بسم الله الرحمن الرحيم
انحراف وسائل الاعلام العامة في عهد النظام البائد
كل ثورة تتبعها مثل هذه الاضطرابات والفوضى وهي غير خافية عليّ. وهذا الذي أشرتم اليه لم يكن بالأمر الذي أجهله، وهو لا يقتصر على منطقة دون أخرى، بل موجود في كل مكان. وما استطعنا فعله لحد الآن هو ازالة العقبة الكأداء التي كانت تعترض طريقنا والمتمثلة في النظام البائد. ويجب أن نعلم بأننا ورثنا بلد عانى من الاستبداد والظلم والاضطهاد طوال 2500 عام. وإذا ما غضضنا الطرف عن كل تلك السنوات الطويلة، فإننا- وأقصد نفسي- قد شهدت كيف أنهم سعوا بكل قدراتهم الى تدمير هذا البلد ومسخ هويته. دمروا الثقافة وشوهوا وسائل الاعلام وحرفوها عن أهدافها الحقيقية كالصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون وكل المؤسسات التي كان بوسعها ان تخدم هذا البلد وتعلّم ابناءه وتربيهم.
فالسينما على سبيل المثال يمكن ان تمارس دوراً تربوياً تعليمياً إذا ما تولى ادارتها شخص سليم الفطرة. وكذلك الاذاعة والتلفزيون ينبغي لها أن تؤدي دورها التثقيفي والتوعوي. وهكذا بالنسبة للمطبوعات والصحافة ووسائل الاعلام المقروءة التي يجب أن تعمل على توعية الشباب وتعليمهم وتربيتهم.
ولكن مع الأسف في الخمسين سنة ونيف الماضية أخذت وسائل الإعلام العامة على عاتقها مهمة نشر الفساد واشاعته. وهذا يعني أن الوسائل التي كان ينبغي أن تمارس مهامها في التوعية والتثقيف، قامت بنشاط تخريبي مدمر اشاع الاعلام المبتذل والصور الخليعة والموضوعات الهدامة التي تفوق في تأثيرها الصور المنحطة. وكان كل مركز من هذه المراكز الاعلامية، ومراكز البغاء التي اوجدوها بكثرة، يعمل على الهدم والتدمير بكل ما أوتي من قوة وبكل الوسائل المتاحة، وها نحن نرى عن كثب حصيلة جهودهم تلك.
الجميع مطالب بالعمل على ازالة المشاكل واصلاح الدمار
وهذا يعني أن الأجهزة التي خلّفها النظام البائد اجهزة فاسدة، وان اصلاح الاجهزة الفاسدة لا يتم في يوم وليلة، بل لابد من العمل الدؤوب والجهد والمثابرة كي يتسنى لنا اعادة اجهزة الدولة لممارسة دورها الطبيعي البناء. ويجب أن تعلموا بأن اصلاح هذه الخربة سوف يستغرق وقتاً وجهداً، ولا تتوقعوا بأنه بمجرد تحطيم هذا الحاجز الكبير ستنعمون بالجنة. إن هذا الجدار الذي حطمتموه كان بمثابة جدار جهنم وحينما تجتازونه سترون كل شيء قد دمر. فالنظام الشاهنشاهي كان قد عمل على نشر الفساد في هذا البلد ودمر البلاد تحت شعار تحقيق (الحضارة الكبرى) وباسم الاصلاحات وتصنيع البلد، وكانوا لا يكفون عن الدعاية لأباطيلهم وأراجيفهم هذه وجعلونا نغط في سبات عميق. وها هو هذا الجدار قد تحطم الآن، غير أننا عندما ننظر الى ما ورائه نجد بأننا لا نملك شيئاً، وإن كل ما هو موجود فاسد. لذا علينا ان نتآزر جميعاً ونعمل معاً لاصلاح هذا البلد واعادة اعماره. ولا تتوقعوا ان تقوم الحكومة باصلاح كل شيء، فالحكومة وحدها لا تستطيع ان تفعل ذلك. كما أنه ينبغي على كل فئة أن تبادر بنفسها واداء ما تستطيع فعله دون انتظار مبادرة الفئات الأخرى. فالجميع مكلف بالعمل على اعادة اعمار هذا البلد (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
إننا ندرك حجم الدمار الذي خلفه النظام البائد، ونعمل على اصلاحه بالتدريج، ولكن لا يمكن اصلاح كل شيء في يوم وليلة. لابد لنا من التقدم خطوة خطوة. ونحن ندرك أن الكثير من الأجهزة الحكومية التي ورثناها من النظام السابق لازال يعشعش فيها اعوان النظام والمنافقون الذين انتهزوا الفرصة، وإن هؤلاء المنحرفين يريدون حرف توجهات الثورة حيث يتظاهرون بمناصرة الإسلام، وفي الخفاء يعملون خلافاً للتوجهات الإسلامية.
الفصائل المنحرفة تخشى الإسلام وعلماءه
إن كل هذه الفصائل المتعددة بأشكالها المتنوعة، تتطلع الى هدف واحد وهو اقصاء الإسلام وعلمائه. وهذا قاسم مشترك بينهم جميعاً. إن هذه الجماعات الفاسدة تخشى من هاتين القوتين: الإسلام وعلماء الدين. فإذا ما دخل الإسلام بلداً ما فلا مكان لهؤلاء. غير ان هؤلاء يصرون على وجودهم. ولكن وجودهم مع قبول الإسلام، بيد أنهم يتصورون خطأ بأن الإسلام ينسجم مع توجهاتهم، ويتطلعون الى اشياء ليس بوسع الإسلام تحقيقها لهم. فالإسلام لا يستطيع ان يحقق رغباتهم في الحرية المطلقة. يريدون ان يكونوا احراراً في شرب الخمر ولعب الميسر ومزاولة الاعمال المنحطة. فهذه امور لا يسمح بها الإسلام. كما أنهم يخشون علماء الدين ايضاً، لأنهم هم الذين تصدوا لهم وفنّدوا إدعاءاتهم. رضا خان ايضاً كان يخشى علماء الدين، وكذلك ابنه، وقد سعيا الى افسادهم وتشويه صورتهم في انظار الناس.
ولكن ما الذي ينبغي لنا أن نفعله الآن؟ وربما ينبغي أن نبدأ بانفسنا. إذ أن كل الانظار متجهة اليك لتنتنظر منك زلّة كي يمكن استغلالها والتشهير بها واظهار علماء الدين بصورة مسيئة. إن أمثال هؤلاء كانوا قد تلقوا ضربة مهلكة من قبل أبناء الشعب وعلى يد علماء الدين. وهم الآن يتطلعون للانتقام، وإن أقصى ما يقدرون عليه هو تشويه صورة علماء الدين بين أبناء الشعب وفي انظار العالم.
ضرورة اهتمام علماء الدين بتهذيب انفسهم
وما ينبغي لنا فعله أولًا هو العمل على تهذيب انفسنا بنحو نستحق فيه اللقب الذي اطلقناه على انفسنا بأننا روحانيون. علينا أن نكون الهيين وروحانيين حقاً، ولنعرف انفسنا للعالم بأننا علماء دين ومربّو المجتمع. فإذا ما صدرت مخالفة- لا سمح الله- من علماء الدين في وقت ما، ما الذي سيحصل؟ سيحصل إذا ما تكررت المخالفات، هزيمة علماء الدين. ولا يخفى أن هزيمة علماء الدين تعني ضياع الإسلام. ذلك ان علماء الدين هم الذين حفظوا الإسلام وأوصلوه لنا، وهم الذين دوّنوا أحكامه ونشروا تعاليمه.
فأذا ما رأى الناس- لا سمح الله- منّا مخالفة، وبمرور الوقت تزداد هذه المخالفات، فإنه سيصل الأمر الى أن يرى الناس بأننا نسير خلافاً لمسيرة الإسلام، وحينها سيديرون ظهورهم إلينا ويضيع الإسلام. لذا جعل الله تعالى هذا الامر واجباً علينا جميعاً، على كل واحد منا. واجب عيني يشمل الجميع. لذا ينبغي لنا مراقبة تصرفاتنا والحرص على الدعم الشعبي لعلماء الدين. على كل واحد منا أن يعمل من موقعه. فإمام الجمعة يمارس دوره ويضطلع بمسؤوليته في المكان الذي يتواجد فيه. وكذلك طالب العلوم الدينية يمارس دوره في المدرسة التي يتواجد فيها ويحرص على تهذيب نفسه ليكون انموذجاً لغيره. إننا نتحمل مسؤولية جسيمة في ترجمة السلوك والخلق الإسلامي وما أمرنا به الإسلام، كي يتسنى لنا اقامة النظام الإسلامي والإنساني المنشود. علينا أن نعرّف الإسلام بسلوكنا وتصرفاتنا، وأن نحرص على تهذيب انفسنا وتربية من هم حولنا تربية اسلامية.
وعلينا أن نعلم جميعاً بأن الأوضاع المتردية لا يمكن اصلاحها بهذه السرعة وهي بحاجة الى جهد ووقت كبيرين. وإنني آمل أن نتعاون معاً وأن نضع أيدينا في أيدي بعض ونعمل سوية. وقد استطعنا تحقيق الكثير بفضل تكاتفنا وتآزرنا. ونأمل أن تتواصل هذه الجهود، سائلًا الله تعالى أن يسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته