اجرى المقابلة: خمسة من مراسلي الصحف الأوروبية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ الذي اتوقعه من المراسلين أن لايتدخلوا لتصحيح أقوالي بزعمهم. بل إنّ أرادوا أن ينشروها فلينشروه كما هي بلا نقيصة ولا زيادة ولا يتصرفوا فيها بإضافة ما يناسب آراءهم ولا يتأثروا بالدعايات المغرضة الصغيرة فلينشروا المسائل الإيرانية كما أذكرها دون تغيير.
سؤال: إننا نأتي من الدول الأوروبية الصغيرة ونحن أيضاً نعيش تحت ضغوط الإمبريالية الأمريكية. وأشكر لكم كثيراً السماح لنا بلقائكم، ولمخاطبتكم لهذه الدول. إنني اعتقد ان تدخل أمريكا في إيران، بدعوى المحافظة على أرواح الرهائن هو تهديد للسلام العالمي. فهل سماحة الإمام يعتقد أن الأمريكيين على استعداد لتحمل مسؤولية مواجهة خطر كهذا في سبيل المحافظة على المجرم محمد رضا، أو ان لديهم أغراضاً أخرى؟
الجواب: لا يبعد أن يكون لديهم أغراضهم الأخرى، لأننا لا نتوسم الشعور بحب الإنسانية عند كارتر وأولئك الذين هم على رأس الأمور، حتى يدفعه ذلك إلى الاحتفاظ بمحمد رضا، والدليل على ذلك هو أنهم لو كانوا محبين للإنسانية، لما أقدموا على حصار 35 مليون إنسان حصاراً اقتصادياً قاصدين بذلك أن يموت بزعمهم جميع هؤلاء من الجوع، ولما هددوا بالحرب التي تريق (بلا شك) دماءهم ودماءنا ودماء دول أخرى كثيرة. لذلك ارى الأمر لا علاقة له بحب الإنسانية بل هناك أمور أخرى، ولعل أقوى الاحتمالات أنهم يعلمون أنهم قد ارتكبوا بوسيلة هذا الإنسان الفاسد «1» جنايات كثيرة ولعل اكثر هذه الجنايات التي ارتكبها محمدرضا كانت سرية لا يعلم بها إلا هو ورؤساء أمريكا. فهي من الأسرار التي لم تطلع عليها أجهزة حكومتنا وحكومتهم. فهذا المقدار من الجرائم كان سراً لا يعلم به إلا رئيس أمريكا ومحمد رضا. فالذي أراه هو ان السيد كارتر يخاف من إفشاء هذه الأسرار.
فهو خائف الآن من أننا إذا حاكمنا محمدرضا فإنه إضافة إلى افتضاح جرائمه وإثباتها ستفتضح جرائم رؤساء أمريكا الذين آخرهم كارتر.
وكما أننا طلبنا بإصرار، وسنطلب بإستمرار محاكمة محمد رضا وفي النهاية سنحاكمه إن شاء الله تعالى، فإننا سنطالب بعد ذلك بمحاكمة رؤساء أمريكا الذين شاركوا في هذه الجنايات سواء الرئيس كارتر أو نيكسون أو جونسون «2» أو اي مسؤول كل مسئول آخر. إننا نطالب بمحاكمة هؤلاء جميعاً. وهذا هو الذي يخاف منه كارتر. إنه يخاف من إثبات جرائمه، ومن مواصلة تعقيبنا لهذا الأمر. وهذا يؤدي إلى فوات الفرصة التي يطمع فيها بإعتلاء منصب رئاسة الجمهورية مرة أخرى، ولذا يبذل قصارى جهوده لحل مسألة الرهائن. ولعلّه ما مرّ يوم لم تأتنا فيه رسالة، أو رسالتان أو ثلاث رسائل من مختلف دول العالم عن طريق وزارة الخارجية، يُطلب فيها منا أن نفرج عن الرهائن ونفعل كذا وكذا. واستناداً إلى كل ذلك لا أشك في أن هدف كارتر ليس حبّ الإنسانية. إنه الآن خائف مرعوب، ومن حقه أن يكون مرعوباً، لأنّ الخائن يكون خائفاً. ولقد كان يظن أنه بمناورة واحدة يستطيع أن يوجد لنفسه منزلة في أمريكا فإنه يعتقد أنه سينتخب رئيساً للجمهورية للدورة القادمة. هذا هو كل اعتقاده، وهو الأصل الذي يتمسك به المستعمرون. إنّ التجارب أثبتت لنا أن رؤساء القوى الاستعمارية ومن دونهم لا يهتمون بالشعوب حتى بشعوبهم لأنهم لا يهتمون إلا بمنافعهم الشخصية فلا يرون أحداً إلا أنفسهم، ولا يعملون إلا لما يعود عليهم بالمنفعة الشخصية. إنّ هؤلاء لا يهمهم شيء سوى أن يغتنموا الفرصة لاعتلاء منصب رئاسة الجمهورية عدة سنوات، ولو أدّى ذلك إلى هلاك جماعة من أبناء شعبهم، فلا يهتمون بالعالم او شعوب العالم، لذلك كله ذكرت رأيي في السيد كارتر فيما سبق.
ولقد حدثت لي قصة في باريس وهي أنّ احد المسؤولين الكبار حضر عندي وتحدث عن اضطراب وقع سابقاً في الصين لا أتذكر تفصيله. أنهم كانوا قلقين على ما سيحدث لسفارتهم هناك، فقال المترجم وهو يترجم حديث هذا المسئول: إنّنا لم نهتم بموظفي سفارتنا كإهتمامنا بالأثاث الخشبي الراقي والثمين الذي كان في السفارة. كنا نخاف أن يُنهب أو يُحطم. أما الموظفون فلم نفكر فيهم. هذا هو حال هؤلاء. إنّ هؤلاء الذين لم يتربوا تربية إسلامية ولم يُهذبوا تهذيباً صحيحا، ولم يعملوا بالأوامر السماوية، لا يرون إلا أنفسهم، لذلك يريدون جميع المنافع لأنفسهم. والسيد كارتر هو من اولئك الذين لم يتربوا تربية سماوية. وهل سمعتم بانه ذهب في هذه الأيام مرة إلى الكنيسة، ودعا للإفراج عن الرهائن، ودعاؤه هذا هو مثل دعاء محمدرضا بهلوي حينما كان يذهب إلى مدينة مشهد ويدعو. إنّ هؤلاء ينطبق عليهم المثل الذي قاله أحد حكمائنا وهو أبو عبيد الزاكاني «3» وهو: أبشروا فإنّ القط صار عابداً. هذه هي المسألة، واستناداً إلى ذلك كله لا نحتمل أن يكون الشعور بحب الإنسانية هو الذي دفع كارتر إلى تقديم خدمة لمحمد رضا، والاحتفاظ به وحمايته.
والأمر الآن بيد هذا الرجل كارتر. ونحن ننتظر لنرى كيف ينتخب طريقه؟ هل سينتخب طريق الحرب للوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية مرة أخرى، فيشعل بذلك نار الحرب في العالم ويجر بلاده إلى الدمار، ولا شك أنه سيهزم في هذه الحرب ولانتفاء احتمال انتصاره فيها؟ أم سينتخب طريق العقل والمنطق، ويعيد إلينا ذلك المجرم محمدرضا الذي استمر في الإجرام بحق شعبه أكثر من خمسين سنة، فقتل الشبّان ونهب ذخائر البلاد وثرواتها، وجرّ البلاد إلى الدمار. وإذا سلّمناه وأعاد إلينا أموالنا، فإننا على فرض أن يكون هؤلاء الرهائن مجرمين وهم مجرمون فعلًا ونحن نعتبرهم كذلك لكننا رغم ذلك سنعفو عنهم ونطلق سراحهم.
سؤال: الصحف الغربية تنشرتقارير كاذبة عن الدكتاتورية والاضطرابات في إيران. وانطلاقاً من أنكم بدأتم تخاطبون أوروبا أول مرة، فما هو جوابكم لهذه الأكاذيب؟
الجواب: إنكم تقرون أنّ الصحافة الغربية تكذب. وإنني آسف على حال الدول الغربية، لأننا مع كل هذا الضجيح الذي أثارته حول الحضارة الغربية وعنايتها بالإنسانية، نجد جهاز اتصالاتها الذي هو أهم الأجهزة ينشر أموراً لا واقع لها في إيران، ويبث عليها الدعايات، وإذا حدث أمر إيجابي فإن وسائل الأعلام الغربية تنشره على أنه أمر سلبي. فما هذه الدول التي وسائل إعلامها تعمل هكذا؟ فهل هذه الحرية التي منحتها هذه الدول لصحافتها وإعلامها حرية سالمة وصحيحة؟ كيف يسمحون لصحافتهم التي هي لسان الدولة وشرفها المرتبط بها أن تنشر الأراجيف، وتكتب الأكاذيب؟ إنهم يقولون: إنّ الدكتاتورية حاكمة في بلادنا، ففي أي مكان من بلادنا توجد الدكتاتورية؟ فليأتوا وليروا المسؤولين والشعب، وليرشدونا الى على مكان الدكتاتورية أين هي؟ ومن أي الأنواع هي؟ إن الجميع هنا يتعاملون بالحرية، وينجزون جميع الأعمال دون خطر.
ولقد أعلنا الحرية التامة للجميع، لكننا بعد خمسة أشهر رأينا الخائنين بالبلاد من جميع الجهات والأجنحة قد شرعوا بالتآمر ضد البلاد، وقد عثرنا في وكر التجسس الأمريكي على وثائق وملفات تثبت عمالة هؤلاء وإننا سننشر هذه الوثائق، نعم إننا سمحنا بالحرية المطلقة لجميع الأحزاب والجرائد والأقلام والخطب. لكننا سرعان ما إنتبهنا إلى وجود أيدٍ خارجية صهيونية وأمريكية تقف وراء تلك المؤامرات. فهؤلاء مستمرون في تآمرهم ويريدون ان يجروا البلاد إلى الدمار، لذلك فإنّ المحكمة، قد أغلقت بعض هذه الجرائد التي ثبتت عمالتها لأمريكا والصهيونية كما ثبت تآمرها، وذلك حتى تتم محاكمة أصحابها.
لكن يقال: هنا دكتاتورية، ما هي الدكتاتورية الموجودة هنا؟ حسنٌ، أنتم الذين جئتم الآن إلى إيران اذهبوا وطوفوا ولو قليلًا في أطراف البلاد، وانظروا هل ترون نوعاً من الدكتاتورية هنا؟ واما موضوع الاضطرابات فإنني أقول: إنّ الاضطرابات امر طبيعي لأنها الأمور التي تلازم تغيير نظام بنظام. فهذه فرنسا التي تدعي أنّ حضارتها هي من أرقى الحضارات هل كانت ثورتها ثورة بيضاء وسالمة كثورتنا؟ لقد قتل فيها عدد كثير من البشر وكذلك الأمر في الثورة الروسية التي ذهبت فيها ضحايا كثيرة، وهكذا بقية الثورات. إننا ندعي أن ثورتنا لا نظير لها في العالم وذلك لأنها ثورة إسلامية، ولأنها إسلامية شارك فيها جميع أبناء الشعب، لم تكن من هذا النوع الذي تأتي فيه حكومة لتطيح بحكومة أخرى، أو الذي يأتي فيه نظام ليسقط نظاماً آخر، لم يكن الأمر كذلك. بل الأمر هو أنه نهض شعب إسلامي اعتقد، وما زال يعتقد بالأخلاق الإنسانية والدين الإسلامي الحنيف، فطرد خصمه، وتغلّب عليه، وفي اليوم الذي تغلب فيه على خصمه كانت جميع المعسكرات والمطارات مفتوحة في حين أنّ عرف الثورات في العالم ان تغلق جميع المطارات وجميع الصحف والجرائد في يوم انتصار الثورة.
والآن نحن نسمع أنه حينما يحدث انقلاب في بعض الدول تتبعه ضغوط تضييق الخناق بشكل تام. لذلك ندعي أنّ ثورتنا لا نظير لها في العالم لأننا تابعون للإسلام المشتمل على قوانين شاملة لتنظيم الحياة الفاضلة، ونعمل بهذه القوانين. ولم تكن الثورات في بقية دول العالم بهذه الحالة من الأمن والأمان اللذين كانا بعد انتصار ثورتنا على قوة عظيمة، حتى إنّ أولئك العملاء الذين أجرموا ضد هذا الشعب لم يسحبوا في الشوارع، بل قبض عليهم وأودعوا السجن، وأخبرت أنهم يعاملون معاملة حسنة، وأرسلت من يتحقق هذا الأمر عن كثب، فأيد ذلك. هذا مع أنّ هؤلاء كانوا مجرمين حتى حوكموا، وثبت بعد المحاكمة أنّ هذا الرجل محمد رضا قد قتل كثيراً من أبناء الشعب، وخان الوطن كثيراً، وعندها لقي جزاءه المحتوم. وأما بقية طبقات الشعب، فهم في أماكنهم يعيشون حياتهم المعتادة، ولم يتعرض لهم أحد بسوء. ولا توجد في بلادنا اضطرابات مقلقة. والاضطرابات التي حصلت بعد الثورة هي أقل بكثير من الاضطرابات التي حصلت بعد الثورات في العالم. بل يمكن القول بعدم وجود اضطرابات. لكنّ جماعة من أذناب العهد البائد الذين لا يرو ق لهم أن تستمر حالة الاطمئنان يتلقون الأوامر والمساعدات من الخارج، وهم عدّة قليلة، ولسنا قلقين من وجودهم مطلقاً، وذلك لأنّ أساس إرادة الأمور بأيدينا، ونحن مسيطرون عليها. ولا قلق يشغل بالنا من هذه الجهة. وإذا أشيع أنّ البلاد مفتقرة إلى إقرار النظام، فاعلموا أنّ ذلك من الدعايات التي ينشرها أصحاب الجرائد العملاء الذين يتلقون أجورهم من الشاه، ويستلهمون ذلك من الدول المعادية الدائبة على نشر مثل هذه الأراجيف، وإلّا فالأمر ليس كذلك.
سؤال: بعض الأحزاب السياسية الإيرانية يعتقدون أنّ مجلس الخبراء دوّن الدستور استناداً إلى الأصول الإسلامية، ولم تؤخذ حقوقهم في القيام بأعمال سياسية في الاعتبار في المستقبل، فما هو رأي سماحة الإمام في ذلك؟
الإمام الخميني: إنّ بعض الأحزاب السياسية إمّا أنها لم تكلف نفسها عناء قراءة الدستور وبدأت تتكلم انطلاقاً من أغراضها الفاسدة، وإما أنها قرأت الدستور، لكنها تعمدت نشر الأكاذيب.
والمادة السادسة والعشرون من الدستور تنصّ على حرية الأحزاب والجمعيات والمؤسسات السياسية بشرط عدم التآمر، لأنّ التآمر خيانة للوطن والشعب والجمهورية الإسلامية. هذا هو نص الدستور. لكنّ المصيبة التي عانيناها منذ البداية هي أنّ بعض الأحزاب السياسية وبعض المنحرفين كانوا عند قيام الثورة مختبئين ومتهربين من النضال، لكن لماّ استمر الشعب في ثورته منادياً (الله أكبر)، ومطالباً بقيام الجمهورية الإسلامية ومقدّماً ضحاياً كثيرين مما أدى إلى انتصار الثورة الإسلامية، فوجئنا بظهور هؤلاء المنحرفين من مخابئهم وجحورهم، والتحق بهم من الخارج جماعة آخرون، فأخذوا يزدادون، وصاروا يُعرقلون مسيرة الثورة أينما استطاعوا ذلك حتى طالبوا بحذف كلمة (الإسلامية) من (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) والاكتفاء ب- (الجمهورية الإيرانية) بحجة أنّ كلمة (الإسلامية) غير مفيدة، في حين طالبت جماعة أخرى منهم بوضع كلمة (الديمقراطية) بمكان كلمة (الإسلامية)، كما طالبت جماعة ثالثة بإضافة كلمة (الديمقراطية) إلى كلمة (الإسلامية). هذا في الوقت الذي صوّت 2 ر 98 بالمئة من أبناء الشعب للجمهورية الإسلامية. لكنّ جماعة ممّن هم أدنى من الاثنين في المئة الباقية حاولوا أولًا منع الناس من التصويت، لكنهم بعد أن أخفقوا في ذلك، وصوّت الناس للجمهورية الإسلامية شرعوا يخلّون ويعرقلون المسيرة، واتخذ هؤلاء سياسة العمل المرحلي فبعد أن انتهت هذه المرحلة بالفشل، ورأوا الناس قد صوّتوا للجمهورية الإسلامية انتقلوا إلى المرحلة الثانية فسعوا إلى الحيلولة دون كتابة الدستور، ولما خابوا في ذلك ايضاً تحوّلوا إلى مرحلة ايجاد العراقيل، ثم لمّا بدأ الشعب بانتخاب وكلائه في مجلس الخبراء انتقل هؤلاء إلى تحرّي الآراء وبث السموم وتلويث الأجواء لكي يحولوا دون الانتخابات، لكنهم بعد أن باءوا بالخسران، وتم انتخاب مجلس الخبراء من قبل الشعب بأكثرية قاطعة شرع هؤلاء بإيجاد العراقيل والإشكالات على الخبراء أو على الأصول التي اعتمدوها، ولمّا لم يفلحوا في ذلك، ومرّ كل شيء بسلام، فرغ مجلس الخبراء من تدوين الدستور وتثبيته والآن تقرر أن يوضع الدستور للتصويت. وهذا يمثل ديمقراطية هي أرقى من جميع الديمقراطيات التي يدعيها العالم، إذ أجريت الانتخابات اولًا لانتخاب الخبراء، ثم أجري التصويت للدستور لكن هؤلاء الآن يصرون على وجود إشكالات في الدستور، وأحد اشكالاتهم أنهم يقولون: إنكم ترون أنه لم يبق شيء للاحزاب السياسية في المستقبل. إننا نريد أن نرى ماذا تريد الأحزاب السياسية والجمعيات أكثر من أن يقال لها: مارسوا أعمالكم بكل حرية، ولا أحد يسلبكم هذه الحرية؟ هل يريدون أن يقولوا: إنه لم يجعل لنا مجال إننا نشترط لذلك شرطاً هو أن يحتفظوا بوطنيتهم ولا يسيئوا إلى وطنيتنا.
إنّ هؤلاء السادة يريدون أن يسيئوا إلى وطنيتنا وجمهوريتنا الإسلامية، وإني أحذرهم من التآمر ضد الاسلام، إنهم يريدون ان يتأمروا على الاسلام بحجة أنه لم يجعل لهم مجال لممارسة نشاطاتهم. وإنّ الأمر الذي يفضح عمالة هؤلاء، ويطلعنا ويطلع الشعب على حقيقة أمرهم إنما هو الدستور الذي ينص على أنّ جميع الاحزاب والجمعيات والأقليات المذهبية والمؤسسات الإسلامية وغيرها، تتمتع بالحرية في ممارسة نشاطاتها بشرط الالتزام بعدم الاساءة إلى وطنيتنا. وإني أحذركم من السعي إلى تحطيم هذا الشعب وإبادته، ومن سلب وطنيتنا، ونقض جمهوريتنا الإسلامية، والدستور، والإسلام. وهذا الشرط الوطني هو الذي أزعج هؤلاء؛ لأنهم لا يريدون لشعبنا إلّا الدمار، وأنهم يريدون سلب الوطنية من النفوس، ويريدون تقسيم بلادنا. وذلك لأننا لم نمنحهم هذه الحرية، إنّهم يريدون نقض الدستور بعد أن صوّت له الشعب. فإن لم ينووا نقض الدستور، فإنهم يتمتعون بالحرية التي منحهم إياها الدستور نفسه. أما إذا أردتم أن تنقضوه فأعلنوا أنكم تريدون نقض وطنية البلاد، وأن تقتلعوا جذورها من نفوس الشعب، وتنقضوا الجمهورية الإسلامية ودستورها.
إنّ الجمهورية الإسلامية حظيت بما يقرب من إجماع آراء جميع ابناء الشعب وأنتم افراد قليلون ظهرتم الآن، وخرجتم من مخابئكم، أو جئتم من الخارج، وأكثركم من عملاء النظام السابق، وسوف تفتضحون واحداً بعد الآخر، وقد عثر على أسماء بعضكم في هذا الوكر الجاسوسي. فأكثر هؤلاء من هذا النمط (القماش). والمهم أنّ الدستور يصرح بأنّ الجميع يتمتعون بالحرية في حين أنّ هؤلاء يدعون أنهم لم يُمنحوها.
سؤال: إنّ الإسلام يشير دائماً إلى الله الرحيم، فهل تتصورون أنّ عدالة الخلق ستمسّ مصير الجواسيس الامريكيين قبل المحاكمة أو بعدها بالعفو والسماح؟
الإمام الخميني: الإسلام فيه العفو الذي يشمل موارد كثيرة وحدوده تطبق على المجرمين الذين ثبتت جرائمهم. فالإسلام يشتمل من جهة على العفو، ويشتمل من جهة أخرى على قوانين تقضي بإجراء الحد على المجرم ومجازاته، واستناداً إلى ذلك إذا كان هؤلاء الرهائن مجرمين وثبت إجرامهم فالقوانين الإسلامية عيّنت جزاءهم. لكن يجب على وليّ الأمر في بعض الأوقات أن يعفو إذا كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك. فإذا سلّمتنا امريكا مجرمنا محمد رضا مع جميع الأموال التي احتجزتها في مصارفها، فعلى فرض أن تثبت جرائم هؤلاء الرهائن، فإننا مخوّلون من قبل الشارع المقدس أن نعفو عنهم، ونستطيع أن نعفو عنهم.
سؤال: هل يرى سماحة الامام أنّ الشعوب العربية المؤمنة بالإسلام ستعاقب رؤساءها الذين يدعمون جرائم الامريكيين؟
الإمام الخميني: إننا نرغب كثيراً في أن تؤيدنا الدول العربية التي رأت وطننا خمسين عاماً- منها نيف وثلاثون سنة كانت في زمن محمد رضا- وهو يعاني الدمار، ويقتل شبانه قتلًا عاماً، وتُهدم بيوته بشكل غير إنساني، ويحطم اقتصاده، وتندثر ثقافته، فهذه الدول على اطلاع على كل ذلك، لذلك كنا نتوقع من الدول الإسلامية أن تؤيدنا في أخذ مجرم من مجرم آخر، إذ كنا نرغب في أن لا تقف الدول الإسلامية ورؤساؤها إلى جانب الظالم والمجرم الكبير، وأن لا تلتحق به، مع اطلاعهم على جرائمه. وأن يمتثلوا أمر الإسلام، فيقفوا إلى جانب المظلومين، ثم يعلنوا شكواهم ودعواهم على الظالمين، ليأتوا، وليروا ما حصل في بلادنا عن كثب، ليقفوا إلى جانبنا. إنهم مسلمون وإننا مسلمون أيضاً، وإنّ هذا المرء مجرم، والمجرم الأكبر هو كارتر الذي ما زال مستمراً في ظلمنا. فيجب على كل دولة إسلامية أن تحاسب نفسها، وتقول: إنني دولة إسلامية، والقرآن الكريم يحرّض على اتحاد المسلمين، وأن يكونوا يداً واحدة، وإخوة في الإيمان. فما لهم فقدوا شخصيتهم وعزتهم إزاء قوة واحدة، وقد أعلنوا موافقتهم لامريكا مع أنّ الإسلام يأمرهم بالوقوف إلى جانبنا؟ إنه يجب عليهم- أعني رؤساء الدول الإسلامية- أن يعلموا أنه يمكن أن يحدث لهم ما حدث لمحمد رضا وأن يواجهوا المصير نفسه. فالأفضل لهم أن يصغوا لنصيحتنا، ويقفوا إلى جانب شعبنا، ويدينوا امريكا ويستفيدوا من سلاح النفط الذي هو في أيديهم. فالدول الخارجية الاجنبية مفتقرة اليكم، وأنتم في غنى عنها، فلماذا تذلون أنفسكم للآخرين؟ والله تبارك وتعالى يقول: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) «4»، فالمؤمنون يجب أن يكونوا أعزة. فلماذا تذلون أنفسكم متأثرين بأمور خيالية، وهي أنه لا يمكن الوقوف بوجه الاستعمار، فلقد ذهب الزمان الذي لا يمكن فيه ذلك، إننا اليوم نستطيع أن نفعل ما نريد، لذلك إذا لم يرجع رؤساء الدول الإسلامية إلى امتثال أوامر الاسلام، فإنهم سيواجهون من شعوبهم ما واجهه محمد رضا من شعبنا.
سؤال: هل تتصورون أنّ أصحاب المذاهب والديانات الأخرى كالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذوكسية سيساعدونكم في نضالكم ضد التمييز الطبقي والظلم؟
الإمام الخميني: إن السيد البابا قد أرسل مبعوثاً إلى هنا، وفاوضنا في شأن الرهائن، وكان رأيه أن نفرج عن هؤلاء الجواسيس الذين كانوا يتجسسون في وكر الجاسوسية. وقد عرضنا على السيد البابا بعض المسائل، وشرحنا لمبعوثه الجرائم التي حدثت هنا، ويحتمل أنّ أخبارها لم تصل اليه صحيحة سالمة من التحريف، كما عاتبناه بأنك تعتبر نفسك أباً روحياً ونائباً عن المسيح عيسى، فيجب عليك أن تسلك كما كان المسيح يسلك، ولو كان المسيح حياً الآن لاحتمل السيد البابا وبقية رؤساء المذاهب أنه يلتحق بكارتر وبالملك المخلوع، ويترك هذا الشعب المظلوم.
إن السيد البابا أو سائر رؤساء الديانة المسيحية وغيرهم من بقية المذاهب (الديانات) كانوا يتساءلون أنه لو كان المسيح بيننا فهل يلتحق بجمع المظلومين أم بجمع الظالمين؟ إننا المظلومون الذين قتل شباننا خمسين سنة، ونهبت ثرواتنا، وسلبت ثقافتنا، وكان الكبت مسيطراً علينا، فكان كل شيء خاضعاً لسلطة هذا الأب وهذا الابن البائد. أما الآن فقد نهض شعبنا، وخلع الملك الذي آواه السيد كارتر؛ إذ أخذ مجرمنا واحتفظ به هناك. ونحن نطالبه بإعادة مجرمنا هذا، ثمّ إنّ هؤلاء الرهائن لم يثبت لدينا أنهم من الهيئة الدبلوماسية للسفارة، فالسفير والقائم بالأعمال ليسا معهم. والمهم أنه لم يثبت لدينا أنّ هؤلاء الرهائن من الهيئة الدبلوماسية للسفارة. بل اتضح لنا خلاف ذلك. إننا نعتقد أنّ هؤلاء العدة إنما جاؤوا إلى هنا للتجسس وتخريب البلاد. ولدينا شواهد كثيرة على ذلك في وكر التجسس. حسناً، لو فرضنا أنّ عيسى المسيح- سلام الله عليه- قد يشرفنا هنا وعرضنا عليه نفس المطالب التي قلناها للبابا لاهتم بكلامنا، ولما أيّد كارتر والملك. بل لأيد هذا الشعب المظلوم، فإذا كان اعتقاد البابا خلاف ذلك، فإنّ ذلك يعني أنّ المسيح يؤيد الظالم، وهذا خلاف دين المسيح، ليس هذا دين المسيح، لذلك فإنّ البابا لا يعتقد خلاف ذلك، والنتيجة التي نخرج بها هي أنّ النبي الكبير عيسى المسيح- سلام الله عليه- لو شرفنا بحضوره، هنا لأنقذ هذا الشعب المظلوم، ولرفع الدعوى على أعداء هذا الشعب المظلوم، لذلك وجب- الآن- على الروحانيين المسيحيين وعلى السيد البابا الذي اعتقد أنه نائب حضرة المسيح، وعلى بقية الروحانيين المعتقدين بالمسيح الذي اعتبروا أنفسهم روحانيي الديانة المسيحية، وتابعين للمسيح، على هؤلاء جميعاً أن يكونوا معنا خصوصاً بعد أن علموا أنّ المسيح لو كان في هذا الزمان لكان معنا.
فالقاعدة- حسب الديانة المسيحية، وحسب منزلة السيد المسيح- هي أنّ المقام الكبير والمنزلة العظيمة للسيد المسيح تقتضي الاعتراض على الظالم، ومنعه من الظلم. وأنتم روحانيو المسيحية، هذه هي وظيفة كل من يقتدي بالسيد المسيح خصوصاً أنتم روحانيو المسيحية والشعوب المسيحية، فهذه الشعوب يجب أن تقتدي بالسيد المسيح، إذ لم يعتقدوا أنّ حضرة المسيح- نعوذ بالله- يوافق على الظلم، ويخالف المظلوم، إنني لا أتصور أن يوجد مسيحي واحد يعتقد بذلك.
وإذا تم ذلك نقول للروحانيين المسيحيين وللشعب الامريكي والشعوب المسيحية ونسألهم: أنتم تعتقدون أنكم تقتدون بالسيد المسيح- سلام الله عليه- فلو فرضنا أنّ حضرة المسيح موجود هنا الآن، فهل تحتملون أنه يخالفنا، ويوافق كارتر؟ هل تحتملون ذلك؟ وهل تحتملون أنه إذا كان حضرة المسيح بمكان كارتر- نعوذ بالله- فإنه كان يفعل ما فعله كارتر؟! لقد قتلوا لحد الآن من شبابنا عدداً كثيراً، وألحقت الشرطة الأذى بنا، حتى إنهم أطلقوا الكلاب على شبابنا، فهل يحتمل الشعب المسيحي أنّ السيد المسيح يرضى بهذه الأعمال، أو أنهم لا يحتملون ذلك؟ فإذا كانوا يحتملون أنّ السيد المسيح يرضى بالظلم، فإنّ احتمالهم هذا يتنافى مع المسيحية، بل هو كفر بالسيد المسيح. إننا ننزه السيد المسيح عن هكذا احتمال. أما إذا كانوا لا يحتملون ذلك فيجب عليهم أن يكونوا معنا، وامتلاك كارتر للأسلحة والطائرات والدبابات والمدافع وأنواع القوة لا يجوز أن يكون سبباً لخوف الشعوب المسيحية والشعوب المسلمة ودولها. بل يجب أن يدفع ذلك رؤساءهم إلى الوقوف إلى جانبنا، والابتعاد عن كارتر سواء في ذلك المسيحية واليهودية والزرادشتية. ويجب أن تكونوا أنتم أيضاً معنا.
لقد قلنا للسيد البابا: إننا نرفع الدعوى اليكم، ونطلب منكم متابعة هذه الشكوى حتى حصول النتيجة. فإننا شعب مظلوم، ونرجو الاهتمام بمتابعة هذه الجرائم التي ارتكبها هؤلاء، وهذه الجنايات العظيمة التي يجنيها الآن كارتر بحقّنا.
ونقول هذا الكلام الذي قلناه للسيد البابا، لجميع مسيحيي العالم، ولجميع يهود العالم، ولجميع الزرادشتية في العالم، ولجميع المسلمين في العالم، إننا نقول لهؤلاء جميعاً: إنكم مسؤولون، لأنكم إذا صدقتكم مذاهبكم، وآمنتم برسلكم، فإنّ ذلك يقتضي أن تكونوا مع المظلومين، وأن تقفوا إلى جانبنا لا إلى جانب كارتر، لأنّ أنبياءكم ورسلكم كانوا يقفون دائماً إلى جانب المظلومين.
سؤال: ما هي سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الدول الاوروبية؟ وهل تعتقدون أنّ الدول الأوروبية تستطيع أن تنعش الاقتصاد الإيراني؟ وإذا كان جوابكم ايجابياً، فما هي شروط إيران لقبول هذه المساعدات؟
الإمام الخميني: إننا نريد أن تكون لنا علاقات ودية حسنة مع جميع شعوب العالم ودوله تقوم على اساس الاحترام المتبادل ما عدا الدول التي تعاملنا معاملة عدائية، وتريد أن تظلمنا، وتحاول السيطرة علينا، فإننا نرفض ذلك، ولن نسمح لأحد أن يتدخل في أمور بلادنا، ويتحكم فيها، كما كان يتحكم فيها في العهد البائد. فنحن- طبعاً- لا نستطيع أن نقيم علاقات ودية مع هؤلاء. أما الدول التي لها معنا علاقات حسنة، فلنا معها علاقات حسنة أيضاً. فإذا احتاجت هذه الدول إلى شيء نمتلكه نحن، واحتجنا نحن إلى شيء يمتلكونه هم، فلا مانع من التبادل، فمثلًا: إذا كان هؤلاء يحتاجون إلى النفط، ونحن نحتاج إلى أشياء محدودة، فهذا تبادل يمكن أن يحصل بشكل طبيعي بين الأفراد كما يمكن أن يحصل بين الدول. وأمر ذلك يعود- طبعاً- إلى مجلس الثورة، ثم إلى الحكومة.
والسلام عليكم ورحمة ولله وبركاته
قم
أدلة احتلال وكر التجسس الأمريكي -الدعايات الغربية الكاذبة - المؤامرات والعراقيل
جلد ۱۱ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۲۵ تا صفحه ۱۳۴
«۱»-يعني: محمد رضا بهلوي. «۲»-وهؤلاء من رؤساء أمريكا. «۳»-عبيد الزاكاني هو من شعراء الفكاهة الايرانيين و هو مؤلف الكتاب المعروف" القط والفأرة". «۴»-سورة المنافقين، الآية ۸.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417