بسم الله الرحمن الرحيم
الأهمية البالغة للقضاء
في البداية لابد من الإشارة إلى الأهمية البالغة والمكانة الحساسة التي يحظى بها القضاء والعبء الثقيل المترتب على عاتق القضاة، ولدينا الكثير من الروايات التي تشير إلى هذا الأمر وتبين خطورته. فللقضاء ارتباط وثيق بأعراض الناس وممتلكاتهم ولايجوز التهاون فيه أبداً، ففضلًا عن المسؤولية الشرعية المترتبة على أصل القضية هنالك مسؤولية أعظم تتمثل بكونكم اليوم قضاة في جمهورية إسلامية وربما أدت أخطاؤكم إلى تشويه صورة الجمهورية الإسلامية. فكما تعلمون ان الكثير من المغرضين يتطلع اليوم لتشويه صورة النظام الإسلامي، ولو تزلزل العمل القضائي وخرج عن إطاره الصحيح ولو بشكل محدود، فإن الاضرار المترتبة على ذلك لا تقتصر على المحاكم والجمهورية الإسلامية فحسب بل تلحق الإسلام أيضاً. إذاً فالأمر لا يقتصر على ضرر شخصي وهو بحد ذاته غير مقبول أيضاً.
إنكم اليوم أمام مسؤولية كبيرة، فإما أن تساهموا في ابراز الصورة النورانية المشرقة للإسلام وإما أن تشوهوها من خلال اعطاء صورة مباينة لأصل الإسلام ومضمونه. وهذا ما سيدفع بالأعداء المتربصين لإغتنام الفرصة والإدعاء بأننا نعاني اليوم من سلطة العباءة والعمامة، كما عانينا سابقاً من سلطة النظام السابق. وبطبيعة الحال إن هؤلاء لن يتوقفوا عن كيل الاتهامات مهما حققتم من انجازات ونتائج ايجابية، ولذلك علينا أن لا نترك لهم مجالًا وحجة يستغلونها في حملتهم الشرسة هذه. إننا لا نخشى تصريحاتهم وكتاباتهم هذه، لأنها ردة فعل طبيعية لتعرض مصالحهم للخطر وفقدان المكانة التي كانوا يتمتعون بها، سواء من فرّ منهم إلى خارج البلاد أو من بقي في الداخل.
إنهم ماضون في اتهاماتهم هذه، ولكن ثمة فرقاً كبيراً بين أن تكون اتهامات واهية لا أساس لها، وبين أن يعتمدوا في ذلك على بعض الأخطاء التي ترتكب هنا وهناك، والتي يمكنهم من خلالها تصوير الأمر كما يشاؤون وصياغته بالشكل الذي يخدم مصالحهم. وقد رأيتم الضجة التي افتعلها هؤلاء لقيامكم بمحاسبة المجرمين على ما اقترفت أياديهم. طبعاً إن موقفهم هذا يعتبر ردة فعل طبيعية لفرد خسر كل ما يملك، ونحن لا نتوقع منهم أن يتحدثوا معنا بلهجة تصالحية، ومن الطبيعي أن يساند هؤلاء كل من نصيري «1» وهويدا «2» ومحمد رضا، الذين مهدوا لهم الطرق للنهب والسلب وكانوا جميعاً بمثابة عصابة واحدة. ومن الطبيعي أيضاً أن يحزن هؤلاء على نصيري وهويدا لما قدموه من خدمات وتسهيلات في مجال النهب والسرقة.
إننا اليوم أمام مسؤولية كبيرة وهي تجنب ارتكاب الأخطاء في السلك القضائي أو في جهاز الشرطة وغير ذلك، حتى لا يبني الأعداء اتهاماتهم على حجج ومسوغات ساهمنا نحن في خلقها وبذلك نكون قد سهلنا عليهم الأمر. علينا أن نسعى لتكون الدوائر الحكومية في الجمهورية الإسلامية إسلامية بكل ابعادها.
استقلالية القاضي
تعلمون جيداً أهمية القضاء وخطورته من الناحية الشرعية وإرتباطه الوثيق بكل ما يمس كرامة الإنسان ومنزلته، ولذا ينبغي التمتع بقدر كاف من الوعي والحذر والتريث والحزم. المجرم يجب أن ينال عقابه دون الإلتفات إلى أحد. وكما ذكرت سابقاً أعود وأقول إن وصلتكم توصية مني أو من أحد أتباعي فاضربوا بها عرض الحائط! لأن القاضي يجب أن يتمتع بإستقلالية تامة وحرية كاملة. لاتلتفتوا الى أي توصية مهما كان مصدرها. ينبغي أن يكون القاضي مستقلًا في إصدار أحكامه وعليه في الوقت ذاته أن يضع الله نصب عينيه، فمن خلال القلم الذي يحمله ربما نال من كرامة مسلم، وربما أحق الحق لآخر؛ وبشكل عام علينا أن نضع الله تبارك وتعالى نصب أعيننا في كل الأمور فهو ناظر إلينا وحاضر معنا دائماً.
ضرورة توخي الدقة في اقامة الحدود
بالنسبة للجرائم التي تدخل في دائرة عمل المحاكم الثورية والمتعلقة بالثورة بشكل أو بآخر، فأنتم المكلفون بكشفها والتحقيق فيها. ولكن هنالك أمور أخرى وضع لها الشرع حدوداً وقيدها بشروط صعبة كأن يشهد أربعة أفراد ممن يشتهرون بالعدالة بدخول الميل في المكحلة في باب الزنا مثلًا. إن المشيئة الإلهية هنا تهدف إلى عدم الكشف عن الأمور بسرعة للحفاظ على كرامة الأفراد واستقرار المجتمع، وإن كان الفرد مذنباً في الحقيقة. كما يفرض الشرع على القاضي أن لايلتفت إلى اقرار المجرم في البداية بل عليه أن ينصحه ويعظه ويبين له ان النتيجة المترتبة على اقراره هذا هي الرجم والقتل، ومن ثم يمهله فترة معينة فإن أقر ثانية وثالثة فلا يلتفت أيضاً إلى ذلك، ولكن عندما يقر للمرة الرابعة ينبغي إقامة الحد بإشراف حاكم الشرع المجتهد العادل بعيداً عن الفوضى.
لقد أرسل لي أحد علماء شيراز الافاضل رسالة يقول فيها أن المحاكم تقوم بإجراء حد الزنا على عجل دون الإلتفات للموازين والحدود الشرعية وأرى الآن وبحضور السادة الأفاضل، أن الفرصة مناسبة لتسليط الضوء على هذه القضية وعدم التهاون فيها. ينبغي أن لا تتهاونوا بهذه القضايا بحجة أنها لا ترتبط بالثورة، وعليكم الإلتزام بالموازين والمعايير التي جاء بها الشارع المقدس. ومن جهة أخرى يجب أن لا نتصور أنه بما أننا نعيش عهد الثورة، فإننا نملك الحق الكامل في جلد هذا واعتقال ذاك واعدام الآخر لا سمح الله. فالقضية هي قضية أعراض المسلمين التي يجب حفظها وعدم الالتفات إلى مزاعم واهية تنطلق من هنا وهناك، إذ يجب في البداية التحقق من عدالة الفرد وإن لم يكن كذلك فلا يعتنى بمزاعم عشرين فرداً مثله. يجب الإطمئنان من عدالة الفرد طبقاً للموازين الشرعية قبل القبول بشهادته.
بالنسبة لقضية الزنا هي قضية لا تظهر للعيان غالباً ولا تشاع بين الناس ولا يمكن التيقن منها ابداً، ولكن السرقة أمر آخر إذ من الممكن أن تشاع بين الناس ويعلم الجميع بالسارق. إذن ففي القضايا الأخلاقية تبقى الشهادة والاعتراف والإقرار هي الاصل، كما ينبغي عدم الالتفات إلى اقرار الشخص، والعمل على نصيحته ووعظه وبذل أقصى جهد ممكن للإمتناع عن إقامة الحد.
ضرورة تقيد افراد الشرطة بالموازين والضوابط
يجب ألّا تتوجه الشرطة إلى بيوت الناس كما تراه مناسباً إلا بأمر من المحكمة، فالدخول في حرز الناس أمر مخالف للشرع كما نصت عليه الموازين الشرعية. لا يحق إهانة الأفراد والنيل من كرامتهم أيّاً كانوا، بل يجب محاسبتهم على ما اقترفت أياديهم من ذنوب ولا داعي للإهانة والتعرض لأسرهم وأبنائهم. إننا نسعى لرفع راية الإسلام وليس أن ندفع البعض للقول بأن محاكم الطاغوت لم تكن تعامل الناس بهذه الطريقة والقسوة!
عليكم أيها القضاة التصدي للانتهاكات القانونية والشرعية وإن لم يكن بمقدوركم فعل ذلك فلا داعي لأن تكونوا قضاة أبداً عليكم الالتزام بالموازين والضوابط الشرعية وإلا فاتركوا هذه المسؤولية المهمة والشاقة. إن أهميتها البالغة هذه لا تأتي من كون القضاء مهم بحد ذاته فقط، فالقضاء في مجتمع لا يُستَهدفُ الإسلام فيه مهمٌ بحد ذاته ويجب أن يتمتع القاضي بصفة كذا وكذا. ولكن القضاء في محيط يُستَهدف فيه الإسلام أشد أهمية وأكثر صعوبة، فعلى جميع القضاة وأفراد الحرس والشرطة واللجان الثورية الالتزام بالموازين الشرعية ولا يحق لأحد التصرف بشكل تلقائي دون إذن من المحكمة كما لا يحق له بالتخلف عن الانصياع لهذا الأمر.
وضع حد للفوضى
يجب أن نتخلص من كافة أشكال الفوضى والتسيب، فالثورة يجب أن تستند إلى موازين الإسلام وضوابطه، إذ لا يحق لنا فعل كل ما نراه مناسباً بحجة الثورة والثورية. فهل يتغير الإسلام في عهد الثورة؟! كلا فالإسلام هو الإسلام دين أبدي لا يتغير.
لقد قضيتم على سلطة الطاغوت، واليوم أنتم عازمون على الامتثال للأحكام الإسلامية وإعلاء راية الإسلام في البلاد، لذا ينبغي التسلح بالدقة الكافية والدراية الكاملة في تطبيق الأحكام الإسلامية حتى لا تظلم أحداً أو نكيل الاتهامات إلى أناس أبرياء لأهداف شخصية.
وكما ترون فإن عصرنا هذا عصر الاتهام! ولا أدري ما الذي حدث حتى يتهم الناس بعضهم بعضاً بهذه الصورة! إنهم لا يعرفون ما جزاء اتهام المؤمن عند الله، ولا يعرفون ما هي الغيبة وأبعادها، ولا يعرفون أن هتك حرمة المؤمن هتك لحرمة الله تعالى .. إن هؤلاء يجهلون هذا، ويكيلون الإتهامات للأفراد والجماعات وحتى للأتقياء كما يحلو لهم! وهناك البعض ممن يقدم على توجيه الإتهامات بسبب خوفه وخشيته من بعض الشخصيات.
سعي الأعداء لإقصاء الأفراد المؤهلين واللائقين
عندما وصلت إلى هنا تصور البعض أني لا أعرف شيئاً عن الكثير من الأفراد، ولذلك شرعوا بتشويه صورة البعض كالدكتور يزدي «3» وبني صدر «4» وقطب زادة «5» الذين اعرفهم منذ عشرين سنة والذين اضطلعوا بدور نضالي ضد نظام الشاه من خارج البلاد. وبمجرد عودتهم إلى إيران راح البعض يهاجمهم ويتهمهم أنهم أميركيون! ومنهم من احتج بأن هؤلاء لا يلمون بالفارسية! وقد وجهت هذه التهمة إلى الدكتور يزدي بالأخص. لماذا يفعل البعض ذلك ولماذا يهاجمون الآخرين؟ لماذا يوجهون سهام حقدهم ضد شخص اعرفه منذ عشرين عاماً عن قرب وقد درس عندي واعرف عنه كل شيء؟ إنهم اليوم يهاجمون الدكتور بهشتي «6» لأنهم يخشون من تسلم الأفراد اللائقين لزمام الأمور. ولذلك فقد بدأوا عملية التشكيك بكل فرد لائق وربما وصل الدور إليكم أنتم أيضاً! أينما وجدوا شخصاً لائقاً أسرعوا لهتك حرمته وإقصائه. لقد أخبروني اليوم أن البعض يتحدث عن السيد بهشتي بالسوء وكأنهم يظنون أني لا أعرفه، مع أني أعرفه منذ عشرين عاماً. إن أمثال هؤلاء الأفراد أتقياء ومؤمنون ولو تم إقصاءهم لما تبقى من يمكن الإعتماد عليه.
إنهم يهاجمون اليوم كل عضو في الحكومة وفي الشورى وفي المحاكم واصبحت هذه الاتهامات أمراً طبيعياً يواجهها الكثيرون. يجب أن نمتنع عن ذلك ونحترز من الإتيان بعمل كهذا. ومما يؤسف له أن الكثير من شبابنا يتأثر بهذه المزاعم فوراً ويصدقون أن فلاناً أميركي أو بريطاني!
إنه مخطط شرير تمارسه أمريكا وبريطانيا يتمثل بتشويه سمعة الأفراد اللائقين من خلال الإدعاء بتبعيتهم لأمريكا وبريطانيا، وإن دل هذا على شيء فانما يدل على أن هؤلاء يدركون تماماً أنهم أفراد فاسدون ومنحرفون ويدركون تماماً نظرة الشعب إليهم.
اتهام علماء الدين بالتبعية
أتذكر جيداً أنه قبل ثلاثين أو أربعين عاماً كان رجل الدين يُتهم بإرتباطه بالبريطانيين ليتم طرده واقصاؤه! واليوم يتهم بعض الأفراد بإرتباطهم بأمريكا للسبب نفسه ويقوم الغرب عبر الخونة المنتشرين في البلاد بلصق تهمة الارتباط بأمريكا لتشويه صورة الافراد. وللأسف تلقى هذه الاتهامات ترجيحاً من قبل بعض السذج الذين يعملون على نشرها واشاعتها بين الناس، فعلى سبيل المثال يزعم البعض أن الدكتور يزدي والدكتور بهشتي قد ذهبا إلى فلان وطلبا من بختيار «7» أن يساندهما في أمر ما. مع أن مخالفة الدكتور يزدي لبختيار مشهورة جداً والسيد بهشتي لم يتحدث في حياته كلمة واحدة عن بختيار.
لماذا يتصرف المسلمون بهذا الشكل؟ ولماذا يهتكون حرمة الآخرين. لم أكن أود أن أذكر اسم أحد هنا، ولكن أرى من واجبي أن أدافع عن من يتعرض لسيل من
الاتهامات والأقاويل
الكاذبة الهادفة إلى تشويه صورته أمام الناس ومنعه من خدمة الإسلام والمسلمين وإنها لوظيفة شرعية بالنسبة لي أن أدافع عن مسلم دافع عن الإسلام طوال حياته وقدم تضحيات كبيرة في هذا الطريق. علماً أنّ هؤلاء لن يتوقفوا عند هذا الحد بل سيهاجمون الجميع وسيصل دورنا أيضاً! إنهم يحاولون تطويقنا وتجريدنا من أسلحتنا وإقصائنا فرداً فرداً وحينها من سيتبقى؟ ستبقى عصابة من المفسدين والفاسدين ليس إلا.
تحذير الشباب والشعب الإيراني
يجب على الشعب أن يتنبه إلى وجود بعض المفسدين ذوي النوايا السيئة، ويتصدى لهم. وعلى الشباب الجامعيين أن يحذروا الأفراد المفسدين الذين يعملون على تشويه صورة كل فرد لائق.
إن هؤلاء المفسدون يعملون كل ما في وسعهم لمنع هذه الثورة من بلوغ أهدافها والعودة بسفينة البلاد هذه إلى الدوامات السابقة. وعلى الجامعيين وبقية أفراد الشعب أن يدركوا ذلك ويلتفتوا إليه جيداً.
آمل أن يعجز المفسدون من التأثير على مسيرتنا الثورية وأن يتمكن السادة العلماء وكافة شرائح المجتمع وبالأخص المحاكم من مواجهة هؤلاء ووضع حد لدسائسهم. كما أتمنى أن يتم نشر الإسلام وترسيخ أحكامه كما أراد الله سبحانه وتعالى.
أهمية المحكمة الخاصة بعلماء الدين
وحده الله سبحانه وتعالى يعلم شدة تنفري من رجال الدين الفاسدين وتشددي معهم أكثر بكثير من الفئات الأخرى. فعضو السافاك عندي اكثر احتراماً من رجل الدين الفاسد! والله يعلم أن الهدف من تشكيل المحكمة الخاصة بعلماء الدين ليست للدفاع عنهم بل لمحاسبة كل من يحاول أن يمس كرامة الأفراد اللائقين ويشوه صورتهم، وقد أراد السادة أن تكون هناك محكمة خاصة بهم لأنهم أدرى ببعضهم البعض. وفي الحقيقة لا فرق بين هؤلاء وبين الآخرين. الفرق الوحيد هو أن خباثتهم وتصرفاتهم الشيطانية أشد من الآخرين بكثير. والإسلام يتضرر من العالم الفاسد اكثر بكثير من الضرر الذي يلحقه محمد رضا به! وقد ورد في الحديث أن أهل جهنم سيعانون يوم القيامة من الرائحة النتنة للعالم الفاسد. وفي هذه الدنيا يعاني البعض من هذه الرائحة أيضاً.
إننا لسنا مع العمامة بل مع الإسلام الذي يرفع من شأننا وعزتنا. إن خيانة المعمم للإسلام أشد وأشنع بكثير من خيانة غير المعمم لأن ضرر الأول اكثر بكثير من ضرر الثاني.
إذاً لا يوجد هدف خاص من تشكيل محكمة خاصة بالمعممين ولا فرق عندي إن نظر بأمرهم في المحاكم العامة أو لا.