بسم الله الرحمن الرحيم
وظيفتنا في ظل العناية الإلهية
هذه الآية الكريمة التي قد سبق تلاوتها «1»، من جهة ترتبط بالذات المقدسة لله سبحانه وتعالى، ومن جهة أخرى ترتبط بنا نحن أيضاً. فالقسم المرتبط بالقدرة الإلهية يتمثل في تبديل خوفنا إلى أمان واطمئنان. في الماضي كنا نخاف من قوى الأمن والشرطة وبفضل الله سبحانه وتعالى تبدل خوفنا إلى اطمئنان ولهذا فنحن نجلس الآن هنا بكل راحة بال. ومن جهة أخرى فالمسألة تتعلق بنا أيضا، (يعبدونني لايشركون بي شيئاً). فماذا يجب علينا أن نفعل؟ عبادة الله وعدم الإشراك به، أن نشرك بقدرة الله عز وجل قدرة أخرى، لا النفس الأمارة بالسوء، ولا الشياطين. علينا أن نعرف أن كل شيء من عنده، سبحانه وأنه على كل شيء قدير، أي أن كل القدرات من عند الله سبحانه وتعالى، وأن لا نظن أن هناك صاحب فضل علينا في هذا النصر، بل يجب أن نعرف أنه وحده صاحب هذا الفضل. لم يكن لدينا شيء، لاقوة ولا تنظيمات، كنا مفرقين كل واحد منا كان مشغول بعمله وأحواله، وكنا أسرى لدى القوى الجبارة، ولكنه سبحانه هو الذي جمعنا، وهو الذي وحّد قلوبنا، وهو الذي وحّد مقاصدنا بعد أن كانت مختلفة ومتفرقة، إنّها الذات المقدسة سبحانه وتعالى. فلايوجد إنسان يستطيع أن يقوم بهذه النهضة، النهضة التي فئات في وطن واحد بعد أن كنا مجموعات مختلفة، وأفراد مشتتين، كنا مجتمعات متعددة وكل واحد على حدى، وأفكار كل شخص تختلف عن أفكار الآخر، ولكن الله تبارك وتعالى، وحّد آراءنا في رأي واحد. ويجب أن نقول أن الناس كانوا مثل قطرات المطر، وتحولوا إلى سيل جارف، في مقابل الدبابات والمدافع والطائرات، ولم يكن ذلك الشيطان وحده فحسب، بل كانوا جميعاً يدعمونه، فمنهم من قالها علانية، مثل أمريكا وإنكلترا، ومنهم من لم يقلها بصراحة. ولم يكونوا جميعا من غير المسلمين، بل الحكومات الإسلامية أيضا قامت بدعمه. فهل كنا نستطيع أن نقف في وجه كل هذه القوى العالمية؟! هل كنا نستطيع أن نقوم بأي عمل؟! نحن لانستطيع أن نجتمع في منطقة ما مع بعضنا البعض بمفردنا، ولانستطيع أن نسيّر مجموعة من الأفراد في طريق واحد بمفردنا، فهل نستطيع أن نوحّد شعباً من المركز إلى الحدود، صغيره وكبيره، ومن عالم الدين إلى ما سواه، ومن متعلمه إلى جاهله؟! كلا، لاأحد يستطيع أن يقوم بهذا العمل سوى الله سبحانه وتعالى (يعبدونني لايشركون بي شيئاً).
الحسابات المادية الخاطئة
لاتتصوروا أبداً أن أحداً بإمكانه إيجاد مثل هذه المعجزة، المعجزة التي أحبطت كل مشاريع ومخططات الأجهزة والخبراء، المشاريع التي طرحوها كلها منيت بالفشل والكل صدقوا أن هذه المشاريع غير تلك المشاريع التي طرحناها نحن. أولئك الذين اقترحوا بعض المسائل للحفاظ على قدرتهم، تبين أن حساباتهم باءت بالفشل، إنهم يحسبون حساباً مادياً، يعملون وفق الحسابات المادية، ووفق الحسبات الطبيعية لايرى الشخص غير الطبيعة، ولو أردنا التحرك طبقاً لحساباتهم لما تمكنا من التقدم خطوة واحدة ولواجهنا الفشل في المعركة الأولى. إن الحسابات المعنوية لاتدخل في حسبانهم. إنهم غافلون عن تلك القدرة التي غيّرت الشعب بالإرادة وحدها، الشعب الذي كان يخاف من شرطي واحد بات لاتخشى الدبابة والمدفع، كباراً وصغاراً، وقد نقل لي أحد الأصدقاء أنه رأى طفلًا لايتجاوز الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من العمر كان راكباً دراجة نارية أو ربما هوائية، وقام بمهاجمة دبابة، ومثل هذا حتى لو أنه سحق تحت ثقلها، ولكن المهم هو أنه أوجد مثل هذه المعنويات، فشبح الخوف هذا الذي جثم على صدر الشعب أكثر من خمسين عاماً، تحول في ظرف سنة أو سنتين إلى معنويات لا تقهر. طبعاً عمر النهضة الآن يناهز الخمسة عشرة سنة، ولكن السنتين الأخيرتين كانتا حاسمتين ومليئين بالأحداث. إن ذلك الشعب الذي كان يشعر بالخوف خمسين سنة، يشعر بالخوف إذا ما سمع اسم (جهاز المخابرات) ويرتجف من اسمه، تغير ونزل إلى الشوارع وهتف (الموت للشاه) وأصبح شبابه يتمنون الشهادة. ومع أن مرحلة الجهاد قد انتهت، غير أنهم لازالوا يتمنون الشهادة. فمنذ يومين جاء الى هنا أحدهم، وكان يلح علي أن أدعو له بالشهادة، وقد كرر إلحاحه حتى وصل إلى عتبة الباب، قلت: فليرزقك الله ثواب الشهادة ولكنه أصر على أن أدعو له لكي يصبح شهيداً فمن الذي بوسعه أن يوجد هذا التبدل الروحي؟ من يستطيع أن يتصرف في أرواح الناس؟ من مقلب القلوب؟
النصر واستمرار الثورة رهن بالتوجه لله والأخوة والوحدة
توجهوا إلى الله ولاتشركوا به شيئاً سواء في العبادة، وفي كل شيء. وإن هذه الأصوات التي تمسعونها هي أصوت قدرة الله. فالله هو من نصر هذه الثورة، ولو كانت الأمور تسير بحسب الموازين الطبيعية، فقد كنا أربعة معممين وعدة من الكسبة، أما أولئك فقد كانوا يمتلكون كل شيء. ولكن عندما بدأت نهضتنا، جعل الله الناس يلتحقون بنا أفواجا أفواجا. ولو أنهم أرسلوا الطيارات التي اشتروها من أمريكا لقصفنا فلم يكن عندنا قدرة ندافع بها عن أنفسنا، ولكن الله صرفهم أيضاً عن ذلك ودب الرعب والخوف في نفوسهم، حيث ربطت أيديهم وأرجلهم، وكل ذلك يعود إلى تمزق باطنهم، حتى أن أصحاب الرتب الصغيرة لم يعودوا يطيعون من فوقهم. إن هزيمتهم هذه لم تكن عادية، لقد تزلزل وانهار حكمهم بإذن من الله. إن الله ينظر إلى هذه الأمور دائما، وهو أشد وضوحا من هذه الشمس. وإذا حافظنا على توجهنا إلى الله، وعلى هذه الأخوة والوحدة، فإننا سنواصل تقدمنا حتى النهاية. ادعوا أن لانغفل عن الله تبارك وتعالى، أن لانغفل عن الإسلام، وأن لانمضي خلف تلك الأشياء الزائفة والتي تمضي سريعاً. أن لا نقتصر اهتمامنا على أمورنا الشخصية فهي زائلة لا محال، وإنما الذي يبقى هو معنويات الانسان فقط.
أسأل الله أن لايبدل هذا الأمان بخوف أبداً، وأن يجعلنا من أهل عبادته وأن لانجعل له شريكاً في شيء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته