بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على العلم والجامعة وطلبة الجامعات، الذين هم مشعل طريق الهداية ودليل الناس الى السمو والسعادة والفضل والفضيلة.
السلام على الشباب المثابرين الذين يسعون بسلاح العلم الى عزة ورفعة البلد الإسلامي العزيز، ولا يتوانون عن أي جهد على طريق تحقيق الأهداف الانسانية- الإسلامية.
السلام على طلبة الجامعات والأساتذة الذين وقفوا بكل شجاعة وشهامة في مواجهة انواع الاستبداد وقاوموا الحرمان والتعذيب الروحي والجسدي طوال سنوات الكبت المتمادية ولم يستسلموا للقوى الشيطانية.
السلام على الأعزّاء الذين دافعوا عن النهضة الإسلامية وثورة الشعب الكبرى، وعن المحرومين والمستضعفين في اصعب الظروف. وواجهوا حملات وبطش جنود ابليس على مراكز العلم والأدب بكل شجاعة وتضحية وفداء.
وسلام على جميع فئات الطلبة من أطفال الابتدائية وشباب الثانوية والعلماء والاساتذة وطلبة الجامعات في مختلف انحاء البلاد، الذين جعلوا من مراكزهم العلمية المقدسة قلاعاً حصينة وخنادق جبارة لا تقهر، ودافعوا عن استقلال وحرية وطنهم العزيز، وحطموا المتاريس الشيطانية بدعم من الشعب العظيم، ودفنوا القتلة مصاصي الدماء.
أيها الاخوة والأخوات! يا أبناء الإسلام الأعزاء، انكم تقفون الآن حيث تفتح الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية ابوابها، على اعتاب مرحلة حساسة ومصيرية، وان اعداء الإسلام وسراق البلد يتطلعون عبر المؤامرات والحيل للتغلغل في هذا الحصن والمعقل العظيم الذي يعتبر أمل الأمة ونقطة ارتكاز مصير البلد، ومحاولة حرفكم عن طريقكم الذي هو طريق الحق وطريق المحرومين والمستضعفين، واشاعة الفوضى والشغب في مراكز العلم ليصدوكم عن أهدافكم. لذا أرى من الواجب التذكير ببعض الأمور اداءً لبعض دَيني تجاه الإسلام والطبقة المحرومة، واليكم أنتم أيها الاعزاء، والعمل ببعض مسؤولياتي تجاه الخالق والمخلوق:
التبعية الفكرية أخطر التبعيات
أولًا: كما أوضحت كراراً، أن أخطر أنواع تبعية الشعوب المستضعفة للقوى العظمى والمستكبرين، هي التبعية الفكرية والداخلية، لأن بقية التبعيات تنبع منها. وما لم يتحقق الاستقلال الفكري لشعب ما، لن يحقق استقلاله في الأبعاد الأخرى. وكي يتسنى لنا تحقيق الاستقلال الفكري والخروج من سجن التبعية للآخر، يجب أن نستيقظ من الغفلة التي فرضت على بعض فئات الشعب لاسيما العلماء والمفكرين والمثقفين، وأن نعي هويتنا ومفاخرنا ومآثرنا الوطنية والقومية والثقافية. إن من أكبر المصائب لشعبنا هذه التبعية الفكرية، حيث يتصورون ان كلّ شيء من الغرب، وأننا نفتقر لكل شيء، ولابد من استيراده من الخارج.
ينبغي لكم أيها الاساتذة والمثقفون وطلبة الجامعات والمعاهد، والكتاب والمفكرون والعلماء المحترمون، العمل على تنقية العقول من التبعية الفكرية هذه، وإنكم بهذه الخدمة الكبرى والقيمة تنقذون شعبكم وبلدكم.
تجاهل مثيري الفتن
ثانياً: مع افتتاح ابواب الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية والابتدائية، من الممكن ان يحاول بعض الاشخاص أو الجماعات، تحت عناوين ودعايات خادعة، اشاعة الفوضى والشغب وتعكير أجواء الجامعات، ومنع الطلبة من التوجه الى صفوفهم. أيها الجامعيون وطلبة المدارس الاعزاء! لا تعبأوا بهذه الدعايات وافسدوا عليهم مخططاتهم. وليعلموا أنهم انحرفوا عن مسير الشعب منذ اليوم الأول وساروا في مسير الطاغوت وابتعدوا عن الثورة الإسلامية، وكانوا يعملون ضد الثورة ويسعون لإسقاطها. لقد حاولوا منع الاستفتاء العام ومعارضة اكثرية الشعب المتفقة الآراء تقريباً. إنهم يعادون الشعب ومصالح البلد، ومن أذناب الشرق والغرب وبقايا النظام البائد. لا تستمعوا الى أقوالهم واحذروهم كما تحذرون الطاغوت والنظام الطاغوتي.
اتحاد الجمعيات الطلابية رمز الانتصار
ثالثاً: ان الأمر الذي أشرت اليه مراراً، ويعتبر رمز الانتصار، هو اتحاد الجمعيات الطلابية وتشكيل تكتل اسلامي- وطني في مقابل المنحرفين الذين يسعون الى نشر الفرقة بينكم وجرّكم، أنتم الشباب الأعزاء، الذين تعدون امل البلاد وأن سعادتها ورقيها مرهون بنشاطكم، الى الضياع ولا يدعوكم تخطون على طريق تقدم وازدهار البلد، وتكرسون وقتكم وجهدكم للعلم والأدب اللذين هما اساس التقدم والتحرر من الاستعمار والاستغلال الحديث والقديم. ويجب أن تعلموا بأن الاختلاف والفرقة هما أصل كل المصائب والقيود. ولا يخفى أن بعض العناصر الفاسدة من الممكن ان تتغلغل في أوساط شبابنا في الجامعات والمدارس وتنشر الفرقة بينهم، لذا ينبغي لشبابنا ان لا يغفلوا عن مؤامراتهم وأن يعملوا جادين على احباطها.
السعي للتعلّم والتخصص
رابعاً: عليكم أن تسعوا على طريق العلم والتخصص في الفروع المختلفة، وينبغي أن يكون ذلك اساس نشاط وفعاليات الطلاب الاعزاء وذلك لتوفير احتياجات البلد وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ومما يؤسف له أن النظام البائد عمل كل ما بوسعه لجعلنا مرتبطين بالاستعمار في كل شيء، وجعل شعبنا يمدّ يده الى الآخرين في كل ما يحتاج اليه. لذا عليكم- أيها الاعزاء- السعي للتخلص من هذه التبعية. ولا تغفلوا عن طاقاتكم البشرية وقدراتكم الايمانية، وتجنبوا الاعتماد على الاجانب. واحرصوا على استقلالكم في مختلف المجالات. ولا تهابوا الضجة التي يفتعلها الغرب والمتغربون، لأنّ الله تعالى معكم.
كيفية التعامل مع اتباع المدارس الأخرى
خامساً: إن الإسلام دين يستند الى البرهان ويعتمد المنطق، ولا يخشى حرية البيان والتعبير، ولا مما تقوله وتطرحه المدارس الفكرية الأخرى من الأفكار التي ثبت انحرافها وفسادها حتى بالنسبة لاتباعها ومفكريها. وينبغي لكم، أنتم أيها الجامعيون المحترمون، الابتعاد عن العنف والخشونة في مواجهة دعاة تلك المدارس وتجنب النقاش العقيم. بل جادلوهم بالتي هي احسن وادعوا علماء الإسلام وحاججوهم بالمنطق، وسيتضح لكم بأن أمثال هؤلاء يفتقرون الى الأدلة المنطقية. وإذا واجهوكم بالعربدة والضوضاء، اعرضوا عنهم وتجاهلوهم، لأن أحد أهدافهم هو أن يجروكم الى المشاجرة واستغلال ذلك لصالحهم. إننا نسمح لهم بالتعبير عن افكارهم بحرية تامة، ولكن لو شعرنا بالتآمر وعمليات تخريب، فسوف يكون لنا موقف آخر. اسأل الله تعالى ألّا تصل الأمور الى هذه المرحلة.
