شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [نفوذ الغربيين في إيران طوال ثلاثة قرون مضت‏]

قم‏
نفوذ الغربيين في إيران طوال ثلاثة قرون مضت‏
المكفوفون في مدرسة أبي بصير بإصفهان‏
جلد ۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۳۸ تا صفحه ۳۴۶

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الكشف عن خطط الاستعمار

ابتداءً أذكر موضوعاً في شأن ما قاله هذا السيد. ذكّرتم أنه قبل خمسين عاماً أسّس أحدهم مدرسة، فلا تصدقوا أنه بناها للنصرانية، فهؤلاء الغزاة لا يعتقدون لا بالإسلام ولا بالنصرانية، ولا بدين من الأديان.
جاء هؤلاء بهذا العمل ليصرفوا أبناءنا عن الإسلام، وليست هذه الخطّة في مدرسة أبي بصير فقط، بل كانت في كل المنظّمات مذ وجد الغربيون الطريق إلى الشرق في الزمن السحيق، ولعلهم وجدوا هذا الطريق قبل زهاء ثلاث مئة سنة، فبعثوا خبراءهم درسوا إيران والشرق، لا إيران وحدها، بل درسوا كل الشرق. أنشأوا قسماً للأبحاث في الأرض، فهنا معادن، وهنا كنوز وذخائر وآثار البلدان الشرقية. كان هذا قسماً للأبحاث في زمن ليس فيه وسائل نقل، فسجّل التاريخ أنهم كانوا يذهبون على الجمال، ويجوبون حتّى الصحارى التي لا نبت فيها ولا ماء، ولابدّ أنهم رسموا خرائطها، وحدّدوا المعادن التي في هذه البلدان وعرفوا بهذه الخرائط والوسائل العلمية التي بأيديهم خيرات هذه البلدان. في سنة متقدّمة جدّاً من عمري كنت في همدان، وجاءني أحد معارفنا هناك بورقة مساحتها تزيد على متر وزيادة عليه، كانت خريطة لهمدان رسموها وعليها نقاط كثيرة بلون آخر قال الرجل الذي جلبها لي: كلُّ من هذه النقاط علامة أنّ في هذه القرية أو هذه الصحراء معدناً أو ذخيرة أرضية. كان هذا قسماً من أبحاثهم، ليعرفوا ما في البلدان الشرقية من أشياء يمكن استغلالها ونهبها. وكان من أبحاثهم ما يتعلّق بعقائد الناس، ليتبيّنوا مدى تأثيرها فيهم وقدرتها على الوقوف في وجه نهب ثرواتهم هم وكانت أبحاثهم في هذا المضمار واسعة عميقة، ومن أصول دراساتهم دارسة روحيات الأقوام المختلفة في هذه البلدان، فإذا التفتنا إلى بلادنا وجدناهم درسوا مَن كان فيها مِن البَدْو والعشائر، فقد ذهبوا إلى هذه العشائر وحادثوها، ودرسوا روحياتها، ليروا كيف يُخمدون كلًا منها. كانت هذه أشياء من كيدهم، وأكثر منها أنّهم درسوا الشرق كله، ليعرفوا كيف ينهبونه، وما هي القدرات التي تمنع هذا النهب، وبأيّ أسلوب يعالجون هذه القدرات، لتعجز عن منعهم. من الأشياء التي فهمها أولئك، من القدرات التي فهموا أنها أشدّ عليهم وأقوى في منعهم من النهب والتسلّط مِن بقية القدرات؛ الإسلام في البلدان الإسلامية فشرعوا بمخالفة أصل الإسلام وعقيدته، وانتشر دعاتهم انتشاراً واسعاً، وخالفوا الأديان كلها والإسلام خاصة في البلدان الإسلامية، وكانوا يسعون إلى عرض إسلام آخر على الناس غير الذي يعتقدون به، ويحرفون هؤلاء الناس الذين يعيشون هنا ويعتقدون بالإسلام عن إسلامهم، ويصغرونه في عيونهم، ويقبّحونه عندهم. وما يُؤسف عليه أنّ نفاية من الناس قبلوا هذه الأباطيل، وهي الآن موجودة، وموجود من يرتزق من هؤلاء ارتزاقاً فكريّاً دون اطّلاع على الإسلام وأحكامه والحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي أصلًا. ومثلما أساء الغربيون النظر إلى الإسلام، وشوّهوه تبعهم هؤلاء، وانتقدوا أصل الإسلام ليقولوا: نحن مثقّفون. وترون الآن في الفئات المسمّاة المثقّفة كثيراً من المفكّرين الجيّدين. وترون بين هؤلاء أيضا مَن لا يريدون من الجمهورية الإسلامية إسلاميتها. كانوا يقولون: لتكن جمهورية ديمقراطية. وهذا اتباع لما نفثوه فيهم، وهو دعاية بثّها الأجانب. وهؤلاء سَلَّمُوا بها صُمَّاً عُمياً بلا اطّلاع على الإسلام، لفتنتهم بالغرب.

خوف المستعمرين من قوة علماء الدين‏

وإحدى القدرات التي أدرك أولئك أنه يجب كسرها كانت قدرة علماء الدين. إذ رأوا عياناً وتجربة في أماكن مختلفة أنّ هذه القدرة تستطيع صدّ المفاسد التي يريدون إيجادها، وهذا من المنافع التي يريدون أن يفوزوا بها منا، ويدعونا متخلّفين. هؤلاء يستطيعون أن يفعلوا مثل هذا، قضية التبغ في زمن المرحوم الميرزا «1» أفهمتهم أنّ فتوى رجل يسكن قرية بالعراق هزمت امبراطورية، ولم يستطع امبراطور ذاك الزمان أن يحفظ تلك المعاهدة بكل ما بذل من مساعيه، وثار شعب إيران، وألغى تلك المعاهدة التي أبرمها الامبراطور. كانت تلك تجربة لأولئك ليروا أنّ رجلًا يكتب كلمة في قرية بالعراق هي:" استعمال التبغ اليوم في حكم المحاربة لإمام الزمان" فيغمر موجها إيران، ويحطم ذلك الامبراطور المستبدّ مع تلك القدرة، لقد حطم قلم ذلك الرجل حراب ذلك الزمان، وفهم أولئك أنّ عليهم أن يسلبوا هذه القدرة، فما دامت حيّةً لا تدعهم يفعلون ما يشتهون ولا تدع الحكومات مخلوعة العنان تفعل ما تريد، ولهذا شنوا الدعاية على علماء الدين بكمال السعي، وإضافة لهذه الدعاية مارسوا عملًا خارجياً. في عهد رضاخان- وأكثركم لا تذكرون ولعلّ قليلًا منكم يذكرون أنهم شرعوا بتحطيم علماء الدين مذ جاء رضاخان وأنا أذكر ذلك كله منذ البدء حتى الآن- فنزعوا العمائم، وأغلقوا المدارس، وغيَّروا الملابس بتلك الشدّة التي يخجل منها الإنسان ومّما فعلوا بهذه الطائفة، وهذا أيضاً بدعوى نريد أن نصلح. هذه الإصلاحات التي كان الابن يريد إجراءها باسم الإصلاحات، باسم أن تكون إيران كلها لوناً واحداً، وأن يكون شعبنا كذا، بهذه الكلمات الزائفة أرادوا أن يحطموا هذه القدرة في ذلك الوقت، وحطموها حطماً شديداً. وثار علماء الدين في إيران عِدّة ثورات انطلقت إحداها في إصفهان، واتسعت دائرتها، فشملت كلّ المدن الإيرانية تقريباً، واجتمعوا في قم برئاسة المرحوم الحاج نور الله «2»، وأعلنوا معارضتهم لرضاخان. وهذه غلبوها بالحيلة والقوّة مثلما غلبوا ثورة أذربيجان وعلماءها وثورة خراسان وعلماءها. كلّ هؤلاء هزموهم بالقوَّة. وفي ذلك الوقت قال لنا ناس: إنّ المرحوم الحاج نور الله «3» الذي توفّي في قم كانوا قد سمموه، ولسنا مطّلعين، لكن هكذا كانوا يقولون. ومن الناس من جاء من إصفهان من علمائها إلى قم، ونفوا عالمين من تبريز كانا على رأس الثورة إلى سنقُر على ما أظنّ وبقوا هناك مدّة، ثمّ سمحوا لهم بالعودة، فعاد المرحوم الحاج صادق آقا الذي كان رأس علماء تبريز في ذلك الوقت إلى قم، وبقي فيها، ولم يخرج منها حتّى وفاته فيها، ولو خرج منها لما كان يستطيع أن يفعل شيئاً. وألقوا القبض على علماء مشهد مجتمعين، وجلبوهم إلى طهران، وحبسوهم فيها. وقادوا المرحوم آقازاده «4» وهو رأس علماء خراسان إلى المحاكمة في العدلية مكشوف الرأس رفقة جنديّ. هذه قدرة ذلك الوقت الشيطانية كانت تريد تحطيم هذه القوّة، لكنها لم تستطع ذلك جيّداً، وحفظ الله هذه الجماعة.
في زمان ذاك الآخر فات عنفوان البطش، أو أنهم لم يروا مصلحة في ذاك النحو، فبدأت الدعاية، وزادوها على أهل العلم والروحانية، وتعاظمت، وشهِرَتِ الحِراب، لكن لا بتلك الشدّة. لم يدعوا المساجد تبلِّغ تبليغاً صحيحاً. وأعدّوا من يشوّه الإسلام بلباس الشيخ وفكر الجاهلية. ومارسوا هم أنفسهم الدعاية في كل مكان والجامعة خاصّة وبلغ التشويه فيها أوْجه، حتى فصلوا الجامعة عن علماء الدين، فكسروا الجامعة، وكسروا علماء الدين، أي: كانوا يريدون كسرهما.

السعي لهزيمة قوة المسلمين‏

أولئك الذين تقولون:" بنوا المدارس هنا وهناك، ثمّ في كل مكان" ما بنوها اعتقاداً بمبادئ لديهم، فقد كانوا يقولون: لا يكُن الإسلام، ولتكن النصرانية، أولئك لا يريدون النصرانية، ولا الإسلام، ولا صلة لهم بهذه القضايا، فهم يبحثون عن منافعهم المادّية بأيّ نحو، فيحرفون أبناءنا عن الإسلام، والنصرانية لا تفعل شيئاً، لأنّ ما فيها الآن هو أن يدعوَ الناس ويذكروا ويذهبوا إلى الكنيسة يوم الأحد، ولا علاقة لهم بحكومتهم. مثلما أنّ جهاز النصرانية لا علاقة له بنفوذ هؤلاء إذا لم نقل: إنه وراءَهم. كان الإسلام صاحب الحركة، وأسفنا على أنهم فصلونا عنه. فهذا القرآن الكريم كل من قرأه رآه كتاباً زاخراً بالحروب والتحرّكات على من يريدون القضاء على المستضعفين، ولذا لم يدعوا أحداً يتلوه تلاوةً واعية حتّى نحن، فقد شنوا عليه من الدعاية ما حجبنا عن الانتفاع فيما ورد فيه من البصائر. كان هذا القرآن في صدر الإسلام هو الذي أعدّ الناس لمجابهة امبراطوريتين عظيمتين «5» بفئة قليلة من العرب لا سلاح لها، فكل عِدَّة منهم ببعير، وكلّ عِدّة بسيف، وهذا أيضا من سيوف ذاك الزمان، فوقفوا بإزاء قُدْرَتي ذاك الزمان القاهرتين إيران والروم. وفي الحرب التي وقعت بين إيران وجيش الإسلام كانت طليعة الجيش الإيراني تضمّ ستين ألف محارب، وخلفها سبعمائة ألف محارب، أو ثمانمائة ألف. فقال أحد قادة الإسلام: لا نفعل شيئاً إذا نزلنا إلى الميدان. فكل الجيش الإسلامي كان ثلاثين ألف مقاتل بغير عُدَّة و بل بلا مُؤن، فقد كانوا فقراء، لكنّهم مؤمنون. قال ذلك القائد:" إذا أردنا نزالهم على المتعارف لا طاقة لنا بهم. ليخرُج لي ثلاثون منكم اقاتل بهم الليلة هؤلاء الستّين ألفا". قال المسلمون: كيف يكون القتال بثلاثين نفساً؟ فتقرَّر أن يذهب بستّين، لِيُقابل كلّ منهم ألفاً من أولئك، أي: كلّ رجل بسيف مثلوم غير حديد من ذاك الزمان، وإذا أرادوا أنْ يَحُدّوه حَدُّوه بما تسنّى لهم من مِبرد أو حجر. وأغار أولئك الفرسان على الستّين ألفاً ليلًا، فكشفوهم، وكان هذا سبباً لهزيمة جيش الروم هزيمة نكراء «6». أولئك شهدوا تاريخ الإسلام، وهي قدرة الإيمان التي يجب أن يسلبوها، فماذا يفعلون ليسلبوها؟ هل يهتمّون بالإسلام خاصّة؟ لا، في البَدْء بكل الأديان.

ليس الدِّين أفيون الشعوب‏

" أصل الدين الأفيون" «7» هكذا عرَّف هؤلاء الدين، وما يؤسف عليه أنهم أثروا في إيران نفسها وفي شبّاننا وفي فئة من مثقّفينا أيضا. وهؤلاء من تلك النفاية. والمتأثّرون بهذا الآن‏ موجودون: الدِّين أفيون، أفيون المجتمع، ومعنى هذا أنّ الدين صَنَعَه الأقوياء لتنويم الناس، لينهبوهم مثلما أنّ المدمن إذا تناول الأفيون، غلبَهُ النعاس، وما عاد ينتبه على شي‏ء، كذلك الدين صنعه الأقوياء، ليفزع إليه الناس، ليناموا كما ينام المدمن ساعة تناوله الأفيون فيأتي أولئك، فيغيرون عليهم، وينهبون ما يجدون. هكذا قالوا عن الدين، وجرّوا هذا القول إلى الإسلام الذي كان أقدر دين، وقذفوه بهذه الأباطيل من قبيل الإسلام كان صالحاً قبل أربعة عشر قرناً، وهذا ما قاله أحد الباقين من تفالة أولئك، والآن يقولون أيضا:" لا يمكن أن تقوم كل أحكام الإسلام فهي للماضي لا الحاضر" ومن هذه الكلمات التي يتشدّقون بها أحياناً، وأحياناً يلوكها غير الواعين من دون فطنة، لا عن عداوة منهم، إذ لا يعرفون ما هو الإسلام أصلًا، فيعرفوا لأيّ وقت هو. هؤلاء لا يدرون أصلًا ما هو الإسلام. في حال نظر كل إنسان في التاريخ وتاريخ الإسلام في الأقل وهو قريب، لرأى أيَّ ناس قابلوا أيَّ ناس، فهؤلاء الأنبياء الذين يقولون: إنهم صنعوا الدِّين، ليحفظوا الأغنياء كلّ من ينظر في تاريخهم يعرف من أيّ طبقة هم، ومَن كانوا يخالفون، ويرى أنهم كانوا من الطبقة المستضعفة، من هذه الطبقة الثالثة من الناس، وأنهم حملوا الناس أن يُحاربوا المستكبرين، ومنهم النبي موسى القريب إلينا الذي كان راعياً بعصا الرَّعي، وخدم شعيباً، ورعى له غَنَمه، وكان من عامّة الناس في الصورة. وهو الذي نهض بالناس، وجهَّزهم على فرعون، وما أعدّ فرعون موسى ليأخذ منه عرشه. موسى قاد الناس، وذهب بهم، فأطاح بعرش فرعون" الدين أفيون"؟ عند أولئك فرعون أعدّ موسى لِيُنيم الناس، ليحكمهم هو. والواقع عكس هذا. فموسى جهّز الناس هذه الطبقة الثالثة، ومضى بهم، فألقى تاج فرعون وعرشه لعاصف الفناء.
حسناً، تاريخ الإسلام قريب، هل أعدَّت قريش وكبراؤها الرسول الأكرم ليُنيم الناس ليستديموا هم رباهم وتجارتهم وإتاوتهم ونهبهم؟ أو كان النبي الأكرم خصماً لقريش؟ وهو نفسه كان من قريش، لكن من هذه الطبقات الدُّنيا، كان من الأشراف بمعنى الكرام لا الأغنياء، فما كان له من شي‏ء، ولم يستطع العيش في المدينة، فهجرها إلى الجبال انطلاقاً من هؤلاء الأثرياء والجبّارين، وكان في غار حتّى أنجز أعماله السِّرِّيَّة، ثمّ شرَّف المدينة. فمتى كانت المدينة مع الرسول؟ متى كان معه أولو النفوذ؟ متى كان معه ذوو البطش؟ متى كان معه المرابون والتجار واليهود الذين كانوا جزءاً من المتمكِّنين؟ أما ورد الرسول على إنسان من الدرجة الثالثة في المدينة وقد اجتمع حوله الفقراء والمحرومون، وما كان له سوى منزل غرفة من سعف النخيل، وهكذا مسجده؟ أما كان عِدَّة من أصحابه من أهل الصُّفّة «8»؟ أولئك الذين لا مأوى لهم سوى موضع مظلّلٍ مِنْ مسجده كانوا ينامون فيه، هذه هي حياتهم. جمع هؤلاء، وقضى بهم على أولئك المستكبرين. جمع هؤلاء الفقراء والمستضعفين الذين كانوا من الدرجة الثالثة الذين لا يملكون حتى منزلًا، وفي الحرب أصاب أحدهم تمرة كادت تصل فمه، فردَّها عنه إلى فم رفيقه الذي فعل ما فعل، حتى دارت التمرة بينهم جميعاً. هؤلاء هم الذين جهَّزهم الرسول لقتال قريش. أولئك بكلِّ ما لديهم من قدرة وثراء، وهؤلاء بكل ما هم عليه من فاقة وبأساء وإيمان وعطاء. الواقع غير ما قالوه لِشُبَّانِنا، وافتروه من أنّ الإسلام وكلّ الأديان هي أفيون. لا، ليس كذلك، فإنّ الإسلام وكلّ الأديان كانت محرّكة للناس، وأيقظتهم، إذ بعثتهم تعاليم الأنبياء، وقادتهم لمجابهة المتجبِّرين والوقوف في وجه المشركين. والقرآن يمكن القول فيه: إنه كتاب حرب يُعِدَّ الناس للقتال في الوقت الذي يزخر فيه بالتعاليم الإنسانية، لكنّ المسلمين (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) «9» ودعوتهم: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) «10». فالقرآن أجبر الناس، وأيقظهم، وواساهم، ولاطفهم، وثبَّتهم بأنَّ الملائكة معكم، وكان الملائكة معهم فعلًا، فكانت فئة قليلة تتحرَّك، فتهزم قدرة كبيرة بقدرة الإيمان تلك والتحرُّك الذي أوجده الرسول الأكرم والقرآن الكريم فيهم. وما يؤسف عليه أنّ هذا التضليل أثّر في فئة من شبّاننا، وهذه الدعاية التي بثوها كانت لتدمير هذه القدرة التي تستطيع الوقوف في وجه القوى كلها، ولنهبها بعد تدميرها.
ونتّجه إلى علماء الدين، لنرى هل هم وعّاظ سلاطين؟ هل أعدّهم الإنجليز لتنويم الناس، لينهبوا هم؟ مَن قام بهذه الثورات في هذه المئة سنة؟ كم ثورة في هذه المئة سنة؟ مَن كان رأسها؟ رأس ثورة التبغ كان المرحوم الميرزا الشيرازي، والثورة الدستورية أثارها علماء النجف وإيران. هذه الثورات العديدة التي شهدناها كلها كانت بقيادة العلماء. فعلماء إصفهان ثاروا، ورأسهم المرحوم الحاج نور الله- رحمه الله- وعلماء تبريز ثاروا، وعلماء مشهد ثاروا. وفي وقت من الأوقات ثار المرحوم السيد القُمّيّ، وجاء وحده إلى طهران- وأنا فيها- وأتى إلى حضرة عبد العظيم، فذهبنا لخدمته. لقد ثار، لكنهم حبسوه، ثمّ أبعدوه. لقد كانت سُلْطة. لقد كانت كل الثورات في هذه المئة سنة لهؤلاء تقريباً. ففي تبريز كان الخياباني وأحد الفضلاء. أجل، وكان ثوّار الغابة. أولئك كانوا لكنهم كانوا في أقليّة، وهم عمدتهم. فما يقولون من أنّ علماء الدين وعّاظ السلاطين يعملون للبلاط، ينيمون الناس، ليسلبهم البلاط قول غير صحيح. فأيّ مدينة تدخلون تجدون عالمها مخالفاً لأولئك خُفيةً إذا لم يستطع المخالفة علنا.
لا أقول: إنّ المعمّم مستقيم مئة بالمئة، لقد كان لدينا معمّمون أسوأ من رجال منظّمة الأمن، وأنا أعني علماء الدين، وأولئك يقولون: علماء الدين كلّهم هكذا. وأنا أقول: ليست المسألة هكذا. لا أريد أن أقول: كلّ من وضع عمامة على رأسه عالم دين، وكلّ من أعتمّ خالف. لا. كثير من المعمّمين وافقوا، ووافقوا كثيراً. لكنّ القول بأنّ علماء الدين جميعاً هكذا غير صحيح. فهذا أيضاً كان لهدم هذه القدرة. وإذا ما هدموا هذه القدرة صغروا الإسلام في أعين الناس من ناحية، مثلما صغروا علماء الدين في أعينهم من الناحية الأخرى، وسلبونا هاتين القدرتين فاستطاعوا عندئذ أن يفعلوا ما يشاؤون.

خطة فصل علماء الإسلام عن الجامعة

أتوا من ذاك الطرف، وفصلوا الجامعة عن رجال الدين، وبثّوا عليهم فيها الأباطيل. وتحدَّثت فئات من رجال الدين على الجامعة في المساجد وعلى المنابر وأماكن أخرى. وما كان هذا من أجل الإٍسلام إذ راح هؤلاء يقولون: الجامعيون مثلًا كذا وكذا. لا، ما كان هذا. هذه خطّة مُحكمة الدرس أرادوا بها فصل هاتين اللتين تستطيعان أن تعملا عن بعضهما البعض، وهما الجامعي وعالم الدين، وفصلوهما: فإذا كنت تذهب إلى الجامعة لا تستطيع ذكر رجل الدين، وليس الآن كذلك، في ذلك الوقت لا يمكن أن تأتي باسم المعمّم. وإذا كنت تجي‏ء إلى بيئة علماء الدين لا يمكن ذكر اسم الجامعي. فصلوا هاتين القدرتين إحداهما عن الأخرى، أي: أنّ هاتين القدرتين الفعّالتين لو اجتمعتا لما أبقتا على شي‏ء من أساس النهب، ولكفتا الأيدي التي تمتدّ من الخارج لتسلب هذه الخيرات. ومن ها هنا فصلوهما بِخُطَّة مدروسة.

التفرقة خُطة أعداء الثورة الإسلامية

حسناً، الحمد لله حصل النصر بهذه الثورة للمسلمين الذين أفاقوا، وانسجموا وتماسكوا، وما نأسف عليه هو أننا إذ بلغنا هذه الدرجة من النصر، وكففنا أيدي أولئك الناهبين الذين وَلّوا عنّا بهمِّة الشعب، عادوا يبثون الفرقة ويجعلون الناس فريقاً فريقا على ما جرى في النظام السابق سواء قبل شهر رمضان وقبل محرّم وصفر، فقد كان هذان الموعدان موسم التفرقة، لأنّ شهر رمضان كان شهر الله وقدرة الدين تتجلّى فيه، لتعاظم اجتماع المسلمين في رحابه. والمحرّم شهر الإمام الحسين، وفيه تتجلّى قدرة أهل المنبر وعلماء الدين أيضاً. كانوا يفعلون شيئاً قبل شهر رمضان وشيئاً قبل المحرّم. والآن أيضاً فعلوا هذا الشي‏ء قبل شهر رمضان، وهو موجود، فإصفهان غدت قصّة الآن، وهكذا مشهد، فقد اشتبكوا في شأن فارغ.
نحن الآن في حال تعرض فيها مقدَّرات الإسلام ودستوره وحكومته ورئيس جمهوريته، وقد تخلَّوا عن هذه كلها، فهنا جبهة أحكمت حساب أعمالها. وأغلبهم أتوا ذلك بلا اطّلاع فقد أسّسوا مئة فريق، مئة حزب وفئة في هذه المدّة القريبة، وكلّ منها صارت مئات. وما يؤسف عليه أن يجري هذا في إصفهان، ونحو منه في طهران، وفي مشهد أيضاً.
الآن نستقبل شهر رمضان والواجب أن تجتمع الطاقات، وترسم مقدّرات الشعب وتؤسلم الحكومة، يتجادلون هل هذا مسلم، أو لا؟ وما شأني بالمسلم؟ وما شأنك بغير المسلم؟ لماذا تبدّدون الطاقات في كون زيد مسلماً أو غير مسلم؟ أتصوّرتم أنّ قضية المرحوم شمس آبادي أمْر معتاد؟ هذه جزء من القضايا التي جاء هؤلاء بطرق مختلفة واصطنعوها. وأتوا ب- (الشهيد الخالد) مرَّة من هنا، ومرَّة من هناك، واستغرقوا المحرّم وصفراً، وشغلوا المنابر كلها في الشهيد الخالد، فعدَّة تؤيِّد و وعدَّة تفند وفتر السجِّال قليلًا، فاصطنعوا شيئاً آخر.
لعلّ المرحوم الشمس آبادي كان من هذه الأمور التي ارتكبوها- لا أدري- بأن يقتلوا أحداً، ويثيروا ضجّة، فِعدَّة تأتي من هذا الطرف، وأخرى من ذاك، ويهيئون ما يريدون، وقد قل هذا شيئاً ما، فقد كانوا يأتون في ذلك الوقت بأحد إلى الميدان: ما نوع كتبه؟ ذاك يقول: كافر، وذاك يقول: مسلم، وذاك يقول: مسلم تالٍ للأنبياء مثلًا، وذاك يقول: كافر أسوأ من أبي جهل. لكنّ كل هذا خطّة، فأولئك الذين يعملون هذا لا يعتقدون بالإسلام، ولا يثقون بعلماء الدين ولا بأيّ شي‏ء أصلا. أولئك تحكمهم النظرة المادّيّة، ويثيرون المسلمين بعضهم على بعض، ليسلبوهم. واحتياجنا اليوم إلى وحدة الكلمة أكثر من كل الأوقات فالمؤامرات الحدودية وغير الحدودية جارية اليوم. ونحن نتشاجر في شأن أمْر تافه. وما هذا سوى جهالة فينا. نحن لا وعيَ لدينا نحدِّد به المواقف ونعلم متى يجب هذا القول أو ذاك. وأولئك الذين يخطّطون يعلمون ما يفعلون، ويدرون في أيّ وقت يجب طبع هذا ونشره، ويرغمون جماعة على مناهضته، وجماعة على تأييده.

اليوم يوم وحدة القوى جميعاً

يجب أن نستيقظ أيّها السادة ونعي. ليس الوقت وقت خلافات بين الأفراد. الوقت اليوم وقت اتّحاد قُوانا جميعاً، وهذه المجاميع تكون مجموعة واحدة. فإذا كانوا معاً وأسقطنا تلك القوّة، والآن يفرّقوننا، وتأتي فيما بعد قدرة تمحونا. الوقت الآن وقت وحدة الكلمة. الوقت الآن وقت جمع قوانا بعضها إلى بعض، مِنِّي أنا الدارس الديني، ومنكم أنتم السادة، من علماء إصفهان هؤلاء أو علماء الأماكن الأخرى. الوقت وقت أن تتجه أفكار الجميع إلى ما يجب عمله الآن. فإذا يقدّم الدستور الآن عليهم أن يقترحوا ويروا، ويبيّنوا للناس الأمور ويوضحوا أنّه لقيام مجلس الخبراء يجب أن يعيّنوا خبيراً إسلامياً. فالوقت وقت هذه القضايا. فنحن أحيانا نرى طرحاً يقدّم، أو سبَّاً لأحد، وجماعة تشتم من تلك الجهة، وأخرى تؤيد من هذه الجهة، وفئة من ذاك الطرف. فتلك الأمور التي كانت تحدث في عهد محمد رضا قبل شهر رمضان تحدث الآن ثانية قبل شهر رمضان لدينا، وفي مثل هذه الحال، وشهر رمضان وشعبان اليوم يختلفان عن السابق. فشهر رمضان هو الذي يريد أن يُحدِّد مصيرنا. وعلينا أن نجمع قوة إلى قوّة، ونتجه صوب هذه المصيبة. يجب ألّا يشغلنا شي‏ء لا قيمة له أصلًا إزاء الإسلام بأيّ وجه من الوجوه. يجب ألّا نتبع هذه القضايا، ويجب أن نلتفت للقضايا الأساسية. كانت هذه جملة متعلّقة بكلامهم.

أبعاد الإنسان‏

والشي‏ء الذي يجب أن أقوله لهؤلاء الأعزاء، هؤلاء الأبناء الأعزاء هو أنّ الإنسان إنسان بروحه، إنسان ببصيرته، نحن كلّنا شركاء الحيوان في السمع والبصر واليد والرجل، لكن‏ هذه ليست مناط الإنسانية، فما يرفع الإنسان عن جميع الموجودات الطبيعية هو قلبه، فهو بصيرته. فكونوا أولي بصيرة، فمن غيرها لا يكون أحد إنساناً. فأبو جهل كان ذا عين، لكنه لم يكن إنسانا، وأحد الأنبياء كان بلا عين وهو نبيّ. فميزان الإنسانية هو المعنوية. فكونوا إنساناً بمحتواكم، وأوجدوا الإنسانية في نفوسكم، ولا خوف من ألّا يكون للإنسان يد أو رجل ونحوها.
في رواية عن أحد الأنبياء أنه كان يفتقد جارحة، إذ لم يكن له يد ولا رجل- لا أذكر الآن مَن هو- كان نبيّاً غير مرسل طبعاً، لكنه نبيّ. وكثير من العلماء والنابغين ما كانوا مبصرين، وفي زماننا أيضا لقينا مَن كانوا من العلماء النابغين أولي المعارف الكثيرة الواسعة كانوا بشراً سويّاً وهم غير مبصرين فلا تقلقوا ألّا تكون لكم حاسَّة ما. قوّوا معنوياتكم بحول الله، واصقلوا روحياتكم، فأنتم أبصر إن شاء الله من كل بصير. حفظكم الله بلطفه، وجعلنا الله جميعاً خدم الإسلام، وكلّنا إن شاء الله نستطيع استدامة هذا الطريق الذي سلكناه حتى آخره.

«۱»-كان الميرزا حسن الشيرازي مرجع الشيعة في العصر القاجاري وقد استطاع فض الاتفاقية المبرمة بين شركة ريجي البريطانية وبين ناصر الدين شاه حول منح حصر تجارة التبغ لهذه الشركة وذلك بإصدار فتوى جاء فيها:«منذ اليوم فإن استخدام التبغ بأي نحو كان حرام وهو بمثابة محاربة إمام الزمان- عج-»-. «۲»-الحاج آقا نور الله الإصفهاني توفّي ليلة رابع دي ماه ۱۳۰۶ ه- ش مشكوكاً في وفاته بقم، وشاع حينها أنّ عملاء الشاه سمموه. «۳»-ميرزا صادق آقا التبريزي مرجع التقليد في اذربيجان قائد ثورة الحرية فيها هو وآقا ميرزا أبو الحسن‏ أنكجي. «۴»-ميرزا محمد آفا زاده النجفي الخراساني«۱۳۵۶ ۱۲۹۴»-نجل الآخوند الخراساني ساند الحركة الدستورية، واستدام مناضلة رضاخان بعد استيلائه على الحكم ووقوع حادثة مسجد ج- وهرشاد، وحكم عليه بالإعدام، ونجا منه بشفاعة الحوزة العلمية بالنجف. بقي في السجن مدّة، ثمّ نفي إلى طهران، وبقي مراقباً فيها. «۵»-هما إيران والروم. «۶»-تاريخ الطبري، ج ۳، ص ۴۵۵. «۷»-من كلام منسوب الى لينين قائد ثورة اكتوبر في روسيا ومؤسس الشيوعية الحكومية في الاتحاد السوفييتي. «۸»-أصحاب الصفة جمع من الفقراء والعبيد المعتوقين لم يكن لهم مأوى ليناموا فيه فأقاموا الى جوار كوخ الرسول«ص»-. «۹»-الفتح: ۲۹. «۱۰»-التوبة: ۳۶.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378
 

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: