اجرى المقابلة: حسنين هيكل، الكاتب والصحفي المصري
سؤال: [بعد ثلاثة أيام يكتمل عام على آخر لقاء لي معكم في باريس].
الإمام: نعم.
[وفي هذه السنة وقعت أحداث كثيرة.]
الإمام: الحمد لله. آمل أن نشهد بإذنه- تعالى- أيضاً أموراً كثيرة أخرى.
[برأيكم ما هو أهم حدث وقع على مدار العام الماضي، وما هي الأحداث التي تترقبون وقوعها؟]
الإمام:بسم الله الرحمن الرحيم : قطع أيدي القوى العظمى عن البلاد ووضع حد للظلم الذي جرى على الشعب الإيراني طيلة السنوات الماضية يمث- لان أكبر إنجازين حققهما شعبنا خلال العام المنصرم. وأكبر أمنية نتطلّع لها هذا العام هي أن تلتحق بقيّة الدول الإسلامية بركبنا إن شاء الله، وتشهد الشعوب المسلمة صحوة تجعلهم يقفون على زيف دعاية القوى العظمى في أنها تعد قوة لا تقهر فقد شهدت الشعوب كيف وجّه شعبنا العملاق أكبر صفعة لأكبر نظام وهو يعمل الآن لتوجيه الصفعة بعد الصفعة إلى هذا النظام وكيف حطّم شعبنا ذلك الصنم الكبير الذي صنعوه للعالم، وسيبقى يواصل هذه المسيرة. إن أمنيتنا الكبرى تتجسّد في التحاق باقي الشعوب بركبنا، وأن يتحول ما أمر به الإسلام من أن المؤمنين إخوة إلى حقيقة تعيشها الشعوب. طبعاً أنا أشعر باليأس من الحكومات، ولكن الشعوب ليست كذلك، فالشعب المصري له حكم والسادات له حكمه. وكذلك هو الحال بالنسبة لباقي الحكومات. هناك بصيص أمل لبعض الحكومات، ولكن الامل مقطوع بالنسبة لغالبية الحكومات. إنّ أمنيتنا الكبرى هي أن تقف الشعوب على حقيقة ما شهدته إيران وكيف تم تحقيق ما كان مستحيلًا في نظرهم، وأن يعلمو أن إرادة الشعوب تصنع المستحيل وأن إرادة الشعوب تابعة لإرادة الله وفي سبيل الله، وهي تجعل غير الممكن ممكناً والمستحيل حقيقة قائمة على الأرض.
[العام الماضي شهد أحداثاً كثيرة، كما سمعنا أشياء كثيرة، وقد جئت إلى هنا، فوجدت مشكلات كثيرة إلى جانب الانتصارات الكبيرة التي جرى تحقيقها في إيران. فعلى سبيل المثال الأجانب، يشنون حملات إعلامية، حملات دعائية وحملات أخرى تقود إلى هجوم عسكري، كما يشنون حرباً اقتصادية على إيران، وسيشهد المستقبل أشياء أخرى. فهل يمكنني أن اطرح عليكم سؤالًا عن المستقبل وعن وجهة نظركم حول العلاقات مع أمريكا. فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالعلاقات مع أمريكا وحول القضايا والمشكلات الأخرى التي ستواجه الشعب الإيراني والثورة الإيرانية، فما هي الإجراءات والتدابير العملية التي تعتزمون القيام بها؟ فبالأمس قال كارتر شيئاً كان شبه تهديد بالحرب، وهذا ليس بالتهديد الأول الذي يطلقه].
الإمام: كل الثورات بالعالم تتبعها اضطرابات. ولكن ينبغي لي القول: إن ثورتنا كانت ثورة عملاقة، وأسمى ثورة في حد ذاتها. فالوضع القائم وما شاهدناه وما استتبع ذلك نرى أن الاضطرابات لا شيء. فإننا لا نواجه تلك العقبات التي واجهتها الثورات الأخرى التي كانت تعاني مشكلات بالرغم من مضي خمسين أو ستين عاماً على انتصارها. والشيء المهم هو أن ثورتنا إسلامية ووطنية. فشعبنا المسلم ثار من أجل الإسلام وكل ثورة على هذا الغرار لا تشهد إراقة للدماء وما إلى ذلك من أعمال وحشية. إنكم تعلمون أن الثورات تقدم مليوناً ومليوناً ونصف المليون قتيل عقب انتصارها، يقول فلان المنتصر: اقتلوا ما استطعتم حتى أنهي تدخين لُفافتي، وكما نقل لي قبل عدة أيام صور عن دول شهدت ثورات وصوراً للسجناء والمقتولين. وكانت الاعداد هائلة نظير مليون ومليون ونصف المليون ومليونين، بينما لم يشهد بلدنا بعد انتصار ثورته مقتل حتى شخص واحد بريء. وأولئك الذين سيقوا إلى المحاكم هم ممّن ثبت أنهم مفسدون عاثوا الفساد في الارض، وارتكبوا المجازر، وامروا بارتكابها، وهم عدة معدودة جرت محاكمتهم قبل أن ينالوا جزاءهم العادل.
بعد انتصار ثورتنا أطلقت الحريات، وجرى فتح كافة الحدود والمطارات، وبدأت الاحزاب والكتّاب عامّة تمارس نشاطها بحرية، في حين نرى فيه بعد انتصار الثورات، وكما تعلمون تغلق جميع هذه الاشياء عن العالم، فثورتنا تختلف عن الثورات في المناطق الأخرى بقيامها على أساس الإسلام والشعب ملتزم به، ولذا لم تخسر كثيراً.
إن ما قدّمناه نحن من خسائر كان إبان جهادنا الشاه المخلوع واعوانه ومن يقتل الآن هم اولئك الذين ارتكبوا جرائم وهم قلّة في أعيننا. وأمّا تهديدات كارتر، فلا أدري هل سمعتم بهذا المثل؟ ويعزّ عليّ أن أضرب مثلًا بالأسد إذ يقال إنه عندما يقف إزاء عدوِّه يزأر من جهة ويخرج شيئاً من جهته الأخرى، ويحرّك ذيله أيضاً. فهو يزأر ليخيف عدوّه، ويّخرج منه شيئاً لخوفه منه. ويحرّك ذيله بحثاً عن وسيط. يعزّ عليّ أن أقارن كارتر بالاسد، لكنه موجود يقوم بهذه الأعمال. فكل هذا الضجيج وهذا التطبيل لإخافتنا من الإجراء العسكري والتدخل العسكري، هذه كلها اشياء اضحت بالية، ولذا تراه يقول شيئاً مرة ويتراجع فوراً عن ذلك ويقول شيئاً آخر يناقضه. إنها أشبه بزئير ذلك الحيوان لإخافة عدوّه.
إنّ انظار الشعوب الإسلامية والشعوب غير الإسلامية متّجهة الآن إلى هنا وقلوبها معنا. اعلم يقيناً أنه إذا ما أُزيلت حربة السادات عن مصر، فإن الشعب المصري معنا، وذلك لأننا نريد الإسلام والشعب المصري يريد الإسلام أيضاً. نحن نريد إقامة حكومة إسلامية والشعب المصري يريد الشيء نفسه. نحن نريد أن تكون الشعوب إسلامية والعراق يريد ذلك أيضاً. الشعوب الأخرى ومنها تركية تريد ذلك أيضاً.
فاينما وجد المسلم كان شعبه يتطلّع إلى إقامة نظام إسلامي، نظام عادل. بل إذا وصل إعلامنا إلى سماع العالم، وتمكّنا من تعريف شعوب العالم حقيقة الإسلام، فالإسلام لم يُعرف بعد. اصل الإسلام ما زال مجهولًا ولا أحد يعلم جوهره، فعندما يقال حكومة يذهب ذهنهم إلى حكومة محمد رضا والسادات وكارتر. وعندما يقال" نظام" تصرف أذهانهم إلى هذه الأنظمة، ولا يمكننا أن نرسم صورة لذلك مهما بذلنا من جهود ما لم نتمكن من تطبيق نظام إسلامي صحيح يرضي الله ورسوله. فلا يمكننا أن ندّعي أننا نملك نظاماً إسلامياً. نحن الآن على أعتاب إرساء دعائم نظام إسلامي وإن شاء الله نتمكّن من تحقيق ذلك. ولكن لو يفهم العالم الإسلام وطابع الحكومة الإسلامية وأوضاعها والعلاقة القائمة بين الحاكم في الإسلام والرئيس في الإسلام وبين الرعية والمحكومين، وكيف كانت علاقة قادة الإسلام بالجماهير في صدره الأول، فالقائد الذي يجري سبّه من رجل في السوق لا يعرف هذا القائد ولا يبدي الأخير أي رد فعل، بل يواصل طريقه وبعدها يقال لهذا الرجل: إنّ من سببته هو مالك الاشتر، هل علمت ماذا فعلت؟ فعندما علم تبعه فوجده دخل إلى المسجد، فقال له: انا جئت إلى المسجد لأرفع يدي بالدعاء لك. هذا هو نوع الحكومة التي لم يشهدها العالم. أي الحكومة التي لم تطبق لحد الآن في العالم. ففي زمن الأمير وفي زمن الرسول الأكرم والخلفاء تمّ تطبيق جزءٍ ممّا كانوا يتطلّعون إليه ولكن لم يجر لحد الآن تطبيق كل ما كانوا يتطلّعون إليه. وعقب ذلك جاءت حكومة بني أمية وبني العباس والحكومات الإيرانية وغيرها من الحكومات المحلية، وتردّت الأوضاع أكثر، وجرت الويلات والمصائب. إذا تمكّنا وأنتم أيها الكتاب الذين تقع على عاتقهم المسؤوليات، فجميعكم مسؤولون، جميع الكتاب الإسلاميين مسؤولون وكل المذيعين في الإسلام مسؤولون وتعريف الإسلام للمواطنين وعن تعريف الحكومة الإسلامية لشعوبهم وطابع هذه الحكومة وما تتميز به من حكومة محمد رضا والسادات والحكومات التي أسسها قادة سائر الأقوام. فهذه الحكومة غريبة عن الإسلام، ولا تمت إليه بصلة. فإذا استطعنا تعريف الإسلام للعالم سنحظى بتأييد الدنيا كلّها. فقلوب العالم كله تتطلّع إلى العدل الموجود في الإسلام، ولكننا نحن وشعبنا ضعفاء لا نملك دعاية في العالم، والعالم قد عبأ أبواقه الدعائية ضدنا. كلّ الأقلام في الخارج مأجورة علينا وكل الاذاعات في الخارج توظّف أبواقها الدعائية علينا، ومع ذلك يواصل ركب الثورة مسيرته إلى الإمام دون توقف بالرغم من أن الجميع مناهض له، وهذه معجزة، والمشار إليه من تهديد كارتر هو أنه يريد إخافتنا، فهو على غرار زئير ذلك الحيوان ونحن لا نخشى ذلك، فإن الجماعة التي تخاف هي تحسب للموت حسابه. وإذا عشت في اوساط هذا الشعب الذين يردّد الهتافات الآن. عشت في اوساطهم شاهدت حقيقة منطقهم إنّهم يقولون: نريد الشهادة، واليوم قرأت في الصحيفة أنّ عقيلة المرحوم الشيخ مفتح تقول: نحن فخورون بأننا قدّمنا شهيداً. الشعب الذي تفخرُ نساؤه على هذه الشاكلة بشهادة رب الأسرة، وأيّ ربّ أسرة. كما أن الكثير من النساء اللاتي فقدن أبناءهن ويأتين إليّ ويقلن: لدينا المزيد من الأبناء، لدينا المزيد لنقدمهم. هل يخشى هذا الشعب تهديدات كارتر العسكرية؟ الأولى به أن يخشى هو الحرية العسكرية لأنه لا يؤمن بالعالم الآخر، فهو من أولئك الذين يريدون أن يجعلوا الدعاء وسيلة للرئاسة، ويسعون لجعل الناقوس وسيلة وبوقاً للرئاسة.
ما الذي نخشاه نحن؟ نحن الذين نؤمن بأننا سننتقل من هنا إلى مكان أفضل لماذا نخشى؟ نحن لا نخشى تهديداتهم العسكرية، نحن جاهزون للمواجهة ما استطعنا. وإذا لم نتمكّن ننال الشهادة، ولا ضير في ذلك، فأولياؤنا كانوا على هذه الشاكلة. ولكن دعني اقول لك: إن هذا السلاح بات بالياً. فحربة التدخل العسكري أضحت سلاحاً بالياً، وإذا كانوا في السابق يطلقون مثل هذه المزاعم لإخافة إيران، فإن إيران اليوم لا تخشى هذه المزاعم وهذه الأسلحة البالية. فالأسلحة أساساً شيء بالٍ في العالم. والدنيا تسخر من هذا الكلام، من التهديد باننا سنتدخل عسكرياً. فهذا كلام يسخر منه العالم. ولكن إذا ارتكبوا حماقةً، وقاموا بمثل هذا العمل فنحن جاهزون، ولا نخشى عواقب ذلك. طبعاً، اننا نحاول قدر الإمكان أن يحافظ البشر على نوازعه الإنسانية، وأن يتجنّب التعاطي مثل السباع. ولكنّنا إذا ابتلينا بهجوم سبعي، فإننا لن نتوانى عن الدفاع ما استطعنا. وأمّا القضايا الاقتصادية وما إلى ذلك فإنها على السياق نفسه، وهي من الطبيعة عينها وكلها باتت أسلحة بالية عفّى عليها الزمن. السيد كارتر يتصوّر أننا مقطوعون عن الدنيا، وليس لدينا معلومات عن العالم. فإننا نعلم أنّه قوة عظمى، ويمتلك كذا وكذا، وما لديه من جيوش وأسلحة يعرفها العالم كلّه. انه يتصوّر أنه إذا قال: نعلن الحصار الاقتصادي، فإن أبواب الدنيا ستغلق بوجهنا. إنها تصوّرات نسجها خياله عندما كان جالساً في البيت الأبيض وهو يتناول القهوة، ويضع أحدى قدميه على الأخرى. ونحن لا تهمنا هذه الأشياء، فقد قلنا: نحن عازمون على تأمين احتياجاتنا من أرضنا هذه.
هذا فضلًا عن أنه متى أعطى الشعب هذا الكلام أُذناً صاغية؟ فالإدارة الأمريكية نفسها قالت عدة مرات لحد الآن: هذا الكلام ليس صحيحاً، والمحاصرة الاقتصادية ليست صحيحة، لا يمكن تطبيقها أساساً.
فالدول الأخرى ليست تابعة له. أجل السادات تابع له، ويقتفي اثره مثل الشاه مسلّم أمره له كالأعمى والأصم. إلى أي مقدار ينبغي أن آسف على جلوس شخص في دولة إسلامية يقول: إنّه على رأس هذه الدولة مع شخصين هما عدوان للإسلام، هما أعداء للإسلام لا لطائفة وجماعة ما، فالكيان الصهيوني عدوّ يجلسون معه إلى منضدة واحدة ويوقعون معاهدةً على الإسلام على مرأى ومسمع مِنّا. ويجلس الشعب المصريّ مكتوف الأيدي وعلى مرأى ومسمع منكم أيها الكتّاب ولا تحركون ساكناً. لكم يؤسف لهذا الوضع، وكم ينبغي لنا أن نأسف على هذا الوضع والاواصر والروابط التي لديهم مع أعداء الإسلام. مع من فتحوا النار على المسلمين، هؤلاء يجلسون معاً إلى مائدة واحدة، ويوقعون معاهدة ضد المسلمين، والأنكى أن يقف جميع المسلمين موقف المتفرج. وتقف الدول الإسلامية مكتوفة الأيدي. وتلتزم الشعوب الصمت.
[انا أشعر بوجود أشياء من داخل النهضة، من داخل إيران وليس من خارجها نظير قضايا آذربيجان والاكراد في كردستان الذين أخذت قضيتهم منحى مسلّحاً ومثل قضية الجامعيين الذين اعتقلوا هؤلاء الرهائن، هذه القضية تمخّضت من أوساط الشعب الإيراني. وهل الحكومة الإيرانية متفقة معهم؟ وهل تعاونت معهم؟ وهل كانت ترغب في وقوع هذه الحادثة؟ أنا أريد أن أعرف نظر الإمام في القضايا التي تترشح وتظهر من داخل البلاد ومن صميمه، وليس التي تفرض من الخارج، فما هي وجهة نظركم؟ وكيف تفسّرون هذه القضايا؟ حكومات جاءت وذهبت. وجاء وزير خارجية وذهب آخر. وهناك أشياء أخرى أحتمل أنها نتيجة للضغوط الاقتصادية الداخلية وهي غائبة علينا. فما هو رأي الإمام وتفسيره لهذه القضايا؟ ومن أين تأتي؟]
الإمام: القضايا التي وقعت في إيران تعود جذورها لخارج البلاد ويعود مقدار منها أيضاً إلى بقايا جذور النظام السابق وأنصاره. امتنا أصيلة، فلا أبناؤها من الاكراد ولا من الآذريين يتحركون ضدنا. طبعاً حاول هؤلاء الأجانب تمرير حملة دعائية معيّنة في كردستان لبثّ الفرقة بين الأكراد مثلًا وغير الأكراد، بين الأقليات هنا وما إلى ذلك. وتأتي كل هذه الأمور لمنعنا من تعريف الإسلام بشكل صحيح. أنا آمل إذا تم تطبيق الإسلام بالشكل الذي نتطلّع له هنا أن لا أرى أيّاً من أبنائنا لا الأكراد ولا اللر ولا الأتراك ولا سائر الشرائح ذا رغبة في الانفصال. الدعوة للانفصال تأتي عندما تحاول حكومة مركزية فرض املاءاتها عليهم. وهي على غرار ما قلته في السابق وهي عندما يطلق اسم النظام والحكومة وما إلى ذلك يتجلى في ذهن المواطنين النظام السابق والحكومة السابقة التي كانت تستقر في طهران، وتملي ما تريد على كافة الشرائح في إيران وتتعاطى معهم بمنطق القوة وتحرمهم من كل شيء وتصادر ثرواتهم لمصلحة الآخرين، وفي خوزستان كان المواطنون يعيشون الجوع بينما كان النفط الذي تحت أقدامهم يصدّر إلى الخارج. فهؤلاء إذا جرّبوا الحكومة الإسلامية، وشاهدوا ما نريد أن نفعل وما نرغب في ترجمته على الأرض آنذاك تشاهد كافة الشرائح الموجودة تكف عن طرح هذه المسائل في ظل حكومة إسلامية.
فالدعوات التي تطلق، وتطالب بأن تكون الحكومة من أنفسنا ورئيس البلدية من أنفسنا، تفعل هذا لأنها تلقت ضربة من الحكومات السابقة في هذا المجال. وتلك الضربة التي تلقّوها من الحكومات السابقة تركت مرارتها في ذائقة كافة الشرائح، وهذا الأمر يدعوها إلى أن تتصور هذه الحكومة الإسلامية على غرار الحكومة الملكية، فكما أن الحكومة الملكية كانت تنهب كل الثروات وتترك كردستان تعيش الفقر، وتفتقر للمستشفى والجامعة ولكل شيء. وتصوّر ان بلوجستان تعيش نفس الحالة وبختيار كذلك، فالآن أيضاً عندما يسمعون اسم الحكومة ينصرف ذهنهم قبل كل شيء إلى الحكومة التي كانت على عهد النظام السابق. ولهذا السبب تراهم يطلقون هذا الكلام، وقد قلنا: إننا نسمع كلامكم جميعاً إلى أن تفهموا وتقفوا على حقيقة الحكومة، فعندما تقولون: حكومة، لا يتبادر إلى ذهنكم تلك الخلفية، فإننا من الشعب نفسه والشعب كلُّه معنا. وأولئك الذين يرفعون عقيرتهم الآن من هذه الشرائح هم اولئك الذين يستلهمون أفكارهم من الخارج، وليس من الداخل. هؤلاء أكثرهم لا يلتفتون إلى القضايا وطبعاً بعضهم هم من الكذا .. وإلّا فإن القضية ليست كما تتصوّر أنت أَننا نواجه في الداخل الآن مشكلات وعقبات وأن المواطنين في الداخل لا يسمحون بأن يجري كذا وكذا، فالأمور ليست كذلك. طبعاً، إذا وقعت حادثة ما في الداخل تجد أقلام أعدائنا تتحرّك وتعمل على تضخيم قضية صغيرة إلى ما شاء الله. فتقع حادثة في آذربيجان مثلًا، والقضية ثانوية لا تذكر، آذربيجان لا تعارض الإسلام.
هذه الحادثة يجري تضخيمها في الخارج، وتثير الإذاعات ضجيحاً حولها ويقولون ماذا تريد حكومة آذربيجان؟ وما هي تطلعات جمهورية آذربيجان؟ في حين أن هذه الأمور غير موجودة على أرض الواقع. فهذا الكلام كلّه هراء وتطبيل إعلاميّ مجانب للحقيقة، فأنت تشاهد الآن اسواق إيران مفتوحة وما من شيء هناك، فكل شيء على ما يرام، الأوضاع مستتبة وتختلف عما هي عليه في النهضات والثورات الأخرى. فثورتنا لم تكمل عامها الأول، فانت تتوقّع من ثورة لم تكمل ربيعها الاول وانتصار لم يمضي عليه سوى عدة أشهر، تتوقع انه بمجرد كسر هذا السدّ ستعود الأوضاع إلى طبيعتها والمياه إلى مجاريها. فتصوّراتنا أن الإفراج عن خمسة وثلاثين مليون سجين من السجن، من سجن كان يطلق عليه اسم إيران. كان هناك خمسة وثلاثون مليون نسمة مسجونين في هذا السجن. كانوا يعيشون الكبت والضغط، وفجأة ينكسر هذا السدّ ويتدفّق خمسة وثلاثون مليون نسمة إلى الخارج. انت تريد من خمسة وثلاثين مليون نسمة تحرروا توّاً من قيدهم وبينهم مجموعة من الجهّال ومجموعة مدفوعة من الخارج، تريد من هؤلاء أن يهدأوا فوراً، وأن ينتهي الضجيج بسرعة. كن على ثقة أن هذا الضجيج ليس شيئاً، وليس له أهمية بالنسبة لنا. أنّه يشبه الضجيج الذي يفتعله السيد كارتر، فما من شيء هنا. فاعداؤنا يحيكون لنا أحداثاً في مخيلتهم، ويريدون أن تتحقّق هذه الأحداث. وأما ما تسمِّيه أنت السفارة، ونسمِّيها نحن وكر التجسّس، فإنها تتلخّص في اقتحام ثلّة من شبابنا هذا المكان الذي وجدوه وكراً للتجسّس، وليس سفارة مطلقاً؟ إنهم أوجدوا مكاناً باسم السفارة لممارسة التجسّس والتآمر في المنطقة، وليس التآمر ضد إيران فحسب. إن الموجودين في هذا المكان هم جواسيس، وليسوا دبلوماسيين. نحن في إيران لم يثبت عندنا أن يكون لأمريكا حتى دبلوماسي واحد هنا. فأمريكا لا تعتبرنا دولة ذات نفوذ سياسي، لكي تبعث لنا دبلوماسياً. والحكومة التي كانت سائدة هنا آنذاك هي الأخرى كانت نظاماً عميلًا لأمريكا وخادماً لها ت- لبّي كل ما يطلب منها، فلماذا تقوم بإرسال دبلوماسيٍّ إلى هنا؟ ماذا تفعل به؟ هل كانت تُواجه دولة مثلها؟ كانت دولة ترزح تحت هيمنتها وتتلاعب بمقدراتها، فهذه الدولة لا تحتاج إلى دبلوماسي، كانت تريد أن تجعل من إيران مركزاً همّه الخارج وأعداؤه المحدقون به في الخارج. فكان همُّ كارتر الأول من ايجاد هذا المركز واهتمامه منصبّاً على الاتّحاد السوفيتي، وليس على إيران، فهي لم تكن تحسب لإيران أي حساب. إيران كانت في قبضتها ولم يكن لها أي شأن معها. كان همّها الاول إيجاد قاعدة هنا. فأوجدت قاعدة عسكرية في مواجهة قوة عظمى. قاعدة لكل شيء كما أوجدت مركزاً للتجسّس، فهذا المركز هو الذي اقتحمه شبابنا، فاكتشفوا أنه مركز للتجسّس. والافراد الذين فيه كانوا جواسيس، ولم يجدوا أي موجود، أي إنسان، أي بشر دبلوماسي كما أن اقسام السفارة لا توحي بانها سفارة. ولهذا السبب كان الشعب باسره وراء هؤلاء الشبان. وما كان للحكومة أن تفعل شيئاً يتعارض مع ذلك فالحكومة هنا هي للشعب فكل شيء بيد الشغب، فالحكومة ما كان لها أن تعارض، لأنها عندما تجد مركزاً قد تحوّل إلى مركز للتجسّس فلا يمكنها أن تقبل بأنه مركز دبلوماسي. فلما تبيَّنت حقيقة الأمر، فلا يمكن أن نضع هذه الحادثة في خانة الاضطرابات التي وقعت، فتلك قضية على حدة وهذه قضية وطنية وقومية يتفق كل ابناء شعبنا على ضرورة إزالة هذا الوكر. ونحن أصبحنا لا نسمح ببقاء مركز للتجسّس على باقي الدول في قلب بلدنا. إننا لا نسمح بذلك والشعب أيضاً لن يسمح بذلك والحكومة بدورها لن تسمح بذلك.
إذن لا ينبغي أن نصنّف سيطرة شبابنا على هذا المركز في عداد الاضطرابات وأعمال الشعب. فهذه القضية أساسية هدفها تحرير شعب كامل لا أن تصنّف في عداد أعمال الشغب في كردستان، فهذا شيء وذلك شيء. فآذربيجان هنا لا تصنف في عدادها. هي ليست من نسخها. فتلك قضية وهذه قضية أخرى، فتلك الأحداث لا شيء. فلا أهالي كردستان يعارضوننا ولا أهالي آذربيجان. فكلهم أعربوا عن تضامنهم مع الجمهورية الإسلامية. وكيف يمكن أن تكون طائفة من المسلمين معادية للإسلام، فكيف يمكن لطائفة تقيم الصلاة وقبلتها الكعبة وكتابها القرآن تؤمن بكل هذه الأمور وتشهر سيفها بوجه الاسلام؟ فهذا الأمر غير معقول ولا يمكن قبوله. وهؤلاء الذين يرتكبون هذه الأعمال هم أشخاص مغرّر بهم من قبل مجموعة ما، ولذا أصبحوا لا يلتفتون إلى هذه القضايا. فهذه الأشياء أيضاً ليست شيئاً يذكر. انها اشياء قابلة للحل ولذا لا تأسف على ذلك.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قم
التدخّل الأمريكي في إيران عدم الخوف من تهديدات أمريكا
جلد ۱۱ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۶۱ تا صفحه ۲۶۸
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417