بسم الله الرحمن الرحيم
جهود شاملة لإعادة الأعمار
بعد هذه النهضة وهذه الثورة- التي انتصرت إلى حدِّ ما والحمد لله، والتي خطا شعبنا لأجل تحققها الخطوة الكبرى- أعجبتُ كثيراً بهذه الإنجازات التي حصلت بأيدي أبناء الشعب في مؤسسة كمؤسسة جهاد البناء. وإني أفرح في كل وقت يعرض التلفزيون منتسبي هذه المنظمة من الأخوات والاخوة من جميع فئات الشعب وهم منهمكون في إنجاز الأعمال البنائية لبلادهم. فيجب عليكم الابتعاد عن الانشغال في انتقاد دوائر وأجهزة الدولة، لأن الدولة ودوائرها مشغولة بانجاز أعمالها، لكنها لا تستطيع تلبية جميع احتياجات البلاد الكثيرة جداً. إنّ إيران بلادكم ووطنكم، فيجب عليكم أن تبنوه وتشيّدوه. وإذا لم ينهض جميع أبناء الشعب لانجاز هذا الأمر- أعني البناء والاعمار- فستبقى الأعمال معطلة. فلا يجوز لفئة من فئات الشعب التوقف عن العمل والبناء بحجة أنها تنتظر مبادرة فئة أخرى. كما لا يجوز التوقف عن عملية البناء بحجة أنّ الآخرين يعرقلونها. إذ لا شك أنكم تعلمون أنّ المخربين متواجدون في كل زاوية ومخبأ، وهم على أُهبة الاستعداد لعرقلة عملية البناء. فالشعب هو الذي يجب أن يقوم بأعمال البناء هذه. فمثلًا لاحظتم أنّ النظام السابق كان يقول ولا يفعل، فكان يكتفي بالدعايات فقط، ومن جملة ما كان يقوله ولا ينجزه مسألة مكافحة الأمية؛ إذ كان يطبل ويزمر لها، لكنه بعد ان أطيح به تبين أنه لم يكافح الأمية قط، ولم يتقّدم في هذا المجال خطوة إيجابية واحدة. نعم إنّ العمل الذي قام به في هذا المجال هو مكافحة التقدم العلمي وإعاقة ازدهار البلد.
فاذا جلس الشعب على أمل أنّ تقوم الحكومة بعملية البناء، فأنا أقول لكم؛ إنّ الحكومة لا تستطيع أن تقوم بكل ذلك. إنّ ثمانين بالمئة أو خمسة وستين بالمائة من أبناء الشعب هم أميون- كما قيل لي- ، وأنا لا أعرف النسبة المئوية للأميين بالضبط. لكنني أعلم أنّ هذه النسبة عالية في بلادنا ومع أنّ إيران يجب ان تكون متقدمة على أفغانستان في هذا المجال، لكن- مع ذلك- نجد الأمية فيها أقل مما هي عليه في إيران. كما أننا نقصد بمحو الأمية أن يتعلم جميع الإيرانيين القراءة والكتابة فقط. فليس قصدنا بمحو الأمية أن يصير كل فرد من أبناء الشعب الإيراني طبيباً أو مهندساً؛ لأنّ هذا أمر غير معقول. نحن نريد أن يستطيع كل فرد أن يعبر عما في نفسه بواسطة الكتابة، وأن يتثقف بواسطة القراءة، وأن يتعلم كيف يوقع.
حينما كنت في النجف كنت اتشرف بزيارة مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكنت أشاهد احيانا الافغانيين يقرأون جميعاً الزيارات المعلقة على جدران الحرم الطاهر، كما يقرءون كتب الأدعية، وكنت أرى شخصاً واحداً فقط لا يقرأ من بين كل ثلاثين أو أربعين شخصاً، ولعل هذا الشخص كان قد أنهى قراءة الزيارة والأدعية دون أن انتبه إليه. والمهم أنهم جميعاً كانوا يجيدون القراءة، ولم يكونوا كما قيل عنهم أنهم في مستوى ثقافي واطئ.
إننا نرغب أن تمحى الأمية من بلادنا بعزم جماعي، أما إذا جلستم تنتظرون قيام الدولة بهذا العمل، فاني أقول لكم: إنّ الحكومة لا تستطيع ذلك، وسيبقى الأمر كما كان عليه سابقاً. علماً بأنّ الحكومة الآن اقدمت على هذا العمل، كما أنّ وزارة التربية والتعليم قامت وتقوم بأعمال جيدة في هذا المجال. لكنّ المهم هو مدى قدرة الحكومة على اداء هذا العمل. وكذلك الأمر في ما يخص جهاد البناء؛ فالحكومة وحدها لا تستطيع إعادة بناء وطن نُهِبَ منه كُلُّ شيء فعمه الخراب والدمار، كما لا تستطيع فئة واحدة بمفردها أن تقوم بكل ذلك، لذلك يجب على جميع أبناء الشعب أن يعتقدوا أنّ هذا الوطن وطنهم، فيعقدوا العزم- إن شاء الله تعالى- على بنائه وإعماره بأيديهم.
عراقيل المعارضين وتغلغلهم في أجهزة الدولة
إنّ الأمر المهم الذي يقلقني الآن وسبق أن ذكرته مراراً للوفود التي حضرت هنا، هو وجود أيدٍ عميلة تعمل في الخفاء لصالح أمريكا غالباً، ولصالح بقية الدول التي تطمع في ثروات بلادنا مثل روسيا وغيرها. فهؤلاء ينتظرون أن نعمل شيئاً لينهبوا ثروات بلادنا، لكننا الآن قلّمنا أظفارهم وسيبقون- إن شاء الله- عاجزين عن الوصول إلى ثرواتنا، وهم يحرصون حالياً على ان لا يدَعُوا إيران يعمها الاستقرار، ويحكمها نظام سليم.
هؤلاء العملاء منتشرون في جميع أجهزة الدولة، فهم موجودون في مؤسسة جهاد البناء وينتحلون لأنفسهم ماشاءوا. وموجودون في الجامعات- أيضاً- ووجودهم في المعامل أكثر. لذلك أرى أنّ هناك خطة تآمرية للحيلولة دون حصول الاستقرار واستتباب النظام في إيران. فهؤلاء يتغلغلون في الجيش والدرك والشرطة ويحولون بأساليبهم الخاصة، دون تطبيق القوانين والعمل بالأنظمة العسكرية وذلك لكي يسود الاضطراب وتشيع الفوضى. وهم موجودون في كل مؤسسة حتى بين حراس الثورة الإسلامية. ووجودهم في الجامعات أكثر. وأرى أنّ خطتهم التآمرية تهدف الى أن يوجهوا لنا ضربة قاضية من الداخل حتى يثيروا الاضطراب في النفوس، ليضطرب النظم فيها، وتشيع الخلافات، وتعم الفوضى والقلاقل. وعندها يهجمون على المنازل والأراضي والبساتين والأموال فينهبونها، ويعملون بها ماشاءوا أن يعملوا، فيحولون بذلك دون حصول الاستقرار واستتباب الأمن، هذا على صعيد الداخل.
أما على صعيد الخارج، فانّ أعداء هذا الشعب وأعداء الإسلام يشيعون باقلامهم وبما يحملون من أفكار مسمومة وخطط تآمرية، الفوضى وينشرونها في الصحف ووسائل الإعلام الخارجية، بعد أن يضخموها ويضاعفوها أضعافاً كثيرة، ثم يعكسون للخارج صورة عن إيران وكأنها طفل صغير يحتاج إلى قيم لأنه، إذ لم يبلغ الحلم، فلا يستطيع أن يدير نفسه بنفسه. فيحتمل أن تكون الخطة التآمرية هي أنهم يريدون أن يعكسوا للخارج أنّ الفوضى هي السائدة في ايران، و أنّ فئات الشعب متخاصمة ومتناحرة فيما بينها، لكي يتخذوا ذلك ذريعة لإثبات أنّ إيران غير مؤهلة لإدارة نفسها بنفسها، ويجب على الآخرين أن يديروها، ثم ليبيّنوا بذلك للعالم أنّ ما ينوون القيام به من التدخل العسكري وقلب نظام الحكم إنما هو لمصلحة هذا الشعب الذي لا يستطيع أن يحفظ نفسه بنفسه، لذلك يجب أن نحافظ على هذا الصغير بتعيين قيم عليه.
مقارنة الثورة الإسلامية الإيرانية مع بقية الثورات
ليس هناك ثورة في العالم ترقى الى الثورة الإيرانية. لأنّ الثورات الأخرى يذهب ضحيتها مليون أو مليون ونصف نسمة. ولقد اطلعت على وثائق تشهد بذلك، يحبس إثرها مليونا شخص، وتغلق جميع حدود البلاد. وهذا ما تلاحظونه اليوم في الثورات التي تحصل، إذ تغلق جميع حدود البلاد بوجه الدول الأجنبية، فتغلق المطارات وتعطل الصحف أو تفرض عليها رقابة مشددة، فيعيش الناس في جو من الكبت الذي أضيف إلى الضغوط التي كانوا يعيشون في ظلّها.
بعض الثورات تبدأ بعد انتصارها مباشرة، بالانتقام والإبادة الجماعية، فيقتلون على الريبة والشبهة، ولا يكتفون بقتل شخص أو مجموعة أشخاص. لكن بما أنَّ ثورتنا ثورة إسلامية شعبية لذلك لم تكن من باب انتصار سلطة على سلطة، أو انتصار قوة عسكرية على قوة أخرى، فهي ليست إنقلاباً عسكرياً، بل انبثقت من صميم الشعب، إذ ثار الناس رجالًا ونساءً يدفعهم الإسلام إلى هكذا ثورة. ومن الواضح أنّ هكذا ثورة إسلامية منبثقة من صميم الشعب، لا تتبعها هذه الأمور السلبية إلا قليلًا. لذلك رأيتم جميع الطرق والحدود بقيت مفتوحة بعد انتصار الثورة. و كانت الصحف والأحزاب تتمتع بالحرية التامة، ولم تحدث إبادة جماعية، كما هو الحال في الثورات الأخرى. نعم لقد ألقي القبض على أولئك الذين قاموا بالإبادة الجماعية في النظام السابق فحوكم بعضهم، ثم نفذ الحكم الصادر بحقهم. لكن لم يكن الأمر بأن يحصدوا الناس هكذا ويقتلوا مليون نسمة. فهذا لم يحدث أصلًا. وبما أنَّ هذه الأمور السلبية لم تحصل في ايران، فيجب ان يقال: إنّ الثورة الإيرانية هي أهدأ وأسلم ثورة حدثت في العالم. لأنّ الثورات الأخرى لم تكن تستقر إلا بعد مرور سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، إذ تستمر الصراعات، وتراق دماء كثيرة حتى تستطيع قوة أن تتغلب على قوة أخرى. ولكن في هذا البلد حصلت ثورة حقيقية. ولقد قال لي المرحوم قرني «1» إنّ الشعب استطاع في زمن قياسي قدره ثلاث ساعات ونصف الساعة أن يقضي على النظام. يعني: إننا كنا في طهران عندما أراد أولئك أن يقوموا بانقلاب عسكري، فقالوا: يجب فرض منع التجول في النهار، لذلك أعلنوا فرض الاحكام العرفية. ولقد شاء الله- تعالى- أن تفشل الاحكام العرفية. واخبروني في ما بعد انهم كانوا ينوون القيام بانقلاب عسكري، وذلك بأن يحتلوا الشوارع في وقت منع التجول حينما يكون الناس في منازلهم وتكون الشوارع خالية، لكي يمهدوا للانقلاب العسكري ليلًا. لكن أبناء الشعب بخروجهم إلى الشوارع أفشلوا هذه المؤامرة. فقال قرني: لقد وقعت في ذلك الوقت الحرب بين الشعب والحكومة لمدّة ثلاث ساعات ونصف الساعة. في حين أنكم ترون أنّ الصراع في أماكن أخرى يستمر عدّة سنين، وها هي أفغانستان إذ لا زال الصراع فيها منذ عدة سنين، ولا يُعلم متى سينتهي؟ وسبب هذا هو الانقلاب العسكري بقيادة رجل واحد. فهناك توجد سلطة عسكرية تسعى إلى إبادة شعب باجمعه.
لكنّ الأمر هنا يختلف، لأنّ الشعب هو الذي نهض وأخرج عدوه، ولم يبق إلا الشعب، ومن الواضح أنّ الشعب لا يعادي بعضه بعضاً.
الابتعاد عن الشعارات المثيرة للاختلاف
الدلائل تشير إلى وجود أشخاص متغلغلين بين أبناء الشعب يتلقون الأوامر من الخارج وعددهم قليل طبعاً، لكنهم يستطيعون أن يتكلموا مع الناس بكل الأساليب الشيطانية. فيجب على الشعب أن يكون على حذر من هذه المؤامرة المحتملة التي يقصد بها إيجاد التفرقة والتناحر بين أبناء الشعب. إنهم يريدون أن يتغلغلوا في المدارس الثانوية وفي الجامعات وفي كل مكان لأجل زرع الخلافات واثارة التناحرات لكي تستمر الاضطرابات والاضرابات والمظاهرات، فيتعرقل بذلك عمل الحكومة والشعب، وبذلك يعكسون للخارج أيضاً أنّ الشعب الإيراني لا يستطيع أن يدير نفسه بنفسه؛ ولهذا السبب يجب الإتيان بشخصٍ لإدارة شؤون هذا الشعب.
لذلك يجب على الشعب أن ينتبه إلى هذه المؤامرة، وأن يتجنب الاختلافات. حقاً لأي شيء نختلف فيما بيننا؟ ولماذا نختلف؟ ولأي شيء نتنازع ونتناحر؟ ولماذا يحطم بعضنا بعضاً؟ يجب على الشعب أن يبتعد ابتعاداً كلياً عن كل ما من شأنه أن يسبب الاختلاف، كما يجب عليه أن يعظ وينصح أولئك الذين يريدون إثارة الاختلاف. فاذا لم يصغوا إلى ذلك فليطردوهم، وليحولوا دون حصول الاختلاف. ولا يسمحوا باعطاء صورة غير واقعية عن الشعب الإيراني تدل على انه شعب غير مؤهل لأن يعطى الحرية، والقول بأنه حينما أعطي الحرية الآن، رأيتم أبناءه بدأوا يتنازعون فيما بينهم، مما يدل على انهم غير مؤهلين للحرية، لذا فالشعب الذي ليس أهلًا للحرية يجب أن تدار شؤونه من شخص مؤهل. وهذه هي النتيجة التي يريدون الوصول اليها. وعندها يختارون لهذا الأمر شخصاً مثل رضا خان ممن ربوهم واحتفظوا بهم وأضفوا عليهم صفة الوطنية حتى عرفوا بها مدة عشرين أو ثلاثين سنة. فيختارون لإدارة البلاد رجلًا من هؤلاء الذين أعدوهم لهذا الأمر، ليُنجز لهم ما يريدون تحت شعار الوطنية أو غيرها. يجب على الشعب أن ينتبه إلى أنّ الظرف حساس، لأننا نريد انتخاب رئيس للجمهورية، والشعب أيضاً يريد ذلك. لكننا نجد أفراد هذه الفئة منهمكين بالمؤامرات والتخريب في هذا الوقت الحسّاس. إذ قد رأيتم ذلك في قم، ومثله في آذربيجان، وفي أماكن أخرى. وأعلموا انكم إذا أردتم أن تنتخبوا نوابكم في المجلس- إن شاء الله- فانّ افراد هذه الفئة سيثيرون الاضطرابات أكثر فأكثر. فيجب على الشعب أن يحول دون انعكاس ذلك، كما يجب عليه أن يعمل ليعكس عن اعضاء هذه الفئة صورة تثبت أنهم شاذون ولا يستطيعون أن يتفقوا فيما بينهم. إذ إنهم متناحرون فيما بينهم؛ ويجب أن يتقدم من يستطيع الوقوف بوجه هذه الأفعال، ويلقّنهم درساً في التربية، لكي يمتنعوا عن الكلام، وعن الكتابة ضد الآخرين بغير حق، وعن إلقاء الخطابات والشعارات التي تسبب الاختلاف.
فلا يجوز --اليوم-- اطلاق الشعارات ضد الآخرين؛ فذلك غير صحيح، بل يجب أن يعمل الجميع على توفير الاستقرار للحكومة، لكي نستطيع أن نخطو هاتين الخطوتين اللتين تشكلان الهيكل الأساسي للدولة. الخطوة الأولى انتخاب رئيس الجمهورية- إن شاء الله- والثانية انتخاب نواب المجلس. وبما اني لا أريد التدخل في ذلك فيجب على الشعب أن يكون حذراً في انتخاب الأشخاص، فلا ينتخب إلا الصلحاء المتدينين الوطنيين الذين لا يميلون إلى اليسار ولا إلى اليمين. وأن يجري على هذا النهج ايضا في انتخاب رئيس الجمهورية، وفي انتخاب نواب المجلس. والأمر المهم الآن هو الابتعاد عن جميع الخلافات، وعن إلقاء الشعارات، وعن كل ما من شأنه إثارة الاختلاف والحزازات. لأن المهم الآن هو الانصراف إلى بناء ايران، لأنها بحاجة ماسة إلى البناء والاعمار، والمعامل بحاجة إلى إدارة وعمل وإنتاج.
الاشادة بالشباب العاملين في جهاد البناء
أسأل الله تعالى أن يحفظكم إن شاء الله لما تتصفون به من همة عالية، وعزم راسخ، وما تؤدّونه من عمل شاق متواصل في البناء، لكنّ عملكم وأتعابكم لوجه الله. واعلموا أنّ كل خطوة تخطونها اليوم، تصب في مصلحة هذا الوطن الإسلامي أجرها محفوظ عند الله تعالى. فلا تظنوا أنّ جهودكم هذه تذهب هدراً، فانّ الجهود الإنسانية إنما تذهب هدراً إذا كانت لغير الله تعالى. أما إذا كانت لوجه الله فلا تذهب هدراً بل تكون محفوظة عند الله تعالى.
وأرجو إن شاء الله تعالى أن يقترن جهادكم في البناء بجهادكم في بناء شخصيتكم أيضاً بالشكل الذي أمر به الله تبارك وتعالى وأرسل رسله لأجل تحقيقه، فيكون عملكم هذا جامعاً بين جهاد النفس وجهاد البناء الذي هو خدمة للشعب. أسأل الله أن يوفقكم ويؤيدكم. وأنا أدعو لكم، وخادمكم جميعاً. سلمكم الله إن شاء الله.