بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية التربية والتعليم في تكامل الإنسان
آملُ أن تكون الأخوات والإخوة وطبقات هذا الشعب جميعاً، ونكون كلّنا من خدم الإسلام ووليِّ العصر- سلام الله عليه- نحن في بلاد هي بلاد وليّ العصر، وواجب مَن يعيشون في بلاد وليّ العصر واجب جسيم. لا نستطيع القول لفظاً: نحن تحت لواء وليّ العصر- سلام الله عليه- ولا نكون في ذلك المسير عملًا، مثلما لا نستطيع أن نقول: لدينا جمهورية إسلامية، ولا نكون كذلك فعلًا، أي: ولا نكون إسلاميّين. أنتم أسستم مؤسّسة بالاسم المقدّس لوليّ العصر، وتحمَّلتم المشقّات، وخدمتم أحكام الإسلام، فأنتم تروّجونها وتعلّمونها وتربُّون الناس عليها.
يجب أن يترافق التعليم والتربية الإسلامية الصحيحة، فالتعليم بلا تربية لا فائدة فيه، بل ربّما ضرَّ أحياناً. والتربية لا تكون بلا تعليم، ولا تثمر، فهذان الاثنان: التربية والتعليم لابدّ أن يقترنا ولا يفترقا، لأنّ الإنسان موجود ينمو بالتربية والتعليم، وللإنسان نموٌّ نباتيّ وحيوانيّ، فهو شريك النبات والحيوان تتحرَّك قافلتهم معاً، والإنسان واحد منها. فهو في البدء نبات، ثمّ حيوان مثل سائر الحيوانات، وشريكها في حدّ الحيوانية، مثلما أنه شريك النباتات في حدّ النباتية، فهو موجود اجتمعت فيه النباتية والحيوانية وهو في حدّ الحيوانية شريك كل الحيوانات، ومن هنا يتقدّم في الصعود. الحيوانات شريكة الإنسان في الخصائص المادّيّة، وهي التغذي والنوم والتناسل، هذه هي الحيوانات، والإنسان إذا كان هكذا حيوان أيضا مثل سائر الحيوانات، وإن اختلف طعامه عنها، وبعض الحيوانات يختلف عن بعض، فمنها لاحمٌ، ومنها عالِف والإنسان أحد العوالف، إلّا أنّه صار لاحماً. ولولا التربية والتعليم، لبقي الإنسان تَوأم الحيوان في حدِّ الحيوانية، وهو إذا لم يُرَبَّ، ولم يُعلَّمْ أسوأ من سائر الحيوانات.
آمال الإنسان وشهواته
فعالية الحيوانات محدودة جداً، وحدود تعدِّيها ضئيلة جداً أيضاً فالحيوان يكتفي بما يناله من طعام يأكله ولا يدّخره، إلّا بعضاً منه. وإذا شبع ذهب فنام. والإنسان- أي: هذا الحيوان الذي لم يبلغ حدَّ الإنسانية- هذا الحيوان الذي ندعوه الإنسان، لأنه ربّما يكون بعد حين إنساناً لا حدَّ له لا في الشهوة، ولا في الأمل والأماني. افرضوا أنّ إنساناً تمنى أن يكون له دار، فإذا حصل عليها، رآها غير كافية، فتمنى أن يكون إلى جانبها حديقة، فلمّا نالها رآها لا تكفي، وقال: لو كان لي مزرعة، فلمّا حظي بها تمنّى أن تكون له ضيعة، وعندما حصلت له طلب غيرها، وكلّما ارتفع طلب أكثر. في البدء يطلب يسيراً، وكلّما ارتفع تعاظم طلبه، وازداد طعم المطلوب، وتكاثرت أمانيه. فأولئك الذين لهم بلاد ترونهم يتحرّكون على بلاد أخرى، يستولون عليها، ولو استولى أحد على بلدان العالم كلّها لفكّر حينئذ بالاستيلاء على القمر والتحكّم به، وبعده يفكّر بالذهاب إلى المِرِّيخ ليستولي عليه، وينطلق منه فيما بعد إلى أماكن أخرى لا نهاية لها. فهذا الكائن خلقه الله في حدّ الحيوانية، أي في دائرة ما يطلبه الحيوان، وهو يطلبه بنهم، ولا حدّ لطلبه. الحيوانات تهيج شهوتها في موسم معيّن هو موسم تناسلها، وليست كذلك دائماً. والإنسان ليس هكذا، فلا حدّ لشهوته، فلا هي محدودة، ولا هي ذات إشباع خاصّ ما عدا ما جاء به الأنبياء لِحدِّها حَدا ما، ولا يعبأ الإنسان بمثل هذا، ولا يحترم أحسن محارمه، ولا فرق عنده بين ابنته وأجنبيَّة. إنّه لحيوان غير محدود في كلّ شيء. فأنتم موجود غير محدود. فإذا اتّجهت هذه المحدودية صوب الحيوانية كان حيوانا لا حدّ له يختلف عن سائر الحيوانات، فالحيوانات محدودة الشهوة، محدودة الآمال، والإنسان غير محدود. فإذا كان في حال هذه الحيوانية، ومقبلًا على هذه الأعمال الحيوانية على هذه الشهوات وهذه الآمال والمطامح الحيوانية، وكلّها مرتبطة بالطبيعة، وكلّ الآمال والأمانيّ المرتبطة بالأمور المادّية حيوانية. ومَن بقي على هذا الحدّ إلى النهاية بقي حيواناً إلى الأبد، وصورته هنا صورة إنسان، وإذا انجاب الحجاب، وظهر ذلك العالم تبدّلت صورته إلى صورة أخرى، ولا يُحشر في صورة إنسان. فإذا صار هنا إنساناً حُشِرَ إنسانا. فمن استطاع أن يصلح نفسه تجلّت إنسانيته في مظهر الكمال الذي لا يتسنى للعيون في هذا العالم أن تراه، ويتحقّق لها جوهر هذا الكمال. وإن لم يستطع أنْ يفعل هذا الأمر يَدَعه.
حقيقة الحرِّيّة الغربيَّة
طيّب. كثير من الناس لا رادع لهم، فهم خليعو العِذار، أحرار، وهذه هي الحرية التي يريدها الغربيّون، فهم أحرار يفعلون كلّ ما يشاؤون، يظلمون أحراراً، ويرتكبون الشهوات المحرَّمة أحراراً، ويُسيئون القول في كلّ أحد أحراراً، ويكتبون على كل أحد أحرارا، إذا كانت هذه الحريّة هي هذا الانطلاق غير المحدود لهذا القسم من الحيوان، فلا حدّ لها، ولا أحد يقول بتضييقها، أينما اتجه في هذه الحريّة، ازداد إيغالًا فيها.
الفرق بين مدرسة الأنبياء وسواهم
لو لم يكن لنا تربية ولا تعليم، التربية التي جاء بها الأنبياء ليتّبعها غير الأنبياء. وقبالتنا طريق واحد يجب أن نسلكه قهراً غير ملتفتين، وذاك الطريق هو طريق الأنبياء الذي يجب أن تسلكوه، فهو الصراط المستقيم المنتهي إلى ما لا نستطيع أن ندركه الآن. هذا ما جاء به الأنبياء. ومدرسة غير الأنبياء لا اطلاع لها على ما وراء الطبيعة، فكل اتجاهات هذه المدرسة لا تتجاوز الطبيعة، بينما مدرسة الأنبياء تمضي إلى ما وراء الطبيعة، وهو ما لا يُطرح في مدرسة غير الأنبياء، بلى، يقولون: كذب. إنسان لا يعرف ما وراء الطبيعة أصلًا، ويجلس جلوساً في غرفته ويقول لا، لا وجود. له. والأنبياء يعرفون السبيل، ومن أين يجب الذهاب، وكيف. فالطريق الذي لا يخطّه الأنبياء، ولا تنيره تعاليمهم لا يمكن أن يوصل الإنسان إلى مقصده. الصراط المستقيم الذي يوصل الإنسان إلى مقصده إذا لم يكن صراط الأنبياء، فهو معوج يذهب إلى هذه الناحية، أو تلك الناحية. بينما يهدينا الأنبياء إلى الصراط المستقيم، ويُعلّموننا ما يصلنا بذاك العالم ويُربّينا عليه، وهو لهذا العالَم وذاك العالم، لا أنّ الأنبياء لا علاقة لهم بهذا العالم، فهم ليسوا معارضين لكل شيء ولا مخالفين له على ما تقولون ولكنهم مخالفون للتعلّق بالدّنيا. فهذان أمران يخطئ البعض فيهما.
مخالفة الإسلام لِحبِّ الدنيا لا للتحضُّر
أولئك الذين يريدون أن يعيبوا الإسلام يقولون: هو مخالف لكلّ تحضّر، الإسلام مخالف لكل تحضّر. وهذا وهم. الإسلام غير مخالف للتحضُّر أصلًا. الإسلام هو الذي أوجد التحضّر، ودامتْ حضارته ستمائة سنة أو سبعمائة تقريباً، وَحَضَّر أكثر أرجاء المعمورة مع أنه لم يكن الإسلام الصحيح. ليس الإسلام مخالفاً للتحضّر، إنما للتعلق بالدنيا وحبس الفكر عليها. فيأبى أن تكون آمالنا وأمانينا كلّها دنيويّة، ويصير همّنا علفنا، وتغدو همّتنا كلّها أن نأكل طيّباً، وننام حسناً، ونتمتع جيّداً، هذا هو التعلّق بالدنيا، وهذا هو حظ الإنسان الذي همّه علفه، وهو ما يأباه الإسلام الذي يدعو للتحضّر في أسمى معانيه، وهو موقوف على المعنويّة. لقد قبل الأنبياء كلّ مظاهر التحضّر، لكنهم هذبوه، فلم يدعوه طليقاً، فلم يقمعوا الشهوات، وإنما قيّدوها، نظموا الانطلاق والحريّة. راجع أحدُهم في العهد السابق ظريفاً من معارفنا في الشؤون الجِنسيَّة، وقال:" هذه قد حُلّت". فقال الظريف:" أجل قد حلّتها الحمير في بدء الخليقة، فالحريّة التي تنادون قد حُلّت، تلك الحيوانات كانت حُرَّة في الزمن الأوّل، فجاء الأنبياء وَحَدّوا هذه الحريّة، ولم يُخالفوا أصلها، بل دَعَوا إليه، وحفظوه بالزواج، وأثنوا على الزواج كثيراً، لأنه إذا حصل ارتفع الانحراف. فالأنبياء يُهذِّبون الغرائز، ويقمعون مراكز الفساد والفحشاء، ولا يمعنون الاستمتاع السليم، فهو طبيعي، ويجب أن يجري في الحياة، لكن على وفق ضوابط وقواعد. فإذا تحققت التربية والتعليم على نحو ما جاء به الأنبياء عاش الإنسان سليماً، وحظي بِنظمٍ مُريح له، ولم يظهر في حياته الآكل والمأكول وهذه التعدّيات والتفاوت الطبقيّ. وأمَّن حياته الخالدة في الطرف الآخر من العالم. فاسعوا أنتم المنتسبين لوليّ العصر- سلام الله عليه- أن تصونوا مدرسته، وذلك بأن تهتمّوا بتربية الإنسان وتعليمه اللذين يُخرجانه من حدِّ الحيوانية إلى حدِّ الإنسانية وكمالها، فينال مقاماً محموداً وتعليماً هادياً، وعملًا صحيحاً. حفظكم الله جميعاً إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته