بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية حفظ النصر
أقول كلمة فيما مضى ثم ألحقها بكلمة عن المستقبل:
نحن مكلّفون فيما يخصّ الماضي، وبحمد الله مضى طيِّباً. ما الذي بعث هذا الشعب أن سارَ هذا السير وانتصر؟ وما الذي يجب فعله ليدوم هذا النصر؟ كم من جيش، وكم من جمعية انتصروا بجمعيةٍ أخرى أو شعب آخر، وخرجوا بِعزة عزيزة، لكنهم ما استطاعوا أن يحتفظوا بنصرهم. كثير من الفاتحين ضربوا وتقدّموا وفتحوا، لكن ما استطاعوا أن يحفظوا ما فتحوا، فإذا بلغوا حدّاً ما حصلت أمور أعجزتهم عن الاحتفاظ بما كسبوا، فَهُزموا. ويجب الاعتبار بهذا لأولئك الذين انتصروا في الميدان، وما زالوا لم يبلغوا الغاية. في هذه الحروب العامّة التي جرت حدث أن استولى قائد بالقَهْر والجيش الجرَّار على أماكن واسعة، وتقدّم مثل هتلر الذي اجتاح فرنسا، وهجم على الاتحاد السوفييتيّ، وهيمن على قسم منه، لكنّ أموراً حدثت، فَهُزم هناك، ورافقته الهزيمة- على ما قالوا- حتى انتحر يجب ألّا نغترّ بهذا النصر الذي نلناه مع أنه كان نصراً عظيماً، أي: أنه كان نصْراً لم يتوقّعوه.
لعلّهم كانوا يرون حركاتنا غير عاقلة، حتّى في الآخر عندما غادر ذاك الرُّجيل، وحلّ بختيار محلّه كرَّر له ناصحون غير مطّلعين أن يُجرِّب أسلوباً آخر إزاءَنا. يجب أن يُؤيّد المجلس الملكيّ، ثمّ عيّن وكيلًا، وختمت القضيَّة بعد مغادرته. ولعلّهم كانوا يرون هذه الضغوط التي كانت تحدُث مِن جانب بعضٍ غير صحيحة. ونلتمُ الآن- بحمد الله- نصراً عزيزاً سحقتم به قوَّةً عظيمة، وقطعتم أيدي القوى الكبرى عن بلادكم، وإلى هنا يجب أن نشكر لجميع الشعب، وهو مأجور عند الله- تبارك وتعالى- على هذه الخدمة التي أسداها، ووحدة الكلمة التي سوَّاها، والمسعى الذي بذله، والتضحية والفداء اللذَين جَلاهما في محضر الله، وهما موضع رضا وليِّ العصر- سلام الله عليه. إلى هنا سرنا سيراً حسناً، ونلنا نتيجة حسنة، لكنّ عملنا لم يبلغ غايته. لدينا الآن حكومة مستقرَّة، حكومة انتقالية، وهي مع جودتها قلقة، فليس لدينا دستور، وهو أساس كلّ بلاد، ولا رئيس جمهورية، ولا مجلس شورى، وهي أسس كلّ حكومة ويجب أن تكون. وما حققناه حتّى الآن هو أنّ ذاك النظام ولّى برأي الشعب واستفتائه العام، وجاءت مكانه الجمهورية الإسلامية، وعُرفت إيرانُ الآن في العالم بالجمهورية الإسلامية، لكنها الجمهورية الإسلامية التي صوَّتنا لها فقط، وما زلنا بغير مجلس ولا رئيس جمهورية ولا دستور، وهؤلاء لابدّ أن يكونوا، وعليه فنحن في منتصف الطريق كجيش فاتح ضرب وانسحب واتخذ موقعاً، ولا يُعلَمُ أيستطيع أن يحتفظ به؟ ونحن الآن لا نعلم في خضمّ المؤامرات والتفرّق وهذه الأعمال التي تتمّ بعد النصر ما سيكون مصيرنا؟ نحن قلقون. ما واجبنا اليوم؟ إذا أردنا لنصرنا الذي وصل إلى هنا أن يصل إلى غايته يجب أن نعلم ماذا نعمل لنحفظه علينا، ولا يكون كقضية هتلر الذي احتاج للانتحار.
عامل الهزيمة الفُتُور والاستئثار
يجب أن نفهم لماذا انتصرنا؟ إذا عرفنا السِّرَّ، وجب علينا عندئذ أن نسعى لِحفظ ذلك الشيء الذي انتصرنا به، وإذا لم نحفظه، نكون ذلك الجيش الفاتح الذي نال النصر، وعجز من حفظه. أكثر الفتوح التي حصلت عجزوا أن يحفظوها، فذهبوا، وأطلقوها، حتّى نادر شاه حين ذهب إلى الهند، وأخذها، وهناك رأى أنه لا يستطيع أن يحفظها، أمضى عقداً، وعاد.
الحفاظ على النظام والحفاظ على نصر أصعب من أصل النصر. والمسألة هي أنّ شعباً في ذاك الوقت كانوا يحملون لأخذ قلعة، وكلّ اهتمامهم أخذها، وما لهم من اهتمام آخر بغيرها. ليس فيهم مَن فكرهُ إذا أمسى: ما عشاؤنا الليلة؟ أو ما غذاؤنا؟ طفلنا مريض، ما مِن أحد منهم كان في مثل هذه الأمور، كلّ قوى كل فرد منهم وراء أنْ يحقّق هذا الفتح، ويأخذ هذه القلعة، فهم جماعة التأمَتْ معاً، وهتفت بصوت واحد، واجتمعت إليهم قُوى مختلفة، وهجموا جميعاً معاً، وغايةُ الكل واحدة، وهي أن يفتحوا هذه القلعة، حتى إذا وصلوا وفتحوها دخلوها، وَرَأوا الفتح، وقالوا: الحمد لله بدأ الفتور والتعب والخلاف يسري داخل هذه القلعة، وممكن أن ينتاب الاسترخاء أولئك الذين اندفعوا بهذه القدرة، فيفقدوا قُوَّتهم، وحتّى الحين بقوا متّحدي الكلمة لهذا النصر. وإذ يرون أنفسهم الآن منتصرين ينشغلون بعتاب أحدهم على الآخر، ومآخذهم هي: ها هي ذي حياتنا، كيف حال أطفالنا؟ ويتّسع نقاش بعضهم لبعض فيما عندهم من أغراض.
ذاك الفتور والخلاف بعد النصر يجعل الفاتح لا يستطيع أن يحفظ فتحه وأولئك الذين هُزمُوا وهذا ما حدث كثيرا شرعوا بدافع الهزيمة التي في نفوسهم بالارتباط فيما بينهم، فيصلون جُزءاً منهم بجزءٍ، ويتوحّدون هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يشرع الذين انتصروا بالاستراحة، لأنهم لم يُدْركوا عُمقَ القضايا، ويظهر الفتور، ويسري الخلاف، وينفصل بعضهم عن بعض. وهؤلاء فتحوا عندما كانوا مجتمعين، وأولئك الذين هُزموا أقبلوا على الاجتماع بَيْنما مَنْ فتحوا راحوا يتفرّقون، فما هي النتيجة؟ هي أنّ الرَّمز الذي انتصرتم به قد ظهر فيهم، وذاك الرمز الذي هُزِموا به ظهر فيكم، فماذا يجب أن نعمل؟
عظمة الثورة الإيرانية
هذا الفتح الذي أنجزتموه ما كان فتحاً صغيراً. ما زلنا لم ندْركه. أولئك الذين يجيئون من الخارج، من أمريكا، من بريطانيا، مِنَ الخارج والغرب يقولون لنا أحيانا: الإيرانيّون لا يعلمون ما عملوا. لا يدرون أيّ فتح أنجزوا. إنه فتح حمل العالم على التعجّب من أنه كيف استطاع شعب لم يكن بيده شيء أن ينتصر على كل قوى العالم مجتمعة؟ أتحسبون محمد رضا وأمريكا فقط كانوا إزاءَكم؟ هذه هي القضية: كان محمد رضا وجميع الدول خلفه الإسلامية وغير الإسلامية، كلّها كانت خلْفه. لم يكن قطع الطريق علينا في الكويت عبثاً. لم يكن أولئك معادين لنا، لكن كانوا سَنَدَاً لذاك. وما كان سُدَىً ما فعلوا لنعجز عن أنْ نبقى في العراق. وما كان سُدَىً أنْ أدَع البلدان الإسلامية وأذهب إلى الخارج. في بلاد كفر! أولئك كانوا له من كل ناحية، فقد رأيتُ هذا العمل الذي يُؤدِّيه العراق والكويت، إذ لا يسمحون أن نذهب من هذا الطرف من المدينة إلى ذاك الطرف. فنركب الطائرة ونذهب. لقد منعونا منعاً باتاً، قالوا: عودوا من حيث أتيتم. كان هذا لأنهم كانوا جميعاً مع ذاك النظام. وكانت كل القوى الكبرى معه أيضاً في ذلك الوقت، بعضها صرَّح بهذا مثل أمريكا وبريطانيا، وبعضها لم يُصرِّح به، لكنهم كانوا معه، لأنهم كانوا يرون مصالحهم بوجوده، فأسفوا عليه. وفي الوقت الذي كانت قوى العالم كلّها مخالفة لخمسة وثلاثين مليوناً هم الشعب الإيرانيّ لم تستطع قوى العالم هذه كلّها أن تحفظه. ما السبب الذي حصل به هذا النصر؟ أهو طاقَتُنا؟ لا، وإنما كان إيماننا بالله ولطف اللهِ بنا. فعندما ضقتم ذرعاً بالظلم، وجئتم بالعدالة الإسلامية أعانكم الله- تبارك وتعالى- وساعدتكم الملائكة. هؤلاء هم الملائكة الذين ساعدوا الفئات الصغيرة من المسلمين في معاركهم الجهادية، فانتصرت بهم على الفئات الكثيرة غير أن الناس ما كانوا يعلمون، والنبيّ يعلم ذلك بالوحي، ولو كان الآن بيننا لقال لكم: هذا النصر الذي نلتموه قادهُ ملائكة الله لكم. كلّكم أردتم الإسلام، أردتم دين الحق، وأعرضتم عن النظام الفاسد، هذه دواعي النصر.
هاتان الكلمتان: وحدة الكلمة والإسلام، هاتان الاثنتان رمز نصركم والعمل بالآية الكريمة: (وَاعْتَصمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) وفي هذه الآية دعوة للتمسّك بحبل الله ونبذ التفرّق، فهذان الأمران هما اللذان جعلا شعباً قليلًا لا يملك شيئاً من وسائل القتال سوى قبضة يدٍ شدّها الإيمان يتغلّب على قوىً كبرى ووجوه كانت منافعهم في خطر. كانت منافع حياتهم في خطر وهم له ظهير، وما استطاع أحد أنْ يحفظه. وإذ وصلنا إلى هنا، وصلنا فاتحين، لكننا في نصف الطريق. فما نفعل من الآن فصاعداً لنوصل هذا النصر إلى غايته، ونحفظ هذا الفتح والظفر، ولا نكون مثل هتلر الذي أعادوه من نصف الطريق، لطموه على فمه، وأعادوه محتاجاً إلى الانتحار؟ ذاك الذي يجب أن نفعله هو أن نحفظ هذا الرمز الذي هو هاتان الكلمتان: لا نتفرّق.
والأيدي الآن مشغولة بأن تستردّ هذا النصر من أيدينا أيدٍ كثيرة أخذت أعزاءَنا على حين غرّة، ونأسف أن يأخذ الأعداء أصدقاءنا وهم غافلون ويبذروا النفاق في هذه البلاد التي كانت تهتف من عاصمتها إلى كل نقطة في حدودها بكلمة واحدة هي:" الجمهورية الإسلامية" وبكلمة مقدّمة هي" لا لهذا النظام" تمضي من العاصمة إلى الحدود، فأينما تذهب، ومن أي جهة أتيت تسمع هذه الكلمة. وفهم أولئك الذين يريدون أن ينهبونا أن رمز نصرنا كان وحدة كلمتنا ووحدة غايتنا. ما كان أحد يجرُّ في ناحية، كان الجميع يقولون شيئاً واحداً هو" الجمهورية الإسلامية" وإذ وصلنا الآن إلى هنا لمس أولئك أن وحدة الكلمة ووحدة الغاية، أي: الاجتماع والإسلام هما اللذان صنعا نصرنا، وها هم يريدون أن يسلبونا هذا النصر، أن يسلبونا وحدتنا وإسلامنا، هاتين الكلمتين اللتين هما أساس نصركم يريد الشياطين الآن أخذهما منكم، فإذا لم تحفظوا هذا الرمز، وغلبوكم لا سمح الله وأخذوا هذا الرمز تكون بلادنا كقضية هتلر الذي هزموه في نصف الطريق، ولطموه على فمه، وأخرجوه. علينا أن نحفظ نصرنا هذا.
اتقاءُ التفرقة والتفرُّق
ترون الصحف تكتب في طهران الآن أنَّ مئة فئة ظهرت هنا مُعلنةً وجودها. وجابهوا الشعب بالتحزب معَ أنهم لا شيء، لكنّ هذا إعلان خطر أنهم يريدون سلبنا الاجتماع الذي كان رمز النصر. في ذلك الوقت كُنا نضمّ الفئات بعضها إلى بعض، وَضمّ الشعبُ الفئاتِ إلى الفئات، والآن بعدما وصلتم إلى هذا الحدّ، ها أنتم أُولاء تقابلون الشعب وقد تفكّكتم، وزال التماسك، وغدوتم طرائق قِدداً. من هذا؟ حزبُ ماذا؟ من هذا؟ حزب ماذا؟ أيّ جبهة؟ أكثرهم عليهم اسم الإسلام، لكنّ الغفلة عن التشرذم الآن غير صحيحة، فتجزئة المحلات وتفرقة الصفوف غير صحيحتين. فنحن الآن في حال يجب أن نحث الخطى، لنطويَ المسير، لنستطيع أن نقول: نحن الآن منتصرون، وعند ذلك أيضاً يجب حفظه، يجب أن نحفظه. وما لدينا الآن هو نصف نصر لا نصر. فقد سرْنا مقداراً، وبقيَ مقدار آخر. فإذا غلبونا في نصف الطريق هذا خِبْنا. هؤلاء يتلاقَون خُفيةً قليلًا قليلًا، ونصير كفاتح فتح قعلةً، واسترخى جيشه وكسِل بينما اجتمع أهل القلعة الذين ذاقوا الهزيمة واتحدوا .. فتكون النتيجة بعد مدّة أن يهزم هذا الفريق الفاتح، ويُخرجونه من القلعة. إذا نحن لم نحفظ هذا الرمز، وأعني بنحن كلّ إيران، كلّ البلاد، طبقة الشيوخ والجامعيين، والحرس والكسبة والعمال والموظّفين والفلّاحين- والكلّ مكلّفون- إذا لم نحفظ هذا النصر الذي سنح لنا، وهذا الفتح العظيم الذي تسنى لكم، إذا لم نحْفَظه ونحن في نصف الطريق، وهؤلاء مقبلون على الاجتماع بينما نحن نتشرذم وكثير من المنحرفين يتفقون فيما بينهم خُفيةً ويتعاضدون، أضيفوا إليهم فئات من الخارج تبذل لهم يد المساعدة الخارجية وتؤازرهم، إذ يرد ناس من الحدود بأسلحة وأموال، ويقيمون صلات في الداخل، وترتبط الفئات بعضها مع بعض، وبينما يتفق هؤلاء نتفرَّق نحن. نحن رأينا أنفسنا فاتحين، ففترنا، ورحنا نتشتت. وأولئك رأوا أنفسهم مغلوبين، وتعقّدوا، وراحوا يتواصلون، ويُفرِّقوننا، ويسلبوننا الرمز. ويسلكون سبيل الانتفاع به، وهو وَحدة الكلمة والاجتماع اللذين يأخذونهما الآن منا، ويجعلوننا فرقاً شتى. وليس عبثاً أيّها الناس أنْ تظهر مئة فئة في طهران في غضون شهر أو زد عليه قليلًا. وما هذه بقضيِّةٍ مألوفةٍ أن تكون جماعة قد أرادت واشتهتْ. هذه خطّة، وشيء مُبيَّتٌ يُحرِّك هؤلاء. فالناس الأسوياء الحسنو النيِّةِ يغفلون، وعليهم أن ينتبهوا. فأولئك الذين هم شياطين يعملون على وفق خطّة. فإذا كانت هذه الجماعات ذات صلة بالإسلام وبوطنها وشعبها، فعليها أن تنفُضَ يدها من التفرق، فإنها لا تدع لها شيئاً. وما عاد هؤلاء مئة فريق، فهم يتّحدون من ناحية، ونتثاقل نحن من ناحية. والنتيجة إذا فترنا- لا سمح الله- وغفلنا، واجتمع الشياطين بعض إلى بعض، فنفتح عُيوننا في وقتٍ ما على أصداء مؤامرة قلبت كل شيء، وذهبت كلّ الدماء التي بذلتموها هدراً، وتبدّدت كلّ المشقّات التي عانيتموها.
ما الذي يجب عمله؟ يجب ألّا نهتف اليوم أننا فعلنا كذا. يجب أن نهتف: علينا أن نُنْجِز هذا العمل. وما يجب على الجيش الفاتح أن يجلس يتحدَّث بفتحه. فالثناء على الفتح يكون سبباً لتقوية العزائم، وقد تحقّق هذا والحمد لله. ثم يظهر الفتور. فيجب أن نتحدَّث بالجانب الآخر، فنقول: يجب أن نمضي قُدُماً. فإذ كبَّرتم وتقدّمتم بالقدرة الإلهية هذا التقدّم العظيم، وَجَبَ عليكم أنْ تحفظوه.
وجوب الحفاظ على سر النصر
إزاءَنا الآن شهر رمضان المبارك، ونحن نودِّع شهر شعبان الشريف، وعلى المسلمين أن يملأوا المساجد، أن يملأوا هذه الخنادق الإسلامية ويُبيّنوا قضايا اليوم، ويهتفوا، فنحن الآن محتاجون للتكبير أكثر من حاجتنا إليه أيّام ذاك الرُّجيل، وحاجتنا للاجتماع الآن أعظم. الحربة بأيديكم، فإن استطعتم أن تحفظوها، فافعلوا وبيدكم كلّ شيء، إن استطعتم أن تحفظوها، فُزتم. لديكم قدرة الإيمان، ويجب أن تحفظوها. لقد كنتم شعباً معذّباً، فَمُذ فتحتم أعينكم، وفطنتم صفعتكم منظمة الأمن على آذانكم، وشغلكم ما يجرى في هذه المنظّمة، وطالما ارتعدت فرائصكم من أن تفعل شيئاً، أن يفعل الشرطيُّ شيئاً وانتصرتم لكراهيتكم لهذا النظام واهتمامكم بالإسلام.
احفظوا وحدة الكلمة هذه وهذا الإيمان الذي جعل شبّاننا الأعزاء جداً يأتون يلتمسون أن ادع اللهَ أن نستشهد. هؤلاء الشبان أبناء الثلاثين والعشرين والخمسة والعشرين عاماً وأقلهم عمراً أبناء الثمانية عشر عاماً الذين يحضرون يقولون: ادْع لنا أن نسْتشْهَدَ. وهذا الإحساس، هذا التحوّل الذي نشأ في المجتمع هو رمز النصر، فاحفظوه. هذه العزيمة، هذه الهمَّة القَعْساءُ احفظوها، هذه الروحية الإلاهية الغيبيَّة احرسوها، واتقوا التفرّق والتشرذم، أقول هذا للجميع، وخطابي لكل مكان يبلغه صوتي. لا معنى للخلاف اليوم في بلاد بلغت نصف الفتح، فَلتدع الأحزاب المختلفة الاستقرار يَسْتتبّ، ويفعلوا بعدئذ ما يشاؤون. ليَدعونا نستقرّ كاملًا يستقيمُ فيه اقتصادنا، وتصلح فيه زراعتنا، ولا تمتدّ يدنا للآخرين في الأقل ليمدّونا بالحنطة أو الشعير، أو شيء آخر، فنأخذ كلّ أشيائنا من الآخرين. دَعُوا هذه الأشياء تَسْتقرْ نوعاً ما. إذا كنتم تعرفون اللهِ، فلِله، إذا كنتم تحبُّون الشعب، فلهذا الشعب، وإذا كنتم تريدون بلادكم، فلبلادكم، فلا تخدعكم هذه الحفنة المشغولة الآن بالعمل أن تذهب كل خيراتنا مع الرِّيح، فإذ كانوا يستطيعون لم يدعوا أحداً يزرع، وبعد ما كانوا يدعون أحداً يحصد زرعه، وإذا حصده أحرقوه، أهؤلاء يألمون للشعب؟ يُبدِّدون أرزاق الشعب بهذا النحو، ويقولون في الوقت نفسه: نحن وطنيّون، نحن نعرف الشعب، وليس كذلك، فلا ينخدع شبّاننا الأعزاء هؤلاء الذين يريدون أن يخدموا، لكنهم لا يعرفون السبيل. فلينبذوا التفرّق والتشتت.
الموضوع طويل، وأنا أيضاً لا أستطيع أن أستديمه بعدُ، فهو محوَّل إليكم. الإسلام اليوم منوط بعاتقي وعاتقكم لنحفظه، وعلينا أنا وأنتم مسؤولية حفظه، فهو في ذمة الشعب، فأدُّوه. وتستطيعون أنتم الحرس أن تخدموا الثورة، وتستطيعون- لا سمح الله- أن تعملوا ما يضِيع به الإسلام. أنتم الحرس إذا حرستم الإسلام في الواقع، وأردتم أن تحرسوا البلاد الإسلامية، فاحذروا من أن تخطوا خطوة واحدةً على خلاف الإسلام. فإذا رأوكم أنتم حماة الإسلام ترتكبون ما يخالفه، قالوا: هذا هو الإسلام، كما إذا أخذوا على علماء الدين شيئاً قالوا: هذا هو الإسلام. عليكم أداء واجباتكم في حراسة الإسلام والجمهورية الإسلامية وبلاد الإسلام. اعرفوا قدر هذا العمل الشريف جدّاً الذي اتخذتموه واللباس المبارك جدّاً الذي اخترتموه. فإذا ارتكبتم الآن خطأ، فلن يكون في عاتقكم، وإنما يعلِّقونه على عاتق الجمهورية الإسلامية، ويقولون: هذه هي الجمهورية الإسلامية، في ذلك الوقت كانت منظّمة الأمن تظلمنا والآن الحرس الإسلاميّ. وبهذا يدفنون ديننا هذا الدّين العظيم. فإذا هُزم ديننا في هذه الثورة يُقْبَرُ، ولا يستطيع أحد أن يستخرجه. فاسعوا ألّا يذوق الهزيمة، اسعَوا أن يبقى دينكم بعيداً عن الهزيمة.
أدُّوا واجباتكم الإنسانية والاجتماعية، وكذا نفعل نحن- إن شاء الله- وكلّ الفئات على هذا النحو، لنستطيع أن نحفظ هذا الفتح الذي أوصلناه إلى هنا، ونوصله إلى غايته، ونعرضه على الدّنيا أنْ لدينا مثل هذا المتاع، فالإسلام مثل هذا الشيء النفيس. والآن إذ مَنّ الله على شعبنا بهذا النصر إذا تعدَّت اللجان- لا سمح الله- أو الحرس، ومارس المعمّمون خلاف مسلك المعممين، أو سلكت الحكومة خلاف مسلك علماء الدين- والعياذ بالله- وسار الجيش غير سيرة الجيش الإسلاميّ- معاذ الله- وهكذا سائر الجهات إذا حدث منها مثل هذا انعكس في الدنيا وأقبل عليه الذين يريدون أن يلوّثوا الثورة، ويشوّهوا الإسلام، وللإسلام أعداء في الداخل والخارج يقبلون على هذه الأمور بالتهويل أنْ تغيَّرت الوجوه، وبقيت الأعمال، فقد كان نصِيري «1»، وحلّ محلّه بصيري «2». العمل، أيّ عمل، إذا لم تكن أعمالنا مطابقة لما تقتضيه الجمهورية الإسلامية، إذا لم تطابق أعمالنا- نحن حرس الأحكام وأنتم حرس الإسلام وكلّنا والحمد لله آملون أن نكون حرساً- واجب الحراسة يتهموننا لا يتهموننا نحن أنفسنا، فما لهم الآن حاجة باتّهام أحد بل يتهمون ديننا بأنّه هو النظام السابق سوى أنّ الأفراد تغيّروا والاسم تبدَّل، فقبلًا كانوا يقولون: النظام الامبراطوري، والآن يقولون: الجمهورية الإسلامية، في ذلك العهد كانوا يقولون: الامبراطور، واليوم يقولون: أحد آخر، والمعنى هو المعنى، المضمون هو المضمون، والمؤاخذات هي تلك المؤاخذات، والتعدّيات هي تلك التعدّيات. إذا اقترفتم خلافاً هوَّلوه. إذا تعدّى أحد لا يقولون: هذا فعل، بل يقولون: الحرس الإسلامي هكذا. يرفعونه من هنا، ويُلقونه على الإسلام، ويقولون: هذا هو الإسلام. ذلك الإسلام الذي كان هؤلاء يُنادون به: نريد الإسلام، ولا نريد النظام الامبراطوريّ، نريد النظام الإسلاميّ، هذا هو إسلامهم. هكذا يقولون عَلَينا.
حفظ حرمة الإسلام وإصلاح النفس
الإسلام اليوم محتاج إليكم، والقرآن الكريم محتاج إليكم، فأصلحوا أنفسكم وهذّبوها، وهذه الطبقة أيضاً تصلح نفسها. إذا ظهر أحد في أيّ مكان بمظهر عالم الدين، وأحاط نفسه بأربعة متبندقين، وراح يعمل على خلاف ما يفعله الشيوخ، فقد أسلم الإسلام للريح. لا يقولون اليوم: زيد فعل كذا، بل يقولون: هذه هي الجمهورية الإسلامية، ينشرونه على أنه فعلُ الجمهورية الإسلامية. واجب ثقيل. مسؤولية ثقيلة، وكلّكم ستسألون. إذا فعل أحدكم فعلًا وسكت الآخر، كان مسؤولًا أيضا. إذا فعل أحد خلافاً، وجب عليكم جميعاً رَدْعُه، وغير لازم أن تعنفُوه، آخذُوه فقط. إذا ارتكب خطأ، وذهب إليه عشرون منكم يلومونه، فهذا العمل غير صحيح، إذ يقع المُخطئ في دائرة الانفعال. ولو فعل معمّم أو من هو في زيِّه، وهجم عليه المعمّمون من الأطراف يلومونه، فإنه لا يفعل بعد. إذا ارتكب خلافاً، وهجمتم كلّكم عليّ أن لِمَ فعلتَ هذا؟ فإني لا أعود إليه. كلّكم مسؤولون. كلّنا مسؤولون. والمسؤولية جسيمة مسؤوليتنا نحن، فنحن في نصف الطريق، وأخشى أن تكون عاقبتنا عاقبة هتلر.
حفظكم الله سالمين، وعلّمنا كلّنا واجباتنا، وأنقذ بلادنا من كل شرّ، وجعل جهلتنا عالِمين، وهدى أولئك الذين يريدون أن يخونوا هذه البلاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته