بسم الله الرحمن الرحيم
الشوق لزيارة ثامن الحجج (ع)
كم أتوق لتقبيل ضريح الامام علي بن موسى (ع). لقد تفضل كثيرون بدعوتي لزيارة خراسان، وأعدهم أني سأتشرف بهذه الزيارة إذا سنحت الفرصة، ولكن كما تعلمون هنالك الكثير من المشاكل، إضافة إلى أن تنقلي ليس باليسير عليّ ولذلك اعتذر عن تلبية الدعوة في الوقت الحاضر. وأسألكم الدعاء ليوفقني الله لزيارة الامام الرضا (ع).
الإسلام شوكة في عيون أعداء الثورة
لقد تحول الإسلام إلى شوكة في عيون أولئك الذين كانوا يعارضونه منذ البداية. فقبل الثورة ونظراً للنظام الطاغوتي المتجبر، لم يروق لهم التحدث عن الإسلام. ولكن بعد زوال الحكومة الطاغوتية وإلى الأبد، وقيام نظام الجمهورية الإسلامية، هب المعارضون للحيلولة دون انتصار الإسلام في هذه البلاد.
إن حقدهم على الإسلام وراء معارضتهم لكم واختلافهم مع اللجان والمحاكم الثورية وعلماء الدين والحرس الثوري. لقد رأوا عن كثب كيف أن الإسلام قد بسط نفوذه في البلاد، وأن تعاليمه الراقية في طريقها للإنتشار إن شاء الله، فاستولى الخوف على قلوبهم وشعروا بدنو أجلهم، فانطلقوا لمواجهة الإسلام تحت واجهات ومسمّيات مختلفة بما فيها الإسلام نفسه، وكذلك تحت ستار العمل على خدمة الشعب، وكل ذلك للتصدي للإسلام ومواجهة الله عز وجل.
لا يدرك هؤلاء أنهم لو اتحدوا وتضامنوا لخدمة هذا الشعب لبلغت البلاد أهدافها سريعاً، ولو عارضوا مسير الشعب فلن يجنوا شيئاً سوى خلق بعض المشاكل ليس إلّا.
لو لم يحدث في كردستان ما حدث لكانت الآن تنعم بالاستقرار كبقية مناطق البلاد، ولكانت مسيرة التنمية والاعمار ماضية على يد أبناء المنطقة والحكومة والشعب أجمع، ولكن هؤلاء لا يريدون أن تنعم كردستان بالهدوء والإستقرار، وفي الحقيقة هم يعارضون الإسلام بالذات، لذا تراهم يثيرون الفوضى ويبثون الفتن هنا وهناك متنكرين بأقنعة مختلفة وكل ذلك لمحاربة الإسلام.
إنهم يعارضون الإسلام الحقيقي ويتطلعون إلى إسلام مشوه يتماشى مع مآربهم، من خلال التلاعب بالحقائق الإسلامية وبما جاء به رسول الله (ص) والتدخل في شؤون الوحي المنزل أيضاً!
النظرة الأحادية للإسلام
لقد أشرت إلى هذا الأمر مراراً عندما كنت في النجف وبعد ما أتيت إلى هنا، وهو أن مجتمعنا يعاني من وجود أفراد وعلماء ينظرون إلى الإسلام من بعد واحد. فالعرفاء يقبلون الإسلام، إلا انهم يرجعون كل الأمور والقضايا إلى المعاني العرفانية ولا يولون قضايا الساعة أي اهتمام. لدرجة أنهم إذا ما رأوا آية أو حديث عن الجهاد، أولوها إلى (جهاد النفس). انهم ينظرون إلى الإسلام نظرة أخرى ويفهمونه فهماً يفقده شموليته وتعدد أبعاده. طبعاً كان هؤلاء أناسٌ صالحين ولكن كانوا ينظرون إلى الإسلام من بعد واحد. ومؤخراً ابتلينا بفئة أخرى على العكس من الفئة السابقة بحيث ينكر أصحابها كل المعنويات ويتشبثون بالماديات! يدّعون الإسلام غير أن توحيدهم واعتقادهم بالبعثة والنبوة والامامة والمعاد يخالف تعاليم الإسلام تماماً، وان نشوء هذا النوع من التفكير لم يكن حديثاً بل يمتد إلى عشر أو خمس عشرة سنة مضت، أو إلى بدايات تأسيس الحوزة العلمية في قم. إن بعض هؤلاء وكانوا من المعممين قالوا لي مرة: لقد توصلنا إلى قناعة بأن المعاد والجزاء هما هذا العالم ذاته. والواضح أن عددهم قد زاد اليوم كثيراً.
عندما كنت في النجف جاءني رجل «1» من هذه الفئات ومكث عندي قرابة 20 أو 24 يوماً، وكان يحضر إليَّ في كل يوم، وفي إحدى المرات سمحت له بالتحدث ساعة أو اكثر، فتحدث عن القرآن ونهج البلاغة. ولكني شككت في أمره وتذكرت قصة المرحوم السيد عبد المجيد همداني حيث ينقل بأنه جاءه رجل يهودي في أحد الأيام وأسلم على يديه، وبعد مدة رأى السيد أن إسلام صاحبنا وايمانه قد أصبح اكثر من إسلام المسلمين أنفسهم! فاستدعاه ذات مرة وقال له: أتعرفني؟ قال: نعم إنك أحد العلماء. وهل تعلم أني من ذرية الرسول (ص)؟ وهل تعلم أن آبائي كانوا مسلمين؟ وأني عالم بين الناس؟ فأجاب: نعم أعرف كل هذا. ثم قال: هل تعرف نفسك؟ قال: نعم أنا ابن يهودي وقد أسلمت منذ مدة.
فقال له السيّد: انني اعجب لأمر وهو كيف أصبحت أكثر تديناً مني؟ وما الذي دفع بك لتظهر كل هذا التدين يفوق مما نحن عليه. سمعت بعدها أن ذلك الرجل توارى عن الأنظار ولم يره السيد ثانية. وتبين أنها حيلة كبرى لتحقيق بعض المآرب! أما بالنسبة لذلك الرجل الذي تحدث عن القرآن ونهج البلاغة فلقد لاحظت انحرافاً كبيراً في كلامه ولكني لم أكلمه بل استمعت إليه حتى النهاية لأفهم أي إنسان هو، وعندما اوضح بأنهم يريدون القيام بثورة مسلحة، أخبرته بأن الوقت غير مناسب وستقضون على قواتكم ولن تحققوا شيئاً.
ادعياء الإسلام
البعض يدعي الإسلام في يومنا هذا أكثر منكم، وهؤلاء لا يعنون الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص)، بل يعتقدون بإسلام آخر من صنع أنفسهم. فتراهم ينادون بالإسلام الذي يؤمنون به ويحرصون عليه، والبعض الآخر لا يعتقد بالإسلام اصلًا ولا بهذه الثورة، ولكنهم تحولوا اليوم إلى عناصر إسلامية وثورية أكثر من أصحاب الثورة الحقيقيين. الكل يزعم أنه كان ثورياً منذ البداية! وانه ذاق مرارة السجن والتعذيب ومارس دوراً نضالياً رائداً في زمن الطاغوت. حتى تسمياتهم تغيرت، فنراهم اليوم يطلقون على النظام البائد (نظام الطاغوت)! مع أنهم يضمرون في أعماقهم شيئاً آخر ويخافون من الإسلام بشدة، مع أن الإسلام دين يناسب الجميع ولكنهم مع هذا يخشونه.
طبعاً لا الإسلام ولا أي دين توحيدي آخر يتوافق مع تطلعات الخونة والأعداء. فالإسلام يعارض الخيانة والجريمة، ويعارض جرّ الشباب إلى الفساد تحت شعار التقدم والترقي والحضارة العظمى. إن هؤلاء يريدون أن يفعلوا بإسم الإسلام ما فعله ذلك الخائن باسم الحضارة العظمى والذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من دمار لا يمكن جبرانه! انهم كذلك يهدفون للقضاء على الإسلام بإسم الإسلام واستبداله بنظام مادي بحت. إذن فهؤلاء يروجون للمادية باسم الإسلام.
علينا اليوم أن نبين الإسلام بمعنوياته ومادياته، معنوياته التي تعلو على كافة المعنويات ومادياته الخالصة من الشوائب والإنحرافات، لنحقق بهمة الشباب والعلماء الأعزاء ما نصبو إليه. إن البعض يظن أن العلماء قد دخلوا في اللجان لأنهم لم يجدوا عملًا يشتغلون به!! كلا أيها الأخوة، فعلماؤنا يعملون بجدّ وإخلاص وعملهم الحقيقي ليس في اللجان ولكن الظروف، والشعور بالواجب، يحتم عليهم أن يفعلوا ذلك.
أهمية اللجان الثورية
يجب أن نحافظ على هذه اللجان ويخطئ كل من يدعو إلى غير ذلك. فبغياب اللجان الثورية والحرس والمحاكم لا يمكن لأحد أن يدير البلاد. فالعلماء والشباب هم الذين اداروا هذه البلاد بعد أن فر ذلك الخائن وترك وراءه كل هذا الدمار. وهم الذين عالجوا كل أشكال الفوضى والشغب. ولو لم يفعلوا ذلك لما تحقق شيء. وعليه فلا يحق لأحد مهاجمة هؤلاء وكيل التهم عليهم. لا بد من المحافظة على هذه اللجان وعلى الحرس والمحاكم الثورية. لا يحق للمؤسسة القضائية أن تعترض على هؤلاء، بل عليها أن تلتفت إلى عملها الذي يحتاج إلى الكثير من الاصلاح. إياكم والإعتراض على محاكمنا وحرسنا وعلمائنا في اللجان، إياكم وإهانة المسلمين والعلماء الأفاضل الذين يتفانون في خدمة الشعب والبلد أو اهانة الحرس أو اللجان الذين يسهرون على خدمة الوطن، لو لا هؤلاء لما كان بمقدوركم أن تتفوهوا بهذا الكلام الفارغ. لقد سعى هؤلاء لخلق جو من الحرية لتتمكنوا من خلاله عرض آرائكم ووجهات نظركم.
حافظوا على صلابتكم وقوتكم يا أهل خراسان فأنتم أقوياء والحمد لله. إن لديكم اليوم ملجأ اسلامياً يتمثل بحرم الإمام علي بن موسى (ع)، ومن يمتلك مكاناً كهذا ينبغي أن يكون قوياً. إن على جميع اللجان والمحاكم والعلماء أن يكونوا أقوياء ولا يعبأوا بالأقاويل والسموم التي ينشرها أعداء الإسلام هنا وهناك.
طبعاً هنالك الكثير من القضايا التي سأطرحها على الحكومة وأتمنى أن تحافظوا على قوتكم وايمانكم الذي تمكنتم من خلالهما من طرد الخونة، والقادرين بفضلهما اليوم على استئصال كل جذور الفساد المتعفنة.
حفظكم الله جميعاً ووفقكم لكل خير، وإني ادعو لكم. ويسرني أن ينادوني بخادم الشعب بدلًا من القائد. فنحن لم نأتِ للقيادة بل للخدمة، فالإسلام يفرض علينا أن نقدم الخدمة، وعلى الجميع من حرس وعلماء وخطباء ولجان، أن يتحدوا ويتعاونوا لإدارة هذه البلاد، فنحن أصحابها الحقيقيون وليس لأمريكا وبريطانيا أي حصة من خيراتها، فالبلاد بلادنا وخيراتها خيراتنا وعلينا أن نزرع الأرض ونجني ثمارها بأنفسنا. ايدكم الله تعالى.