ضرورة احداث تغييرات جذرية في المراكز التعليمية
سادساً: إن احدى المسائل الهامة في جميع اجهزة الدولة وفي الجامعات والمدارس على وجه التحديد، تتمثل في احداث تغييرات اساسية في البرامج والمناهج الدراسية وأساليب التربية والتعليم، وذلك لانقاذ جهازنا الثقافي من التغرب والتعاليم الاستعمارية. لقد سعى الاجانب، لاسيما اميركا، في النصف الثاني من القرن الاخير، ولازالوا الى تجريد ثقافتنا وبرامجنا الثقافية والعلمية من محتواها الإسلامي والانساني والوطني، واستبدالها بثقافة استعمارية استبدادية.
إن الثقافة في عهد الطاغوت جرّت البلاد الى حافة الهاوية، وقد استجاب سبحانه وتعالى لاستغاثة هذا البلد الإسلامي وانقاذه؛ ولكن لن تتسنى امكانية التحول الفكري والروحي من دون تغييرات جذرية صحيحة وتحول ثقافي وعلمي. ولابد من السعي الشامل من مختلف الأطراف، الحكومة ورؤساء الجامعات والعاملين في الحقل الثقافي والجامعيين، لتحقيق الهدف المنشود، وإن شاء الله تعالى سوف نتخلص من التبعية وننقذ بلدنا العزيز.
ضرورة تطهير المراكز الثقافية والعلمية من العناصر الفاسدة
سابعاً: إن من القضايا المهمة والتي تعتبر بمثابة الارضية للاصلاحات، تطهير المراكز لاسيما المراكز الثقافية والعلمية. ولابد من مجالس تضم في عضويتها اشخاص يتسمون بالعلم والتدين والالتزام ومؤمنين بالثورة، تعمل بدعم ومساندة اساتذة الجامعات والمعلمين والجامعيين، على تطهير المراكز العلمية والتربوية من العناصر الفاسدة والمتخاذلة والموالية للنظام البائد، ذلك أنه مع وجود هذه العناصر التي تخدم الأجانب بشكل آلي وتلقائي، خاصة في المراكز العلمية والتربوية، لا نستطيع ان نحقق استقلالنا الفكري والذاتي، وبالتالي لا يتحقق الاستقلال في أي بعد من ابعادنا.
وحدة الحوزة والجامعة
ثامناً: إن المراكز العلمية والثقافية القديمة والجديدة، ورجال الدين والعلماء المثقفين وطلبة العلوم الدينية وطلاب الجامعة والمعاهد، قطبان حساسان وعقلان مفكران للمجتمع. وإن من مخططات الاجانب، السعي للفصل بين هذين القطبين وابتعادهما عن بعضهما وايجاد الفرقة بين هذين المركزين الحساسين المربين للانسان في الماضي والحاضر.
إن الفصل بين هذين المركزين وجعلهما في مواجهة بعضهما البعض وبالتالي احباط مساعيهما في التصدي للمستعمرين والمستثمرين، يعتبر من اعظم الفجائع في عصرنا الحاضر. الفاجعة التي تقودنا وبلدنا الى الضياع وتحطم شبابنا، الذين يعتبرون من الثروات الفذة لهذا البلد. إن هذه المؤامرة الشيطانية الطاغوتية، التي تنبهت لها الآن فئات الشعب المختلفة لاسيما العلماء الواعون، لابد من احباطها ودحرها بكل قوة، وفتح باب التفاهم والاتحاد على وجه السرعة. وباتحاد هذين القطبين المفكرين سيحقق بلدنا العزيز الازدهار الحقيقي والتقدم المنشود.
وعلى علماء الدين والاساتذة في هذين المركزين (الحوزة والجامعة) بذل مساعيهما لتعزيز وتوثيق الارتباط بين هاتين الفئتين العزيزتين. ويجب أن يعلموا أنه لا يمكن للجامعي ان يصل الى الاستقلال بدون عالم الدين ولا عالم الدين بدون الجامعي.
أعزائي! إذا كنتم تريدون الإسلام وتفكرون بمصالح البلد، فاستمعوا الى أوامر الله سبحانه وتعالى الذي يقول عز من قائل: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) «1». إن الاختلاف والنزاع يؤدي بكم الى الفشل ويسلب منكم القدرة، وتذهب عنكم صبغتكم وهيبتكم في المجتمعات البشرية (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) «2».
أسأل الله تعالى التوفيق للجميع، ونصرة الجمهورية الإسلامية في تحقيق أهدافها بنشر العدل والقسط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني