بسم الله الرحمن الرحيم
الشهادة، هدية الهية
ما كان قد مضى، والسعداء هم الذين أدّوا تكليفهم، سواء داخل السجون أو تحت التعذيب، أو خارجها. لا بد من الاستعداد للمصائب الواحدة تلو الأخرى. لقد فجرتم ثورة وحطمتم سداًّ قل نظيره في الدنيا. أتتوقعون بعد تحطيمكم هذا السد وقطع أيادي القوى الكبرى عن خيراتكم وثرواتكم، وفرار الخائنين من البلاد. أن تمر الأمور بهذه البساطة. علينا أن نهيء أنفسنا لتقديم المزيد من الشهداء، كما قدمنا ليلة البارحة أحد الأعزاء، المرحوم السيد قاضي «1»- رحمه الله- وكنا قد قدّمنا قبله الكثيرين، وسنقدم بعده آخرين. لكن دماء الشهداء يجب أن تزيدكم عزماً واصراراً، فأنتم تسيرون على دربٍ استشهد في سبيله الكثير من الرجال العظام، انه درب الإسلام. انكم ثرتم لأجل الإسلام، لأجل الحق، والذي يثور لأجل الحق ولاجل الإسلام يرخص لديه كل شيء. ان الشهادة هدية ربانية يمنحها سبحانه وتعالى لمن يليق بها. واثر كل شهادة يجب أن نزداد عزماً وقوة.
الاغتيال، دليل على هزيمة أعداد الثورة
ليعلم هؤلاء أن هذه الأعمال الجبانة التي يقترفونها لن تعيد لهم الأوضاع السابقة، بل هي دليل على هزيمتهم واندحارهم، فلو كانوا أقوياء حقاً لنزلوا إلى ساحات المواجهة، فطوال الفترة السابقة كانوا حاضرين في الساحة، وكنتم أنتم لهم بالمرصاد ووجّه لهم شعبنا ضربات موجعة، وما هذه القلاقل الخفية التي يثيرونها هنا وهناك والسرقات والاغتيالات التي يرتكبونها، إلا دليل على يأسهم وهزيمتهم. فحافظوا على رباطة جأشكم ولا تخشوا عمليات الاغتيال الجبانة هذه، وواصلوا تقدمكم على طريق تحقيق كل الأهداف التي انتفضتم من اجلها وحطمتم عرش الطاغوت.
السعي الشامل لتحقيق الإسلام
حافظوا على حضوركم الشجاع في الساحة، وامضوا بهذه الثورة إلى الأمام حتى تطبيق الإسلام باحكامه الراقية، ويصبح بلدنا بلداً اسلامياً بمعنى الكلمة، أي حتى يصبح كل ما فيه اسلامياً: الحكومة والوزارات والمؤسسات والدوائر والجامعات والاسواق وكل شيء. علينا السعي في سبيل هذا الهدف الذي سعى لأجله الأنبياء. علينا أن نتابع خطاهم، ونسير بالمدرسة التي أسّسوها إلى الأمام، لتصبح هذه البلاد- بإذن الله- قدوة للبلدان الإسلامية، بل للدول المستضعفة والأسيرة للمستكبرين. وآمل أن توفقوا في الأعمال التي تنجزونها سواء في جهاد البناء، او الحرس او المحاكم وفي كل مكان، وليكن عملكم لله.
إن ما تقومون به من عمل انساني- اسلامي هو لله. فإن استطعتم انجازه فقد حققتم المبتغى والأجر معاً، وان لم تستطيعوا! أنتم الرابحون أيضاً. فالعمل لله ليس فيه خسران أبداً. أما العاملون للدنيا فهم في خسران سواء حققوا ما يريدونه ام لم يحققوه. فالذين يقومون لله، ويعملون من أجله: ثورتهم وقيامهم وعملهم كلّه لله، لا يُهزمون أبداً، حتى وان هزموا بحسب الظاهر، ففي الحقيقة هم الرابحون، لأنهم يعملون لله والذي يعمل لله لا يخسر أبداً لأن مسألة الربح والخسارة الحقيقية ليست في هذه الدنيا، وانما في ذلك العالم الآخر.
طبعاً الحكومة والمحافظون مكلّفون بمتابعة الأمور، وتوفير احتياجات الشباب العاملين في جهاد البناء وسائر المؤسسات الأخرى. وكما يتوجب على الحكومة عدم التهاون في ذلك، يتوجب عليهم هم أيضاً أن يعملوا، جميعنا موظفون بالعمل على ادارة هذه البلاد والتي أخرجناها من مخالب المستعمرين، والنهوض بها على طريق الاستقلال والحرية والرخاء.
أكثر الأمور مرارة عند الإنسان
من اكثر الأشياء مرارة عند الإنسان أن يعيش الحاجة إلى عدوه. تارة يحتاج الإنسان إلى أخيه، وهذا أيضاً ليس بجيد، ولكن أن يعيش الاحتياج إلى عدوه، فيمد يده طالباً القمح والخبز ومقومات الحياة ممن استضعفه وارتكب بحقه انواع الجرائم وقضى على كل ما عنده، فهذا حقاً من اكثر الأمور مرارة عند الإنسان. لذا على شعبنا أن يصل إلى مرحلة يشعر فيها بالعار من أن يطلب قمحه او مستشاريه من امريكا وامثالها. عليه أن ينهض بنفسه ويسعى لإنجاز أعماله وتأمين احتياجاته بنفسه. على جميع فئات الشعب أن يتعاونوا معاً على طريق تحقيق اكتفائهم الذاتي. فالفلاحون مطالبون بتطوير زراعتهم، وقد شهدت الزراعة هذه السنة تحسناً ملحوظاً في الانتاج، خصوصاً في قم وضواحيها، إذ ازداد الانتاج اربعة أضعاف ما كان عليه في السابق، ونأمل أن يكون الوضع في السنوات المقبلة على نحو نتمكن من تصدير الفائض. لا أن نمد يدنا إلى من استضعفنا وعذبنا ونقول له اعطنا قمحاً، أعطنا اخصائيين، فنعيش التبعية له في كل شيء.
شرط الاستقلال
ان الشرط الأساسي لأي بلد يريد الاستقلال، هو عدم الحاجة إلى الغير، فما دام كان محتاجاً فلا يمكنه أن يكون مستقلًا، فالحاجة بحد ذاتها نوع من التبعية. فإذا ما امتنع يوماً عن تزويدنا بما نحتاجه، فسنضطر عندها للاستسلام له ولإرادته. لذا لابد لنا من العمل على نحو نصبح معه مستقلين ولا نعيش الحاجة للغير. وذلك بأن يعمل جامعيونا على نحو يوفرون معه للبلاد كل ما تحتاجه من كفاءات واختصاصات، فإنه من العار على أمة، قام الطب في أوروبا على كتب أطبائها، أن تبعث مرضاها ليعالجوا عند أعدائها، عند الذين آووا عدوها الأكبر وأمنوا له الحماية والدعم، ويسمحون له بإدامة التآمر من هناك. إنه من العار أن نبعث بمرضانا إلى أميركا ولندن. علينا أن نربي أطباءنا في بلادنا، لا تيأسوا، ولا تتصورا بأنكم عاجزون عن ذلك، فمثل هذا ضعف وانهزام. لقد كان الكثيرون يرون مقارعة القوى الكبرى ومواجهتها، أو القضاء على النظام السابق، أمراً مستحيلًا وغير ممكن. وكانوا يدعوننا لاتباع الحل السلمي والتفاوضي مع النظام. ولكنكم شاهدتم بأم أعينكم كيف أن الشعب اذا أراد شيئاً تحقق له ما يريد، فالله معه ويرعاه.
واليوم أيضاً يقولون بأننا لا نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي. لا أبداً، بل نستطيع، وما علينا سوى أن نشمر عن ساعد الجد، وعندها ترون كيف يتحقق. من الآن فصاعداً، كل ما نحتاجه من اختصاصات وكفاءات: اطباء، مهندسين، فنيين .. يجب أن يتم إعدادها في الداخل، فقد حان الوقت لأن نعتمد على أنفسنا ونستفيد من أدمغتنا. عليكم الآن وكخطوة أولى، أن تنمّوا قدراتكم وكفاءاتكم، لأن ادارة البلاد ستكون من مهمتكم، فأنجزوا أعمالكم بهمة واخلاص ولا تهتموا كثيراً لمسألة تعاون الدوائر الأخرى معكم. لأنكم تعملون لله. طبعاً يجب على هؤلاء أن يفعلوا ذلك، ولكن اذا ما حصل في وقت من الأوقات تقصير او خلل في ذلك، فلا تسمحوا للخوف او اليأس أن يفترسكم، فأنتم أقوياء وقادرون على العمل بمفردكم.
أفضل التوفيق
اسأل الله تعالى التوفيق لنا جميعاً للعمل من أجله، ليكون عملنا خال من الخسران، انه لتوفيق عظيم أن نعمل على نحو تكون معه جميع أعمالنا لأجل الله. فالعمل على خدمة الشعب هو خدمة لله. والعمل على خدمة بلادكم هو خدمة لله، لأن بلدنا بلد اسلامي، والعمل على خدمته بأن نغنيه عن الحاجة إلى الاجانب، وهي من أجلّ الخدمات، انها خدمة الهية. وعندما يكون العمل لله، فلا تهابوا أحداً. لأن الله معكم ويرعاكم، ومن معه الله، لا يهاب أي شيء. أسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً ويسدد خطاكم، واذا كان عندكم أي سؤال، فيمكنكم كتابته، لأنه لم يعد لدي وقت للتحدث اكثر من ذلك.