بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية سأقص عليكم قصة، ربما لايتذكرها أحد منكم. ففي الحرب العالمية الثانية، عندما هاجم هتلر على فرنسا واحتلها، وهجم على مناطق أخرى منها الاتحاد السوفييتي، ذهب تشرشل إلى مجلس العموم البريطاني وأخذ يتحدث عن ضعف بريطانيا ومشاكلها وهزائمها وعن المناطق التي خسرتها وماذا سيحل بها وكيف ستكون حياتهم في المستقبل، لقد اشتكى كثيراً من كل هذا ولكنه ختم حديثه بجملة واحدة: ولكن النصر سيكون حليف من سيركب موجة النفط. وكان توقعه صحيحاً، فقد كان النصر حليف أولئك الذين أخذوا نفطنا. وما أريد أن أقوله هو أننا نشهد الآن الكثير من الاضطرابات شأننا شأن أية ثورة أخرى. إضافة الى ما ورثناه من تخلف ومعاناة حصيلة إن لم نقل 2500 عام من الحكم الشاهنشاهي فهو على الأقل الخمسين عاماً من حكم الأسرة البهلوية التي سعت على الدوام الى الإبقاء على تخلف بلدنا في مختلف المجالات.
القوى البشرية خلال حكم الشاه
إذا أردنا أن نتحدث عن القوى البشرية، كيف كانت في النظام السابق، فكما ترون إذا بحثتم بين (35) مليون نسمة عن عدة أشخاص ليشكلوا الحكومة أو لتجدوا شخصاً مؤهلًا لرئاسة الجمهورية، لن تجدوا تجدوا لا لأن أولئك أبادوهم كلهم ولكنهم حرفوهم عن استقامتهم، لقد واجهوا هذه الطاقات البشرية بطاقات أخرى، وجعلوا هذا الانسان معتمداً على الغرب في كل شيء بدل أن يكون اعتماده على مجتمعه وعلى عقائده، وفقد ثقته بنفسه، ولايرى أمامه إلا الغرب. إنهم لم يسلبونا طاقاتنا فقط، بل زرعوا مكانها طاقات مضادة لقوتنا الحقيقية، وحولونا من أشخاص معتمدين على أنفسهم وثقافتهم ونظامهم إلى أشخاص متشائمين بالنسبة إلى ثقافتهم وشعبهم، متشائمين في كل شيء. لقد فقد الانسان الشرقي هويته وتحول إلى انسان غربي. والمصيبة تكمن في أن هذا الانسان المتغرب يحتاج إلى سنوات ليعود إلى حالته الطبيعية ليس إلى انسان متقدم وإنما إلى انسان عادي فحسب. إن غسيل هذه العقول مما علق بها من رواسب الغرب يحتاج إلى سنوات طويلة، حتى تعود تلك العقول ذات المقدرة والكفاءة إلى حالتها الطبيعية التي كانت عليها قبل أن تصبح غربية التفكير، وأعتقد أن هذه المشكلة هي أهم المشاكل التي تواجهنا الآن ولدينا الكثير من هذه المشاكل كما ترون.
ولكن، نحن أيضاً سنقول كلاماً مشابهاً لما قال تشرشل: إننا لا نعتمد على النفط، وإننا نرى النصر حليف من يقف الشعب خلفه، وإن الشعب يؤمن بالإسلام والجمهورية الإسلامية. ولهذا فنحن لانخشى من هذه الاضطرابات التي يحاولون إحداثها أبداً. ولكننا إذا كنا قلقين فهو بسبب الإزعاج الذي يسببونه للحكومة والشعب، ولكن وبشكل عام فإن كل مايحدث ليس بالمشكلة المستعصية التي لايمكن حلها.
حل الأزمات يتم من خلال تشكيل مجلس الشورى
إن ماأريد قوله هو أن حل هذه الأزمات سهل للغاية، وسيتم عن طريق تشكيل المجلس، وبعبارة أخرى، عندما يكون مجلس الشورى وطنياً إسلامياً مثلما نريد فإن أمور الصحافة ستنتظم، وسيتم اصلاح مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وستتم تنقيتة الدوائر الحكومية من عوامل الفساد، فالشعب سيقوم بالتطهير من عوامل الفساد من خلال الذين سينتخبهم بنفسه، وستكون هذه الدورة من مجلس الشورى مختلفة إن شاء الله عن الدورات التي كانت في عهد رضا شاه، وربما خلال دورتين بعد الحركة الدستورية. فلم يعد الأمر كما كان في السابق، وعلى حد قول محمد رضا شاه، كانت تأتي قائمة بالأسماء من السفارات ونحن ننفذ التعليمات. لقد قالها بصراحة، ولكنه كان يريد أن يمدح نفسه وأن يقول: أننا لم نعد كذلك الآن. غير أنه يدين أبيه بذلك ويكذب نفسه.
ونحن نسأل الله أن لا يتكرر ذلك كأن يضع أحدهم لائحة بالأسماء ويلزمكم بتنفيذها. أما من أراد أن يقدم قائمة بأسماء المؤهلين والنافعين لمصلحة الشعب فلابأس. إن شاء الله لن يتكرر وضع القائمة وإصدار الموافقة عليها من قبل جهة معينة، أو أن تلزم هذه الجهة الشعب بقبول القائمة التي وضعتها كما كان يحدث من قبل. وعندما ينتخب الشعب ممثليه، فإن المجلس سيضع حداً للهرج والمرج وإساءة استغلال الحرية بإذن الله. لذا لا أرى من المناسب الخوض في هذه المواضيع، لاسيما وإننا نحضر للدستور، فالمؤامرات التي تدعو إلى تقويض الجهود وإثارة الفوضى أصبحت كثيرة وهدفها دب الخلافات ليس إلا. ففيما يتم طرح مشروع القانون الأساسي في هذه الأيام، يتوافد الكثيرون إلى هنا لعرض مشاكلهم الخاصة، أنا لاأنكر عليهم سعيهم لحل مشاكلهم، ولكنني أعلن للجميع أنه لدينا الآن موضوع رئيسي لازال يؤرقنا وهو تدوين الدستور، وعلينا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا لدراسة هذا القانون وتقديم اعتراضاتنا واقتراحاتنا إلى مجلس الخبراء، ليقوم الخبراء بدورهم بالدراسة وإبداء الرأي فيما قدّمناه.
صفات أعضاء مجلس الخبراء
والأهم من كل هذا، أن نبذل جهدنا لانتخاب الأشخاص المناسبين، فلانريد أشخاصاً مؤيدين للغرب فيجرّونا اليه، ولامؤيدين للشرق فيجرّونا إلى هناك، إننا نريد أشخاصاً مسلمين ملتزمين ليهدونا إلى صراط الإسلام المستقيم، أمناء في عملهم عالمين بالإسلام وبما حولهم. فأمثال هؤلاء الأشخاص سيتم انتخابهم من قبل جميع فئات الشعب، وسيقومون بدورهم بدراسة القانون الأساسي وتجاوز أخطاءه وإضافة وحذف ما لا يلزم، وبعد ذلك سيقدمون نتيجة عملهم إلى الشعب ليقرر، نعم أو لا. وعندها ستكون إحدى ركائز البلاد قد وُضعت وهي القانون الأساسي، وستبقى ركيزتان إحداهما: مجلس الشورى، فالشعب هو من الذي سيختار مندوبيه، ويجب أن يكون هؤلاء المندوبين، وكما أشرت من قبل، من أوساط الشعب وعارفين بأحوالهم، صالحين ومسلمين وغير متحيزين للشرق أو للغرب أو أي من المناصب الفاسدة. وعندما ننتهي من وضع هذه الركيزة سننتقل لوضع الركيزة الأخيرة وهي: رئاسة الجمهورية، وعندما يتم الانتهاء منها بعون الله، ستصبح الأمور في بلادنا رسمية وستستقر الأوضاع ويغدو كل ما كنا نحتاج إليه قد أصبح جاهزاً، ومن ثم سنناقش المواضيع الأخرى. سنناقش مسألة الصحافة، فنحن نعلم أن الصحافة في بلادنا تحتاج إلى إصلاح، الإذاعة والتلفزيون كذلك، والإدارات والوزارات أيضاً فيها بعض المشاكل، كما ان السوق يعاني من العديد من المشاكل التي تحتاج إلى إصلاح. وكل شيء يحتاج إلى إصلاح. ولكن ربما كانت هناك خطة لتحويل أنظارنا عن المسائل الأساسية إلى مسائل فرعية دون أن ندرك حقيقة الأمر، وحينها سنفقد دورنا في قطاف ثمار القانون الأساسي، وسينفذون هم كل مخططاتهم المتعلقة به. لقد جاء إلى هنا أشخاص كثيرين بما فيهم علماء البلاد، وكنت أقول لهم جميعاً: أيها السادة، لاتجلسوا متفرجين فيما يغير أعداؤكم الدستور كما يشاؤون، لاتأتوا إلى هنا لمناقشة مايساوركم من شكوك، بل اكتبوا مقترحاتكم المتعلقة بالدستور وقدموها للدراسة، وبعد ذلك، عليكم ترشيح ممن تتوفر فيهم الكفاءة والاطّلاع على أحوال الشعب، وفي آخر المطاف سيقرر الشعب كل شيء.
انتقاد عدم الاهتمام بالمسائل الأساسية للبلد
إننا نخشى في هذه المرحلة التي هي مرحلة قطاف ثمار هذه النهضة، والعمل بلا كلل أو ملل لوضع الركائز الأساسية، أن يسعوا لانشغالنا بمشاكل أخرى، ويتفرعوا هم لحل المشاكل الأساسية على طريقتهم. ولذلك فإني أرى من واجبكم أنتم على الأقل يا من تحمّلتم الكثير أن تصبروا وتتحملوا عدة أشهر أخرى، وتواصلوا متابعتكم إيجاد الحلول للمسائل الرئيسية خطوة بخطوة. فعلى الانسان أن يفكر دائماً بالمسائل المطروحة في وقتها، وأما المسائل الأخرى فهي مسائل ثانوية سيتم حلها شيئاً فشيئاً بإذن الله. الصحافة والمسائل الأخرى أيضاً سيتم تنظيمها بإذن الله، ولقد قلت مراراً وتكراراً أن المسائل الرئيسية لها الأولوية في الحل، ولايجب أن تقلقوا من تكراري الدائم لهذا الكلام، والمثال على وجوب تكرار المسائل الرئيسية هو كما لو أن أحدهم مصاب بألم في رأسه، يذهب إلى الطبيب ويقول له: إني مصاب بألم في رأسي. وإذا عاد الألم يعود للطبيب وبدلًا من أن يقول له: رأسي يؤلمني، لأنه يخشى من أن يعود الألم مرة أخرى، يقول له: قلبي يؤلمني!، ولكن هذا لايجوز. نحن الآن يؤلمنا رأسنا وكلما رأينا أحداً يجب أن نقول له: آه، رأسي يؤلمني. وعليكم أن تقولوا لكل من تصادفوهم: ياسادة، علينا الآن بحث الموضوع الذي بين أيدينا وإبداء رأينا فيه وترشيح مندوبين عنّا لدراسته، ويجب أن يكون هؤلاء الأشخاص من أصحاب الخبرة، وعلينا أن نفتح عيوننا جيداً بالنسبة لهذه النقطة، وإلّا سيتسببوا في إثارة المشاكل والفوضى.
وأنا آمل أن تؤدي وحدة الكلمة والحفاظ على الثورة التي طالت معنوياتكم وحولتها إلى معنويات إسلامية سليمة، إلى حل هذه المشاكل بعون الله، وبعزيمتكم وإرادتكم سيتم حلّها إن شاء الله.