بسم الله الرحمن الرحيم
استحالة إخفاق النهضة في سبيل الله
أقدم شكري لجميع السادة المحترمين والإخوة الذين جاءوا من الأطراف والاكناف مشياً على الاقدام. الشعب الذي تحوّل مثل هذا التحوّل، فيقطع شبابه هذه الطرق والمسافات في البرد ويتحملون المشاقّ ويغتسلون غسل الشهادة، ويتطلّعون للشهادة. مثل هذا الشعب منتصر. أنتم الشباب منتصرون إن شاء الله. والذين يظنّون أن بإمكانهم حرف هذه الثورة عن مسيرها باغتيال أو بخلق المشكلات خاطئون، فشعبنا واعٍ وانتفض في سبيل الله، والذي ينهض في سبيل الله لا يهزم ولا يتراجع، ومقتل بعض الأشخاص وان كانوا من العظام لا يؤث- ر في معنوياته، بل سيندفع أكثر. فإنّ الشعب الذي يريد إيصال هذه النهضة إلى غايتها، والفلّاح الذي يريد إنجاح هذه النهضة قربة لله مهما تصدّوا له وبثوا العقبات في سبيله، ومهما أثار الأعداء من أعمال صخب عليه، فلن يستفيدوا شيئاً أبداً، وبل سيدفعون الشعب على الحضور في الساحة. الأساس هو أن السبيل هو سبيل الله والاسلام، وشبابنا اكتشفوا هذا السبيل الإسلامي. ولم يعودوا كما في السابق يخافون من أي تهديد صغير من قبل الحكومة أو ترعبهم مشاهدة شرطيّ ما.
شرطان أساسيان لاستمرار الثورة
إنّ هؤلاء لم يعودوا يخافون من شيء. وكما رأينا نزلوا إلى الشارع، واعتلوا السطوح وواجهوا الأعداء. واجهوا الدبابات والمدافع وتقدّموا. وإن شاء الله سيستمرون في ذلك. ولذلك شرطان: الشرط الأول هو أن يكون في سبيل الله، فإن كانت الثورة في سبيل الله ساعد الله هذه الثورة، فلا تخافوا من قلة عددكم، وأنتم بحمد الله كثير. لقد قام في صدر الإسلام جيش يقدر بثلاثين ألفاً بالهجوم على امبراطوريتين عظيمتين ومدجّجتين بجميع الأسلحة كان قوام احداها سبعمئة ألف أو ثمانمئة الف وانتصر عليهما. وقال أحد قادة الإسلام آنذاك، لقد تقدّم ستون ألفاً من طلائع الأعداء يسندهم ثمانمئة ألف أو سبعمئة الف جندي، ولو لم نوجّه إلى هؤلاء ضربة قوية لغلبونا، وقال هذا القائد ليأت معي ثلاثون فارساً لنغير على هؤلاء الستين ألفاً في الليل. ثلاثون شخصاً كل جيشهم كان ثلاثون ألف جنديّ، فقالوا: كيف يقف ثلاثون مقابل ستين ألفاً. كل شخص بإزاء ألفين؟ وأقنعوه أن، يكونوا ستين فارساً، كلّ واحد منهم مقابل ألف، وأغاروا ليلًا عليهم ودمّروهم، هزموهم، هزيمة أدّت إلى هزيمة ذلك الجيش فيما بعد.
الانتصارات بالقوة المعنوية
ماذا حدث لكي يهزم ستون فارساً، ستين ألفاً، ستون فارساً غير مجهّزين بهذه الأسلحة يغيرون على ستين ألفاً مدجّجين بأنواع الأسلحة ويهزمونهم، لأنهم كانوا قد اقتنعوا بأنهم إن قتلوا في هذا السبيل، فإنهم سيعتنقون السعادة. وبهذه المعنويات العالية، وإن قتلنا فنحن سعداء، وإن ق- تِلنا، فنحن سعداء أيضاً. بهذه الروح تقدّموا وهزموا عدوّهم في الوقت الذي كان جيش الإسلام فيه جيشاً ضعيفاً من ناحية الأسلحة والعتاد، ولم يكن يملك أجهزة حربية. فعدة رجال كانوا بسيف واحد وبعير واحد، والجياد قليلة، حتى في بعض الأحيان كان الرجل يقضي يوماً وليلة لا يتناول إلا تمرة.
وفي رواية أخرى أنّ الرجل كان في إحدى الحروب يضع التمرة في فمه، ويتذوق القليل من حلاوتها، ثم يعطيها صاحبه. وهذا أيضاً كان يفعل ذلك، ويقدّمها لصاحبه، وهكذا دواليك حتى الآخر، لكن معنوياتهم كانت قوية. المعنويات كانت في منتهى قوّتها. تلك هي القوة التي تؤدي إلى انتصار الإنسان. كلّما كانت عدّتهم الحربية كثيرة وزاد لهوهم ولعبهم، ضعفت معنوياتهم. وشعبنا اليوم- بحمد الله- يتحلّى بمعنويات عالية، لا يوجد بين مزارعينا وطلبة جامعاننا وطلبة العلوم الدينية وأمثالهم من هو مشغول باللهو واللعب، إنّهم لا يعيرون اللهو واللعب أهمية. قلوبهم جلدة مهما كانت حياتهم، ومن يواجهوننا يهتمّون بأمور اللهو واللعب كثيراً.
الفرق بين الحركات الإلهية والمحاولات المادية
أعداؤنا يريدون الحرب لأجل الدنيا، وانتم تريدون خوضها في سبيل الله، فثورتكم كانت في سبيل الله، وعمل هؤلاء للدنيا. والفرق بين الطرفين كبير جداً، فمجموعة تقوم في سبيل الله، والأخرى لأجل الدنيا. ذلك الذي ينتفض في سبيل الدنيا حين يرى دنياه تزلزلت وانهارت يفر، وذلك الذي ينتفض في سبيل الله يثبت حتى النهاية. اننا نشاهد أموراٌ قيمة في حروب الاسلام، ان الحروب التي نشبت في صدور الإسلام تحمل في طياتها عبراً وحكماً. إنّ فيها حكماً كثيرة لنا. يروي التاريخ أن مسلماً واجه كافراً، غرز رمحه في صدر المسلم أو بطنه فخرج رمحه من الجانب الآخر فلحق المسلم بالكافر وهو في هذه الحالة وقتله. أي: أنه لحق به وغرز الرمح في جسمه، جرى والرمح مغروز في بطنه وقتله. وفي حرب أخرى- كان العدو يملك قلعة، والمسلمون خارجها يريدون فتحها، ولا طريق لذلك، الأبواب مغلقة والجدران شامخة، فتطوع احدهم، وقال: دعوني أجلس على الدرع، وضعوا الرمح تحت الدرع، وارفعوه لأصل إلى أعلى الجدار، وأدخل القلعة، وأفتح الطريق لكم. فوصل إلى الجانب الآخر، ورغم كثرة الذين كانوا في القلعة قاتل هذا الرجل بقوة إيمانه، وفتح باب القلعة. حين تكون المعنويات عالية ويكون الاتكال على الله، حين تكون مجموعة متّكلة على الله وواثقة به، يُسندها الله. والمجموعة التي يُسندها الله لن تهزم. فالمسألة الأولى هي أن نعزز هذه المعنويات، أي: يجب أن تعزّزوا ثقتكم بالله. كلّ نصر يأتي من عند الله، فكلّ انتصار ترومونه هو بيد الله. لا تظنوا أن الشعب الإيراني هو الذي هزم مثل هذه القوة الكبيرة التي كانت تتمتع بدعم الجميع ما عدا الإمدادات الغيبية، لأن الشعب الإيراني نزل إلى الساحة صغاراً وكهولًا وشباباً، نزلت الشرائح جميعاً إلى الساحة متسلحة بسلاح الله أكبر، وتقدموا إلى الأمام، وكانوا يهتفون باننا نريد جمهورية إسلامية، نريد الإسلام.
العناية الغيبية في الثورة الإسلامية
إن الله تبارك وتعالى مِهّد الأوضاع تمهيداً خاف منه الأعداء ولاذوا بالفرار، فما استعملوا السلاح ولم يحملوه كما كان ينبغي لهم. أي: أنّ مانعاً غيبياً حال دون ذلك. فهؤلاء مثلًا مع تلك الأسلحة التي كانوا يملكونها لم يقوموا بقصف طهران ولا قم ولا سائر الأماكن الأخرى. إنّ الله اوقع الرعب في قلوبهم إلى درجة أنهم لم يستطيعوا استخدام هذه الأسلحة. ومن جانب آخر فإنّ شعبنا حين هجم عليهم وقف الجميع إلى جانبه باستثناء تلك الطبقة الدنيا والطبقة الأولى التي كانت فاسدة. إنّ هذه الأعمال والأمور كانت من صنع الله حيث حوّل الأعداء إلى أصدقاء. وهؤلاء الذين كانوا على رأس الأمور أوقع في قلوبهم رعباً لم يستطيعوا معه المواجهة. فحافظوا على هذه المعنويات الإسلامية إن كنتم تريدون وأنتم تريدون إن شاء الله أن تنتصروا وتكون بلادكم لكم.
الشرط الثاني؛ وحدة الكلمة
لم تكن بلادكم لكم حتّى الآن. أنتم كنتم تكدون والآخرون يحصدون فوائدها. فلتكن نتيجة أعمالكم لكم. وليكن دينكم مصونا وكرامة بلادكم مصونة. حافظوا على هذا الجانب الإلهي. حافظوا على هذه الجنبة الإلهية. حافظوا على هذه العناية الإلهية. وفي المرتبة الثانية حافظوا على مجتمعكم، فإنّ الخلافات التي تنشأ في بعض الأحيان في القرى وفي بعض المدن إن تدارستموها فسوف تجدون أنّها تدور حول شؤون لا تستحق أن ينشب بسببها خلاف بين الناس. والأيدي التي تروم بثّ الفرقة كثيرة الآن. لأنهم وحين شعروا باليأس من جميع الجوانب، ورأوا الشعب يطوي طريقه خطوة خطوة إلى الأمام، لم يشاءوا أن يتطور، ولم يكونوا يريدون رحيل هذا الرجل الخائن من ايران، ولكنكم اتخذتم موقفكم وطردتموه. بعد ذلك أرادوا الحيلولة دون خروج مساعديه الفاسدين ولكنكم قمتم بعملكم وطردتموهم. وأرادوا الحيلولة دون إدلاء الشعب بصوته للجمهورية الإسلامية، وقمتم مرة أخرى بخطوتكم، وأدليتم بصوتكم وانتصرتم. إنّهم يرون أنّ لا يكون النصر حليفكم في كل خطوة. كل ما يبذلون من جهود وكل ما ينفثون من سموم، ويقومون باعمال شريرة لا تؤثر في هذا الشعب. والآن بعد أن نفثوا سمومهم، وقاموا بأعمال أثُرت في شريحة من الشعب جميعها مسلمة، وتتوق إلى نشر الإسلام في العالم، وحالوا دون مشاركتهم للإدلاء بأصواتهم. ولكن مع ذلك أدلى ستة عشر مليون نسمة بأصواتهم للدستور. ستة عشر مليوناً تعني أن جميع من كانوا يتوفرون على الأهلية للمشاركة في التصويت أدلوا بأصواتهم. وعدّة معدودة أيضاً أدلت بأصواتها المعارضة. تسعون بالمئة أدلوا بأصواتهم. وقد يكون العدد أكثر من ذلك.
اغتيال أولياء الله، اساس استقامة الثورة
إنّهم يرون هؤلاء يسيرون خطوة خطوة إلى الأمام وهم يتراجعون فماذا يفعلون؟ فالآن يقومون باغتيال الشخصيات، يتوهمون برغم أنهم رأوا أن اغتيال الشخصيات يؤدّي إلى مظاهرات شاملة في جميع أنحاء إيران، ويؤدّي إلى تعزيز قوتهم إلا أنهم من منطلق غبائهم يستمرون في هذا العمل. الآن وبعد اغتيال المرحوم الشيخ المفتح -رحمه الله- نرى الناس هاجوا، وهذه من الأمور التي يمهّدها الله، إلا أنّ هؤلاء يظنون القيام بهذه الأعمال مؤدّياً إلى هلع الشعب وانسحابه. فممّ ماذا يخاف الشعب؟ إن شعبنا لم يعد يخاف. لكن عليكم الحفاظ على هاتين الجنبتين، كونوا إخوة. انتبهوا في القرى على هؤلاء الفاسدين خاصّة في مناطقكم تلك، انتبهوا أن لا يقوم هؤلاء الفاسدون ببث الفرقة وإشعال الفتنة بينكم وبين إخوتكم. انتبهوا فقد يأتي إليكم من يريد إشعال فتيل الفتنة بينكم، وهؤلاء من الذين يريدون عدم تقدم هذه النهضة. كونوا أصدقاء حميمين بعضكم لبعض فجميعكم من مذهب واحد، وأهل دين واحد، وأتباع كتاب واحد، يجب ألا يفقد الإنسان اخوته، اخوته الإيمانية لأجل قضايا دنيوية جزئية، خاصة في هذه الظروف التي يترّبص بنا العدو فيها. ليحفظكم الله جميعاً إن شاء الله ويجعل النجاح حليفكم.