بسم الله الرحمن الرحيم
قيام الشعب لاسترداد حقوقه
أيها الأخوة والأخوات مهما يكن تصوركم عن هذه الثورة، ومهما تكن الأفكار التي لقّنوكم بها، لكن ما أودّ قوله هو أن هذه الثورة جاءت بالنصر وستواصل تقدمها بتحقيق المزيد من الانتصارات. وليس هناك ما يدعو للقلق. لأن الشعب اذا أراد أمراً، وكان ذلك حقاً، سيحققه بالتأكيد. وقد ثار شعبنا وانتفض من أجل استرداد حقوقه، نهض للمطالبة بالحرية والاستقلال، ولأنه شعبٌ مسلم، فإنه يطالب بجمهورية اسلامية. لقد ثار للمطالبة بحقوقه في الاستقلال والحرية التي سلبته إياها القوى الكبرى لسنوات طويلة وفرضت عليه نظاماً ملكياً غير مشروع. والشعب اذا ما أراد أمراً فلن تستطيع أية قوة أن تعترض طريقه، ولهذا لم تُفلح تلك القوى بالإبقاء على نظام الشاه، ولم تفلح بقهر ارادة الشعب بالتخلص من استبداد هذا النظام والتحرر من أسر التبعية.
والآن نحن مستقلون أحرار، وباتت البلاد لكم، ولم يعد لأي من الشرق او الغرب او القوى الكبري موطئ قدم فيها ولن يكون. وبنفس القوة التي هزمتموهم وطردتموهم بها ستحفظون استقلالكم، وتحفظون حريتكم، وتصونون نظام الجمهورية الإسلامية. فلا تقلقوا أبداً، وإني اطمئنكم بأن شعبنا وبهذه الروحية التي وجدت فيه، وبثورته الشجاعة هذه، سيهزم قوى الاستكبار العالمي.
صمود الشعب أمام القوى الكبرى
فالقضية لم تكن مجرد قضية محمد رضا، حتى على فرض ذلك، تبقى قضية صعبة لما كان يمتلك من قوة شيطانية، ولكن القضية هي أمريكا والسوفييت والانجليز، بل قضية كل الدول التي كانت على علاقة بالشاه، إذ أنها كانت تعارضنا، إلا أن البعض كان يصرّح بذلك والبعض الآخر يتستر عليه. ومع أن كل الدول كانت في جانب، وأنتم في جانب، واستحالة انتصارنا وتحطيمنا لهذا السد حسب تقديرات المراقبين، لأننا لم نكن نملك شيئاً، وما ترونه الآن في أيديكم من أسلحة هي من غنائم الثورة، قبل ذلك لم يكن في أيديكم شيء في حين أن أولئك كانوا مسلحين ومجهزين بكل شيء، لكن هذه القلوب النورانية المفعمة بالايمان، ونداءات (الله اكبر) التي لا يمكن لأحد اعتراضها، وهذا الشعب، كل الشعب بصغاره وكباره، المنادي بالموت للشاه ونداءات الله اكبر، هذا السيل الشعبي الغاضب حطم كل السدود التي وضعوها في طريقه. فأنتم المنتصرون، لكنهم يحاولون تشويه صورة الثورة في انظاركم، مع أنكم راضين بإنتصاركم، وقد تحقق لكم ما كنتم تتمنونه.
الحرية، الاستقلال والجمهورية الإسلامية
ماذا كانت هذه النداءات؟! لقد كانت (الحرية، الاستقلال، الجمهورية الإسلامية)، وقد تحققت لكم الآن. كيف يدّعي هؤلاء البائسون بأننا لم نحقق شيئاً؟! إنهم وأمثالهم يريدون إضعافكم ونشر اليأس في نفوسكم، وإلا ما الذي كان يريده الشعب أن يتحقق؟ هل كنتم تطالبون بالخبز والمسكن؟ متى كان ذلك؟ انما اجتمعت كلمتكم، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالًا، على نداءٍ واحد (استقلال، حرية، جمهورية اسلامية) هذا ما كان يريده شعبنا وقد تحقق له. فكيف يدّعي هؤلاء بأن الثورة والجمهورية الإسلامية قامتا ولم نحصل على شيء. هل تعتبرون الحرية شيئاً قليلًا؟ إن حرية الإنسان من أعظم نعم هذا العالم، وهو مستعدٌ للتضحية بكل شيئ في سبيلها. لقد تحطم هذا السجن الكبير، السجن الذي كان يضم خمسة وثلاثين مليوناً، وأصبحتم أحراراً، ثم يأتي هؤلاء ليقولوا ان ثورتنا لم تحقق شيئاً!! إنهم يحقّرون شعبنا بهذا الكلام، ان كتّابنا يحقّرون الشعب عندما يدّعون أن الشعب قد ثار ولكن لم ينل شيئاً من ثورته. ان الشعب نال كل ما يريد، فالشعب لم يثور من أجل القمح والخبز والمسكن وغير ذلك، مع أنه سيحصل على ذلك إن شاء الله، وانما ثار من أجل الاستقلال والحرية وإقامة جمهورية اسلامية، وقد تحقق له ما يريد، وها هي الجمهورية الإسلامية، ولكن حتى يصبح كل ما فيها اسلاميا، يحتاج الأمر إلى وقت وإلى عمل متواصل.
الفرق بين سجناء النظام البائد وسجناء الثورة
يقول هؤلاء البائسون بأن الوضع الآن أسوأ مما كان عليه في عهد محمد رضا، لأن عدد السجناء السياسيين بات أكثر من قبل!!. اذهبوا وفتشوا كل إيران، فلن تجدوا سجيناً سياسياً واحداً لا يستحق السجن، نعم هناك سجناء سياسيون كما أنه في عهد النظام البائد كان هناك سجناء سياسيون، ولكن قايسوا بين السجناء في السابق والسجناء الآن، ففي ذلك الوقت كانت خيرة أبناء الإسلام وخيرة أبناء إيران في السجون وتحت التعذيب والظلم. أما الآن فقد باتت السجون مكاناً لأكثر الناس خيانة واجراماً. إنهم يعلمون هذا جيداً ولكنهم يريدون أن يخدعوا الناس ويتلاعبوا بعقول شبابنا. يكتبون بأن الوضع الآن لم يختلف عن السابق، في ذلك الوقت كان عندنا سجناء سياسيون، والآن هناك سجناء سياسيون. أولًا انهم يكذبون عندما يقولون بأن البلاد مليئة بالسجناء، وعلى فرض صحة ذلك، من هم السجناء؟ في ذلك الوقت كان السجناء من أمثال طالقاني وغيره من الشرفاء، أمّا اليوم فهم نصيري «1» وأمثاله من الخبثاء. فالجميع باتوا اليوم احراراً طلقاء وقد تخلصوا من نير الظلم والقهر. فقد بات بوسعنا أن نجلس ونتحدث إلى بعضنا البعض بحرية، وهو ما كان متعذراً آنذاك. الآن بات هؤلاء الاحرار طلقاء، والخونة في السجن. في ذلك الوقت كانت السجون تغص بالأحرار من خدام الشعب والإنسانية والإسلام، فيما كان الخونة طلقاء يستبدون ويظلمون. أمّا الآن فقد تحرر خدّام الشعب ومحبيه، وأودِع الخونة السجن. فهل حقاً لا يوجد هناك فرق بين الآن وذلك الوقت؟ أجل، ليس هناك فرق في نظرك أنت أيها الغافل عن كل شيء أو المطلع ولكنك تعيش الخيانة.
فالذي لا يفرّق بين طالقاني «2» ونصيري، لا فرق عنده أن يكون الطالقاني في السجن أو نصيري، بل يتمنى العكس، أن يكون الطالقاني في السجن ونصيري طليقاً. والآن وقد خرج هؤلاء لخدمة الشعب والبلد، وفرّ أولئك وتخفّى منهم من تخفّى، تقولون لا فرق بين اليوم والأمس. فمن الطبيعي أن لا يكون هناك فرق عندكم وأمثالكم كتاب المنشورات من اليساريين الذين يتمنون عودة النظام السابق لاشك ان الفرق كان ملموساً لديكم ولهذا رحتم تتأسفون على خروج هؤلاء الأحرار خدمة للشعب، وبقاء أولئك الخونة في السجن، وعلت أصواتكم بالتأوّه والحسرة عليهم. وراح كتابكم وجماعاتهم يتأسفون عليهم، كتأسف أمريكا على قتل نصيري وهويدا وأمثالهم. فهم جميعاً من طينة واحدة ولا فرق بينهم.
أيها الاخوة والاخوات، أيها الشباب، أعزائي، كونوا يداً واحدة وتأملوا جيداً فيما يقوله هؤلاء، تعرفوا على أهدافهم ونواياهم. ألا يدرك هؤلاء أن ما أرادته الجماهير قد تحقق، لو لم تتحقق لكنّا الآن تحت وطأة الحكم الشاهنشاهي، ولكانت أميركا مستمرة بالتحكم بنا، ولكنّا إما في النفي أو في غياهب السجن، ولاستمر نهب ثرواتنا وخيراتنا، ولكان الظالمون الآن مشتغلين بالجور والظلم. لكن كل ذلك قد زال، وتحققت ارادة الجماهير، وما تريده الجماهير يمكن معرفته من نداءاتها وشعاراتها في مسيراتها وتظاهراتها في الأزقة والشوارع وعلى أسطح المنازل. ولو تأملنا في نداءات الجماهير وشعاراتها، لما وجدناها انها ما كانت تخرج عن المطالبة بالاستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية. لم تكن تطالب بالخبز أو السكن. حتى سكان الاحياء الفقيرة لم يطالبوا بذلك، بل كل الأنظار كانت متجهة إلى هذه الأمور الثلاثة، وقد تحققت بحمد الله.
خدمات الجمهورية الإسلامية
من أين لنا بالجمهورية، ان كانت الثورة لم تحقق شيئاً؟ إنها حققت ما قامت من أجله. حققت الجمهورية الإسلامية، ولكن حتى يصبح كل ما فيها اسلامياً يحتاج الأمر إلى وقت، يحتاج إلى عمل، اذ من غير الممكن اصلاح ألفين وخمسمائة عام من الانحراف والدمار في ليلة وضحاها. أتتوقعون منا بين عشية وضحاها أن ننتشل هذه البلاد من قعر الفساد والتخلف ونوصلها إلى قمة الرقي والتقدّم، وقد عملوا طوال خمسين عاماً على تغذية أبنائها منذ أن يفتحوا أعينهم على الدنيا حتى يصبحوا طلاباً في الجامعات، أو عمالًا أو فلاحين أو موظفين ...، بأفكار باطلة وفاسدة. إضافة إلى دوائر النظام البائد ومؤسساته كانت تعمل على خلاف مصلحة البلد، ولخدمة المصالح الشخصية ومصالح الكبار، وكل ما قدموه لنا ولأبنائنا من علم وتربية وثقافة اتسم بالصبغة الاستعمارية التي لا تخدم غير مصالحهم. فأخطاء ومفاسد خمسين عاماً لا يمكن معالجتها بشكل فوري، وانما تحتاج المسألة إلى وقت. كما أننا لا نستطيع تخلية الدوائر دفعة واحدة وإلا تعذر عندها ادارة البلاد، بل لابد من العمل بالتدريج، واستبدال السيئين بالصالحين بشكل تدريجي دون أن تتعطل دوائر الدولة.
استقلال البلاد مرهون بالاستقلال الثقافي
ان كنتم تريدون الاستقلال لهذا البلد، لا بد من تغيير ثقافته الاستعمارية لتصبح ثقافة مستقلة. لا بد من تحرير العقول والأدمغة مما غذاها به الاستعمار وعملائه من أفكار، وما لم يتحقق ذلك لن نستطيع تحقيق النصر النهائي. لقد حققنا الخطوة الأولى ونالت الجماهير ما أرادته ونادت به، لقد اعطاها الله ذلك، ولكن لا يزال ينتظرنا الكثير.
إرادة الشعب تطبيق الإسلام
المطلب الآخر للجماهير، وهو مطلب كل مسلم وان لم يصرح به، يتمثل في اسلمة مرافق النظام ومؤسساته، بحيث تجد الإسلام ماثلًا اينما ذهبت: في الأسواق، في المعامل، في الدوائر الحكومية، في الزراعة وفي كل مكان. فكل مسلم يرى في الإسلام ديناً راقياً، يستوعب كل أبعاد الحياة، وأي بلاد يترعرع أبناؤها وشبانها على تعاليمه وتربيته، ترتقى في مدارج الكمال، فلا يبقى ذكرٌ للاستعمار والاستغلال، ولا للاستبداد الحكومي، ولا للرشاوي والوساطات. هذا ما نتطلع إليه ويتطلع إليه الشعب. وإنه لهراءٌ قولهم أن الثورة لم تأتِ بشيء ولم تحقق شيئاً. إنهم يعلمون جيداً ما حققته الثورة، ولكنهم يريدون إضعاف معنويات الجماهير وتثبيط عزيمتها. على شبابنا أن يلتفتوا لهكذا أمور، وأن يعرفوا هؤلاء الشياطين وما يوسوسون به، فإنهم الوسواس الخناس، وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، وعملاؤها المتغلغلون بين مختلف شرائح الشعب.
حفظكم الله جميعاً وأيدكم ووفقكم، كونوا يداً واحدة واقبلوني كخادمٍ لكم، فإني خادمُكم وسأبقى كذلك حتى النهاية.