بسم الله الرحمن الرحيم
القيمة السامية للعمل في سبيل الله
لقد اطلعت على الجهود المضنية التي تبذلونها ايها السادة، وكذلك على جهود الاخوات الحاضرات في الطابق العلوي. ولا يسعني إلا أن ادعو لكم جميعاً ايتها الاخوات والاخوة، وارجو ان تكونوا مرفوعي الرأس أمام الله تبارك وتعالى، وأن تكون خدماتكم الجليلة التي تمت بمتاعب ومشاق كبيرة في عين الله تبارك وتعالى وعين إمام العصر- سلام الله عليه. ما يسهّل هذه الجهود والمتاعب وما يخفف من وطأتها على الإنسان هو أنها في سبيل الله. إذا كان الإنسان يعمل في الانظمة الطاغوتية غير الإسلامية وغير الإنسانية، فان عمله للطاغوت حتى لو كان في سبيل الرفاهية، لأن مثل هذه رفاهية لا قيمة لها، بل كلما كانت الرفاهية اكبر كلما كانت المسؤولية اكبر. أولئك الذين فعلوا مع شعبنا ما تعلمونه خدمةً للطاغوت طوال سنوات متمادية، على فرض انهم كانوا يعيشون حياة مرفهة وطاغوتية، ولكن جباههم توصم في الدنيا بوصمة الطاغوتية والخيانة، واذا أحضروا بين يدي الله نالوا جزاءهم أيضاً. جزاء بعض الاشخاص غير ممكن هنا اصلًا، كنصيري «1» وامثاله الذين جعلوا آلاف البيوت بلا معيل، وثكلوا آلاف الامهات. إن غاية ما يستطيعه المرء هو ان يقتلهم، ولكن ماذا عن آلاف الاشخاص الذين قتلوهم. إنّ قتلهُ يعني قتلُ إنسان مقابل انسان، لا مقابل ألف انسان. سوف يحاسبون هناك حيث دار الجزاء، ليس دار الجزاء هنا، يحاسبون هناك في دار الجزاء. ستناط بهم اعمالهم مهما كانت. أي أن العمل ذاته الذي يصدر من كل انسان هنا، له صورة في ذلك العالم، إن كان عملًا صالحاً كانت له صورة حسنة هناك، وان كان عملًا إجرامياً كانت له هناك صورة قبيحة. وإذا ذهبنا هناك قابلنا نتائج اعمالنا. ليس الأمر كالغرامات هنا، إنما تتجسد اعمالنا هناك، الأعمال ذاتها تتجسد، تارة تكون أعمالنا جحيماً وتارة جنة. الذين يعملون لله ويجدون ويكدحون، تتجسد اعمالهم هناك ويلقونها، فاذا ذهبوا هناك سيكونون من المبيضة وجوههم أمام الله، لا يدخلون على أولياء الله بالخزي. ومن ثم يذهبون وراء ما كان لهم من اعمال تكون لها هناك صورة حسنة لا نستطيع هنا حتى أن نتصورها. مهما تحدثوا هنا عن نعم الآخرة فإن حديثهم دنيوي، ومهما تكلموا عن الوضع هناك وارادوا شرحه، فهم لا يقدّمون إلّا مقالًا دنيوياً ناقصاً. الذين يذهبون سيفهمون ماذا هنالك إن شاء الله.
اتمنى أن يكون ثواب الجهود التي يبذلها شبابنا نظير ثواب الشباب الذين بذلوا جهودهم في صدر الإسلام، ولم يكونوا يتوقعون من الناس أي ثناء أو أجر. كانت الجيوش في صدر الإسلام تبذل جهوداً ويتحمّلون مشاقاً سجّلها لهم التاريخ، كانوا فقراء إلى درجة انهم كانوا يقتاتون طوال اليوم والليلة بتمرة واحدة اثناء الحرب، وكان الوضع يسوء احياناً الى ما هو أدنى من هذا، حيث يضع احدهم التمرة في فمه وبمجرد ان يشعر بالحلاوة يخرجها من فمه ويعطيها لغيره، ويعطيها ذاك لآخر وهكذا، ولكنهم خدموا الإسلام وجعلوه عظيماً ونشروه وقد وصل الينا الآن، وها قد حان دورنا الآن فلا تشعروا بالاحباط أبداً لأن جهودكم لا تعوض هنا. الاعمال التي لله لا تعوض طبعاً، الا اذا عوضها الله. العمل الصالح إذا كان لله لا يمكن أن تكون الدنيا كلها له عوضاً. حاولوا أن تكون أعمالكم لله بحيث إنكم إذا ذهبتم إلى هناك حصلتم على أجر وفير.
اتمنى لكم في هذه الخدمة العظيمة التي تؤدونها بعناء، سواء الاخوان أو الاخوات، اتمنى ان تكتب في صحيفة اعمالكم وتعرض مرة في الأسبوع على إمام العصر- سلام الله عليه- وتكونوا من المشمولين بدعاء حضرته ونكون كذلك جميعاً إن شاء الله، إلى أن نكون اخيراً في محضر كافة الاولياء وفي محضر الله. اتمنى ان تكونوا كلكم بيض الوجوه هناك، مثلما تسعون أن تكون النهضة الإسلامية بيضاء المحيا.
فقر الشعب وحرمانه في ظل النظام البهلوي
إن هذا البلد لكم اليوم، لا يوجد فوق رؤوسكم سيّد يأتي من الخارج ويريد ان يتحكم عليكم. طيلة هذه الخمسين عاماً كنا جميعاً مكبّلين بالأغلال، وشاهدتم جميعاً، طبعاً كلما كان عمر الشخص أطول كلما شاهد اكثر، انكم منذ اليوم الذي فتحتم فيه اعينكم واستطعتم ادراك الأمور، ربما كانت قضية منظمة الأمن اول شيء عرفتموه. وانا منذ أن جاء هذا النظام المشؤوم، اتذكر كل المراحل، أنتم لا تعلمون اية مرارات تجرعها هذا الشعب النبيل من ذلك النظام، اية مشقات واجهتها سيداتنا باسم (التحضر) وباسم (الحرائر والاحرار) أية مصائب انزلوها على هذه النساء وبأية شيطنة وقساوة. رجال النظام آنذاك كانوا مجرّدين من الإنسانية اصلًا، كان أحدهم وحشاً كاسراً! واسوأ من الوحش الكاسر، حتى الوحش الكاسر لا يفعل هذا. كانوا اسوأ من الوحوش الكاسرة. أية اعمال جرت في زمن رضا خان على النساء الإيرانيات المحترمات والرجال والشباب وعلى الجميع، من رجال الدين والكسبة والجامعيين وغيرهم، اكثركم لا تتذكرون. واية اعمال جرت في زمن هذا الثاني والتي يتذكرها الكثير منكم.
كانت البلاد آنذاك ليست لنا. وضعوا عميلًا لهم هنا، مثلما وضعوا الآن عميلًا لهم في العراق «2»، وعميلًا في مصر «3»، وضعوا عميلًا جلاداً «4» ووضعوا كل ما يحتاجه في متناول يده وكان يفعل كل ما يحلو له. كان يملأ جيوبهم ويفرض على شعبنا الفقر والبؤس. حتى في طهران نفسها، هذه الاحياء في جنوب المدينة، أحياء الصفيح وغيرها الكثير ممن لابد انكم تعلمون طبيعة حياتهم، فضلًا عن اولئك الذين كانوا خارج طهران. وضعوا كل ثروات هذا الشعب في جيوب الأمريكيين والإنجليز، وفي جيوب الإنجليز زمن ذلك الرجيل، وفي جيوب الأمريكيين والروس، واستأثروا هم بالباقي فوضعوه في جيوبهم وجيوب اعوانهم المحيطين بهم. والآن يروي لي البعض عن قصورهم انها كذا وكذا، بينما حرموا شعبنا الضعيف المسكين من كل نعم الحياة الأولية. الماء مثلًا لم يكن موجوداً في بعض أرجاء إيران! ولم يستطيعوا لحد الآن أن يوصلوا اليهم الماء. حينما كنت في النجف كان أحد التجار الكويتيين الخيرين وهو من أصل إيراني، يأتي عندي كل سنة ويقول أن أهالي القرية الفلانية- بعض القرى في اطراف محافظة فارس على ما يبدو- ماؤهم من مياه الامطار! والشيء الذي صنعوه لتجتمع فيه مياه الامطار يبعد عنهم فرسخاً كاملًا في بعض الحالات. وعلى النساء ان تمشي فرسخاً كاملًا ليملأن كوز الماء ويأتين به لأطفالهن، وهو ليس الا كوز مياه المطر! وفي مكان صنعوا شيئاً يقول أنه آيلٌ للخراب فاسمح لي ان اذهب لمساعدتهم من سهم الإمام واعمر ذلك المكان. وقد اعطيته الاذن بذلك طبعاً. هكذا كان الوضع، خزان المياه على بعد فرسخ مثلًا. وعلى هؤلاء المساكين ان يذهبوا إلى هناك ويأتوا بالماء. لم تكن هنالك طرقاً معبدة، ولا ادري هل هنالك طبيب ام لا. ربما سمعتم انهم في بعض النواحي حينما تلتصق جفون عيون أطفالهم ويريدون فتحها كانوا يفعلون ذلك بالبول بسبب عدم وجود الماء وعدم وجود الطبيب! هذه كانت بلادنا المتحضرة التي كان من المقرر أن تلحق بعد عام أو عامين باليابان أو تكون كأمريكا! هذه هي البلاد التي طالما قالوا انها ستبلغ (الحضارة الكبرى) وتكون (بوابة الحضارة الكبرى). خدعوا الناس المساكين ومنحوا كل ما لديهم للأجانب وحرموهم من أبسط متطلبات الحياة واحتياجاتها كالطبيب والمستشفى وما إلى ذلك. وحتى في طهران، هؤلاء المساكين الساكنين في الاكواخ، نقل لي أن عليهم الصعود خمسين أو ستين درجة إلى ان يصلوا حنفية الماء ويأخذوا لأنفسهم قليلًا منه. كان هذا في ذلك الزمان. اكلوا وسرقوا وجلبوا على بلادنا المصائب التي لا يمكن تعويضها إلّا بعد سنوات طويلة. إذا تعاضد الشعب كله، فسيستغرق الأمر عدة سنوات حتى يمكن التعويض عنها.
ممارسات شيطانية لتثبيط الناس عن الثورة
اتمنى لكل الشعب- كما حدث له التحول واستيقظ في مطلع النهضة- أن يحافظ على يقظته هذه إن شاء الله، وتبقى تلك الصحوة ويتقدم للامام بهذه الحال، إلى أن يتم اصلاح هذا البلد إن شاء الله واصلاح اقتصاده، وتزول حاجتنا إلى الخارج، ونعيش بانفسنا مستقلين احراراً.
من الأمور التي يجب أن انبه لها هي أن الكثير من الاشخاص تغلغلوا في السوق وفي الجامعات وفي المعامل وفي أوساط الشرائح الاجتماعية، يثبطون الناس عن هذه النهضة التي قاموا بها، يهمسون في آذانهم باستمرار: ما الذي فعلته الجمهورية الإسلامية؟ لم يفعلوا شيئاً لنا. يريدون تثبيط الناس، لكي يمتنعوا عن مناصرة الثورة إذا حلت مصيبة. والحال انكم قمتم بشيء يصفه العالم كله بأنه معجزة. لو لم تعملوا شيئاً سوى طرد هؤلاء السراق، وهؤلاء المفترسين للبشر، وهؤلاء الدمويين، وهؤلاء القتلة عن بلادكم، فقد انجزتم أهم الأعمال وأسماها. والحال إن الوضع ليس كما يصوّرون بأن المسؤولين لم يفعلوا شيئاً لصالح الشعب. انهم الآن مشغولون في كل مكان بالاعمال الاساسية، بناء البيوت وتطهير الدوائر و .. وانتم الذين تتولون خدمة عظيمة تقومون الآن بانجازها. لتتفطن كافة فئات الشعب إلى أن هؤلاء الشياطين الذين يهمسون في آذانهم ما الذي تحقق وما لم يتحقق، هم أعداء الإسلام، و أعداء الشعب، لانهم يعلمون ما الذي تحقق وليسوا جاهلين به. لقد خافوا من الذي تحقق ويخافون ان يحصل لهم الاسوء وسيحصل إن شاء الله. ينبغي عدم الاصغاء لهذه الأقوال. نحن مكلفون بالعمل بما أمرنا الله تبارك وتعالى، إذا حصلت النتيجة الجيدة فالحمد لله، اصبنا الآخرة والدنيا، وان لم نستطع بلوغ النتائج، ستكون لنا الآخرة والحمد لله.