بسم الله الرحمن الرحيم
وضع قوى الأمن في عهد النظام الطاغوتي
الفرق بين قوى الأمن في زمن النظام الطاغوتي مع قوى الأمن في النظام الإسلامي، هو أن تلك كانت تابعة لنظام قائم على المصالح الشخصية وحماية مصالح الأجانب المرتبطين بهم، ولهذا كانت مجبورة على خيانة الشعب، ونهب خيرات البلاد وإشباع أطماعهم وأطماع أسيادهم. ولهذا كان النظام يعمل على إعداد قوى أمن تحافظ على مصالحه وتحميه، ولأنه كان خائناً كان يخاف من الشعب، ولأنه يخاف من الشعب، أراد أن يصنع شيئاً لنفسه يخيف به الشعب، ولهذا فإن قوى الأمن التابعة لأنظمة غير توحيدية وغير إنسانية، التي هي بالأصل أنظمة خائنة وتخاف من الشعب، كانت تعمل على إخافة الشعب وسحقه، ولهذا السبب أيضاً كانوا يدربون الجيش على طريقتهم وكانوا يفصلونه عن الشعب لكي يحميهم من قوى الشعب ويسحقها إذا ثارت ضدهم، وكانوا يعملون ايضاً على فصل الشرطة عن الشعب ووضعها في مواجهته.
كل هذا لأن ذلك النظام كان يخاف من الشعب، وكان لايريد أن يكون هناك اتصال بين قوى الأمن وبين الشعب، وأن يكونوا على عداوة دائمة فيما بينهم، وكل واحد منهم يكنّ الكره والاحتقار للآخر. ليس فقط في إيران، وإنما في جميع البلدان ذات الأنظمة المشابهة، كانت علاقات الحقد والكره بين الشعب وقوى الأمن متبادلة، فالشعب يكره قوى الأمن، وهذه الأخيرة تريد قمع الشعب. وكل هذا لأن الحكام بحاجة لمن يحميهم من غضب الشعب، فقد قاموا بتربية قوى الأمن على هذا النحو لتقوم بحمايتهم. ولابد أنكم تعلمون أن محمد رضا عندما كان يريد أن يمر من أحد الشوارع كانت البيوت والمحلات التي تقع على جانبي الطريق توضع تحت المراقبة الشديدة قبل عدة أيام من مرور محمد رضا، فاما أنهم كانوا يخلون تلك البيوت أو يملأونها بعناصر الشرطة حتى يراقبوا كل شيء، لأنه كان يخاف من الشعب. ولأنه كان يخاف من الشعب كان يحاول إخافته دائماً. كان يخاف لأنه كان خائن. والخيانة هي التي تدفع الخائن إلى وضع كل قوى الأمن- التي يجب أن تكون في خدمة الشعب- في مواجهة الشعب.
وضع قوى الأمن في ظل النظام الإسلامي
أما النظام الإسلامي، فهو بعيد عن كل هذا تماماً، لأن من يصدر الأوامر ليس خائناً، ولأنه غير خائن لن يخشى الشعب، والشعب يكون وفياً له، ووظيفة قوى الأمن في هذا النظام هي حماية الشعب وخدمته. وعندما تكون قوى الأمن معدة في الأصل لخدمة الشعب، فهي مطيعة لأوامره، والشعب أيضاً يساندها لأنها تحميه. والسبب في أن الناس، في عهد الطاغوت عندما كانوا يسمعون اسم الشرطة تتراءى لهم إدارة المخابرات، كانوا يرتجفون من الخوف ويهربون لأن النظام هو من أراد خلق ذلك المناخ. وفي جميع الدول التي تسرق أنظمتها أموال الشعب وتسرق خزائنه لإشباع أطماعها وأطماع من أحضروها إلى السلطة، تضطر هذه الأنظمة إلى امتلاك قوى أمن بالشكل الذي تحدثنا عنه. وكل من كان يلتحق بسلك الشرطة أو الجيش أو حرس الحدود، كان عليه أن يكون على الشكل الذي يريده ذلك النظام قسراً. وكان عليهم أن يملأوا عقول هؤلاء الجنود بحب الشاه بشكل متواصل، وكل يوم كانوا يقحمون طاعة الشاه في عقول الجنود الشباب. ومن جهة أخرى، كانوا دائماً يسعون لفصل الشعب عن هؤلاء. كان الشعب وحيداً والشرطة لاتربطها بالشعب أي رابطة، إلاعندما يأخذون أحد أفراد الشعب ويشبعونه ضرباً وتعذيبا ويسجنوه وما إلى ذلك.
