بسم الله الرحمن الرحيم
صفات النظام اللاديني
يجب أن نطلق على أجهزة النظام الملكي والأنظمة المشابهة له، بالنظام اللاديني. فالأنظمة الغير ربانية، تخون شعبها حسبما تقتضي حاجتها والأجهزة الإدارية التي تضعها تكون لحماية مصالحها فقط. أما الشعب فإنها توجهه لخدمتها بدلًا من أن تكون هي في خدمته، وتكون منفصلة تماماً عن الشعب. برامجها تهدف إلى جر شعوبها إلى الفساد والإجرام وشبابها إلى الفسق والفجور، لأنهم يخشون من الشباب لئلا يتصدوا لهذه الأنظمة ويدينوا تصرفاتها، ولهذا فقد لجأوا إلى مختلف الأساليب والطرق لإفساد الشباب وإبعادهم عن مسائل حياتهم اليومية والمستقبلية. كما سخروا الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح لتحقيق مآربهم التي يصبون إليها.
كل هذا من أجل جعل الشعب متخلفاً وغافلًا عما يملك من موارد وهبه الله إياها. أحياناً كانوا يسعون إلى جر الشعب لجوارهم ولفت أنظاره إلى أشياء لاطائل منها، أما هم فقد كانوا ينهبون مايشاؤون دون أن يقلق راحتهم صوت معارض أو إنسان يقظ. ولهذا فقد قاموا بتهيئة كل وسائل اللهو والفجور للشباب، ولابد أنكم تعرفون كم كانت هذه المراكز كثيرة وخاصة في طهران، بنحو يندى الجبين لذكر الأعمال التي كانوا يقومون بها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى شاطئ البحر، فما أن يصل الناس إلى شاطئ البحر حتى يروا أول الأشياء التي جهزوها هناك، وهي اختلاط أماكن السباحة، فالشباب والنساء والرجال جميعاً كانوا يجلسون في أماكن واحدة، ولم يكن هذا من قبيل أنهم يريدون أن يخلقوا المتعة لشبابنا ولكن لأنهم كانوا يريدون أن يفسدوا أخلاق الشباب ويجروهم إلى الفسق والفجور. وهناك أيضاً كانت تنتشر إلى ماشاء الله مراكز بيع الخمور والأشياء الأخرى التي تخدر الشعب. وعندما كان يذهب شبابنا إلى دور السينما مرة واثنتان وثلاث فإنهم يعتادون على الجو الفاسد الموجود هناك والمناظر المخجلة.
والشيء نفسه ينطبق على برامج الإذاعة والتلفزيون أيضاً، حتى الصحافة والمجلات، كل هذه الوسائل تم تسخيرها لإفساد الشباب وانحطاطهم.
الغناء منشأ تخدير الأفكار
ومن جملة الأشياء التي تخدر عقول الشباب الغناء، فعندما يتعرض عقل الشاب للغناء طوال الوقت فإنه يصبح غير العقل الطبيعي الذي يجب أن يفكر بالأمور بجدية، ويصبح غير قادر على التفكير بالأمور بجدية، ويبدأ بتوجيه صاحبه الى أمور أخرى. كل هذه الوسائل التي أعدوها- وعددها إلى ماشاء الله وحتى أن بعضها لازال موجوداً- كانت من أجل ابعاد الناس عن التحكم بمقدراتهم، وإلهاهم بأمور أخرى كي يتسنى لهم تحقيق مطامعهم. وكل ذلك كان قد تم التخطيط له بدقة ولم يأت اعتباطاً، من أجل جر الشباب إلى الفساد والرذيلة.
تدمير الطاقات الانسانية في عهد الشاه
إضافة الى الضغوط التي كانوا يمارسونها ضد لى الشعب وضد علماء الدين، ثمة ضغوط كانت تمارس ضد الجامعيين ومختلف الفئات الأخرى. كانوا يريدون أن يفرغوا بلادنا من (الإنسان) ويدمروا طاقاتها الإنسانية. لقد بدلوا المراكز التعليمية والتربوية إلى مراكز تعمل عكس وظائفها تماماً، وأما الأشياء التي من المفترض أن تكون تعليمية وتربوية مفيدة للإنسان والمجتمع وبناء وطن أفضل، فقد حاولوا التخلص منها والإتيان ببدائل لها تتعارض مع توجهات الشعب .. متفقة مع الملذات والشهوات الفردية، ومخالفة لمسير الشعب، مخالفة لمصلحة البلاد، هذه هي الوسائل التي كانوا يعملون على اشاعتها ورواجها.
صحف النظام السابق على طريق تضليل الشباب وإفسادهم
لم يكن من الممكن أن يتم طبع المقالات التي تتحدث عن مصير الشعب في الصحف أو أن تذاع عبر الإذاعة، وأما المقالات التي تسير في طريق غير طريق الشعب وغير مصلحة المجتمع هي التي كانت تنشر وكان يتم الترويج لها. والمجلات التي كان يجب أن يكون لها درواً هاماً في تربية جيل الشباب، قامت بدورها ولكن بالمقلوب ولابد أنكم شاهدتم مستوى العهر المقزز الذي كانت عليه. كل هذا كان من أجل تغيير طريق الشباب من طريق تربوي يعلمهم الإحساس بالمسؤولية إلى طريق آخر هو طريق الفساد حتى يستغلوهم لخدمة مصالحهم، لقد كانوا يريدون القضاء على مصالح البلاد وإفساد كل شيء، وإعطاء أموالنا ومواردنا للأجانب دون أن يقول أحد لهم حتى كلمة (لماذا؟). ولهذا عملوا على تخدير الشعب، وعندما يتجه شبابنا- الذين هم أساس البلاد وعمادها- إلى طريق الفحشاء والملذات والمخدرات والمجلات الساقطة والبرامج التلفزيونية الهابطة، فإنه لن يبقى لديهم وقت يفكرون فيه أو عقل يستفيدون منه.
الغناء من الأمور التي يتلذذ بها كل إنسان حسب طبعه، ولكنه على كل حال يخرج الإنسان من الجدية في العمل إلى الهزلية واللامبالاة، والشاب الذي اعتاد أن يقضي يومه وهو يستمع للغناء- وعادة ماكان يستمع إلى هذا الغناء من الإذاعة والتلفزيون- دون أن يعير مسائل الحياة اليومية أي أهمية، فإنه سيعتاد على التعامل مع الأمور بلا مبالاة وسيصبح غافلًا عن أمور الحياة الجادة. وشأنه في ذلك كالذي يتعاطى المخدرات تماماً. فالذين يتعاطون المخدرات لايمكنهم أن يكونوا جادين ولايمكنهم التفكير بالمسائل السياسية، فالغناء يجعل عقل الإنسان عاجزاً عن التفكيربغير الشهوات الحيوانية. ولهذا السبب فقد أصروا على أن تكون الإذاعة والتلفزيون والصحافة والمجلات ودور السينما والمسرح على هذا النحو، حتى تجتمع هذه الأمور مع بعضها وتؤدي إلى حرف اهتمامات ابناء الشعب من الأمور الحيوية إلى أمور فرعية ليس لها أي علاقة بحياتهم، وينصرفون هم إلى نهب ثروات البلاد. والآن بعد أن ذهبوا وأخذوا كل شيء لم يتركوا لنا شيئاً سالماً، فأينما نضع أيدينا نجدهم قد دمروه.
ترسيخ تبعية البلاد تحت ذريعة (الحضارة الكبرى)
لقد أحدثوا ضجة كبيرة وهم يدّعون أنهم يريدون إيصالنا إلى بوابة (الحضارة الكبرى) ولكنهم في الواقع أبعدوا شعبنا عن الحضارة والتحضر، فما بالكم بالحضارة الكبرى! أبعدوا الجميع عن الحضارة وعن كل ما يؤدي إلى استقلال الإنسان الفكري، وطالما لم يحصل الإنسان على استقلاله الفكري فإنه لايستطيع أن يكون نافعاً وهؤلاء لم يكونوا يريدون رؤية شخص نافع واحد، فهم يخشون من الإنسان. ولقد رأوا كيف أن مدرساً واحداً «1» كان نائباً في المجلس في زمن رضا خان، لم يسمح لرضا خان الذي كان يريد أن يقيم نظاما جمهورياً، أن يفعل مايريد. صحيح أنه لو حدث هذا لكان أفضل ولكنهم كانوا يبيتون نية سيئة من وراء ذلك. فهو لم يكد يصل إلى الملكية حتى قرر أن يصبح رئيس جمهورية، ومن يدري ماذا سيحدث بعد ذلك، ولكن مدرس كان موجوداً ولم يسمح لهم بذلك، لقد وقف في وجههم حتى النهاية، وضحى بحياته من أجل واجبه الإلهي. لقد وقف في وجه مخططاتهم، فقرروا قتله واستشهد على أيديهم. «2»
تخدير أفكار جيل الشباب في زمن النظام البهلوي
ولأنهم لم يكونوا يودوا أن يظهر أي إنسان إلى الوجود، كرسوا جهودهم على الجامعات، ولهذا بذلوا مابوسعهم لمنع ظهور أي نشاط مفيد في الوسط الجامعي، وإذا حدث وظهر نشاط مفيد فإنهم كانوا يعملون على إفراغه من محتواه، لقد كانوا يخرجون كل يوم بمفسدة جديدة وخطة جديدة، لإلهاء الشباب وصرفهم عن أعمالهم. في أوساطنا أيضاً كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال. كانوا يخرجون بغائلة جديدة كل يوم، ليشغلونا جميعاً بها وينسوننا المسائل الإنسانية أو يبعدونا عنها، وإن إحدى هذه الغوائل موضوع البلاجات والاختلاط على ساحل البحر، فقد خطط أولئك لكي يختلط الشباب فتيان وفتيات شاطئ البحر ويفعلوا مايحلوا لهم، وهكذا يدمرون الأجيال، ويدمرون الإنسان، فالشاب الذي يقضي عدة شهور من عمره على شاطئ البحر ويسعى وراء شهواته فقط لاغير، هل يهمه أن يعرف ماذا عليه أن يفعل إذا أخذوا نفطه؟! إنه لن يفكر بهذه الأمور أبداً، وكل مايدور في ذهنه، هو قراءة أشعار العشق، وأن يكون عاشقاً أو معشوقاً! وحتى إذا أراد أن يفكر بشيء مفيد فإن ذهنه سرعان ما يعود للتفكير بمثل هذه الأمور.
إن هؤلاء يعملون طبق مخططات موضوعة مسبقاً، وما كان يحدث على شاطئ البحر لم يكن مجرد مصادفة، لقد كانوا يحضرون كل وسائلهم إلى شاطئ البحر وكانوا يشجعون الناس على الذهاب إلى هناك واستعمال تلك الوسائل، لقد كان شغلهم الشاغل حرف الشباب وإبعادهم عن التفكير بمستقبلهم، ولهذا كانوا يفعلون مابوسعهم لتحويل الشعب إلى شعب فقير، لايعي مايدور حوله. وشعبنا الآن فقير لايعرف ماذا يدور حوله. وبعد ذهاب هؤلاء استيقظ الشعب ليرى أنه لايملك أي شيء، لقد أفرغوا المصارف وذهبوا، وأخذ رضا شاه الكثير الكثير من مجوهراتنا وذهبنا بها ومن ثم اخذها الانجليز منه.
إن البنوك الأجنبية تغص بالأموال التي سرقها هؤلاء، دون أن يعير شبابنا أية أهمية لهذه المواضيع، والسبب هو أن أذهانهم كانت مشغولة بأشياء أخرى. إن هذه الروح الشابة عندما تكون في هذه السن فإنها في أوج شهواتها وإذا نحن هيأنا لها الوسائل التي تحقق شهواتها وقمنا بإهمال المواضيع الجادة، فإن هذا الشاب سيصبح رجلًا عاجزاً لا يفكر إلا بالأمور الشهوانية، ولاينفع في أي عمل آخر، لأنه في المرحلة التي يجب أن تبرز فيها طاقاته وهي مرحلة الشباب، انصرف إلى تحقيق الملذات.
المواضيع الأخرى كثيرة، ومنها موضوع الغرب والتغرب، وهذا الموضوع أيضاً له قصة طويلة جداً ومعروفة، وخصلاصتها، هي أن هؤلاء كانوا يعملون طبقاً لخطة وضعت مراحلها بدقة متناهية، ومن المحتمل أن كل هذه الخطط وضعت في الخارج- ومن قبل أصحاب المصالح الموجودة في بلادنا- ثم أرسلت إلى هنا ليطبقها أولئك الموجودون في الداخل، أو أن خبراء هذه الخطط كانوا يأتون بها ليشرفوا على تطبيقها. إن خباثة هذه الخطط كانت تنبع خباثة أطماع الأجانب والنظام في خيراتنا وثرواتنا. ولكن نأمل أن تكون هذه الأمور قد انتهت الى حد ما إن شاء الله، فقد قطعت أيديهم بعون الله، وذهب النظام السابق إلى غير رجعة إن شاء الله.
برامج الإذاعة والتلفزيون يجب أن تكون تعليمية
عليكم أخذ الأمور بجدية، فاتركوا الهزل والمزاح واللامبالاة والتفتوا إلى القضايا الجادة، فوطنكم بحاجة إلى إدارة. ويجب أن تقدم الإذاعة والتلفزيون- هاتان الوسيلتان اللتان من المفترض أن تكونا تعليميتين- المنعة والقوة لشبابنا، فلايجب أن يكون التلفزيون مثلًا أداة لبث الأغاني عشر ساعات يومياً، وبالتالي إلى تحويل الشاب القوي إلى ضعيف، وإدخاله في حالة تشبه حالة المخمورين أو المخدرين، فالمخدرات لاتختلف في أثرها كثيراً عن التلفزيون، فهذا يحدث حالة من الثمالة وذلك أيضاً يحدث حالة من الثمالة. ولكن يجب أن يتغير كل هذا، فإذا كنتم تريدون أن يكون وطنكم حرا أبيا، مستقلا، عليكم من الآن فصاعداً أن تأخذوا الأمور بجدية تامة. عليكم إلغاء بث الغناء من الإذاعة والتلفزيون وتحويل هاتين الوسيلتين إلى وسيلتين تعليميتين، ولاتخشوا أن يقول البعض عنكم متخلفين أو رجعيين. وإذا أنتم حذفتم الغناء من الإذاعة أوالتلفزيون بالفعل، فقولوا لهم: (إذا كنا سنصبح بهذا العمل متخلفين فنحن متخلفين) ولاتقلقوا، لأن مثل هذه الأقاويل تهدف الى إبعادكم عن الأعمال الجادة.
الغناء في الإذاعة والتلفزيون
يزعم البعض أنه إذا لم تقدم الإذاعة الغناء فإن الناس ستبحث عنه في مكان آخر، اتركوهم ليفعلوا ذلك إن شاؤوا، ولكن أنتم لاتلوثوا أيديكم به. فإذا كانت الإذاعة لاتبث الغناء، وراحوا يبحثون عنه في أماكن أخرى، فهل يعني هذا أن نقدم نحن الغناء لهم؟! أن نخون واجبنا؟! فهذا العمل خيانة للوطن، خيانة لشبابنا. ولهذا عليكم منع بث الغناء بشكل كامل، ووضع شيء آخر تعليمي مكانه. وعليكم السعي لجعل الشعب يتقبل هذه الأشياء تدريجياً، وجعلهم يقلعون عن عاداتهم الخبيثة هذه. وكما تشاهدون الآن فإن شبابنا إذا لم يجدوا الغناء فإنهم يبحثون عنه، لأنهم اعتادوا على هذه الأشياء، وهذا شاهد على أن شبابنا باتوا منحلين خلقياً، وعلى عاتقنا تقع وظيفة إعادة تأهيل هذا الجيل المنحل، ومنع تكرار هذه المأساة مرة ثانية، ويجب أخذ هذه الأمور بجدية تامة. كما أن الاختلاط بين الرجال والنساء على شاطئ البحر هو الآخر من الأمور التي كانوا يخططون لها. فلا أن يكون الناس جادين في وقاية أنفسهم من هذه الأمور، قوى الأمن والأجهزة الإدارية أيضاً يجب أن تبذل مابوسعها لمنع وقوع مثل هذه الأمور. وعلى الإذاعة أن توضح للشعب مخاطر هذه الأمور والفساد الكامن فيها.
الإذاعة والتلفزيون في خدمة التربية والتعليم
يجب أن تكون الإذاعة وسيلة لتربية وتعليم الشعب، إن باستطاعة الإذاعة والتلفزيون- أفضل من أي وسيلة أخرى- أن يربيا بلداً كاملًا، لأن طالب العلم والأمي معاً يستطيعان الاستفادة منهما، ولكن الوسائل الأخرى كالصحف والمجلات، فهي تخاطب فئة معينة من الناس وتأثيرها محدود، أما الإذاعة والتلفزيون فإن انتشارهما واسع وكما تقولون أنتم: أن إذاعتكم لديها أربعة ملايين مستمع، فجميع فئات الشعب تستطيع الآن أن تشاهد التلفزيون وتستمع الى الإذاعة، وأنتم تستطيعون خدمة هذا الشعب عن طريق السمع والبصر، بينما كانوا يخونونه في السابق عن طريق السمع والبصر. إن الإذاعة والتلفزيون هما أفضل الوسائل التعليمية، وبواسطتهما يتم ارتقاء الوسائل الأخرى، كما يمكن تربية جيل الشباب من خلالهما، لأن جميع الناس يتابعونهما، حتى القرى النائية من الممكن أن تصلها برامج الإذاعة والتلفزيون، ومن لم يستطع أن يمتلك جهازاً لنفسه، فإنه يستطيع أن يذهب إلى بيت صديقه لمتابعة برامج الإذاعة والتلفزيون.
على كل حال، لابد من ايجاد تحول في هاتين الوسيلتين، فإذا كنتم تريدون أن يكون وطنكم ملكاً لكم يجب أن تغيروا نهج سير الإذاعة والتلفزيون، لأنه إن لم يحدث ذلك، فكونوا على ثقة أن الأمور ستعود إلى ماكانت عليه في السابق وإذا لم يكن ذلك الآن، فسيكون بعد عدة سنوات أخرى، وسيعيش أبناؤكم وأحفادكم في زمن البؤس مرة أخرى.
فليوفقكم الله جميعاً، وإن شاء الله سيستفيق الشعب، وسيدرك الجميع مسؤولياتهم ومصالحهم، وسيكتشفون المكائد والدسائس التي وضعت في طريقهم ويعملوا على إبطالها بإذن الله تعالى.