بسم الله الرحمن الرحيم
الثورة الإيرانية وأوضاع افغانستان
أشكركم --أيها السادة العلماء-- على اهتمامكم بالأمور التي يُحتاج اليها. وأرجو أن تُحل المشاكل تدريجياً بفضل الهمم العالية المتوفرة لدى جميع فئات الشعب ولاسيما الجامعيين والعلماء والمفكرين. ولاشك أنّ المشاكل كثيرة، ويتعذَّر اجتنابها بعد كل ثورة.
لكنني أبشركم-- أيها السادة-- أنّ الثورة الإسلامية أحسن من بقية الثورات التي حصلت في العالم، وضحاياها أقل، وانجازاتها، التي نأمل أن تأتي بسرعة، أكثر. والمهم أنّ ما يحصل في بقية الثورات هو الانتقال من سُلطة متجبرة إلى سُلطة متجبرة أخرى. فإمّا أن يقع انقلاب عسكري، وإما أن يقوى أحد الأحزاب، فيطيح بنظام، ويأتي بنظام آخر، والنظامان متشابهان من جهة أنّ الأصل هو الاستيلاء على السلطة، وأنتم تلاحظون الانقلابات التي تحصل في افغانستان هذه الأيام. فهي انقلابات تطيح بجماعة وتأتي إلى الحكم بمن هو اقوى منها. وبعد مدة يذهب هؤلاء، ويأتي غيرهم، هذا في الوقت الذي يرفض الشعب ذلك، فالشعب لا يتدخل في هذه الأمور.
والآن، فإنّ هذه الاضطرابات والفوضى التي حدثت في افغانستان، ولازالت مدعومة من الاتحاد السوفياتي، قد انتهت بانقلاب صنعه الاتحاد السوفياتي نفسه، لا ذلك الشخص «1»، فقبل أن يستلم ذلك الشخص زمام الأمور، دخلت القوى العسكرية السوفياتية إلى أفغانستان، وأطاحت بالحكومة التي لم تَدعُ الاتحاد السوفياتي للتدخل العسكري. لكنهم تدخلوا رغم إرادة تلك الحكومة، واستولوا على زمام الأمور في أفغانستان. علماً بأن الحكومة التي أطاحوا بها كانت فاسدة «2»، فوضعوا مكانها حكومة أكثر فساداً. فأفغانستان --الآن-- في قبضة اولئك خلافاً لإرادة الشعب، وإرادة المفكرين. وأن جميع الدول التي لا تخضع للاتحاد السوفياتي قد أدانت هذا العمل.
رسالة سفير الاتحاد السوفياتي خلال احتلال افغانستان
وبعد ساعات من احتلال افغانستان، حضر هنا سفير الاتحاد السوفياتي، وبقي في انتظار مقابلتي، حتى التقيت به في مثل هذا الوقت، فقال لي: إني أحمل رسالة، ثم ذكر ما جاء به، وجرى الحديث حول هذه الأمور، وأضاف أن اشخاصاً جاؤوا من الخارج إلى أفغانستان، وشرعوا --بزعمه-- بالاخلال بالأمن، وكانوا مخالفين للشعب. لذلك طلبت الحكومة الافغانية من الاتحاد السوفياتي ان يتدخل، لذلك قرر الاتحاد السوفياتي الاستجابة لذلك. هذا في الوقت الذي كانت فيه قوات الاتحاد السوفياتي قد دخلت افغانستان، وأطاحت بحكومتها.
ثم سألته: مَن هم اولئك الاشخاص الذين جاؤوا من الخارج الى افغانستان؟ ومن أيّ بلاد جاؤوا؟ فقال متمتماً: من باكستان مثلًا. وبعد ذلك سردت عليه قصة تشكل محور أمورنا. فقلت له: إن كنتم تظنون أنكم تستطيعون أن تخضعوا شعباً بقوة السلاح، وتهدئة الأوضاع فإنكم مخطئون في ذلك. إذ إنّ قوة السلاح تستطيع أن تقمع وتقهر شعباً، أو تعمل فيه ما تشاء، لكنها لا تستطيع تحقيق الاستقرار. فالشعب إذا أراد شيئاً، لا يمكن العمل بخلاف رغبته دائماً. وإذا كان في البلاد نظامان، كأن يكون الشعب مسلماً تابعاً للنظام الإسلامي، وتكون الحكومة شيوعية تابعة للنظام الإشتراكي. فهذا أمر لا يستقر، ولا تعلّقوا آمالكم عليه. وهل من التناسب أن يكون الشعب تابعاً للنظام الإسلامي، وأن تكون حكومته تابعة لنظام آخر كنظام الشيوعية؟ فالاستقرار لا يحصل إذا كنتم تهجمون على الشعب، وتقتلون، وتقمعون، لأن الشعب يرد على ذلك بما يستطيع.
الحكومات العميلة تقمع الشعوب
والأمر المهم هو أنّ الحكومات لا تستطيع ان تدرك واجبها تجاه شعوبها. فكل الحكومات تقريبا التي جاءت إلى السلطة تعمل وكأنها جاءت لقمع الشعوب. هذا في الوقت الذي يجب أن تكون الحكومة، خاصة في الدول التي تدّعي الديمقراطية، في خدمة الشعب لا لقمعه. لكننا نرى الحكومات تعمل بخلاف ذلك. فهذه الحكومات التي واجهناها ورأيناها، والتي تعلمون جميعاً كيف كان وضعها، وتعلمون-- ايضاً-- أنّ جميع الدول المجاورة على شاكلتها، إذ جاءت فئات قليلة، مدعومة من الخارج، وقمعت شعوبها إلى أبعد ما يمكن بقوة السلاح. بما في ذلك ايران التي ابتليت بحكومة تسلطت على الشعب بقوة سلاح الانجليز ابتداء، ثم بقوة سلاح الدول الثلاث المتحالفة «3»، وأخيراً بقوة سلاح أميركا، حتى وصل الأمر الى الحال الذي رأيتموه جميعاً.
مزايا الثورة الإسلامية قياساً الى بقية الثورات
لكن الثورة الإيرانية لم تكن من صنع قوة عظمى ضد قوة عظمى أخرى تريد أن تخرجها بقوة السلاح وتقمعها. بل إنطلقت من بين ظهراني هذا الشعب، فكانت ثورة شعبية. يعني إنّ الشعب جميعاً بنسائه ورجاله، وبأطفاله وشيوخه قد نهض وأطاح بهذه الحكومة الجائرة. فهذه ميزة للثورة الإسلامية على بقية الثورات الأخرى. إذ إنها كانت ثورة شعبية مئة في المئة، حيث لم تبدأ هذه الثورة بشخص تقدّم حاملًا السلاح، ودعا الناس وراءه ليحطم بمدافعه ودباباته مدافع الطرف الآخر ودباباته. فلقد وقف الشعب في وجه الحكومة وهو لا يملك مدفعاً ولا دبابة. وكل الذي كان إنما هو الهتاف والمظاهرات والتوكل على الله. فلذلك تعتبر هذا ميزة لثورة هذا الشعب. فهذه الثورة لم تكن انقلاباً، كما لم تكن قوة موجّهة لاسقاط قوة اخرى. بل تمثلت في انتفاضة شعب اطاح بسلطة حاكمة. فهذا الشعب لم يكن يحمل السلاح، ولم يتلق تدريبات عسكرية، وإنّما كانوا طلبة جامعات وطلاب علوم دينية، من النساء والرجال ومن شريحة الكسبة ولم يسبق لهم ان تلقّوا تدريبات عسكرية، ولم تكن وسائل النظام بأيديهم. لكنهم كانوا جميعاً متحدين، فلما اتحدوا شكلوا قوة شعبية وقوة إلهية.
والملاحظة الأخرى أنّ جميع هؤلاء الذين نهضوا، كانت إرادتهم واحدة، وهي أنهم أرادوا إقامة حكومة العدل، والحكومة الإسلامية، كانت هذه آمال الجميع. حتى إنّ الصبية الذين بدأوا يتكلمون، قد تعلّموا من أمهاتهم قول عبارة: (الجمهورية الإسلامية)، فالنساء والرجال جميعا كانوا يهتفون للجمهورية الاسلامية.
إذن فهذه الثورة التي حدثت في ايران تميّزت بهاتين الميزتين، الأولى إن هذه الثورة انبثقت من بين ظهراني هذا الشعب، والثانية: أنها حصلت لأجل العقائد الإسلامية، وللاسلام، فهذه الثورة بسبب اتصافها بهاتين الميزتين لم تبدأ بالقمع حين تقدمت في مسيرتها. ثم انظروا --الآن-- إلى وضع افغانستان، إذ بعد أن أطاحت هذه الحكومة بسابقتها، بدأت مباشرة بالقتل، وأخذت طائرات الاتحاد السوفياتي تحلق فوق رؤوس الشعب الأفغاني، وهجمت القوات المسلحة للاتحاد السوفيتي البالغ عددها خمسة وأربعون ألف جندي، على المدن وعاثوا فيها فساداً. علماً بأن الشعب الافغاني يقاومهم. والنصر في آخر المطاف للشعب إن شاء الله. لكن الوضع عندنا هنا لم يكن كذلك، فبعد أن انهزمت فلول الحكم-- وهذا أمر شاهدناه جميعاً-- وخرج الشاه المخلوع من إيران، ثم خرجت بعده حاشيته، اما الذين سيطروا على مقاليد الحكم بعده فلم يكن في نيتهم الهجوم على بيوت الناس، وقمعهم، كما لم ينووا القيام بغارات جوية أو غيرها. وذلك لأنهم كانوا من أبناء الشعب الذي نهض، ولم تأت إلى الحكم سلطة معادية للشعب، فأبناء الشعب هم الذين كانوا يعملون متكاتفين كرفقاء وأصدقاء. لذلك فهذه ميزة امتازت بها ثورتنا، إذ لم تتبعها عمليات قتل. في حين يُقال: إنهم قتلوا في افغانستان أكثر من ثلاثة آلاف شخص دفعة واحدة. كما قتلوا في مسجد واحد مائتين وخمسين من المصلين وغيرهم ممن كانوا مشغولين بأعمالهم. لكنّ هذه الجرائم لم تحدث في ثورتنا؛ لأنّ الذي حدث هنا لم يكن مواجهة سلطة لأخرى. بل كان الشعب هو الذي يواجه السلطة. وبعد أن سيطر الشعب على زمام الأمور لم يقدم على إلحاق الضرر بأحد، إذ كانت الحرية سائدة في هذه البلاد لمدة خمسة اشهر تقريباً بشكل لم يسبق له نظير في ثورات العالم، ففرنسا-- مثلًا-- التي يقال عنها إنها مهد الديمقراطية، نجدها بعد أن قامت ثورتها قتل فيها أناس كثيرون، ولا يُعلم هل حصل فيها الاستقرار الكامل؟ لكنّ الأمر هنا يختلف تماماً، إذ بعد تحطيم الحواجز واحداً بعد الآخر، سادت البلاد حرية مطلقة حتى ان المطارات بقيت مفتوحة.
الحرية الكاملة بعد الثورة الإسلامية الإيرانية
الأساس في الثورات أن لا تكون مطارات البلاد مفتوحة، بل تغلق كل الحدود، وتتم مراقبة جميع الاتصالات الهاتفية وغيرها، فيعزلون البلاد عن الخارج، ويمنع صدور الصحف والمجلات.
جميع الثورات والانقلابات التي حصلت كان يعقبها تضييق الخناق على الشعب، وهو أشد من كل تضييق، لكنكم رأيتم جميعاً أنّ ثورتنا أعقبتها الحرية المطلقة التي بلغت حداً كان المفسدون يستغلونه لأغراضهم. واستمرت هذه الحرية لمدة خمسة اشهر. إذ كانت تتمتع بالحرية الكاملة جميع الصحف والمجلات، وكان المتحدثون والخطباء أحراراً فيما يقولون، كما كانت جميع طرق المواصلات مفتوحة، وهي الآن مفتوحة أيضاً. ولكن بعد مرور بضعة أشهر تبين أنّ بعض هذه الصحف تريد نشر عقائدها الخاصة، ثم ظهر أنها تتآمر، وتعمل كأجيرة لصالح اسرائيل المعادية للبشرية، فهي أجيرة ومتآمرة، وبعض الصحف أغلقت لتقديم اصحابها الى المحاكمة لمعرفة بواعث قيامهم بهذه الأعمال؟
هذا غاية ما حصل عقب ثورتنا، أما القتل الجماعي وما شاكل ذلك فلم يحصل مطلقاً. وكل ما في الأمر أنه أُلقي القبض على عدد معين من الأشخاص الذين كانوا يقومون بأعمال الدعارة والفساد الأخلاقي والقتل والتحريض عليه، وقُدّموا الى المحاكمة، وبعد أن ثبتت جرائمهم، حكم على بعضهم بالإعدام، وأُلقي الآخرون في السجن، فنال كل واحد منهم جزاءه.
الثورة النموذجية
لا توجد في العالم ثورة تعقبها حرية وتعامل إنساني كهذا الذي حصل بعد ثورتنا. وسبب ذلك هو أنّ ثورتنا شعبية وإسلامية. فالشعب كان يلزم نفسه بأن لا يفعل ما يخالف الإسلام.
ولكن --رغم ذلك-- لا يستبعد وجود أشخاص مفسدين بين شعب بلغ عدد نفوسه نيفاً وثلاثين مليون نسمة، وهذا أمر طبيعي، إذ كان موجوداً في السابق، وهو موجود الآن أيضاً. لكنّ الوضع بعد ثورتنا لم يكن بهذه الصورة التي يقع فيها القتل الجماعي من قبل الثوار الذين انتصروا، أو أن يضيقوا الخناق على الناس. لم يحصل مثل هذا، ولأنّ الثورة ثورة شعبية وكانت لأجل الإسلام. وهذا أحد امتيازات هذه الثورة على بقية الثورات، فهي ثورة شعبية إسلامية.
التعبئة العامة على طريق البناء
أنتم ترون-- الآن-- أنّ جميع فئات الشعب مشغولة بانجاز أعمالها باستثناء فئة قليلة فاسدة عميلة تستلهم أفكارها من الخارج. فالجميع يشعرون بمسؤولية العمل لأجل وطنهم، والجامعات والمعاهد العلمية تنجز أعمالها انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية، وكذلك الزراع مشغولون بالزراعة. قبل يومين جاء المزارعون من أطراف قم، وقد أعجبني فيهم أنهم كانوا يحملون مساحيهم وسنابل الحنطة، وهم يهتفون قائلين: نريد اصلاح زراعتنا بأيدينا. فالمزاعون مشغولون بانجاز أعمالهم ايضا.
لكنكم تعلمون أن المسؤولين السابقين سعوا إلى نشر الفساد في هذه البلاد منذ خمسين سنة على الأقل، ولم يشغلهم الانهماك في الفساد عن التعرض للشعب. بل كانوا يسعون الى إلحاق الضرر بالبلاد في مختلف المجالات، فكانوا يلحقون الضرر بالجامعات بأساليب معينة، حتى أنهم أوجدوا جامعة استعمارية خاصة، حينما يدخلها شباننا ويتخرجون منها، نراهم يتكلمون لصالح الآخرين أكثر مما يتكلمون لصالحهم أنفسهم. لقد أرادوا أن يربوا شباننا بهذه الصورة.
حينما تطّلعون على بقعة من بقاع البلاد تجدونهم قد أفسدوها، فهم يزرعون الخلافات بين فئات الناس، ويثبطون الناس عن أعمالهم، وهكذا نلاحظ قلة إقبال الناس على أعمالهم، وهم لا يتركون الناس ينجزون أعمالهم، بل يريدون أن يكون الناس بحاجة إلى الآخرين. فجعلونا مفتقرين إلى غيرنا. والأدهى من ذلك أنهم جعلوا ثقافتنا بحاجة الى غيرنا، كما جعلوا عقولنا أسيرة الغير، حتى غدونا نعتقد بعدم وجود شيء غير الغرب، وأن لا شيء لدينا يمكن الاعتماد عليه. ولابدّ لنا من الاعتماد على الشرق أو على الغرب. وحتى كان رجالنا الطيبون يقولون: علينا أن نرتبط بالغرب. وذلك لأنهم كانوا لا يدركون أننا نستطيع أن نقول ونعمل بالاعتماد على أنفسنا. إننا نرجح الابتعاد عن هذه الحضارة التي تفسدنا، ونعيش حياة إنسانية بسيطة.
التغرب
إذا استطعنا تحقيق مثل هذا الاستقلال الفكري، والاعراض عن هذه الحضارة الفاسدة والمفسدة، فإننا سنصل بالتدريج الى الاكتفاء الذاتي. والشيء الذي لا يسمح لنا أن نكون مكتفين ذاتياً في كل جانب إنما هو الارتباط والتبعية. وإذا اتخذ شعبٌ الغربَ قبلة له فإنه لا يتكلم إلّا وهو مول وجهه شطره. فحينما كنت في تركيا، رأيت يد تمثال أتاتورك «4» ممدودة نحو الغرب-- كما قال لي من كان هناك--، فكأنه يقول: يجب أن نأخذ كل شيء من الغرب. وكذلك كان أحد «5» علمائنا-- كما كان يسمى سابقاً ثم توفي-- كان يقول: في إيران لا نستطيع اصلاح أنفسنا إلّا بعد أن تكون جميع أمورنا انجليزية. مثل هذه العقول تعتقد أنّ كل شيء من الغرب.
ومما يؤسف له أنّ الدعايات التي استمرت طيلة سنين رسّخت في أذهاننا الاعتقاد بأننا لسنا بشراً قادرين على شيء. اذ فرضوا علينا أنه إذا أصيب شخص بعارض قلبي، فعليه أن يذهب الى أوروبا، وإذا أراد شخص أن يتعلم شيئاً، قيل له: إذهب الى أوروبا. في حين أنكم إذا قارنتم هؤلاء الذين ذهبوا الى أوروبا للدراسة-- كما يتخيلون هم-- بأولئك الذين درسوا هنا دراسة صحيحة، تجدون أنّ الذي ذهب إلى أوروبا إنما ذهب للتنزه وللحصول على شهادة، ثم يعود إلى هنا ويفرض نفسه على الناس، فهو إنما ذهب ليأخذ شهادة تجيز له أن يفرض نفسه على الناس. إنّ شهادة الدبلوم التي يعطونها لشباننا أسهل من التي يعطونها لشبانهم، وفي زمن دراسي أقل. وذلك لأنهم يريدون أن يصيروا علماء، لكنهم لا يريدون لنا ذلك. لقد جعلونا في حالة يكون كل شيء منهم ولا شيء من عندنا.
الطب والحضارة الشرقية في أوروبا
يجب أن نثبت للعالم أننا بشر، ولنا وجود في هذه الحياة، وأنّ الشرق له شأنه ايضاً، وليس الغرب وحده، و أن خزائن الشرق اكثر من بقية الأماكن، ومفكّروه كانوا أكثر من مفكري البلاد الأخرى. لقد كان الغرب يأخذ الطب من الشرق، واستمر ذلك الى الوقت الذي أسرنا الغرب فيه، كانت الحضارة تصدّر الى الغرب من الشرق. لكنه للأسف استطاع الغرب بما بيّت لنا من خطط، وبسعيه الى تقسيمنا وتشتيتنا، وبما بث من دعايات، استطاع أن يسبقنا بشكل اعتقدنا معه أننا لا شيء أمامه.
لقد ذكرت هذا مرار وهو أنّ قماش الصوف ينسج في معامل نسيج اصهان، لكنه يكتب على حاشيته أنه صناعة انجليزية، لأنه إذا لم يكن القماش انجليزياً، فإنّ أسواق القماش ترفضه، ولا يشتريه التجار، حتى أنا وأنتم لا نشتريه، لأننا لا نشتري القماش إلّا إذا كان انجليزياً. وكذلك شوارعنا، إذا أردنا لها ان تكون جميلة، فيجب أن نسميها باسم روزفلت «6»، الشخص الذي جلب لنا هذه المصائب، وكان-- على رأي-- السبب في مجيء هذا الرجل «7» إلى السلطة، لأنه قال: (إنهم رأوا المصلحة في أن أكون أنا هنا) فلعنهم الله على هذه المصلحة التي رأوها. لذلك يجب أن تحمل الشوارع أسماء روزفلت، وتشرشل «8» وأمثالهما. إذهبوا أنتم إلى الغرب وتحروا أسماء شوارعه، فمع أني لا أعلم بالضبط، لكنني لا أظن أن احد شوارع الغرب يحمل اسم احد سلاطيننا إلّا إذا كان قصدهم أن يخدعونا ويضحكوا علينا، فإنهم قد يفعلون ذلك أحياناً، فيجعلون اسم شرقي على احد الشوارع، فهل يجوز أن يكون ذلك سبباً لتسمية مئة شارع باسم مئة شخص من شخصياتهم. إنهم جعلونا هكذا بحيث أغلقنا على أنفسنا جميع أبواب معرفتنا. لكننا فتحنا الأبواب امام علوم الآخرين، العلوم التي توصف بأنها علوم للتصدير فقط، لأنها لو كانت علوماً واقعية دقيقة لما وصل حالنا اليوم الى ما وصل اليه. ومعنى علوم تصدير أنها لا تنفعنا ولا تستطيع أن توصلنا الى المراتب العليا، لكنها تحمل أسماء كثيرة، ويُعمَل لها دعايات كثيرة بأنها بوابة الحضارة. لكنكم رأيتم أنّ هذا السيد «9» كان يدعي أنه يريد أن يوصلنا الى بوابة الحضارة. لكنه حين ذهب رأيتم كيف كان وضعنا؟ لم يكن عندنا شيء، إذ قد نهبوا جميع خزائننا كما نهبوا كل ما نملك من النفط، ولقد وعد هذا السيد أنّ نفطنا سينتهي بعد عشرين سنة، وسنستعيض عنه بأشعة الشمس. طبعاً إذا كان موجوداً بعد عشرين سنة كان يحتمل أن ينتهي نفطنا. لكنّ نفطنا-- بحمد الله-- لازال موجوداً والنفط إذا لم يُسرق فهو موجود.
من خصائص الثورة الإسلامية
على أيّة حال فإنّ هذه الثورة امتازت بأنها إسلامية وشعبية. وهذه الخصيصة هي التي دفعتكم --أيها السادة-- إلى العمل المتواصل، وبذل كل الجهود. لأنكم ترون أنّ العمل لصالحكم، وليس لصالح من هو خارج منزلكم إيران. أنتم الآن تعتبرون إيران منزلكم. لكن أحدكم كان يقول-- سابقاً--: لماذا أعمل؟ وهل يصح أن أعمل وتكون المنفعة لأميركا؟ كما هو الحال --مثلًا-- في الصناعات النفطية، إذ إننا نعمل ويكون الناتج لأميركا. فلماذا نعمل إذن؟ وأنتم ترون-- الآن-- جلياً أنّ كل شيء يذهب إليهم. نعم إنّ لهم في كل مكان أيادٍ تسعى الى أن نعمل نحن وتكون المنفعة لأميركا. فهؤلاء العملاء الذين يصفون أنفسهم أنهم يعملون لمصلحة الشعب، يسعون الى أن نعمل لمصلحة الأجانب. هذا هو قصدهم. لكنهم يخفون ذلك، ويتظاهرون بأنهم يريدون مصلحة الشعب ورقيه.
الوقوف بوجه الشعب باسم الديمقراطية
لقد وقف شعبنا وصوت لصالح الدستور، وكان يقول: إنّ ما يتشدّق به هؤلاء ليس الديمقراطية. وهل الديمقراطية غير أن يملك الشعب زمام مصيره بيده؟ في أي مكان من العالم توجد ديمقراطية أكثر مما هي عليه في الدستور الذي صوت له الشعب مرتين؟ وهل توجد دولة في العالم يصوت شعبها للدستور مرتين؟ إذ قد صوت شعبنا مرة لانتخاب خبراء الدستور لكي يدرسوه دراسة دقيقة. ومرة صوت ابناء الشعب للدستور نفسه. ومع كل ذلك فإنّ هؤلاء السادة يشكلون على إرادة الشعب، ويريدون أن يفرضوا إرادتهم عليه. وهذه هي الدكتاتورية بعينها. فالمسألة ليست أنّ هؤلاء يريدون أن يكون المجلس على أحسن ما يرام، وأن يكون النظام، أفضل نظام بل إنّ المسألة هي أنهم يخافون من النظام الذي يأتي به الشعب وفقاً للأصول الإسلامية.
دراسات خبراء الاستعمار وتقييم الشعوب
إنّ هؤلاء الأجانب قد درسوا جميع أمورنا وبحثوها. إنهم موجودات عجيبة، إذ بحثوا جميع أمورنا، وجاء خبراؤهم في وقت مبكر حيث لم تخترع فيه السيارة بعد، وركبوا الجمال، وذهبوا مع رعاة الإبل الى الصحاري، والى الأماكن التي تذهب إليها القوافل، وكانوا يرسمون الخرائط لكل تلك الأماكن، ويكشفون بواسطة ما لديهم من اجهزة عن نوع المعادن الموجودة في باطن الأرض. وحينما كنت في همدان، جاءني احد الأصدقاء بورقة كبيرة رأيتها، وقال: هذه خريطة مدينة همدان وضواحيها، وكانت خريطة كبيرة، فنظرت فيها، ورأيت نقاطاً كثيرة، فقال: هذه خريطة الأجانب، وهذه النقاط تمثل أماكن تحتوي ارضها على ثروات طبيعية، فهي تمثل الأماكن التي اكتشفوا فيها معادن.
اضافة الى أنهم قد فحصوا ارضنا بدقة، وتعرّفوا على ما تحتويه، وما نملكه من ثروات طبيعية، كما أنهم أخضعوا جميع فئات الشعب للدراسة والبحث، فتغلغلوا في أوساط قبائل البختيار، إذ قد جُنّد شخص للذهاب الى هناك والبقاء مدة سنين للنفوذ داخل القبائل، ودراستها لمعرفة كيفية تطويعها وكبح جماحها، أو إثارتها، ودرس طبائع الناس هناك وذهبوا الى بلوشستان، والى كردستان، والى كل مكان. ويمكن أن يوجد شخص بين الأكراد، وهم لا يعلمون أنه ليس كردياً. وربما كان هناك من ارتدى العمامة ولبس زي علماء الدين أو طلاب الحوزة العلمية. فهم اندسّوا في كل مكان، ودرسوا جميع الدوافع والعوامل التي يمكن أن تكون منشأ لأمر ما في شعب من الشعوب.
لقد درس هؤلاء كل ذلك في الماضي دراسة نظرية، ولم يحصلوا على مصداق ملموس، فأنتم --أيها الشعب العظيم-- قد أعطيتموهم مصداقاً عينياً، يعني: إنّ دراساتهم انتهت بهم إلى أنّ الشيء الوحيد الذي يُضرّ بمصالحهم هو الإسلام، ووحدة الكلمة. فإذا اتحد أبناء الشعب، وكانوا جميعاً متمسكين بالإسلام، فإنّ ذلك يعكّر عليهم صفو حياتهم، لذلك هجموا على هاتين الركيزتين؛ ففي زمن رضا شاه حملوا على الإسلام وعلى علماء الدين وفعلوا ما فعلوا.
الهوة بين الحوزة والجامعة
إنّ كبار السن الذين يتذكرون، رأوا ما أريد أن اقوله، أما الذين لم يروا ذلك فلينظروا في كتب التاريخ لاحقاً. ولعل التاريخ سيذكر هذه الأمور فيما بعد. لكنه في زمن كان على نحو آخر بأشكال مختلفة. والأساس الذي اعتمده هذا الشخص هو ازاحة الإسلام وإبعاده عن الساحة، إذ أراد أن يحطم تاريخ الإسلام تحت شعار أننا وصلنا الى مراتب عالية من الرقي. لكنه لم يوفق في ذلك.
لقد أرادوا تحطيم كل شيء، وإضعاف الإسلام، وأيجاد هوّة بين الناس وأولئك الذين كانوا يخدمون الإسلام أو علماء الدين. وذلك بدعوى أنهم رجعيون. ومن جانب آخر كان هناك الجامعيون الذين كانوا يرتدون ربطة العنق. هكذا كان هؤلاء يأتوننا، ويلقون في أذهاننا أنّ هؤلاء الجامعيين هم جماعة غير متدينة تحلق لحاها، وتضع ربطة العنق. وفي المقابل كانوا يأتونكم ويقولون إنّ علماء الدين عملاء الانجليز، وإنّ الانجليز هم الذين بنوا الحوزات العلمية. ولقد سمعت بأذني يقولون: إنّ الانجليز هم الذين أوجدوا الحوزات في النجف وقم لكي لا نتقدم ولا نترقى. فخطة الإستعمار هي الحيلولة دون تحقق الوحدة بين هاتين الفئتين من المفكرين: (الحوزويين والجامعيين).
تأسيس الأحزاب لبث الاختلاف
لكنّ الله تعالى شاء، في هذه البرهة من الزمن، أن تتحد هاتان الطبقتان؛ فهدفهما واحد وموضوعهما واحد ايضاً. لكنّ أولئك يريدون أن يثيروا الفرقة، إذ يريدون عزل الجامعيين عن الحوزات العلمية، وأن يوجدوا أحزاباً وفرقاً كثيرة لكي يختلف بعضها مع بعض. وإننا-- للأسف-- لم ننتبه لذلك.
نحن لا نستطيع ادراك عمق هذه الأمور، لأننا شهدنا-- في أقل من سنة-- ظهور مائتي تنظيم وتكتل، ومائتي حزب أعلن عن وجوده. فما معنى ذلك؟ وما الذي حصل حتى كان كل هذا؟ فقد ظهرت مائتا فئة هنا، وكلما كثرت الجماعات كثرت الخلافات.
إنّ اتخاذ الأحزاب ألعوبة ووسيلة للوصول الى الأهداف المرجوة قد حصل لأول مرة في بداية ظهور الحركة الدستورية، إذ أوجدوا-- لأول مرة-- حزباً في إيران. والغرض من كل ذلك هو توسيع شقة الخلاف بين طبقات الشعب، والحيلولة دون اتحادها، حينما كان هناك حزب العدالة، وحزب آخر هو الحزب الديمقراطي فإنّ هذين الحزبين كانا خصمين، لأنّ كلًا منهما يدعو الى نفسه. لكنّ الأحزاب في الخارج ليست كذلك. وإذا رأيتموهم يظهرون أنهم مختلفون فيما بينهم، فإنّ ذلك لتضليلنا وخداعنا، إذ لا توجد بينهم اختلافات أساسية مطلقاً.
إنهم يريدون بتظاهرهم بهذه الاختلافات، أن يخدعونا لنختلف فيما بيننا. فإنهم يعتبروننا اطفالًا، ويتعاملون معنا على هذا الأساس، ويلقون في الساحة كرة حتى يلهوا الناس بها.
ضرورة التحول الفكري
إذا كنتم-- أيها السادة-- وإذا كان الشعب يريد استقلاله-- ولا شك أنه يريد ذلك-- وكان يريد حريته-- ولا شك أنه يريدها-- فيجب أن نحرر أفكارنا. فإنّ أفكارنا-- الآن-- محدودة بقيود، ونحن نستطيع إيجاد نهضة فكرية، وقد حدثت هذه النهضة فعلًا. لكن يجب علينا مواصلتها. وأنتم-- أيها الجامعيون-- علماء ومفكرون فعليكم أن تربوا شباننا تربية تمكنهم من أن يدركوا بأنفسهم أهمية منزلتهم ودورهم في الحياة، وأن لا يقولوا: علينا أن نبقى على تبعيّتنا للغرب، وأن نصير غربيين او شرقيين.
إذا أتت من الغرب بعض الصناعات، فعليهم أن يتعلموها، لكن لا يجوز لهم أن يتغربوا. فإنّ تعلم شيء أمر يختلف عن أن يصوغ الإنسان عقله صياغة غربية ويتجاهل شخصيته. إننا لا نخالف المدنية. بل نخالف المدنية المستوردة، فإنّ استيراد المدنية هو الذي أوصلنا الى هذا الوضع اليوم.
مراكز الفساد والفحشاء لتخدير أفكار الشباب
الحرية المستوردة هي التي جرّت أولادنا الى الفحشاء. ولقد ازدادت باسم الحرية مراكز الفساد مثلما ارادوا. وكانت صحفنا تنشر الفساد باسم الحرية، وذلك لكي يصرفوا أولادنا وشباننا عن الجامعات ويجروهم الى الفحشاء. هذا في الوقت الذي لم تكن فيه جامعاتنا بالمستوى الأخلاقي المطلوب. لكنهم مع ذلك كانوا يحاولون القضاء حتى على القليل المتبقي، وابعاد الشباب عن جميع أماكن العمل والانتاج، وجرّهم الى تنشئة الكسالى والعاطلين. ولاشك أنّ جميع مراكز الفساد تُعلّم الكسل وتجعل الإنسان عاطلًاً غير منتج.
وإذا اعتاد شباننا على الذهاب الى السينما غير التربوية التعليمية التي تخدّرنا، والى مراكز الفساد التي سمعتم أنها كانت كثيرة في طهران، وبين طهران وشميران، فإنّ ذلك يعني شلّ العضو الفعال الذي ينبغي ان يدير البلاد. والى جانب جميع ذلك سعوا الى نشر الهيروئين، والدعاية له بحيث ملأ جميع أنحاء البلاد.
ولاشك أنّ كل ذلك لم يحصل عفواً دون قصد وتخطيط. بل كان أمراً مخططاً له، لأنه إذا ابتلي الشاب الذي هو الطاقة الفاعلة للبلاد بتعاطي الهيروئين، فإنه يصبح لا شيء وبالتالي تشل البلاد. فهؤلاء يريدون أن يشلونا، لكي لاندرك ما ينهبوه منا، ولا نفهم تلاعبهم بنا واتخاذهم إيانا لعباً. ولكي لا نفكر في الاسباب التي اوصلتنا إلى هذا الحال. فالإنسان الذي يتعاطى الهيروئين، والإنسان الذي يتعاطى الترياق، والإنسان الذي يزاول الفحشاء، لا يمكنه السؤال عن سبب نهب هؤلاء لنفطنا، وعن معرفة من ينهبه ويستولي عليه.
فهذه الأسئلة لا تخطر في أذهانهم؛ لأنّ أذهانهم مشغولة بانتظار الوقت الذي يجب أن يتناول الترياق او الهيرويين، أو يذهب الى مكان الفساد، فلا يخطر على ذهنه التفكير بمثل هذه الأمور.
هذه خطة المستعمرين، وهي أن يحولوا بين شباننا وبين التفكير فيما يوصلنا الى الهدف المنشود، وأن يشلوا فاعلية طبقة الشباب، وأن ينشؤوهم كُسالى، ويعودوهم على البطالة؛ وأن يفعلوا ما يشاؤون دون أن نعترض عليهم. لكنّ الله لم يشأ ذلك، فأنقذكم، ولم يرد أن تتحقق إرادتهم، فأنجدكم، فيجب عليكم أن تحافظوا على ذلك.
رسالة الجامعة
ربوا شبابكم تربية تعودهم على النشاط والحركة، ولا تربوهم تربية تحصر همهم في الاكتفاء بالحصول على وظيفة إدارية يجلس فيها كل منهم وراء الطاولة. فما معنى ذلك؟ فهل عدمت فرص العمل حتى يذهبوا إلى الدوائر، ويجلسوا بانتظار استلام الراتب الشهري.
هكذا كان الوضع في السابق، ووضع دوائرنا الآن وضع سيء. ولقد كان الوضع سابقاً أنّ الدائرة التي يمكن ادارتها بمائة موظف، كان فيها خمسمائة أو ألف موظف. نعم كان يكفي لإدارتها مئة موظف فقط، أما الآخرون، فيجلسون هناك للتنزه وقضاء الوقت، ثم يأخذون رواتبهم في آخر كل شهر. وقد عرض التلفزيون مرة وضع الدوائر هذا. فهؤلاء يريدون أن يكون الوضع كذلك. لذلك يجب على الجامعات أن تربي علماء لا أن تربي إداريين، فالإدارة مسألة بسيطة، والحاجة إليها قليلة، ومع ذلك يجب ان يكون هناك اداريون.
أما الجامعة فيجب أن تربي العلماء الذين يستطيعون إدارة امور بلادهم علمياً وثقافياً، لا أن تكون الوظيفة والراتب آخر آماله، فيجلس في الدائرة مجمداً. ولو كان العمل في الدوائر موجوداً فلا بأس بذلك، لكن العمل غير موجود فيها. فالدوائر لا تستطيع استيعاب كل هذا العدد من الموظفين الا إذا كانت ميزانية الدولة تصرف في غير محلها وبلا مبرر. وأنّ الموظفين ينشأون كسالى عاطلين. وتكون النتيجة أنّ هذه الطاقة التي يفترض أن تلعب دوراً بنّاءً نشطاً، تنشأ عاطلة مشلولة، إضافة الى ضياع ميزانية الدولة. لذلك يجب أن تُصلح هذه الأمور.
مسؤولية بناء الذات وإصلاح الوضع الاجتماعي
إني في آخر أيام عمري، أما أنتم فشباب، فأصلحوا هذه الأمور. فإذا أردتم أن تكونوا مستقلين فانهضوا لإصلاحها. إذ يجب على الجميع أن يبدأوا بإصلاح أنفسهم، وإصلاح الناس، لأن الاصلاح مقدم على كل شيء. ولتكن الجامعات مراكز للتربية إضافة الى كونها مراكز للعلم.
فالتربية أمر واجب، لأنّ العالم إذا لم يتلق التربية الصحيحة، يصبح وجوده مضراً، لأنه يمكن أن يخون، والعالم الخائن خطره على المجتمع أكثر من خطر بقية الناس. فيجب عليكم أن تفرضوا التربية في الجامعات، وعلى الجامعيين أن يربوا الطلبة، فإنهم مستعدون لتلقيها. فإذا ربيتموهم تربية صحيحة متقنة، فإنهم يستطيعون ادارة البلاد. لأنكم في المستقبل يجب أن تديروا البلاد بواسطة هؤلاء الشباب، وذلك لأنكم تريدون أن تكونوا مستقلين، وأن تكونوا جميعاً أحراراً إن شاء الله وهذا يفرض عليكم-- أيها الجامعيون والمربّون والمعلمون-- أن تربوا الشباب وتعلّموهم، وأن تكون التربية ملازمة للتعليم.
أسأل الله أن يحفظكم جميعاً، إن شاء الله، ويوفقكم، ويسدد خطاكم. وإني سأساعدكم بقدر المستطاع، ما دمت حياً. وسأعمل كل ما في وسعي.