بسم الله الرحمن الرحيم
المسلمون في صدر الإسلام
أشكر في البدء السادة الأفاضل على حضورهم إلى هنا كما أشكر شعوبهم.
أما بعد، في البداية يجب أن نعرف كيف استطاع الإسلام في الصدر الأول وبعد مرور نصف قرن من ظهوره، أن يفتح المعمور على الرغم من أن تعداد المسلمين كان قليلا ولم يكن لديهم أي معدات حربية متطورة؟ ولماذا فقدوا الآن كل شيء مع أن تعدادهم جاوز المليار ويمتلكون المعدات الحربية الحديثة والموارد الغنية؟ لماذا كان الأوائل كذلك ونحن هكذا؟ السبب هو، أن الأشخاص الذين بايعوا الرسول الأكرم- صلى الله عليه و آله وسلم- في صدر الإسلام رغم أنهم كانوا قلة، ولكنهم كانوا معتقدين تماما بالإسلام، ولم يكونوا يقبلوا على أنفسهم حياة الذل والهوان، وكانوا يعتبرون الشهادة فوزاً عظيماً. وإن تلك المعنويات التي كانت لديهم هي التي جعلتهم ينتصرون على الروم والفرس، الإمبراطوريتين العظميين آنذاك. ولكن بعد ذلك بدأ المسلمون يفقدون قوة إيمانهم شيئا فشيئا، ويغرقون في أمور الدنيا وماديتها أكثر. وأخذوا يتباحثون ويتجادلون في مواضيع ليس لها أي دور بنّاء، كالتي نبحث فيها الآن.
إن الدول الإسلامية الآن دول كبيرة وتمتلك موارد غنية، ولكن إذا تأملناها، نجد أن ما تهتم به هو الشعر والخطابة والفلسفة، وإذا ما اجهدت نفسها اهتم بالموضوعات العرفانية وغيرها، وهذه الأشياء كلها لم تكن عوامل النصر في صدر الإسلام. إن سرّ انتصار الإسلام والمسلمون لم يتحدث عنه أحد أبدا. ولو أن عُشر ما كان يملكه أصحاب الرسول (ص) من معنويات وإيمان موجود الآن لدى هذه الدول، لكانوا أقوى من القوى العظمى الموجودة حاليا. ولكن روح الإيمان تلاشت، تلاشت كلياً، وإن المؤمن فيهم يمضي وقته في المسجد ثم يعود الى بيته ليكمل دعاءه وصلواته. وما كان موجودا في صدر الإسلام لم يعد موجودا الآن، ولم يعد أحد يتحدث عنه.
آفة القول بدون الفعل
الآن عندما تعقد الاجتماعات لمعرفة ما يجب فعله، فإنها لاتتجاوز حدود القول ومن يتكلم أفضل من غيره! وأما بحث أسباب تخلفنا، لماذا نحن هكذا؟ وماذا يجب أن نفعل لننقذ أنفسنا مما نحن فيه؟ كل هذا يبقى خارج الموضوع. كل سنة أو عدة سنوات نعقد اجتماعا يأتي الكثيرون، من كل مكان يأتون ويكون الاجتماع عبارة عن مهرجان خطابي وبعض الشعر وقليل من الحديث حول المسائل الإسلامية واحتياجات المسلمين، ومن ثم ينتهي الاجتماع ويخرج الجميع وكأن شيئا لم يكن. ويجب أن نقول أن أعداء الإسلام، أولئك الذين استولوا على البلاد الإسلامية، كانوا رجال عمل ولم يكونوا رجال كلام، ولكن المسلمين تحولوا بعد صدر الإسلام إلى رجال قول لا إلى رجال عمل، كانوا شعراء جيدين وخطباء جيدين، وعندما يكون الحديث عن المشاكل والعقبات كانوا يتحدثون بشكل جيد أيضا.
ولكن كل هذا لم يتجاوز حدود القول ولم يصل إلى حدود الفعل، ولو أنهم تجاوزوا حدود الكلام، لما كان باستطاعة أحد أن يصدق أن العرب الذين يتجاوز عددهم المئة مليون يقفون عاجزين أمام إسرائيل، أو أن البلاد الإسلامية التي تملك كل شيء تخضع لسلطة الغرب، الغرب الذي يحتاج إليها في كثير من الأمور. إن وجود الكثافة السكانية المرتفعة في الدول الإسلامية والموارد الطبيعية الوفيرة مع هذا الوضع الموجود حالياً، يدل على شيء واحد وهو أن المسلمين قد فقدوا المعنويات التي كانت موجودة في صدر الإسلام والتي كانت عامل نصرهم، ولو كانت هذه المعنويات موجودة لكانت كل مشاكلنا قد حُلّت، وهذا ما حدث الآن في إيران. فلو أن إيران بقيت كما في السابق تتحدث عن المشاكل فقط دون أن تعمل على حلها، والناس يطرحون مصائبهم ثم يعودون إلى بيوتهم ليناموا! لكنا لا نزال إلى الآن تحت وطأة النظام البائد ومصائبه، ولكن الله عزوجل شاء أن تخرج هذه الأمة من حدود القول إلى حدود الفعل، وأن تعود بعض المعنويات التي كانت موجودة في صدر الإسلام إلى صدر هذا الشعب، وكانت هذه علامة انتصار الأيدي الخالية على القوى الشيطانية الكبيرة. نعم، نفس المعنويات التي كانت في صدر الإسلام، تدفع المسلمين إلى الشهادة وإلى القتال، عادت اليوم لتظهر ليس كلها ولكن جزء منها في إيران، وهذا ما دفع الشباب الخيرين وهم في ربيع شبابهم إلى المجيء إليّ سواء عندما كنت في النجف أو الآن وأنا في إيران، سواء قبل الانتصار أو بعده، ليطلبوا مني وبكل إلحاح أن أدعو لهم بالشهادة، وبعضهم كان يحزن لأنه لم يستشهد.
ضرورة التغيير في روحية المسلمين
طالما لم تظهر مثل هذه المعنويات عند المسلمين، فسيظلوا على ماهم عليه، وستظل الاجتماعات والمجالس بدون فائدة وهكذا، المؤتمرات والاجتماعات الدولية. إنه مجرد كلام ولا شيء غير الكلام، وهو الذي أدى بنا إلى ما نحن فيه. على المسلمين أن يفكروا بالتغيير، عليهم أن يفكروا بالانتقال من الخوف إلى الشجاعة والانتقال من الاهتمام بالدنيا إلى الإيمان بالله. فالنصر مرهون بهذه ب- (الإيمان). علينا أن نتحول إلى كائنات إسلامية إنسانية مؤمنة بالله كما يريدنا سبحانه وتعالى أن نكون. ولكن إذا بقي الوضع على ما هو عليه، بأن تأتون إلى هنا تتحدثون معنا ونحن أيضا نتحدث معكم، نتحدث عمّا يؤرقنا وقد نطرح له العلاج في بعض الأحيان وبعد ذلك تذهبون ونبقى نحن هنا دون أن يفكر أحد منا بوجوب عمل شيء ما.
الحكومات الإسلامية منشأ الكثير من المصائب
يجب إضافة قضية الحكومات الإسلامية إلى كل ما ذكرناه. فالكثير من مصائب المسلمين تنبع من الحكومات الإسلامية ذاتها. فالحكومات الإسلامية يجب أن تكون كلها صوتا واحدا ورأيا واحدا، فجميعها متعلق بدين واحد وكتاب واحد، ولكن الاختلافات التي بينهم جعلت الآخرين يستفيدون منها. وهم يعرفون أوجاعهم ولكن لا يسعون لعلاجها، بل إن خلافاتهم وتفرقتهم تزداد يوما بعد يوم. علماً أن الدول الكبرى متفقة على ترسيخ التفرقة والعداوة بيننا، لنبقى دائما مشغولين بهذه الخلافات ويجنون هم ثمارها.
يجب على المسلمين أن يفكروا بحل جذري لأنفسهم، وعلى الحكومات الإسلامية أيضا أن تفكر بحل جذري لهذه الخلافات، لا أن يركضوا وراء السلطة والرفاه اللذان لا يدومان إلا لأيام معدودة. عليهم أن يفكروا بعلاج لداء التفرقة الذي أصابهم، وإلّا ستصل الأمور إلى مرحلة لا ينفع عندها أي دواء، وعندها لن يجدي أي مؤتمر أو اجتماع للمسلمين. أسأل الله العلي القدير أن يوقظ المسلمين خاصة الحكومات الإسلامية لكي يتمكنوا من التغلب على مشاكلهم وتجسيد الإسلام الحقيقي الذي كان موجودا في صدر الإسلام، في بلدانهم.
الحكومات الإسلامية ليست منبثقة عن الشعب
أجل، إن إحدى المشكلات التي تواجه المسلمين هي مشكلة الحكومة والشعب، والحكومات وكما نعرف جميعا غير متفاهمة مع شعوبها، العلاقة بينهما وكعلاقة الأعداء مع بعضهم. الشعب يدير ظهره للحكومة والحكومة تلقي بالتقصير على الشعب، ولهذا فإن الشعوب لا تقدم أي مساندة لحكوماتها. بل يعاملون حكوماتهم على أنها أعداء لهم، وهذا مايؤدي إلى ضعف الحكومة. ولقد رأينا كيف كانت الحكومات التي أسسها الأب والابن في إيران، حكومات مستبدة مفروضة على الشعب، ولهذا فعندما حاصر الحلفاء بلادنا من كل صوب، فإن الشعب أدار ظهره للأب، وعندما ذهب رضا شاه، فرح الشعب وعبر عن سروره وسعادته لهزيمة رضا شاه، لأنهم كانوا يعتبرونه عدوهم. وعندما أخرج الشعب محمد رضا من البلاد، كانوا كأنهم في عيد حقيقي واعتبروا يوم خروجه عيداً لهم. إن هذا الأمر ينطبق على معظم الحكومات الإسلامية- إذا لم نقل جميعها- حيث أنه لا يوجد أي تفاهم بين هذه الحكومات وشعوبها ويعاملون بعضهم على أنهم أعداء. الشعب يفرّ منهم وهم يريدون تحميل الشعب كل أخطائهم. وهذه إحدى المشاكل الموجودة في بلداننا الإسلامية، وحلها ليس قريبا على ما يبدو.
بيد أن لدينا الآن حكومة متفاهمة مع شعبها، والتظاهرات الشعبية في الشوارع تؤكد هذا. وعلى الرغم من أن أعضاء الحكومة لم يستطيعوا أن يفعلوا الكثير لأبناء الشعب لحد الآن، ولكن الشعب متفق معهم ومساند لحكومته، يعني هذه الحكومة هي حكومة شعبية وطنية. أو بعبارة أخرى، إنها حكومة يقف الشعب كله وراءها، في حين أننا لا نرى مثل هذا في أغلب البلدان إن لم نقل كلها، لأن تلك الحكومات تسعى لتحقيق مصالحها وليس مصالح الشعب. وطالما أن هذه المشكلة موجودة فسيظل حال المسلمون كما هو عليه، ولهذا أتضرع إلى الله تعالى أن يأذن بحل هذه المشكلة.
سرّ انتصار الشعب الإيراني على الطاغوت
على الحكومات أن تتأمل في سرّ سباب انتصار شعبنا على القوى الشيطانية. أن جيش هذا الطاغوت ابتعد عنه وأدار ظهره له عندما رأى الشعب يسير في اتجاه مغاير لاتجاهه، لا بل وجّه قوته ضد هذا الطاغوت، وعندما سار الشعب كله في طريق واحد مخالف لطريق الطاغوت تمكن من الانتصار عليه. ولهذا، عندما تتفاهم الحكومات مع شعوبها وتستجيب لمطاليبها فإن شعوبها لن تتخلى عنها، وسيكون من الصعب هزيمتها. ولكن للأسف إن الأيدي الخارجية وعدم نضوج هذه الحكومات لايسمحان بتحقق ذلك.