بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الثقافة
إني على اطلاع بهذه المسائل والمشاكل التي ذكرتموها. لكنها ليست خاصّة بكم. فالمشاكل موجودة في كل مكان. ومن الطبيعي أن تظهر المشاكل بعد كل ثورة. إنّ أمور بلادنا، كما شاهدناها نحن، في النيف والخمسين سنة الماضية على الأقل كانت محطمة ومضطربة، وكان كل شيء فيها متخلف، وكان اقتصادها فاشلًا تقريباً، وكل شيء فيها كان رجعياً، وكانت ثقافتها ثقافة استعمارية فاسدة.
فهذه البلاد بهذه الصفات قد آلت امورها اليكم والى أيدي الشعب، إذ قد سعى المستعمرون من كل جانب طيلة نيف وخمسين عاماً على الأقل، إلى ان يبقوها متخلفة ومضطربة، لذلك لا تتوقعوا أننا بعد تحطيم ذلك السد الشيطاني الكبير سنصل مباشرة إلى الجنة الموعودة.
إننا استلمنا بلاداً خربة تحتاج إلى سنين طويلة لتغيير ثقافتها. كما يحتاج تغيير العقول التي نشأت في ظل ذلك النظام تربية خاصة إلى زمن يستغرق مجيء جيل كامل. فكل شيء يجب ان يتغير. والثقافة من الأمور المهمة التي تقف في طليعة الأمور تقريباً. فليس الأمر أننا لسنا على اطلاع بالمشاكل الموجودة، كما أنّ محافظة جيلان ليست هي المحافظة الوحيدة التي تعاني من المشاكل. فاينما تذهبون تجدون نفس المشاكل مع تفاوت في الحجم. وإنّ اطلاعكم على مشاكلكم يجعلكم ترونها أكثر. وكل جماعة تأتي إلى هنا تذكر مشاكل منطقتها التي تراها، وتظن أنّ بقية المناطق ليست كذلك. وحقيقة الأمر أنّ الدعايات التي حصلت طيلة حكومة رضا خان وابنه، وخاصة في حكومة ابنه، قد جعلت الناس يعتقدون أن بلدهم على مشارف الحضارة الكبرى. لكن سكان كل منطقة لم يروا أثراً لذلك، بل وجدوا أنّ الأمر ليس كذلك. وظن سكان المناطق الأخرى أنّ الأمر كذلك، وسيصل اليهم الدور بعد ذلك في التطور والازدهار.
لذلك فان الناس يأتون من كل مكان، ويذكرون احتياجاتهم المعيشية الأساسية. أما أنتم ففي منطقة جيلان، لم تبتلوا بجلب الماء من مسافة فرسخ، ولم تبتلوا بما ابتلي به سكان ضواحي طهران المستضعفون من فقدان الماء، وعدم تبليط الشوارع، وافتقارهم إلى الثقافة، وفقرهم وحرمانهم، ونساؤهم المسكينات يجب ان يصعدن سلماً عالياً يشتمل على أكثر من خمسين درجة، لكي يملأن قربهن ماء، ثم ينزلن من هذا السلم ليوصلن الماء إلى أطفالهن الجالسين في الأكواخ. ويبلغ عدد هذه الحارات في ضواحي طهران أكثر من ثلاثين حارة.
الحرمان يعم البلاد
إنّ هذه الابتلاءات موجودة في كل مكان. وبعض مناطق إيران يجب ان تكون فيها مخازن للمياه، تتجمع فيها مياه الأمطار ليستفيدوا منها في أيام الصيف، لكنّ هذه المناطق لا توجد فيها مثل هذه المخازن. وحينما كنت في النجف كان بعض الخيرين يأتون ويذكرون أنّ أهالي هذه المناطق بحاجة إلى المخازن، ويقولون: نطلب الاذن منكم لتقديم المساعدة في ذلك، فكانوا يبنون لهم هذه المخازن. فلا تظنوا أنكم الوحيدون الذين ابتليتم بهذه النواقص، لأن هذه النواقص عامة وشاملة في جميع أرجاء البلاد، ويجب العمل على رفعها بعزم شعبي جماعي.
وهذا يعني لو كانت النقيصة في مكان واحد فقط لكانت الحكومة قادرة على رفعها بسرعة، لكنّها موجودة في جميع انحاء البلاد، حتى في العاصمة. فاذا كان الأمر كذلك، فان رفع نقائص هذه البلاد الواسعة التي تضم نيفاً وثلاثين مليون نسمة، وتفتقد كل شيء تقريباً، يجب أن يكون رفعها بأيدي أبناء الشعب، مثلما حصل انتصار الثورة بأيدي أبناء الشعب المتحدين.
أيتها السيدات المحترمات، وأيها الرجال والأطفال والكبار والصغار وسكان المدن والقرويون، لقد اجتمعتم واتحدتم جميعاً حتى حققتم النصر. لكنكم بعد أن نلتم النصر، وجدتم أنَّ جميع دعايات النظام السابق كانت كلاماً فارغاً، وأننا في واقع الحال لا نملك شيئاً، ولقد تبين أنّ الحضارة الكبرى كانت كلاماً لا أساس له، وأنَّ تلك الدعايات كانت لإلهاء الناس وصرفهم عن إدراك حقائق الأمور، ليتمكنوا من نهب كل شيء في البلاد، ولقد فعلوا ذلك، فنهبوا واستولوا على كل شيء. والآن فهذا الانتصار الذي خطا خطوته الأولى واجه جميع هذه الاضطرابات التي لا تتيح له مجال العمل.
إحباط المؤامرات
إنَّ هذه الجذور الفاسدة الموجودة في البلاد، وهذه المؤامرة التي تُحاك في كل مكان، لا تدع مجالًا لإيجاد حلول أساسية. كما لا تترك فرصة لتنفيذ هذه الحلول. حسناً؛ إنكم جئتم أمس إلى قم، وشاهدتموها. فهي مركز العلم، ومركز الإسلام، لكنكم تجدون مؤامرة تحصل فيها احياناً. لكنّ هذه المؤامرة لا تخص قم وحدها. بل إنها في الوقت الذي حصلت في قم، حصلت في تبريز أيضاً. وكلاهما من نسيج واحد، يعني لم تكن هذه المؤامرة داخلية. بل كان هناك ارتباط بالخارج.
نحن الآن مشغولون بالمحافظة على هذا الوطن بعد ان انتزعناه من ايديهم، فعلى جميع القوى أن تحقق هذا الأمر، ويجب تركيز جميع الافكار على إحباط هذه المؤامرات الموجودة لكي يحصل الاستقرار في هذه البلاد، وإنكم رأيتم أنَّ هذه البلاد حينما تريد أن تخطو خطوة نحو التقدم في مجال تشكيل الحكومة بالدرجة الأولى، كانت تبدأ المخالفات والمؤامرات والعراقيل في كل مكان.
وهذه الاضطرابات الجديدة التي حصلت الآن في قم وتبريز إنما حصلت لكي تمنع الشعب من التقدم نحو تعيين رئيس الجمهورية. وهذه خطة مدروسة تراقب الخطوات الإيجابية التي يخطوها الشعب، فتعرقلها خطوة فخطوة.
لكنهم - والحمد لله- يفشلون في كل مرة. ومع ذلك فهم لا يتركون الخطوة التالية تمر بسلام، بل ستحدث تلك الأمور نفسها. فالناس الآن يريدون ان ينتخبوا، بفكر، ورأي حر، شخصاً لرئاسة الجمهورية، ولذلك نجد حصول تلك المؤامرات وكذلك كان الأمر في السابق، فحينما أراد الخبراء تدوين الدستور، حدثت تلك الأمور والعراقيل، وحينما تأسس مجلس الخبراء، حصلت عراقيل أيضاً، وحين صُوّت للدستور بعد ذلك، وجدناهم يعرقلون أيضاً. وهم الآن يواصلون هذه الاعمال، وهؤلاء هم الذين ارتبطوا بالخارج وبالآخرين. فهم يخالفون الجمهورية الإسلامية خطوة خطوة. وهذه المخالفة والاضطرابات التي رأيتموها الآن، إنما هي لأجل إعاقة انتخابات رئاسة الجمهورية، وسيهزمون في هذه المرة أيضاً. لكنهم لا يكفون عنا، لذلك عليكم أن تنتظروا مصائب أكثر في انتخابات مجلس الشورى التي يريد أبناء الشعب أن ينتخبوا نوّابهم. ففي ذلك الوقت ستكون الاضطرابات أكثر.
لكن يجب عليكم الصمود بكل صلابة، ولا تيأسوا أبداً، يجب ان لا تزرع هذه الانتخابات اليأس فيكم مطلقاً، حتى يصل الدور إلى تلك الأمور الأساسية التي يجب حلها، وبعد ذلك نبدأ بحل المسائل الثانوية إن شاء الله تعالى.