أسلوب تعامل قوى الأمن مع الشعب في ظل النظام الإسلامي
أنتم الآن تعيشون في ظل نظام إسلامي، يعني في ظلّ نظام لاتحاول فيه أي من فئات الشعب والشرطة وحرس الحدود والجيش فصل نفسها عن الآخرى، تعتبرون أنفسكم من الشعب، ويعتبرون أنفسهم منكم، يستقبلونكم بصدور رحبة. وعليكم أن تسعوا إلى ترسيخ هذه الصورة في أذهان الشعب من خلال عملكم. فمنكم من يناهز الخمسين عاماً ومنكم الشباب، ولكن الناس منذ خمسين وبضع سنين متشائمون من زيِّ رجال الشرطة، فمنذ أن عرفوا الشرطة، لم يعرفوا عنها إلا الاعتقالات والتعذيب والسجن وسرقة ماتجده في جيوب أفراد الشعب، والشيء نفسه ينطبق على الجيش وعلى حرس الحدود.
خمسون سنة وهذه الصورة مرسومة في أذهان الشعب. ولكن الآن قد تغير كل شيء في ظل النظام الإسلامي. فعليكم أن تبذلوا مابوسعكم لتغيير تلك الصورة المرسومة في أذهان الناس، قد يستغرق هذا وقتاً ولكن في النهاية ستنجحون، فمنذ خمسين سنة ومنذ أن فتح الناس عيونهم على الدنيا، كانت إدارة المخابرات تخيفهم، والشرطة تخيفهم والجيش يخيفهم وحرس الحدود يخيفهم، ولهذا فعليكم أن تعملوا من صميم قلوبكم حتى تتمكنوا من إقناع الناس أن اليوم غير الأمس.
فاليوم، الشعب الصديق قوى الأمن، صديق وأخ لجميع أفراد الجيش والشرطة. فهؤلاء يريدون حفظ النظام وحماية الشعب، وعندما يرى الشعب أن هؤلاء جادين في خدمته ورعايته، فإنه سيحبهم بصورة تلقائية. والإنسان دائماً يكن الحب والمودة لمن يدافع عنه وعن نظام بلاده. وعليكم بالسعي لترسيخ هذا الأساس الذي يقوم عليه نظام الجمهورية الإسلامية، والبرهنة على أن هذاالنظام نظاماً جماهيرياً حقاً، ويجب أن تكون قوى الأمن والشعب كما كانوا في صدر الإسلام، يعني أن تكون قوة قوى الأمن منبثقة من الشعب. ففي صدر الإسلام لم يكن كل من يصبح والياً على مدينة ما يبدأ بالسطو على أموال أهلها، ولكن هذا حدث في هذا الزمن فقط.
وأنا أتذكر- ولكن لاأدري بالضبط في أي وقت- عندما مان يتم اختيار شخص ما ليكون محافظاً لمحافظة آذربيجان مثلًا، كان عليه أن يدفع أجرة هذا التعيين عشرة آلاف أو خمسين ألف تومان مثلًا لمن قام بتعيينه. فلماذا يدفع كل هذا المال حتى يصبح محافظاً؟! إن هذا الذي يصبح محافظاً هو في الواقع يتبع من قام بتعيينه، وعليه أن يجمع أموالًا طائلة حتى يدفع الأجرة لرئيسه، ويبقى له مبلغ من المال أيضاً. لقد كانت الأوضاع هكذا مؤجر ومستأجر، ولأن آذربايجان كانت محافظة كبيرة فإن أجرتها مرتفعة. ولأن همدان محافظة صغيرة فإن أجرتها قليلة، ولكن في النهاية نظام المؤجر والمستأجر كان هو السائد الذي يتم تعيين المحافظ أو حاكم المدينة بموجبه.
ولكن هذا الوضع غير موجود في الإسلام أبداً، ففي صدر الإسلام وما بعده، كان كل شيء يتم حسب النظام، فالولاة كانوا يجلسون مع عامة الناس وكانوا أصدقاء لهم، يتحدثون مع بعضهم ويتباحثون في الأمور المهمة، ولهذا فإن جيشاً واحداً في ذلك الوقت- حتى أنه لا يمكننا أن نسميه جيشاً لقد كانوا مجموعة من العرب، بعضهم يحمل سيفاً وبعضهم يملك حصاناً- استطاع التغلب على أكبر إمبراطوريتين في ذلك الوقت الإمبراطورة الرومانية والفارسية. وعامل النصر، هو أن هؤلاء العرب كانوا يستمدون قوتهم من إيمانهم ومن شعبهم، ولم يكونوا يسعون وراء مصالحهم، بل كانوا يتطلعون الى خدمة الإسلام وشعبهم ولهذا استطاعوا الغلبة على هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين، ولأنهم كانوايريدون خدمة شعبهم، لم يخشوا قوّة عدوّهم. وأما عدوّهم فمع أنه كان قوياً جداً ويملك جيشاً جرّاراً وأسلحة كثيرة، وخيول وحتى أنّ سروج خيولهم كانت من ذهب، لكنه لم يكن يملك أي معنويات للقتال، ولهذا قام الروم في إحدى المعارك بتقييد أرجل جنودهم بسلاسل فيها أوتاد دقت في الأرض كي لايهربوا. كانوا يجرونهم بالسلاسل لكي يقاتلوا، وأما العرب فقد شهروا سيوفهم وانقضوا على عدوهم وأبادوهم عن بكرة أبيهم، وكانوا قلة وأسلحتهم وعتادهم الحربي قليل، حتى أنه لايمكننا تسميته بالعتاد الحربي، وإنما بضعة سيوف وبضعة خيول وبضعة جمال، ليس أكثر، وبعبارة أخرى، كانت عوامل النصر المادية ضعيفة جداً، ولكن معنوياتهم كانت مرتفعة وقوية وهي التي قادتهم إلى النصر.
وجوب تحلي قوى الأمن بالسلوك الإسلامي في تعاملهم مع الشعب
أنتم الآن تمثلون الشرطة في ظل حكومة الجمهورية الإسلامية. يجب أن يعلم هذا الجميع .. الجميع بدون استثناء يجب أن يعرف أنه يؤدي وظيفته في دولة إمام الزمان (سلام الله عليه) ودولة أمير المؤمنين (عليه السلام) والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). فنحن الآن نخدم الرسول والإسلام. ولايجب أن نتجبر على الشعب أو أن نستغل قوتنا لإذلاله، معتقدين أننا كل شيء وأنهم لاشيء. وإذا استطعتم أن تمنعوا أنفسكم من التسلط على الشعب، فعندها سوف يحبكم، وستكون قلوبكم مطمئنة، وعندما تعودون إلى منازلكم في المساء فإنكم ستنامون مرتاحي البال، دون أن ينغص حياتكم أي إحساس بالذنب. ولكن، إذا أردتم أن تكونوا نظاماً يبحث عن المشاكل، فاعلموا أن كل إنسان حتى الإنسان الظالم- كلّ حسب طباعه، فبعضهم يتحول من إنسان إلى حيوان- يحس بعذاب الضمير عندما يقوم بتعذيب الناس، فهذا شيء فطري جُبل الإنسان عليه. إن من يؤذي إنساناً فقد آذى نفسه أيضاً. ولكن في نظام الجمهورية الإسلامية، الجميع يعملون من صميم قلوبهم إن شاء الله. فكونوا قساة في التعامل مع عدوكم، ورحماء في التعامل مع شعبكم وأصدقائكم وعليكم تنفيذ الأمر الإلهي في الآية الكريمة: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) «1».
فليحفظكم الله جميعاً، ويسدد خطاكم لخدمة هذا البلد إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته