزاً ولمّا اقتربت منها، وسألتها أجابت: اليوم عُطلة، وهنا مركز هاتف، وجئت بهذه النقود ليأخذ منها كل من يريد الإتصال هاتفياً. هذه قضية صغيرة جزئية، لكنّ معناها كبير، وهذه جزء من هذه التحوّلات الحاصلة. أو أنّ أحداً كان ينقل أنهُ إذا عرض أحدهم قطعة ساندويش على آخر في تلك الاجتماعات- قال: أنا نفسي رأيت ذلك- كان يقسمها قطعة قطعة، ويقدّها لهذا وذاك وكأنها لقمة لقمة. هذه قضايا تظهر بالنظر الأوّلي صغيرة، وهي كبيرة. كان هذا تحولًا، حسّ التعاون هذا بين الناس ليس أمراً مُعتاداً وإنما هي قضية إلهية جعلت من لا صلة لبعضهم ببعض في ذلك الوقت يرتبطون فيما بينهم بحرارة، ويُصبحون أسرة واحدة، وكان الناسُ وكأنّهم أسرة واحدة، وهذه الأسرة لا تخشى شيئاً.
تسطير الملاحم
قال أحدهم: كان صبيّ ابن العشر أو الاثنتي عشرة سنة في تلك المواجهات على الدراجة النارية أو الهوائية اندفع صوب دبابة كانت تهاجمه وقد حطمته وقضت عليه. هكذا صار الناس في ذلك الوقت، وكان هذا التحوّل إلهيّاً، فقد حوّلت يدُ الغيب هذا الشعب هذا التحوّل، ولو لم يكن هذا التحوّل، لما كان هذا النصر. الشعب الخالي اليد الذي ليس له شيء- الآن توفرت بضع بنادق، حتى كانت هذه الأشياء في ذلك الوقت- يَدُه خالية وأولئك مسلّحون ولديهم الدبابة والمدفع والرشاش، وهؤلاء لا شيء لديهم ما عدا هتاف (لا إله إلّا الله، والله اكبر) وقبضة ملأى من الإيمان القلبيّ القويّ. كان هذا الإيمان هو الذي أوصل هذا الشعب إلى هذا النصر، وأبطل حسابات الجميع وحساب أن تغلب اليد الخالية هذه الأسلحة الحديثة، بطلت تلك الحسابات، لأنها لم تعدّ المعنويات، كانت تعدّ المادّيات. غلبت المعنوية المادّيات، هزم الله الشيطان، وها هو ذا يهزمه.
دهشة العالم من ثورة إيران
هذا التحوّل نعمة عظيمة هي كلّ شيء لنا إذا حفظناها. وذلك أن نفهم أوّلًا أنها كانت نعمة آتاها الله، نحن كنا ضُعفاء والله قوّانا ومنحنا قوة هزمت جميع القوى الخارجية.
وأولئك الذين يأتون من الخارج، من أمريكا وأماكن أخرى يقولون: الإيرانيون لا يدرون ما صنعوا، والخارج يعلم ما الخبر. أولئك يدرون ما حصل، والإيرانيون أنفسهم غير ملتفتين له.
وما زال في الداخل معركة إذ لا يعرفون ما حصل. كلّ الدول كانت لمحمد رضا ظهيراً، ليس فقط أمريكا والاتحاد السوفييتي والقوى العظمى، بل هذه الدول الضعيفة، هذه الدول الإسلامية كلّها كانت مؤيدة له، ومع كلّ ما بذلته من تأييد له، ومع كلّ ما لديه من قدرات لم تستطع أن تحفظه. بيد خالية هزم الشعب قدرة محمد رضا ومن كانوا يُؤيدونه. وليست هذه مسألة نستطيع حلّها بالموازين الطبيعية، فهي دليل على أنّ هناك مبدأ فوق هذه المبادئ، وهو دليل على وجود الله.
استمرار النصر رهن بالانسجام والوحدة
إن تحفظوا هذا يكن لكم كل شيء. إن نحفظ هذا الانسجام الذي ناله هذا الشعب واجتمعت به الفئات المتفرّقة، وصارت معاً، وتقارب به المتباعدون، وذلك الإيمان الذي امتلأت منه القلوب وهتفت كلّها بالجمهورية الإسلامية، إن حفظنا هذا- عرفنا قدر هذه النعمة. نحن شعب منتصر لا تستطيع هذه الأذناب أن تضّرهُ بشيء، لكن المهم هو أن نحفظ قدرتنا، المهم هو أن نحفظ هذه الوحدة التي ملكناها. والآن إذ بلغنا مرتبة من مراتب النصر، وأخرجنا الأعداء علينا ألا نتخيل القضية قد انتهت، وننقلب إلى أنه ليس لي منزل، وما يكون عملي؟
رأيتم يوم نزلتم إلى الشوارع، وكنتم جميعاً حتماً، وملأتم الشوارع تكبّرون بأعلى صوت ولم يكن في بال أحدكم ما هو كسبكم اليوم؟ لقد أطلقتم كسبكم خمسة أشهر أو ستة. لقد صنع الله مثل هذا الموجود، ذاك الذي لم يكن مستعدّاً لإغلاق دكانه يوماً واحداً أغلقه ستة أشهر بملء رضاه. أتحسبون هذا شيئاً سهلًا؟ هذه نعم وعنايات مَن الله بها عليكم، فخذوا هذه الرحمة بكلتا يديكم، واحفظوها. تآخوا وضحوا وافتدوا الإسلام. إذا بقيت هذه الروحية محفوظة، وهذه الشجاعة مصونة، وأنتم الآذربيجانيين نبع الشجاعة، إذا بقيت هذه الشجاعة محفوظة، وهذا اللجوء إلى الله مصونا، وهذه الوحدة محفوظة، فلن يستطيع أحد بعد ولا قدرة أن تسبقكم ولا يتمكن اجد من أن يأخذ أموالكم ويأكلها وينقلها ويخونكم، ولا حكومة أخرى تستطيع أن تخالف، ولا جيش يستطيع أن يقهركم، ولا درك يتمكّن من أن يجابهكم، ولا شيء ما. أنتم والاستقلال، وأولئك هم منكم أيضاً، وهم قُواكم أنتم.
الحكومة الإسلامية
وحدة الكلمة وإسلامية البلاد هي أنهم سواء من رئيس الجمهورية الذي هو أعلى منزلة بحسب الاعتبار إلى أدنى الناس منزلة، لا هم يخشونه، ولا هو يخشاهم، هكذا الإسلام.
أمير المؤمنين- سلام الله عليه- الذي كان خليفة المسلمين، خليفة بلاد لعلّها كانت تعادل إيران عشر مرّات، فهي من الحجاز إلى مصر وإفريقية ومقدار من أوروبا، هذا الخليفة الإلهيّ عندما يكون بين الناس يكون مثلنا نحن الذين جلسنا معاً، وما كان هذا الفراش تحته، فكل والديه- بحسب النقل- جلد ينام عليه ليلًا هو وفاطمة، ويعلف بعيرهُ عليه نهاراً. وهذا هو نهج الرسول أيضاً. هذا هو الإسلام الذي نريده. وما من أحد طبعاً يستطيع أن يكون مثله، لأننا نريد أن نقترب منه شيئاً، وأن تسري منه رائحة في إيران، نريد أن لا يتنحى الناس عن الطريق ساعة يمرّ رئيس الجمهورية أو رئيس وزرائه. في عهد النظام السابق إذا أراد هذا الشخص أن يعبر شارعاً كانت منظّمة الأمن والمأمورون تضع كلّ الأمكنة تحت النظر، وتخلى المنازل من ساكنيها قبل يومين أو ثلاثة من مروره من ذاك المكان الذي يريد اجتيازه. لماذا؟ لأنه كان خائناً، والخائن يخشى، كان قد خان البلاد، والخائن خائف، يخاف حتى من نفسه، يخاف أن يقتلوه. لكن هل كان مالك الأشتر هكذا؟ لقد كان بين الناس، وكان الأمير بين الناس ومعهم، والرسول كان جالساً في المسجد بين أصحابه- بحسب النقل- فلم يَعرفه عَربيٌّ ورد عليهم مَنْ هو منهم، فراح يسأل أيّكم رسول الله؟ هكذا كان الوضع يجلسون معه محيطين به ليس فيهم صدر ولا عجز، يجلسون دائرةً متساوية النقاط، وحينما كان يرد عليهم أحد وهم جالسون أحدُهم إلى جنب الآخر لا يعرف السيّد من غيره، هذا هو وضع الحكومة الإسلامية.
الجيش في العهد البهلويّ
ما كان جيش الإسلام هكذا يَفرّ منه الناس حين يأتي، ويُعرضون عنه. وجيوش الأنظمة الطاغوتية معدّة أن تقمع الناس أوّلًا. وجيش إيران ما كان يذهب يوماً ما ليقمع الأعداء. هذه الجيوش لقمعكم أنتم. ولعلّ أكثركم يذكرون أنهم حين أتوا الحدود فرّ الجيش منها فور هجومهم عليها. وكنتُ أنا نفسي شاهداً، ما شهدت الحدود، لكن ساعة هاجموها خلت طهران، ومضى أصحاب المناصب منها صوب إصفهان، ملأوا حقائبهم وفرّوا. وكان رضا خان قد قال: كيف ثبت هذا الجيش وهذا النظم ثلاث ساعات؟ فأجابوه أن لم يثبت ثلاث ساعات، فأولئك هجموا، ونحن رُحنا. ونحن لكي نظهر القدرة نقول: ثلاث ساعات، أي: دام ثلاث ساعات. هكذا كانت القضية، هذا ما جرى على الحدود. كنت في طهران وهذه القضية جرت في الحدود. الجنود فرّوا من الثكنات في طهران وولّوا يعبرون الشوارع شراذم. وأولئك وردوا الحدود، فانهارت طهران، فأصحاب الرتب العالية من قادة وأمراء، ولا أدري، افرضوا الزعماء ملأوا الحقائب، وركبوا السيّارات، واتجهوا صوب اصفهان ليجدوا ملجأً مثلًا.
ما كان الجيش لمجابهة قدرةٍ خارجية، وإنّما كان ليقمعنا، ليأتي آخرون يأكلون ونحن لا نستطيع أن ننطق. لهذا كان الجيش، ومثل هذا الجيش لا يستطيع أن يقاوم قدرة ما، بل لم يستطع أن يقابلكم أنتم، طبعاً هم انضمُّوا إلينا، فأولئك الذين كانوا يتمتعون بروح إنسانيّة انضمّوا إلى الشعب، وهذا لأنهم رأوا الحقّ معه، وأنّ أولئك كانوا ينهبونه وينهبونهم هم أيضاً، ولعلّ البلاط كان يمدّ يده إلى رواتب هؤلاء، كانوا يقولون: إنّهم كانوا ينهبون أفراد الشرطة أيضاً. لا أدري.
سيرة علي في الحكم
إذا تحقّق الإسلام في الخارج إن شاء الله وبإرادته ولو تحقّقاً صغيراً ضئيلًا، يتبين أنه غير هذه القضايا التي يتخيلونها، غيرُ هذه الأمور التي يتخيلها الناس، والإسلام الذي نفهمه غير هذه الأمور. إذا ظهر الإسلام الذي هو ذاك الذي سطر في التاريخ يوما بايعوا أمير المؤمنين- سلام الله عليه- وذاك اليوم جليّ في التاريخ بيعة على بلادٍ مترامية- الطول والعرض على ما أشرنا، وما تمّت البيعة، حتى حمل مسحاته ومعوله، مضى إلى بئر كان يحفرها. ذهب إلى هناك، إلى عملهِ، فقد كان عاملًا، ونبعت العين، وكانوا يقولون إنها ساعة نبعت بآخر ضربة معول انبجست مثل رقبة البعير. فقال أحدُهم: حسناً، أعط الورّاث شيئاً، فجعلها وقفاً. كان للإسلام قادة من هذا القبيل، وكان له جذر- على ما يحدث التاريخ- حين يحاربون يخوضون الحرب جياعا، وما كان لديهم هذه الأجهزة الحربية، وكانوا كلّ عدّةٍ منهم بسيف، وكلّ عدة ببعير، ليس الأمر كما تتصورون من الترف والنعمة فكل مجموعة منهم بتمرة. فمن يحظى بتمرة يلقيها في فمه، تلك حلّواه التي تبلغ فمه، فيردُّها عنه، ويُعطيها رفيقه، وذلك يُعطيها رفيقه، وذاك يعطيها رفيقه حتّى تصل الأخير هكذا كانوا يحفظون الإسلام، ويجب ان نحفظه نحن الآن هكذا ايضا.
واجب حراسة الإسلام والتّضحية من أجله
الإسلام عزيز جدّاً، فقد قدّم فدائيين كثيراً، وتحمّل رسوله من أجله كثيراً من المصاعبِ، وقضى عمره في تخطّي العقبات الجسام. فعندما كان في مكّة عانى العذابَ والنصب والنأي عهداً طويلًا إذ بقي زمناً لا يستطيعُ أن يظهر في مكّة، وحين هاجر إلى المدينة خاض حروباً كثيرة في مواجهة المشركين والخائنين والمستكبرين والمُترفين ليخضعهم للإسلام. وجيء بجماعةٍ أٍروهم وجلبوهم إليه مشدودي الوثاق، فقال: انظروا يجب أن نبعث هؤلاء إلى الجنّة بوثاق. كانت حروبه من أجل أن يجعل الناس أحياء، لا أن يستولي على المُلك، فليس التملُّكُ سبيل الإسلام، ولذا كان يفتح البلدان لتنفتح القوالب فيها، لا ليوسَّع الدولة، ويفرض الضرائب ليكون الناس بَشراً سوياً. الإسلام عزيز جداً، وبذل فداءً عظيماً، الإسلام قدَّم الحسين فداءً، فيجب حفظن. وحان دورنا الآن، فقد آل الإسلام إلينا، واليوم الجمهورية الإسلامية في العمل لا النظام الطاغوتي. يجب أن تشغلنا فكرةُ كيف نحفظ الإسلام؟
علينا نبذ الخلافات التي بدأت تظهر حديثاً باستمرار، ويتمسك بها أولئك الذين يريدون ألا يدعوا الإسلام يتحقّق، يأخذون بهذه الخلافات ويعمّقونها، فيجب أن نسعى أن تزول هذه الاختلافات، وتبقى وحدة الكلمة التي هي نعمة الله الكبرى علينا محفوظةً، لنصل هذه المرّة إلى المنزل إن شاء الله بسلامة وسعادة.
أيَدكم الله إن شاء الله، وفِّقتم، أسعدكم الله جميعاً. البلاد لكم، فأكدحوا لأنفسكم، لا أن تشقوا وينهب الآخرون ويجلبوا الخيرات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.