السعي لتوطيد أركان الحكومة
إذا أردنا الآن أن نوجّه جميع قوانا إلى البناء، فمن المحتمل ان يحصل إهمال للأمور الثقافية التي هي في طليعة الأمور، فالوقت - الآن- يجب أن تكرس فيه جميع الأفكار والنشاطات وجميع الآراء لكي نجعل هذا الحصن يتقدم، وننتخب بشكل جيد رئيساً للجمهورية وفقاً لما نص عليه الدستور وذكر شروطه. وإذا حان الوقت - بعد ذلك- فسيؤسس مجلس الشورى الوطني، لكي تثبت أركان الحكومة. إن الحكومة الآن ضعيفة ومزعزعة وغير مستقرة، لأننا - وإن أيد الشعب دستورنا- فاننا بحاجة ماسة إلى رئيس جمهورية ومجلس الشورى. واذا أردتم- الآن- أن توجهوا الانظار إلى هذه الأمور الثانوية، وتغفلوا عن تلك الأمور، يحتمل أن يعين أولئك المنحرفون المترصدون - بالانتحال والاحتيال- منحرفاً مثلهم قد انتحل لنفسه صفة الوطنية طيلة مدة حياته حتى عرف بانه وطني. فافرضوا حصول مثل هذه الحالة، كما حصل من بختيار الذي كان في الجبهة الوطنية، ومن مؤيدي الدكتور مصدق، واستمر على ذلك عشر سنين أو عشرين سنة، حتى عرف بالوطنية. ثم رأيتم كيف ظهر أنه مجرم من الدرجة الأولى. وهو الآن مستمر في إجرامه، إذ إنه كان يقترح على أميركا - ولعله قال لرئيسها- تدخل في إيران عسكرياً، والدلائل تشير إلى أنه قال له: حاصر إيران حصاراً اقتصادياً. فهذا الرجل الذي يدعي الوطنية، ويزعم أنه من الوطنيين يؤكد على أميركا أن تفعل بوطنه هذا الفعل. فهؤلاء المستعمرون يدخرون هكذا أشخاص. فاذا غفلنا، ربّما ينتحل بعض الأشخاص ما يوصلهم إلى منصب من مناصب الدولة، أو يدخلوا مجلس الشورى الذي يعتبر أكثر أهمية، فيقضوا على الأصول والأسس.
لذلك يجب عليكم - ايتها الأخوات، وأيها الأخوة، وجميع القوى الداخلية- ان تتآزروا وتتحدوا لكي نجتاز هاتين المرحلتين أيضاً، وهما: مرحلة تعيين رئيس الجمهورية، وبعد ذلك مرحلة انتخاب نواب مجلس الشورى الوطني - إن شاء الله- لكي تتحقق حكومة مستقرة، او لكي يتحقق هيكل حكومة مستقرة، وبعد ذلك نتجه إلى بحث ماذا يجب أن يكون المحتوى؟ إن المحتوى الآن يجب أن يقال عنه: إنه محتوى غربي تقريباً. لكنه ليس غربياً تابعاً للغرب. بل هو غربي مستورد. إنه غربي يرفضه الغرب لذلك يصدره. فالثقافة التي يرفضها الغرب، يصدرها إلينا. فهكذا أمور توجد الآن في الساحة. لكن يجب علينا أن نصلح أساس حكومتنا أولًا، ثم ننتقل بعد ذلك لبحث المحتوى، إذ هو في الدرجة الثانية. فلا يصح أن نتوقف - الآن- عن العمل، أو أن نجمد نشاطاتنا. بل يجب أن نفعل كل ذلك. لكن علينا أن لا نغفل عن الأصل، والأساس. ففي بعض الأحيان يقبل الإنسان على الاهتمام بالفروع، ويغفل الأصول، فيتأخر. فيجب أن نعمل عملًا لا يجعلنا نتأخر عن الأصل. وذلك الأصل هو عبارة عن تثبيت حكومة إسلامية كاملة وصحيحة ومستقرة.
وعند ذلك، وبعد أن يتحقق هذا الأصل، نتجه إلى فروعه، كما هو الحال في الإسلام، وفي بقية الأديان التي جاء بها الأنبياء، إذ كان همهم الأول جلب انتباه المشركين إلى الأصول، فكانوا يعرضون الأصول أولًا. وبعد أن يثبتوا الأصول، كانوا يتجهون إلى فروعها وأغصانها. فنحن- الآن- مبتلون بهذا الأمر، إذ إنهم يعرقلون تطبيق الأصل. وأنا أرى أن هذه المؤامرة الأثيمة التي حدثت أمس في قم كانت لعرقلة تحقيق هذا الأصل وتثبيته. وإننا نتوقع حصول مؤامرات أكثر عند انتخاب مجلس الشورى الوطني. وذلك الذي ذكرته حول الثقافة، ليس مفهومه أننا نترك الثقافة - الآن- جانباً. فيجب أن نكون جادين. إذ إنّ أولئك مستمرون في خططهم ومشاريعهم. فلا تظنوا أنهم خرجوا من الساحة، لكنَّ هذا العمل يستغرق وقتاً.